الثلاثاء، 25 يناير 2011

د. راغب السرجاني \ تعامل رسول الله مع الدول غير المسلمة


  ابنة السنه
 
د. راغب السرجاني

رسائل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ملوك الأرض
لقد أرسل الله رسوله محمدًاللعالمين بشيرًا ونذيرًا، وجعله I خاتم رسله، وأيَّده بالقرآن ذلك النبع الثري الذي استقى منه رسول اللهطريقته في التعامل مع غير المسلمين أفرادًا ودُولاً؛ فالله I هو القائل: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [سبأ: 28]؛ لذلك لم تقتصر دعوة رسول اللهعلى الجزيرة العربية وما حولها فقط، بل شملت العالم أجمع، فنجد رسول اللهيرسل عدَّة رسائل إلى ملوك الأرض حينذاك؛ يدعوهم فيها إلى الإسلام.



واللافت للنظر أنه في كل رسائل رسول اللهكان يصف المَلِكَ أو الزعيم بالعظمة، ولم يتحرِّجْ من وصف رجل غير مسلم بهذا الوصف، فيقول رسول اللهفي رسالته إلى قيصر الروم: "مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ إلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ…"[1]. ويقول رسول اللهكذلك في رسالته إلى كسرى فارس: "مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ إلَى كِسْرَى عَظِيمِ فَارِس…"[2]. ويقول رسول اللهفي رسالته إلى المقوقس زعيم مصر: "مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ إلَى الْمُقَوْقس عَظِيمِ الْقِبْطِ…"[3]، وإلى النجاشي زعيم الحبشة: "هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ إِلَى النَّجَاشِيِّ الأَصْحَم، عَظِيمِ الْحَبَشَةِ..."[4].



تعامل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع رسل الملوك والوفود

كما نجد رسول اللهكذلك يُكرم رسولي كسرى مع كونهما جاءا برسالة غير مقبولة من كسرى عظيم فارس، ليأخذا رسول اللهمن عقر داره بالمدينة إليه، ومع ذلك فلم يخرج رسول اللهعن هدوئه وأدبه ورقة طباعه، بل وكان يُكرم كل الوفود التي تأتي إلى المدينة المنورة بصرف النظر عن الموقف السياسي والديني الذي يُتَوَقَّع من هذه الوفود، وكان لرسول اللهاهتمام خاصٌّ بالوفود؛ استقبالاً وضيافةً وتجمُّلاً وجوائز؛ فكانيُجري عليهم الضيافة، ويُحسن استقبالهم، ويسائلهم ويتردَّد عليهم، ويلبس أحسن الثياب لاستقبالهم[5].



كما خصَّص لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض الديار لاستقبالهم كما جاء عند استقباله لوفد سلامان[6]؛ حيث قال لثوبان غلامه: "أَنْزِلْ هَؤُلاءِ الْوَفْدَ حَيْثُ يَنْزِلُ الْوَفْدُ"[7]. فمن الواضح هنا أن لهؤلاء الوفود دارًا مخصَّصة لهذا الأمر، كما حدث مع وفود كلاب، ومحارب، وعذرة، وعبد قيس، وتغلب، وغسان، وغيرهم[8]، وكان من عادة رسول اللهأن يُحَمِّلَ هذه الوفود بالهدايا والجوائز، وكثيرًا ما تكون هذه الجوائز من الفضة[9].



قبول رسول الله صلى الله عليه وسلم الهدايا

وفي المقابل كان النبييقبل الهدايا من الدول غير الإسلامية إمعانًا في التآلف والمودة، ولا سيما إن لم يكن من جانبهم غدر أو قتال؛ كما فعل رسول اللهمع هدايا المقوقس عظيم قبط مصر[10].



تعاملاته الدبلوماسية مع النجاشي
ومن أعظم صور تعاملات رسول الله صلى الله عليه وسلم الدبلوماسية في حياتهما فعله مع النجاشي ملك الحبشة بداية من مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم له قائلاًلأصحابه: "إِنَّ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ مَلِكًا لا يُظلَمُ عنده أحدٌ"[11]. ثم مرورًا بإقرار رسول اللهبوكالة النجاشي -رغم بقائه في ذلك الوقت على دينه على ما يبدو[12]- للسيدة أم حبيبة رضي الله عنها، والتي تنصَّر زوجها عبيد الله بن جحش في الحبشة[13]، فأراد رسول الله أن يكافئها بزواجه إياها، فزوَّجها إيَّاهُ النَّجاشيُّ ومهرها أربعة آلافٍ، ثمَّ جهَّزها من عنده، فبعث بها إلى رسول اللهمع شرحبيل بن حسنة، وجهازها كلُّه من عند النَّجاشيِّ، ولم يرسل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيءٍ[14].



كل ذلك يجعلنا نتفهَّم طبيعة العلاقة بين النبيفي المدينة وبين النجاشي في الحبشة؛ فلقد كانت العلاقات -على ما تؤكده هذه الواقعة- من القوة والمتانة والقرب بمكان، بل يمكن أن نلاحظ أن العلاقة بين الجانبين لم تكن على المستوى السياسي أو الدبلوماسي الظاهري، بل كانت أعمق من هذا بكثير، وهو ما يؤكده جواب النجاشي لرسول اللهبقوله: "قد زوجتك امرأة من قومك، وهي على دينك أم حبيبة بنت أبي سفيان، وأهديت لك هدية جامعة قميصًا، وسراويل، وخُفَّيْنِ ساذجين[15]"[16].



وانتهاء بالرسالة التي أرسلها رسول الله صلى الله عليه وسلم له في نهاية العام السادس من الهجرة وبداية العام السابع يدعوه فيها إلى الإسلام، ويحذّره من آثار الشرك وعواقبه[17].



هذا طرف من معاملات رسول الله مع الدول غير المسلمة، والتي تؤكِّد على عمق تفهُّم رسول الله صلى الله عليه وسلم لطبيعة هذه الدول، ودبلوماسيته الرائعة في إنزال الناس منازلهم.


د. راغب السرجاني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق