السبت، 1 يناير 2011

السودان تحت الإنتداب الإلكتروني‏




أطلقت منظمات غربية مشروع سمته القمر الصناعي الحارس لمراقبة ما وصفته بـانتهاكات حقوق الإنسان والمخالفات الأمنية في السودان قبل الاستفتاء على مصير الجنوب المقرر يوم التاسع من يناير القادم. مشروع القمر الصناعي تم تمويله من منظمة تسمى-لن يحدث تحت أنظارنا- والتي ساهم في تأسيسها الممثل الأمريكي جورج كلوني وممثلون آخرون في هوليوود.
وبموجب المشروع ستصور أقمار صناعية تجارية شمال وجنوب السودان أي قرى تحرق أو تقصف، وترصد التنقلات الجماعية للأشخاص أو أي أدلة أخرى على العنف. وضم المشروع الغربي برنامج الأمم المتحدة يونوسات وجامعة هارفارد وشركة جوجل ومنظمة الممثل كلوني.
وسيقوم "يونوسات" بجمع وتحليل الصور، في حين ستقوم مبادرة هارفارد للشؤون الإنسانية بالبحث ومزيد من التحليل، والتأكد من التقارير الميدانية التي سيقدمها مشروع لمناهضة ما يسمى الإبادة الجماعية. في حين صممت شركة جوجل وشركة تريلون المتخصصة في تطوير الإنترنت منصة إنترنت لإطلاع الجمهور على المعلومات بهدف الضغط على المسئولين السودانيين.
هذا الخبر بالإضافة إلى الأخبار الواردة من السودان وحوله في الأشهر الأخيرة والتي تريد أن تدفع بالبلد العربي الأفريقي العملاق دفعا حثيثا نحو الانفصال والتشرذم، لينضم لقائمة الدول العربية والإسلامية المهددة بالإندثار والموصوفة بالدول الفاشلة، أمورنا تشعرنا بمشاعر عميقة من الحزن والإحباط. السودان يتعرض لضغوط رهيبة وتواجه قيادته إغراءات عديدة للتسليم بواقع الإنقسام والتفكك والذي يبدو أنه لن يتوقف عند حد الدولتين فحسب. فالإدارة الأمريكية وعدت السودان بمعاملة خاصة وبإزالة إسمه من الدول الداعمة للإرهاب إن هو سلم بالإستفتاء وبالإنفصال واقعا، فيما تتوعده بالعقوبات والحصار وعن طريق أوكامبو بالمحكمة الجنائية الدولية إن لم ينصاع لرغباتها.
الفن والسياسة والتقنية والأكاديمية يتوحدون في الولايات المتحدة من أجل تفتيت بلد عربي مسلم وتحت لافتة حقوق الإنسان. أية صفاقة تلك التي تتحجج بحقوق الإنسان وتتبجح بها وتستخدمها أداة سياسية رخيصة في السودان وفي غيره فما لا تغمض العين عن انتهاكات الصهاينة لحقوق الإنسان في محرقة غزة وفي  جرائمه ضد الإنسانية هناك فحسب، بل وتدافع عنها في المحافل الدولية.
أين هذا التحالف العابث من مصرع أكثر من مليون عربي ومسلم في حربي أمريكا على العراق وأفغانستان؟ بل وأين هو من الانتهاكات الأمريكية في غوانتنامو وفي السجون السرية والطائرة؟ إستخدام حقوق الإنسان كأداة سياسية رخيصة هو برأيي من أشد وأبشع الانتهاكات لتلك الحقوق. كما إن ذلك التحالف يرفع علامات استفهام على الدور الكبير والخطير والذي تلعبه مؤسسات تقنية مثل جوجل في خدمة السياسة الأمريكية إن لم تكن إبتداء -مثلها مثل الفيس بوك- أدوات استخباراتية للسيطرة والهيمنة.
وإذا كان المرء ليشعر بالمرارة تجاه الصلف الأمريكي والغربي وتدخلاتهم التي لا تنقطع في شؤننا وفي العبث بحاضرنا وصياغة مستقبلنا، فإن اللوم الأساسي يجب أن يوجه إلى النظام العربي الرسمي أبتداء والذي يشجع ضعفه وهوانه الأخرين على تجاوز حدودهم. فلن يكون السودان الحلقة الأخيرة في سلسلة التفكيك وإعادة التشكيل في ظل حكومات فاسدة مترهلة منشغلة بالتوريث وبتقاسم مقدرات الأوطان والتصرف فيها كمزارع خاصة وممتلكات شخصية.
تتحمل قيادة الإنقاذ في السودان جزءا كبيرا من حالة الترنح والضعف الذي أصاب السودان، ولا يشفع لها توجهاته الإسلامية المعلنة في مواجهة فشلها الذريع، فالحكومة التي جاءت لإنقاذ السودان ، تشهد البلاد في عهدها تفككا وتفتيتا. والرئيس عمر البشير والذي دخل هو الآخر في قائمة الحكام العرب المتشبثون في السلطة بتجاوزه فيها أكثر من عقدين شهدت مواقفه تأرجحا وخفة غريبتين وغياب للتخطيط والإستراتيجية الواضحة. فمن الجهاد لحماية الوحدة إلى الترحيب بدولة جنوبية شقيقة، إلى تهديد الغرب بتحكيم الشريعة وإلى الرقص في دارفور، أمور تكشف أن الرجل أقل بكثير من أن يحكم السودان في هذه الظروف العصيبة والصعبة. أعاننا الله وأعان السودان ودولنا العربية من المحيط إلى الخليج على مستقبل يبدو مدلهم السواد، شديد القتامة.
ياسر سعد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق