الأحد، 30 يناير 2011

عندما تعلم مبارك الدروس الخاطئة من الثورة التونسية


بقلم: ياسين عز الدين



تسببت ثورة الشعب التونسي بزلزال كبير في المنطقة، ما زالت آثاره بعيدة المدى غير واضحة، وثورة الشعب المصري هي واحدة من النتائج المباشرة لما حصل في تونس، فمنذ لحظة هروب بن علي كان النظام المصري يشعر بالخطر القادم، وأتخذ اجراءات عدة ظناً منه أنها يمكن أن تحصنه واعتقاداً من القائمين على رسم سياسات النظام أنهم استخلصوا الدرس جيداً، فكانت قرارات بدعم الأسعار وعدم استفزاز الشعب بتصريحات الوزراء وغير ذلك من الخطوات التي لم تلمس المشكلة الحقيقية.

الدرس الخاطئ الأول: المشكلة هي اقتصادية

أهم الدروس الخاطئة هي تصور أن الثورة التونسية سببها الأصلي كان اقتصادياً، وكان الكلام عن البطالة وعن الفقر وما إلى ذلك، ما لم يدركه مبارك وما لم يدركه الكثيرون أن الناس تتحمل الفقر إذا لم يرافق ذلك الشعور بالظلم وإذا لم يكن فقرها نتيجة سرقة مقدراتها ونهبها.

الاجراءات الاقتصادية التي اتخذت على امتداد الوطن العربي لا تقدم كثيراً، لأنها كلها تمحورت حول دعم أسعار المنتجات أو الخدمات المقدمة للمواطنين، وذلك لسببين: لأن المشكلة ليست اقتصادية، ولأن هذه الإجراءات لا تؤدي إلى تنمية اقتصادية حقيقية ولا تبني اقتصاد قوي ومتين، بل هي مجرد تأجيل للأزمة لأن هذا الدعم سيكون على حساب مشاريع التنمية أو سيكون ديناً على الخزينة العامة سيترتب على الأجيال القادمة دفعه.

كان الأجدر الاستثمار بمحاربة الفساد والرشوة والاختلاسات، فهذه أكبر عبء اقتصادي على الدول العربية، وهي تقف على رأس أسباب هروب الاستثمارات المحلية والأجنبية من العالم العربي، فبدلاً من إلهاء الشعوب بدعم أسعار المحروقات أو أسعار المواد الغذائية، كان الأجدر محاربة رؤوس الفساد ورموز "رأسمالية الحبايب والقرايب" كما سماها المفكر عزمي بشارة.

لكن نظام حسني مبارك فضل عدم مواجهة المشاكل الحقيقية والأساسية واتجه إلى معالجات جانبية وشكلية لم تقنع أحداً. وبدأ نشطاء الفيسبوك والانترنت بتنظيم يوم الغضب في 25/1، وتعامل النظام باستهتار نسبي مع الأمر ورفض مقارنة الوضع في مصر مع ما حصل بتونس، وسمعنا كلام أن تونس بلد صغير أما مصر 80 مليوناً (نسوا أن أندونيسيا كانت 200 مليون عندما أطيح بسوهارتو)، وأن مصر يوجد فيها حرية تعبير أفضل نسبياً من تونس، وأن مستوى التعليم في مصر أقل من مستوى التعليم بتونس، وغيرها من الكلام المخادع للذات.

الدرس الخاطئ الثاني: اسمحوا للناس التنفيس عن غضبهم

وقرر النظام المصري السماح لمظاهرات يوم الثلاثاء، على أن تكون مسيرات ليوم واحد من أجل تنفيس الاحتقان، ولكي يعبر الناس عن رأيهم بحرية ويذهبوا بعدها إلى بيوتهم، لكن ما لم يدركه النظام المصري أن من خرجوا لم يخرجوا ليقولوا كلمتهم ويعودوا بعدها للمنزل، أرادوا فرض إرادتهم، أرادوا أن تكون لكلمتهم ترجمة على أرض الواقع، لقد أصبحت الديموقراطية على الطريقة العربية - ديموقراطية "شاوروهم وخالفوهم" من مخلفات الماضي بعد الثورة التونسية، لم يعد يرضي المواطن العربي أن يكتفي بقول كلمته دون أن يستمع له أحد، يريد أن يكون شريكاً باتخاذ القرار، لقد ولى زمن احتكار حفنة من الأفراد مصائر بلدان بأكملها وملايين البشر.

الدرس الخاطئ الثالث: قوموا بتغيير بعض الوجوه

وبدء الكلام اليوم عن وعود بتغييرات في الحكومة المصرية وإقالة رئيس الوزراء، وهذا لم يقنع أحداً فما يحتاج للتغيير برأي الناس هو رأس النظام المتربع على رئاسة مصر لأكثر من ثلاثين عاماً، هذا الدرس الأهم الذي لا يريد أحد من الزعماء العرب أن يعترف به، كل الكلام في الأيام الماضية عن تفهم مطالب المتظاهرين ورغبتهم بحرية التعبير والحصول على عمل لكن لم يتكلم أحد من النظام عن احترام الرغبة الأهم للمتظاهرين وهي رحيل رأس النظام.

الدرس الخاطئ الرابع: احجبوا الانترنت وأوقفوا الاتصالات

كما قام النظام المصري بحجب خدمات الانترنت الهواتف الخليوية صباح الجمعة، من أجل تعطيل عمليات التنسيق للمظاهرات لكنها خطوة متأخرة للغاية لأن ماكنة التغيير بدأت بالحركة، ولم يعد بالإمكان إيقافها، وهنا يجب أن ندرك جميعاً أن هنالك عصر جديد، عصر تدرك به الجماهير العربية قوتها العظيمة والهائلة.

وانطلقت ماكنة التغيير:

نحن نتكلم عن ماكنة مخيفة وآلة تغيير لا يقف أمامها أي شيء لا نظام ولا تدابير أمنية ولا مناورات ولا مؤامرات أمريكية، نظام بن علي أخذ على حين غرة ولم يكن مستعداً للتعامل مع حصل، سقط بضربة قاضية ومفاجئة، لكن نظام مبارك رأى الضربة قادمة، وحاول قدر الإمكان تفادي حصولها، وخطط ورسم ودبر لكن في النهاية لم يستطع فعل أي شيء، وتحقق أسوأ كوابيسه.

مظاهرات الجمعة كانت إيذاناً بانطلاق هذه الماكنة الضخمة، ماكنة التغيير ومثلما حصل في تونس فلن تتوقف الماكنة حتى رحيل مبارك ورحيل حزبه الحاكم وقيام نظام تعددي مصري حقيقي، كان بإمكان مبارك فرصة لتدارك الأمور ويعلن عن نيته بعدم الترشح للرئاسة لا هو ولا ابنه، وعن حل مجلس الشعب، وعن وضع قانون انتخابات حقيقي ونزيه، وعن فصل الدولة عن الحزب الحاكم، فقد كان الأجدر بمبارك مخاطبة شعبه قبل أسبوع وأن يضع هذه الوعود أمام الناس، لربما تدارك الأمور، لكن الآن نقول له: (ولات حين مندم).

ما يجب علينا جميعاً تعلمه هو أن الاصلاح في العالم العربي أصبح من الحتميات، وأن الإصلاح غير ممكن بدون ثلاث إجراءات أساسية:
1- إنشاء نظام تعددي حقيقي، لا يستطيع المواطن التعبير عن رأيه فيه فحسب، بل أن يكون شريكاً باتخاذ القرار.


2- وضع حد أقصى لبقاء الشخص على قمة هرم الدولة، لا يجوز ولا يقبل أن يبقى رئيس لمدة عشرين وثلاثين وأربعين عاماً، حتى لو حرر هذا الرئيس فلسطين وازدهر الاقتصاد في عصره، أصبح البقاء الأبدي في الحكم من مخلفات الماضي، وما جمع الشعبين المصري والتونسي هو فكرة واحدة: الرئيس طال أمده على كرسي ويجب إزاحته، هذه الفكرة هي التي حركت الماكنة الشعبية المخيفة والتي تمكنت من حشد الملايين في الشوارع.


3- محاربة الفساد والرشوة والمحسوبية يجب أن تكون أولوية أولى، ولا تنمية اقتصادية ولا استقرار سياسي ولا استقرار نظام بدون محاربة أشكال الفساد الحكومي وتقزيمها وحصرها.
ما يحدث في مصر ظاهرة مثيرة للاهتمام يجب أن يدرسها علماء الاجتماع والسياسة بشكل معمق، فهي أول ثورة يبدأ تنظيمها من على الانترنت (على عكس تونس التي بدأت الثورة على الأرض وكان الانترنت وسيلة داعمة)، وهي أول ثورة تبدأ عن سبق إصرار وترصد، كان هنالك قرار ورغبة عارمة من أجل تكرار التجربة التونسية ترجمت أفعالاً على الأرض، والثورات عادة لا تحصل هكذا، الثورات يصعب التنبؤ ببداياتها، لكننا جميعنا رأينا الثورة قادمة، والنظام المصري رآها قادماً لكنه لم يدرك درس الثورة التونسية.

هناك تعليقان (2):

  1. الإعلام المصري الرسمي وقناة العربية ومحاولة شيطنة المحتجين..!!
    عمر البهلول:المغرب

    يعيش الشعب المصري في هذه الأيام لحظات تاريخية وهو يتنسم عبير الحرية، ويخرج الى الشوارع يعبر عن رئيه ويطالب برحيل الطاغية الذي ظل جاتما على الشعب أكثر من 33 سنة وهو يغتصب الرئاسة دون أن يفوضه أحد، حتى أهلك البلاد والعباد وإستشرى الفقر والفساد في المؤسسات المصرية وجلب العار لهذا الشعب العظيم، الذي تدحرج في عهد مبارك حتى أصبحت اثيوبيا تهدده بالعمل والعسكري وتقول إن أي مواجهة مع مصر سيخرج منها الجيش المصري خاسرا،
    وكما حدث في تونس أيضا فالشعوب العربية الحرة تتضامن مع الشعب المصري وتخرج في المسيرات دعما وتأييدا للتغيير المنشود، الذي طال إنتظاره ليس من أبناء الشعب المصري فقط بل من جميع الشعوب العربية والإسلامية لأن مصر دولة محورية جغرافيا ولها دورها الكبير خصوصا في القضية الفلسطينية، ففي عهد مبارك عزلت مصر عن عمقها العربي والإسلامي، وإشتد الحصار على غزة وتجاوز الصهاينة كل المحرمات وإمتدت أيديهم حتى على الشعب المصري دون أن يتحرك مبارك بخطوة واحدة، ووصلت المشاركة السياسية الى الحضيض وغيب الشرفاء في السجون وأصبح الفاسدون المقربون منه سادة البلد والمستغلين لثروات البلد دون بقية الشعب، وكم سمعنا من فضيحة لمجموعة من الأعضاء في الحزب الحاكم دون أن يحاسبهم أحد، ووصل التزوير الى أوجه خصوصا في الإنتخابات الأخيرة التي نجح النظام في التزوير وحصل أعضائه على أكثر الأصوات في محاولة لخداع الرأي العام العربي والعالمي، ومحاولة القول أن الشعب ملتف حولهم ويؤديهم، ولكن خرج الشعب اليوم من حيث لم يحتسب مبارك ولا أزلام مبارك في كل مدينة ومن كل حي وشارع وزقاق يهتفون ضد هذا النظام الفاسد ويطالبون برحيله، وكما حصل في تونس أيضا وجد الشعب نفسه تحت عصى الشرطة وأمام رصاصها حيث تقول مصادر أن عدد الشهداء وصل الى 100 شهيد وهذه أكبر وأبلغ رسالة الى مبارك أن الشعب لم يعد يريده وأن كل تلك الشعبية التي حاول تسويقها في الإنتخابات كانت مجرد كذب وخداع وذر للرماد في العيون..!!
    كما نعلم أن الإعلام له دور كبير في دعم الثوراة أو إسقاطها، وكذلك في إيصال الصورة الحية الى الناس سواء في مصر أو في خارج مصر، ولكن نحن الأن نشاهد العكس حيث أن بعض المنابر الإعلامية التي عرف عنها الكذب والدجل، والتقرب من الأنظمة الحاكمة وتبييض صورتها تعمل ضد التيار وتصف الشعب المصري بالسارق والناهب والمرعب، والمعتدي على رجال الشرطة وكأن المتظاهر هو من كان يحمل الهروات والرشاشات ويطلق الغاز المسيل للدموع على الناس الذين خرجوا من كل الأصناف وكل الفئات في المجتمع، وليس فقط من الإخوان المسلمين كما يحاول البعض التسويق في محاولة للهروب الى الأمام وإيحاد حجة للهجوم على قادة الحركة الإسلامية من جديد، والعجيب في القناة المصرية الرسمية أننا نلاحظ تناقض كبير بين المذيع والضيف رغم أن لهم نفس التوجه ونفس الأهداف، فالأول يقول إن هذه المظاهرات هي شبابية ويقودها شباب لا ينتمون الى أي حزب أو حركة سياسية ويأتي الضيف الذي يكون توجهه معروف مسبقا، إما عضو في الحزب المغتصب للحكم أو كاتب يعيش على فتات النظام مثل أسامة سرايا أو عبد الله كمال يقلب الموضوع 100 درجة ويرجع كل هذا الى الإخوان المسلمين، ولكن هل من المعقول أن يفعل الإخوان المسلمين كل هذا..؟ هل يمكن للإخوان أن يخرجوا بمظاهرات في كل أنحاء القاهرة والسويس والمنصورة وبور سعيد والإسماعلية وفي الصعيد..؟!!!

    ردحذف
  2. الإعلام المصري الرسمي وقناة العربية ومحاولة شيطنة المحتجين..!!
    عمر البهلول:المغرب

    لو كانت للإخوان هذه القدرة على تحريك الشارع بهذه القوة لحركته من زمان وليس الأن، فأغلب قادة الجماعة في السجون ولكن شباب الجماعة يشاركون مثل باقي الشباب والأحزاب السياسية..!!
    أعتقد أن النظام المصري و قادة النظام و من يعيشون على فتات النظام لا يريدون أن يصدقوا أن الشعب أصبح يكرههم، ولم يعد يريدهم بعد أن بان كذبهم وفسادهم ولا نستغرب عندما نرى بعد الكتاب يطالبون الجيش بالتدخل وإطلاق النار بدعوة حفظ النظام..!!! عن أي نظام يتكلمون..؟ ويحفظون من..؟
    أصبح هذا الشعب الذي ضحكوا عليه يشكل التهديد الأكبر، ويريدون الحفاظ على كرسي مبارك لأنه إن رحل عنهم فسيجدون أنفسهم في العراء لأن الشعب سيقتص منهم...!!
    اليوم في الصباح فتحت على الجزيرة فوجدت الشارع المصري من القاهرة الى السويس مشتعل كما العادة، والمتظاهرين يرددون الشعارات هذا النظام وعندما فتحت على التلفزيون المصري وجدت شاشتهم مركزة على جانب من أحد الشوارع الفارغة في القاهرة، ويحاولون إيهام المشاهدين أن الجو هادئ في القاهرة وكل الشوارع فارغة، ويستضيفون بعد المحافظين التابعين لمبارك والذين بدورهم يتكلون باللغة التي تعودنا سماعها، التقليص من حجم المظاهرات والقول أن الوضع مستقر ولا يوجد شيئ يستدعي الإهتمام وترديد الإتهامات التي تعودنا سماعها الإخوان ومجموعة من اللصوص، ولايقدرون حتى على قول أن بعض المحتجين يرفعون شعار يسقط مبارك لأنهم أصبح عندهم في المقدسات، حقيقتا شيئ يبعث على الضحك والسخرية من هذا الإعلام الفاسد الذي لم تعد أكاذيبه تنطلي على أحد مهما حاول كسر إرادة الشعب وتشويهه فلن يفلح..!!
    أما قناة العربية أو كما يصفها البعض بالعبرية، التي تشترك مع الإعلام المصري الرسمي في تشويه ثورة الشعب المصري وإلصاق أبشع الأوصاف به، من السرقة والتخريب وجعلت من نفسها الحريصة على ممتلكات الشعب، والعجيب عندما كان مجموعة من الشباب يحملون جثة شاب مصري قضى بنيران الشرطة لم يستطع المذيع حتى القول أنه قضى برصاص الشرطة..!! بل حتى المراسلة إرتبكت عندما قال لها يمكن أخرجوه من المشرحة فنفت في أول الأمر، ثم سكتت ولم تعلق على الموضوع..!! لماذا كل هذا الإصرار على تجريم الشعب المنتفض من أجل حقوقه المشروعة ضد النظام آلا شرعي..!!
    وفي رسالة واضحة من الشعب على أنه شعب يريد حقه، ولا يريد التخريب أو السرقة ومن شاشة الجزيرة في مسيرة خرجت بالآف وقف مجموعة من الشباب يسهلون ويفتحون الطريق لمرور السيارات، وكما شاهدنا أن جميع المتظاهرين تجاوبوا مع المنظمين ولم نرى هجوما على سيارة أو محاولة سرقة أو حرق أو تخريب كما تحاول قناة العربية أن تقول، والذي أعجبني أيضا هو كلام المذيع الرائع عبد الصمد ناصر الذي كان يعلق على الصورة ويثني على الشعب المصري والأخلاق العالية للشعب المصري، وينفي عنه التهم التي حاولت قناة العربية الصاقها به
    سؤال على الهامش مذا لو نجح الشعب المصري في الثورة وأسقط كل أصنام النظام المغتصب..؟؟ كيف سيتعامل الإعلام المصري الرسمي وقناة العربية مع الواقع الجديد..؟؟!!!!

    أســــد الدين

    ردحذف