السبت، 29 يناير 2011

يوم الغضب المصري.. هل يكون البداية؟ / السيد أبو داود


ريماس2011
 
يوم الغضب المصري.. هل يكون البداية؟ 
المختصر / يبدو أنَّ ما كان يخشاه النظام المصري قد حدث فعلًا، فهذا النظام ومعه غالبيَّة النظم العربيَّة، تعيش في حالة رعبٍ منذ أن نجحت ثورة الشعب التونسي في إزاحة حاكم مستبدّ حكم بلاده بالحديد والنار ونشر فيها الفساد الذي أدى إلى تفاقم المشكلات الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة طيلة ثلاثة وعشرين عامًا.


بعد نجاح الثورة التونسيَّة العظيمة، أصبح همّ النظام المصري ومعه كل قواه وتوابعه السياسيَّة وكل أجهزته الإعلاميَّة وجموع المستفيدين من بقائه واستمراره، هو نفي الارتباط والتشابه بين الحالة المصريَّة والحالة التونسيَّة بداعي أن النظام السياسي المصري مفتوح ويسمح بالنقد والانتخابات الحرَّة كما يسمح بحريَّة التعبير.


في أعقاب الأحداث الباهرة في تونس الشقيقة بدأت الحياة تدبُّ في أوصال جماعات الاحتجاج الاجتماعي والسياسي المصريَّة، وبدأ الناس يتحدثون عن إمكانيَّة تكرار الثورة التونسيَّة في مصر، وحدثت عدة محاولات للانتحار حرقًا تقليدًا لمفجِّر الثورة التونسيَّة "محمد أبو عزيزي" الذي أقدم على إحراق نفسه حينما سدَّ المستبدون الفاسدون سبل الحياة في وجهِه.

تَبلوَرت الأمور باتجاه دعوة عدد من حركات الاحتجاج الاجتماعي والسياسي لمظاهرات واسعة ومسيرات احتجاجات يوم 25 يناير الذي يوافق يوم عيد الشرطة المصرية، فيما أسمته هذه الحركات باسم "يوم الغضب".

بعد أن عمَّت الدعوة أرجاء مصر بدأت أجهزة الأمن تستعدُّ للمواجهة فأقامت المتاريس أمام الأماكن الاستراتيجيَّة في العاصمة والمحافظات، وجرى التشكيك في إمكانيَّة خروج الناس للاشتراك في المظاهرات.

إلا أن ما حدث كان غير ذلك تمامًا، وشهد يوم 25 يناير خروجًا مكثفًا للجماهير في القاهرة ومحافظات الجيزة والقليوبية والدقهليَّة والشرقيَّة والمنوفيَّة وأسيوط وكفر الشيخ ودمياط والغربيَّة والسويس وشمال سيناء والإسماعيليَّة وبورسعيد والبحيرة، في مشهد يدعو إلى التفاؤل بأن آفاق التغيير أصبحت قريبة أكثر من أي وقتٍ مضى، فالمصريون يخرجون إلى الشارع منذ عام 2004م، بعد أن أخذت الآثار السلبيَّة لسياسات الخصخصة وبيع القطاع العام والاقتصاد المصري في الظهور، ولكنه كان خروجًا إما يقوده السياسيون الذين أصبح الشارع لا يثق فيهم، أو تقوده الحركات المطلبية لجهة عماليَّة أو نقابيَّة في إطار مطالب مهنيَّة معينة، وكان عنصر الضعف الوحيد هو أن حركة الاحتجاج الاجتماعي في مصر لم تتحولْ إلى حركة غضب واحتجاجٍ سياسي شامل.

ربما كان المناخ موجودًا والظروف مواتيةً لإنجاح حركة الجماهير، لكنَّ الغضب السياسي العام كان في حاجة إلى حالة خاصة تفجّره وتطلقه من قيوده، وربما جاء هذا "المفجّر" بعد ثورة تونس، التي أحيت الأمل في نفوس حركات الاحتجاج المصريَّة بإمكانيَّة تكرار التجربة التونسيَّة وبإمكانيَّة النجاح المماثل.

كان خروج الجماهير يوم 25 يناير بداية مشجِّعة، فكان أكبر من أيَّة مرَّة سابقة، وكان خروجًا متعددًا في ميادين وأماكن ومحافظات مختلفة، ولذلك فقد لجأ الأمن إلى إطلاق قنابل مسيِّلة للدموع واستخدام خراطيم المياه لتفرقة المتظاهرين بعد اختراقهم السياج الأمني المفروض على الأماكن المهمَّة ولكي تلتقي المظاهرات الآتية من أماكن مختلفة في القاهرة مثلًا في ميدان التحرير (وسط العاصمة) من أجل تنظيم مسيرة سلميَّة ضخمة باتجاه وزارة الداخليَّة.

ومن الطبيعي أن تنشب في هذه الأجواء مشادَّات بين آلاف المتظاهرين من النشطاء ورجال الأمن الذين كانوا يسيرون خلفهم لتأمينهم، وأن يتطوَّر الأمر إلى مصادمات، وكان متوقعًا أن الأمن لن يسكت ولن يتخلى عن طبيعته وعادته في القمع وفي التعدي بالضرب على المشاركين.

وكانت سحب الدخان الكثيف التي غطَّت أجواء ميدان التحرير والشوارع المحيطة به بعد استخدام قوات الأمن للقنابل المسيلة للدموع بشكلٍ متزايد لتفريق المتظاهرين الذين بدورهم ردُّوا على قوات الأمن برشقهم بالحجارة، كان المشهد معبرًا عن كثافة الاحتجاجات من ناحية، وعن الهلع والخوف المسيطر على الدولة وأركانها وقيادات الأمن من ناحية أخرى.

لقد أعلن قادة الاحتجاجات مطالبهم التي تتمثل في ثلاثة مطالب رئيسيَّة هي، الأول: رفع الحد الأدنى من الأجور لـ 1200 جنيه عملًا بأحكام القضاء، وصرف إعانات للعاطلين عن العمل، والثاني: إلغاء العمل بحالة الطوارئ وإقالة وزير الداخليَّة والإفراج عن كل المعتقلين بدون أحكام قضائيَّة، والثالث: حلّ مجلس الشعب وإعادة الانتخابات مع ضمان نزاهتها وتعديل الدستور لمنع ترشح أي رئيس لأكثر من فترتين رئاسيتين.

والملاحظ أن هذه المطالب أصبحت مطالب عامَّة تتحدث عنها كل أحزاب وقوى المعارضة في مصر، بل ويتحدث عنها الكتاب والمثقفون غير المعارضين، بل ويتحدث عنها معظم المصريين الذين أصبحوا في حقيقة الأمر معارضين لنظامهم السياسي.

ما يدعو إلى الأمل أن حركة الاحتجاج في الشارع المصري اكتسبت زخمها بنزول جماعاتٍ من الشباب الذي لا ينتمي إلى أيَّة قوى سياسيَّة، تمامًا كما كان الحال في الثورة التونسيَّة العظيمة التي جاءت عفويَّة من الشارع السياسي التونسي وبدون أن يقودها ويتحكم فيها أي تيار سياسي.

فالإخوان المسلمون، أكبر القوى المعارضة للنظام المصري، لم يعلنوا اشتراكهم القوي والمباشر في المظاهرات وأشاروا إلى تحذير السلطات المصريَّة لمسئولي الجماعة بالمحافظات وتهديدهم بالبطش والاعتقال والمواجهة العنيفة، في حالة النزول إلى الشارع، والجماعة لها أولوياتها وظروفها، كما لم تكن مشاركة د. محمد البرادعي، مؤكَّدة.


وإذا كان أركان ومنظرو النظام المصري يرون أن النموذج التونسي غير قابل للتطبيق في مصر، بسبب عدم تشابه الظروف، فإن احتجاجات ومظاهرات 25 يناير تؤكد لهؤلاء أنهم واهمون ومخطئون، فالعوامل التي من أجلها هبَّت الثورة الشعبيَّة التونسيَّة يمكن أن تحدث في مصر، بسبب تشابه الظروف وعدم وجود ديمقراطيَّة وبسبب تزوير الانتخابات وتهميش المعارضة واستخدام القمع الشديد عند الاعتصام والتظاهر، فضلًا عن ازدهار الفساد وتفشِّي البطالة وقصور الخدمات وانهيار الاقتصاد بشكلٍ عام.


ربما راهن النظام المصري على أن هامش حرية التعبير المتاح سيعمل على "التنفيس" عن المصريين وعدم وصول احتجاجاتهم إلى الدرجة الخطيرة التي تدفعهم إلى الثورة، وربما كان هذا صحيحًا ولكن بشكلٍ جزئي، لكن حينما تتراكم المشكلات الاقتصاديَّة وحينما تنغلق أبواب العمل والرزق في وجوه الناس، وحينما يصبح خريج الجامعة عاجزًا عن الحصول على فرصة عمل بخمسمائة جنيه شهريًّا بينما يقرأ ويسمع ويشاهد عن موظف حكومي يتقاضى خمسين ألف جنيه شهريًّا، أو عن رئيس تحرير صحيفة حكوميَّة يتقاضى مليون جنيه شهريًّا، أو عن رجل أعمال يحتكر صناعة استراتيجيَّة ويكسب بمساعدة الدولة سبعمائة ألف جنيه في الدقيقة، عندئذٍ لن ينفع التنفيس في شيء.


ربما كان المصريون يحجمون من الانخراط في العمل السياسي حينما كانت أوضاعهم المعيشيَّة معقولةً ومحتملة، لكنها الآن أصبحت غير محتملة، والمواطنون الذين يشعلون النار في أنفسهم لا يفعلون ذلك رياءً ولا حبًّا في الظهور أمام الكاميرات ولا رغبة في أن يكونوا شرارة لثورات، وإنما يفعلون ذلك حينما تظلم الدنيا في وجوههم وحينما يصبحون عاجزين عن توفير مقوِّمات حياتهم وحياة أسرهم.

وربما كان الناس يحجمون عن المظاهرات لعدم ثقتهم في أحزاب المعارضة وفي قادة صالونات المعارضة وفي ثقافتهم وتوجهاتهم وصدقهم وأولوياتهم وفي تعبيرهم عن المواطنين البسطاء، أما حينما يكون الاحتجاج عامًّا ولا يقوده أحد، وحينما يكون الناس العاديون هم قادة المشهد، عندها سيسرع الجميع إلى المشاركة.

الأوضاع الاجتماعيَّة في مصر مثل تونس بل أسوأ، فطبقًا لتقارير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فقد أقدم 180 ألف شاب مصري على محاولة الانتحار في عام 2009 فقط، وانتهت المحاولات إلى مفارقة الحياة في خمسة آلاف حالة، بينما جرى إنقاذ الباقين في آخر لحظة، وحالات الانتحار هذه حدثت بسبب سوء الأوضاع المعيشيَّة وخاصَّة بسبب حالة البطالة المتفشِّية بين الشباب وانسداد الأفق أمامهم للحصول على مسكن وللزواج وتكوين أسرة، وهي أبسط المطالب الإنسانيَّة.


المقارنة صحيحة بين الحالة التونسيَّة والحالة المصريَّة لأن أوجه الشبه كثيرة ومتعددة بين النظام السياسي في البلدين، فهناك ديكتاتوريَّة عائليَّة ومحاولة للتوريث في الحالتين، وهناك برامج اقتصاديَّة غربيَّة يتمُّ فرضها على النظامين، وهناك ولاءٌ للولايات المتحدة وانبطاح أمامها.


كلا النظامين يقوم على حزب يصف نفسه بالديمقراطي بينما سلوكه إقصائي تهميشي، ففي مصر "الحزب الوطني الديمقراطي" وفي تونس "التجمع الدستوري الديمقراطي"، وكلٌّ من الحزبين حوّل الحياة السياسيَّة في بلده إلى مسرحيَّة سخيفة، فكل شيءٍ عبارة عن ديكور ومسخ مشوَّه، فالانتخابات مزوَّرة وأحزاب المعارضة صناعة حكوميَّة.. الخ.

في مصر سعى النظام السياسي إلى أن يحكم رأس الدولة حكمًا مؤبدًا، وحينما وهنت الصحة وكبر العمر أصبح السعي للتوريث، وفي تونس كان رأس الدولة ما زال فيه بقيَّة صحة فاقتصر الكلام عن الرئاسة مدى الحياة.

كان التشابه كبيرًا في حجم وكميَّة العراقيل التي وضعها كلا النظامين أمام من تسوّل له نفسه الترشح لانتخابات الرئاسة ومنافسة الرئيس، فوضع "ترزيَّة القوانين" في البلدين شروطًا لا يستطيع أحد مهما كان تحقيقها، ففي تونس كان الشرط هو الحصول على توقيع ثلاثين نائبًا برلمانيًّا وثلاثين والي مدينة، ومعلوم أن هؤلاء جميعًا من حزب الرئيس، أما في مصر فكان الشرط هو الحصول على توقيع 65 نائبًا برلمانيًّا و45 عضوًا في مجلس الشورى، و140 عضوًا في المجالس المحليَّة في عشر محافظات، وكل هؤلاء طبعًا من الحزب الحاكم أيضًا.
المصدر: الإسلام اليوم

___________________________________

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق