الأحد، 23 يناير 2011

من يشتهي حساء الضفادع الفرنسي؟

مخلص برزق
23/1/2011

قبيل خلعه عن سدة الرئاسة بأيام قليلة عرضت وزيرة الخارجية الفرنسية ميشال إليو ماري في الحادي عشر من كانون الثاني (يناير) الحالي على نظام بن علي "الخبرة" الفرنسية للمحافظة على النظام والتعامل مع التظاهرات!! لكنها عقب سقوطه المدوّي وارتفاع أصوات من المعارضة الفرنسية ضدها أبدت تعجبها من التفسير الخاطئ لتصريحاتها وعدم فهمها.. تماماً مثل ذلك الهزيل الذي تمتم قبيل غرقه في طوفان ثورة الحرية "أنا فهمت.. أنا فهمتكم".. ولات حين مناص.
لا عجب، فتلك الدول التي تدعي الحضارة والتقدم لا تبالي أبداً بالثمن الذي تدفعه الشعوب المبتلاة بأولئك الطغاة، ولا يهمها أبداً ما يجري لنا، لأننا بنظرها بشر من الدرجة العاشرة، أو أننا مجرد "أشياء" بشرية لا قيمة لها أبداً لوفرتها في الوجود، فهي لا تعدل أن تصل حتى إلى مستوى الكثير من الحيوانات المهددة بالانقراض والتي تنشط لحمايتها والحفاظ عليها وتسن القوانين وتفرض العقوبات الصارمة لمن يتجرأ بالمساس بها..
المهم في نظر تلك الدول أن تؤمّن لها من يرتضي لنفسه أن يكون جسراً تدوس عليه أحذيتهم ليسيح أبناؤها ذوو الدماء الزرقاء في أرجاء بلادنا الدافئة الجميلة بعيداً عن صقيع بلادهم الباردة، فيفرغوا شهواتهم الحيوانية ونزواتهم الشيطانية في المنتجعات السياحية الفاجرة والتي عادة ما يملكها أركان النظام الفاسد والمقامة خصيصاً لهم.. المهم بنظر تلك الدول أن يعمل ذلك الطاغية وكيلاً وسمساراً لهم كي يتقيؤوا بضائعهم في أسواقنا، فكراً فاسداً منحلاً لشلّ طاقات الشباب وتعطيلها، وسلاحاً خبيثاً لحماية الطغاة وقمع الشعوب وترويضها، وكماليات تافهة لاستنزاف خزائن الدولة، وأدوية فاسدة منتهية الصلاحية، وما نعلم وما لا نعلم.
ألم تنقل لنا وكالات الإعلام نبأ الشحنات الضخمة من قنابل الغاز المسيل للدموع ووسائل البطش المختلفة لقمع المتظاهرين التي كانت في طريقها من فرنسا إلى تونس لدعم الطاغوت ضد ثورة الشعب قبيل سقوط الطاغية بقليل.
ألم يؤكد المتحدث باسم الحكومة الفرنسية فرانسوا باريو إن شركة فرنسية كانت تعتزم نقل شحنة موجهة إلى قوات الأمن التونسية تحتوي على سترات واقية بجانب الغازات المسيلة للدموع. ومع أن اللهجة كانت اعتذارية إلا أن لنا أن نفهمها بطريقة أخرى تتضمن الحسرة على تعطيل تلك الشحنة!
ألم يتبين أن البنوك الفرنسية حوت أرصدة هائلة لبنعلي وطرابلسي مع علم الإدارة الفرنسية التام بأن تلك الأرصدة هي عصارة سياسة مجرمة باطشة وحصيلة "بلطجة حزب الدولة" التي مزجت عرق الأبرياء بدمائهم وآهاتهم بدموعهم لتسمين عصابة بن علي بابا والأربعين حرامي.
ثم هم بعد خلع الطاغوت وزوال عرشه يعودون مجدداً للتملص من تواطئهم القذر مع حكمه بالتواء أفعواني على حقائق تدينهم تماماً كما يصفهم صاحبي –خفيف الظل- بأن الغربي: (حلس ملس نجس). هم أولاء ينسلخون ويتبرؤون من وكيلهم المأجور، عسى أن يجدوا لهم وكيلاً آخر يحصلون عليه من بين الوجوه الجديدة، إن ترغيباً أو ترهيبا! ذلك دأبهم في تونس وبلاد العرب قاطبة، ولم تكن فلسطين استثناءً عن ذلك فسياسة فرنسا ومن خلفها الكثير من الدول الأوروبية تجاهها تمثل فضيحة كبرى.. إنها سياسة تنبع عن حقد دفين على كل ما يمت للعرب والمسلمين بصلة..
إنها سياسة حمقاء خرقاء لا تبالي بعواقب الأمور، تجاهر بالوقوف إلى جانب الجاني في وجه الضحية، وتدعي بكل وقاحة إنسانية كاذبة لا رصيد لها على أرض الواقع.. تمثل ذلك مؤخراً بصورة سافرة وقحة في تصريحات الوزيرة الفرنسية بأن أسر الجندي شاليط (من داخل دبابته الرابضة على أرض فلسطينية محتلة وفوهتها مصوبة نحو صدور أطفالنا ونسائنا وشبابنا) يعد جريمة حرب، فيما قيام الكيان الصهيوني باعتقال الآلاف من أبناء شعبنا أطفالاً ونساءً وشباباً وكهولاً من بيوتهم ومزارعهم لا يستحق التعليق عليه.. لأنه ببساطة لا يعني لها ولدولتها شيئاً..
إن مقابلة والدي الجندي اليهودي الصهيوني الفرنسي الأصل جلعاد شاليط وإبداء المشاعر الفياضة لأهله على حساب مشاعر آلاف الأهالي من ذوي الأسرى والمعتقلين لم يكن ليمر مرور الكرام على أهل غزة الذين تذوقوا معنى العزة بعد أن قدموا تضحيات عظيمة تعد مفخرة للجنس البشري بأسره.. وقد كان الأجدر بوزيرة الخارجية الفرنسية أن تقدم رسالة احتجاج على الإهانات المتكررة التي لقيها ممثلوها في الكيان الصهيوني بدل لغة النفاق الكريهة التي ما فتئت تستخدمها تجاهه..
كان على الإدارة الفرنسية أن تعي أن سياستها تلك لن تجلب لها سوى المزيد من العداء من قبل شعوب تغلي مراجلها وتوشك أن تنفجر في وجه حكامها ومن يغضون الطرف عن ظلمهم وبطشهم ومن يقدمون لهم إكسير الحياة لتطول مدة حكمهم ومن يفرضونهم وكلاء وسماسرة لهم.
خلال فترة الحصار التاريخي المجرم لغزة لم نلحظ أي محاولة فرنسية لكسر ذلك الحصار ولم نسمع شجباً للجرائم الهمجية التي يرتكبها الصهاينة ضد أهلنا في غزة، ولم نلحظ موقفاً فاعلاً لوقف المحرقة الدائرة، اللهم إلا محاولات بائسة لإسناد حكومة فياض اللاشرعية وبعث الروح في جثة أوسلو..
بل إن كل ما تفوهت به الوزيرة الفرنسية خلال زيارتها الأخيرة إلى غزة كان في طياته دعم وترسيخ وتأييد للسياسة الصهيونية، فقد قالت في المركز الفرنسي بغزة: "حصار غزة يولد الفقر ويؤجج العنف". بما يعني أن مطلبها يصب بالمحصلة في خانة الإشفاق على دولة الاحتلال والخوف أن يتسبب الحصار في تنامي العنف المؤذي للكيان الصهيوني!!
لم نعد نثق بأن لأولئك مشاعر وعواطف تحركهم ولسنا مضطرين أبداً لتصديق أكاذيب ليو ماري بأن تصريحاتها عن شاليط فهمت خطأً كما سبق أن اعتذر بذلك بنعلي.. ولن تجدي زيارة أولئك "المتحجرات" لتحريك ملف الأسرى أو المساهمة في كسر الحصار كما لم تسهم أي دول تدعي الحضارة والديمقراطية في إنصاف الشعب التونسي وتخليصه من جزاريه.. فما على الغزيين ألا يستقبلوهم أو يلقوا لهم أي بال أو أن يعولوا عليهم في شيء.
لسنا مضطرين أبداً ولسنا مجبرين على قبول سياسة فرنسية جائرة منحازة، تماماً كما أن أحداً لا يمكنه إجبارنا على تقبل حساء الضفادع الفرنسي فضلاً عن أن نشتهيه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق