الثلاثاء، 18 يناير 2011

القذافي المرعوب يلخص مخاوف الحكام




القذافي المرعوب يلخص مخاوف الحكام
العرب من ثورة الياسمين في تونس

عمر الكدي

لخص العقيد القذافي في خطابه الليلة الماضية الموجه إلى الشعب التونسي، مخاوف الحكام العرب من ثورة الشعب التونسي، وكان خطابه أقرب إلى الهذيان حيث أخذ يؤكد أن بن علي هو أنسب حاكم لتونس، وأن التونسيين سيندمون على تغييره، متسائلا لماذا لا تصبرون عليه حتى عام 2014، ولكن أطرف ما في خطابه هو تأكيده أن الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في تونس أفضل مما هي في ليبيا.

لكنه فجاءة تناسى إحصائيات مؤتمر دافوس، والبنك الدولي التي أستشهد بها، وطلب من الشعب التونسي أن يتبنى النظام الجماهيري، وسلطة الشعب والمؤتمرات الشعبية، وهو النظام العجيب الذي تعيش ليبيا في ظله قبل أن يصل زين العابدين بن علي إلى السلطة بعشر سنوات، والذي فشل على كل الأصعدة.

في خطابه حاول القذافي تقليد بن علي في خطابه الأخير، الذي استخدم فيه لأول مرة اللهجة الدارجة، والذي اعترف فيه بأنه بعد 23 سنة من السلطة فهم الشعب التونسي، حيث استخدم القذافي عبارة "نحن فرد شعب"، أي نحن شعب واحد، وشن هجوما عنيفا على الميديا الحديثة، مثل الانترنت، ومواقع الفيس بوك والتويتر واليوتيوب، ووصف موقع ويكيليكس بأنه كلينيكس، وهي الميديا التي اعتمدت عليها ثورة الياسمين. يدرك ضابط سلاح المخابرة في الجيش الليبي مدى خطورة هذه الميديا، وعدم قدرته على التحكم فيها، بالرغم من استئجاره مئات الخبراء من الهند وروسيا، لمنع الليبيين من الإطلاع على الكثير من المواقع الخارجية، وأيضا السطو على مواقع المعارضة الليبية، وكانوا الليلة الماضية قد سطو على موقع ليبيا المستقبل المعارض، ولكن الموقع سيعود خلال يومين لمواصلة عمله، ويمكن للهاكرز الليبيين السطو على مواقع الحكومة، والحصول على معلومات هامة حول النظام.

وخلال ثورة الياسمين أمر القذافي بتخفيض أسعار المواد الأساسية، كما أوعز لآلاف الشباب باقتحام المشاريع السكنية للاستيلاء على الشقق التي ستسلم عما قريب لأصحابها، وسط غياب أمني كامل، وهو ما جعلت المواجهات تندلع بين أصحاب الشقق الذين دفعوا ثمنها، والمقتحمين لهذه الشقق، وفيما بعد تدخلت الشرطة وطردت المقتحمين، ويرى المطلعون أن القذافي يهدف من وراء هذا التحريض تأجيج الخلاف بين الليبيين، والإيقاع بينهم بحيث لا يستطيعون توحيد صفوفهم في مواجهته، كما يهدف أيضا إلى إعداد قواته على قمع أي انتفاضة، بالإضافة إلى جعل الناس مشغولة بهذه الأحداث أكثر من متابعة تطورات ثورة الياسمين.

وحتى الآن لم تذكر وسائل الإعلام الليبية، أي خبر حول ثورة الياسمين، وكأن تونس ليست جارة شقيقة وإنما بلد في المحيط الهادي، حتى الاتصال الذي جرى يوم أمس بين القذافي وبن علي من منفاه الحجازي، نقلته وسائل الإعلام الليبية على أنه اتصال مع "فخامة الرئيس زين العابدين بن علي"، وقالت أنه للتشاور حول تمتين العلاقات بين البلدين.

يتوقع أن يكون القذافي مشكلة حقيقية لحكومة الوحدة الوطنية التي يجري التشاور حولها، حيث كان القذافي قد وضع في البنك المركزي التونسي ما قيمته 14 مليار دولار كعوائد ذهبية، كضمانة تستخدمها تونس للاقتراض من البنوك الدولية، ويمكنه سحبها في أي وقت، كما يمكنه غلق الحدود على أمل أن يشعل أبناء منطقة بن قردان الحدودية انتفاضة جديدة، مثل الانتفاضة التي أشعلوها في شهر رمضان الماضي، عندما منع التونسيون من اصطحاب سلع غذائية ووقود عند خروجهم من ليبيا، وبالتالي لابد لقادة تونس الجدد التفكير في البديل، حتى لا يكون تحت ابتزاز القذافي.

ما مدى إمكانية انتقال ثورة تونس إلى بلدان عربية أخرى؟ هذا يعتمد على جاهزية هذه البلدان وخاصة حضور مؤسسات المجتمع المدني، وقدرة الشباب على استخدام الميديا الجديدة، وقدرة أحزاب المعارضة والنقابات من توجيه الانتفاضة، وفي تقديري فإن الأردن ومصر جاهزتان لاستثمار الثورة التونسية أكثر من بقية البلدان، كما أن السودان مقبلة على ثورة دموية ضد نظام البشير في إعقاب انفصال الجنوب، كما أن اليمن مقبلة على تطورات مشابهة، أما ليبيا التي أضرم شاب عاطل عن العمل الأسبوع الماضي في جسده دون أن يخرج أحد للشوارع، فهي غير جاهزة لانتفاضة ناجحة، كما أن الجزائر التي أشعلت انتفاضة متزامنة مع ثورة الياسمين، ولكن لم يكن هناك من يستثمرها، بالرغم من أن عدد الذين أضرموا النار في أجسادهم وصل إلى ثلاثة أشخاص، وسيتعلم الشباب العرب العاطلين عن العمل، والذي سرق منهم الحاضر والمستقبل من تكتيكات الثوار التوانسة، وسيعرفوا كيف يغتنمون كل الفرص المواتية، وفي تقديري فإن ثورة الياسمين تشبه إلى حد كبير الثورة الفرنسية، وبدل باستيل واحد اقتحمت الجماهير تقريبا كل السجون، وشكلت لجانا شعبية لحراسة الأحياء، وبدلا من مصطلح الكومونة ظهر مصطلح "الحومة"، أي الحي أو الحارة، والفارق بين الثورتين هي أن ثورة الياسمين أقل دموية، وأقل حقدا وأكثر عقلانية، حيث قبض على أعوان بن علي وقادة أجهزته الأمنية، وبدلا من الفتك بهم سلمتهم الجماهير لقوات الجيش، ويجري الإعداد حاليا لمحاكمتهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق