ولاة أمر أم ولاة شياطين

صلاح الدين يوسف
31 يناير 2011

في سخافة منقطعة النظير، وتنظير في منتهى السخافة، يحتج أحد أبواق الحكومات على كلمات صرح فيها شباب عن سخطهم على نظام القمع، ونظام البؤس، ونظام هتك الأعراض، وهتك الكرامة الإنسانية في مصر فيقول: لا تحرضوا الناس على ولاة أمورهم!! 

وكأن هذا المتحدث فطحل زمانه وعظيم شأنه قدس الله سره المفضوح قد فتحت له الحجب وكشف له من العلم اللدني العجب فصار يعرف بالحلال والحرام!!
ألا سحقا لهذه الأفهام التي تمرغت في الأثام فصارت أسقام في أسقام، وصار القرآن و الإسلام في معتقداتهم لا يقول إلا بعبادة السلطان ورعاية ولاة الأمر وحفظ النظام!!
وكان الإسلام لم ينزل إلا ليثبت عروش الطغيان!! ويغتصب كرامة الإنسان!!
ألم يعلم هذا الكائن غير البشري وغير السوي وغير العاقل أن من أحب قوماً حشر معهم، وأن من عاون ظالم فهو ظالم مثله، وأن طول اللحية وقصر الثوب وعود السواك ودهن العود ولبس "البشت" لن تعفيه من المثول في المحاكمة العادلة التي سيقف أمامها يوم الدين!!

مصر يافضيلة العلامة فطحل زمانه ونابغة أيامه فيها 20 مليون مصاب بالاكتئاب، وفيها 1200 حالة انتحار سنويا، واحتلت المركز 57 منبين 60 دولة في تقرير البؤس العالمي من حيث معدلات البؤس والشقاء والتخلف والفقر.

مصر يا محب ولاة الأمور ومقدسهم فيها 48 مليون فقير يعيشون في 1109 منطقة عشوائية – أي ما نسبته 45% من المصريين (تقرير صندوق النقد الدولي للتنمية الزراعية). وفيها 2.5 مليون مصري يعيشون في فقر مدقع (تقرير الأمم المتحدة للتنمية الإدارية).

مصر يامن تشتري خشب العود بالجرام، والعطور بالملي، وتشرب العصير باللتر، وتقول لاتحرضوا الناس على ولاة أمورهم فيها ما نسبته 45% من المواطنين يعيشون تحت خط الفقر يحصلون على أقل من دولار في اليوم (لجنة الانتاج الزراعي يمجلس الشورى).

في مصر يا محب ولاة الأمور يامن تسكن في بيتك الفسيح، وتأخذ إجازتك في مكان مريح هناك 2 مليون إنسان ليس لديهم مأوى، منهم 1.5 مليون يعيشون في المقابر (الجهازا لمركزي للتعبئة العامة والإحصاء).. هل ممكن أن تخبرني متى أخر مرة زرت فيها مقبرة لتتعرف على حال الأموات!!

في مصر يامحب ولاة الأمور يامن تأكل الهمبرجر من مطاعم المكدونالدز وكنتاكي وبابايز وهاردير وبرجر لاند 46% من الأسر لا تجد الطعام الكافى للحركة والنشاط (تقرير لشعبة الخدمات الصحية والسكان بالمجلس القومى للخدمات والتنمية الاجتماعية التابع للمجالس القومية المتخصصة).

في مصر يامن تتنعم وتعيش في كنف ولي أمرك وتحت رعايته لأنك تمنحه الشرعية هناك 93حالة وفاة تحت التعذيب في 2007، 56 حالة لتعذيب المواطنين داخل أقسام الشرطة، من بينها (13) حالة وفاة غامضة و25 حاله اضطهاد واحتجاز تعسفي، وذلك خلال الفترة من يونيو 2008 حتى فبراير 2009 (المنظمة المصرية لحقوق الانسان).

في مصر هناك 39 ملياراً و373 مليوناً و524 ألف جنيه تم إهدارها في الفترة ما بين أبريل 2008 ويناير 2009 بسبب الفساد المالي والإداري (تقرير عام 2008 لمركز الدراسات الريفية).
وتبيع الحكومة المصرية المليون وحدة حرارية لإسرائيل 1.5 دولار والتي يتكلف انتاجها 2.65 دولار!! طبعا يا محب ولاة الأمر ستقول الرسول وصانا بسابع جار!! وإسرائيل بالنسبة لمصر هي أقرب جار!!

مصر تحتل المركز الـ 134 من بين 134 دولة في معدل تعيين الاقارب والأصدقاء في المناصب المختلفة (تقرير التنافسية العالمية).
والمركز الـ 115 من بين 134 دولة في مؤشر مدركات الفساد الذي يقيس درجة انتشار الفساد بين المسئولين في الدولة (تقرير التنافسية العالمية).

في مصر يامن كرشك يقاس بالأشبار وعقلك ليس فيع منطق بمعشار ربع السكان يعانون من ضغط الدم، وفيها أعلى معدل لوفيات الأطفال في العالم (50 طفل لكل 1000 مولود) وهناك أكثر من 100 ألف مواطن مصري يصابون سنوياً بالسرطان بسبب تلوث مياه الشرب (د‏.‏ أحمد لطفي استشاري أمراض الباطنة والقلب بمستشفي قصرالعيني).


ومما يؤسف له فإن أمثال هؤلاء الأشخاص لايهمهم الإنسان لامن بعيد ولا من أبعد البعيد، فالمهم لديهم أن يكونوا كالدواب التي لايمكنها أن تعصي راكبها وسائسها ومطعمها الشعير، ولذلك فلديهم الاستعداد لرؤية الإسلام من زاويتهم التي تخدمهم، فهم لايرون في المظاهرات والثورات غير أنها خروج على الشرع وبدعة وزائغ من الشيطان، فمهما أتيت لهم بشواهد وأدلة وبراهين شرعية أو منطقية فإن ولي النعمة أو الأمر -سمه ما شئت- لايريهم إلا ما يرى ولا يهديهم إلا سبيل الرشاد!!

يقول الشيخ حامد العلي في أحد مقالاته:

(فإنَّ سل السيوف لإزاحة الظلم ، كان _ أصلا _ معلمـا بارزاً في منهج السلف ، وإلاَّ لمـا قامـت تلك الثورات التي لم تهدأ في ذلك العصر المفضَّـل ، منذ ثورة الحسين رضي الله عنه السبط المطهـَّر ، والسيّد المبجــَّل ، على السلطة المنحرفة .

ولهذا قال الإمام ابن حزم رحمه الله واصفا مذهب السلف في حكـم الثورة لإزاحة الظلـم : (وهذا قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكل من معه من الصحابة ، وقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وطلحة ، والزبير، وكل من كان معهم من الصحابة ، وقول معاويـه ، وعمرو، والنعمان بن بشير، وغيرهم ممن معهم من الصحابة ، رضي الله عنهم أجمعين ، وهو قول عبد الله بن الزبير، ومحمد والحسن بن علي ، وبقية الصحابة من المهاجرين ، والأنصار القائمين يوم الحرة ، رضي الله عن جميعهم أجمعين ، وقول كلِّ من قـام على الفاسق الحجاج ، ومن والاه ، من الصحابة رضي الله عن جميعهم ، كأنس بن مالك ، وكل من كان ممن ذكرنا من أفاضل التابعين ، كعبد الرحمن ابن أبي ليلى، وسعيد بن جبير، وابن البحتري الطائي، وعطاء السلمي الأزدي ، والحسن البصري ، ومالك بن دينار ، ومسلم بن بشار، وأبي الحوراء ، والشعبي ، وعبد الله بن غالب ، وعقبة بن عبد الغافر بن صهبان ، وماهان ، والمطرف بن المغيرة ، ابن شعبة ، وأبي المعد ، وحنظلة بن عبد الله ، وأبي سح الهنائي ، وطلق بن حبيب ، والمطرف بن عبد الله ابن الشخير، والنصر بن أنس ، وعطاء بن السائب ، وإبراهيم بن يزيدالتيمي ، وأبي الحوسا ، وجبلة بن زحر وغيرهم ، ثم من بعد هؤلاء من تابعي التابعين ، ومن بعدهم كعبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر، وكعبيد الله بن عمر، ومحمد بن عجلان، ومن خرج مع محمد بن عبد الله بن الحسن ، وهاشم بن بشر ، ومطر الوراق ، ومن خرج مع إبراهيم بن عبد الله ، وهو الذي تدل عليه أقوال الفقهاء كأبي حنيفة ، والحسن بن حي، وشريك ، ومالك ، والشافعي ، وداود ، وأصحابهم ، فإنَّ كل من ذكرنا من قديم وحديث ، إمـّا ناطق بذلك في فتواه ، وإما فاعل لذلك بسل سيفه في إنكار ما رأوه منكرا ) .

وكما قال الإمام الجصاص في أحكام القرآن : ( وقد كان الحسن ، وسعيد بن جبير ، والشعبي ، وسائر التَابعين ، يأْخذون أَرزاقهم من أَيدي هؤلاء الظلمة ، لا على أَنهم كانوا يتولونهم ، ولا يرون إمامتهم ، وإِنما كانوا يأْخذونها على أَنها حقوق لهم في أَيدي قوم فجرة ، وكيف يكون ذلك على وجه موالاتهم ، وقد ضربوا وجهَ الحجاج بالسيف ، وخرج عليه من القرَاء أربعة آلاف رجل ، هم خيار التابعين ، وفقهاؤهم فَقَاتلوه ) ص 62

وكما قال إمام المحدثين الحافظ ابن حجر رحمه الله ( وقولهم : كان يرى السيف ، يعني كان يرى الخروج بالسيف على أئمة الجور، وهذا مذهب للسلف قديم ) .

ولهذا قال إمام الحرمين أبو المعالي الجويني رحمه الله عن السلطة إذا تمادت في الفسوق : ( فأما إذا تواصل منه العصيان ، وفشا منه العدوان ، وظهر الفساد ، وزال السداد، وتعطلت الحقوق، وارتفعت الصيانةُ ، ووضحَت الخيانةُ ، فلا بدَّ من استدراك هذاالأمر المتفاقم ، فإن أمكن كف يده ، وتولية غيره بالصفات المعتبرة ، فالبدار البدار، وإن لم يمكن ذلك لاستظهاره بالشوكة إلا بإراقة الدماء ، ومصادمة الأهوال ، فالوجه أن يقاس ما الناس مندفعون إليه ، مبتلونَ به بما يعرض وقوعه ، فإن كانَ الواقع الناجز أكثر مما يتَوقَّع ، فيجب احتمال المتوقَّع ، وإلاَّ فلا يسوغ التشاغل بالدفع ) .

ولهذا السبب فإنَّ فقهاء الإسلام من جميع المذاهـب ، لايصفون الثائريـن على السلطة بالبغاة إلاَّ بعد تثبيـت تعريف ( الحكم العادل ) ، ثم يقولون : إن كان الإمام عادلا ، فمن ثار عليه صار باغيـا ، وله حكم قتال البغاة ، إذ البغي ضد العـدل ، أما إن كان جائـرا ، فالبحث عندهـم ينتقل تلقائيـا إلى القاعدة التي ذكرها الإمام الجويني ، ومن خلالها يفهمون الأحاديث الواردة بالصبر على جور الولاة). 

وفي الختام .. فلا نامت أعين الجبناء وعباد السلاطين الأشقياء، ورحم الله القائل: 

لو أن شعري شعير لاستطعمته الحمير ... ولكن شعري شعور وهل للحمير شعور!!