السبت، 29 يناير 2011

نطق الأراجوز يا شعب مصر



صهيب الحسن/غزة


بعد سبات عميق بالتزامن مع جميع الأحداث الساخنة التي شهدتها مصر بعد أيام قلائل فصلتها عن البركان التونسي الذي أطاح بالنظام الديكتاتوري، وما أسفرت عنه مسيرات الإحتجاج " السلمية " التي بدأت شرارتها بشباب الفايسبوك عندما تفتقت أعينهم على هذه الدنيا وهم يعيشون تحت القهر الفكري والجسدي، ونتيجة تراكمات من الحجر والبطالة والقرارات السياسية التي شكلت غطاء شرعي للسرقة والنهب والإنتهازية لكيان واحد قام على امتصاص دم الشعب المصري بالتزوير والنذير والتنظير والتبذير بالمال العام وتحويله تحت طائلة البلطجة إلى خاص!

استلم الشعب المصري الرسالة التونسية وتبادل الطرائق بل وعمل على تطويرها لكي تتناسب مع حجم النظام الديكتاتوري الكبير بما يكفل إزاحته، فكانت المبادرات غير المسيسة التي سرعان ما لاقت قبولًا وإقبالًا من شرائح واسعة من الشعب المصري ، حيث خرج في 25 من يناير يطالب بسقف أدنى حول الإصلاح السياسي والإجتماعي والإقتصادي، سرعان ما أرتفع سقفه إلى إسقاط هذا النظام الجاثم على صدور جميع المصريين .

أمام هذا التحول الخطير المفاجئ لسلطة الإستبداد، أبت النزعة الوحشية إلا والمبادرة بالقتل كما جرت العادة، فصدرت التعليمات بمجابهة هذه الإحتجاجات بكل ما أوتيت من قوة، وحينما بات واضحًا أن هذه المحاولات الهادفة لقمع هذه المسيرات التي تحولت إلى " جمعة غضب " عارمة طالت مناحي واسعة من مصر، ظهر أن الأمر بمثابة صبّ البنزين على النار، فكانت قوات الأمن من حيث لا تدري تزيد من إصرار الشعب على الوقوف سدًا منيعًا في وجه هذه الممارسات القمعية التي لطالما هتكت كرامة المصري طوال 30 عامًا، حيث باتت بمثابة إضافة البنزين على النار المتأججة والتي تزداد إشتعالًا.

فتداعت سائر قوى الهيمنة كما يتداعى الأكلة إلى قصعتها، يريدون الحفاظ على هذا النظام الذي يشكل ثقلًا استراتيجيًا لا يستهان به وأكدت على دعمها لهذا النظام وامكانيته على المحافظة على الإستقرار، ومن المفارقات أن جميع هذه الدول كانت تتابع أولًا بأول وتنذر وتحذر وتقدم النصائح والتوجيهات، وعلى رأس هذه القوى " أميركا " الحليف الأكبر الذي يصغر يومًا بعد يوم بتصريحاته وبياناته التي ابتدأت من رأس كيانها حتى أخمص قدميها فصرّح أوباما على ضرورة الإصلاح الفوري، لحق بركبه وزيرة خارجيته كلينتون، ختمت بتصريحات الناطق باسم البيت الأسود حول ضرورة الإصلاح الفوري وطوال هذه الفترة التي كانت أجساد المصريين تثور وتنتفض وتزيح قوى الأمن المستبدة لم يعقب النظام المصري أو ينبت ببنت شفّة، بل على العكس فصل مصر عن العالم بشكل شبه كامل من خلال إغلاق الإتصالات الهاتفية وضغط أزرار النايلسات لحجب قنوات تتابع هذه الفعاليات الغاضبة وعلى رأسها قناة الجزيرة الفضائية، ثم إغلاق الإنترنت .

طوال يوم كامل من الإحتجاجات والمعارك والسيطرة على محافظات كبيرة من مصر، وبعد سبات عميق للرئيس المصري، وبعد تعب كبير بذله الشعب ليظهر أنه لا يريد هذا النظام بسبب المآسي التي تسبب بها، والمتمثلة في شخصه المتفرد بالحكم " مبارك " استيقظ هذا الطاغية بعد نوم وراحة طويلة تخللها سفك دماء وجرح أبرياء، وبعد أن ابتهجوا بدخول الجيش وانسحاب قوى الأمن، وتشكيلهم للجان شعبية تحمي مؤسسات الدولة، خرج الطاغية في وقت متأخر من الليل لينشد ترنيمة الوطنية وبناء المؤسسات وتحقيق مطالب الشعب على رؤوس المواطنين المثقلة بالتعب والإرهاق!

إن ظهور الرئيس المصري حسني مبارك يدلل بما لا يدع مجالًا للشك أنه يمثل نظام غبي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لأن المشكلة الأساسية لا تتعلق بإجهاض محاولة الثورة باستثمار مؤسسة الجيش وتعب الجمهور الغاضب وإسكاته بفتات إقالة الحكومة وإستبدالها، بل هذه إرادة وتصميم عزم عليها الشارع وليس وما كان ولا يتوجب عليه التراجع عنها، لأنه إن تلقف الطعم فقد وقع في شباك المصيدة، وسيكون مصير الشعب عسيرًا ولقمة سائغة تمضغها أجهزة امن الدولة من جديد.

وتصدير الجيش يعتبر بمثابة تنفيس لغضبتكم ووقفاتكم الإحتجاجية السلمية، ومحاولة للإلتفات عليها من طريق ملتوي، كما أنه بمثابة تنويم مغناطيسي مبرمج ربما تستفيقون في الصباح الباكر على أيدي قوى الأمن التي تراجعت وتقهقرت بالأمس !

مواصلة الإحتجاجات والثورات سيكون لها أبعادها التي تنعكس على قضايا الأمة المحورية، وستشكل رافعة من جديد للقضية الفلسطينية، وهو مؤشر يؤكد رفع الحصار عن قطاع غزة، ويجعل تجربة تونس فريدة من نوعها تنسحب على بقية الأنظمة والدول الخانعة للإشتراطات الصهيونية والأميركية.

حذاري يا شعب مصر من الإرتكان إلى هذا التصريح الأجوف أو تصديق التعبيرات الإنشائية التي أطلقها الطاغية، واستحضروا موقف زين العابدين بن علي وخذوا العبرة يا أولى الأبصار والأمصار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق