الأحد، 16 يناير 2011

الطاغية والطغاة وإرادة الشعوب



14.1.2011
اياد خالد الشوربجي
وأخيراً وليس آخراً رحل الطاغية زين الدين بن علي بعدما جثم على صدر الشعب ثلاثة وعشرون عاماً قضاها الشعب في ذل وفقر وهوان، تولى بن على حكم الشعب التونسي في الوقت الذي كان يأمل فيه بالخلاص من سلفه الرئيس الحبيب بورقيبة الحاكم الاستبدادي، الذي وضع دستوراً يبقيه رئيساً أبدياً للبلاد، بقي بورقيبة حتى خَرَفَ وأصبح عاجزاً على إدارة شؤون البلاد، فتقدم المُنْقِذ بن على مُنقلباً عليه في العام 1987، وعداً الشعب المقهور بالتغيير والحرية والعدالة والمساواة، وإذ به يصبح أشد تسلطاً وتجبراً من سلفه، فقمع الناس وصادر الحريات وحظر الأحزاب وأقصى الإسلاميين ظلما وعلواً، ونشر الفساد والبطالة والفقر والظلم الاجتماعي والتخلف الاقتصادي، في حين تضخمت أموال البعض بشكل فاحش من أقرباء الحاكم وأصهاره من عائلة الطرابلسي وغيرهم، بما فيهم زوجته، ممن أخذوا يتسلطون على رقاب الشعب وارتبطت أسماؤهم بالمشاريع والاستثمارات الكبرى في تونس على حساب ممتلكات الناس وحقوقهم، مستغلين مواقعهم ونفوذهم لدرجة أن من أراد الاستثمار في تونس من الأجانب لا بد له من التواصل مع هذه الفئة لتسهيل مهماتهم، فهم وحدهم القادرون على الاستيلاء على أراضي الناس وعلى أراضي الدولة بالقانون، الذين يملكون سلطة تغييره أو الالتفاف عليه.
فتشكلت في البلاد طبقة "الأثرياء الجدد" أصبحت تمتلك الثروة والسلطة - كما هو الحال في العديد من دولنا العربية- حتى أن شاباً من أصهار الطاغية المخلوع، أصبح يمتلك مصرفاً بالإضافة إلى استثمارات كبرى وهو في الثلاثين من عمره، وهو ما تحدث السفير الأمريكي عن ثرائه الفاحش ضمن وثائق ويكيليكس المسربة، حيث دُعِيَ الأخير على حفل عشاء فاخر في أحد منتجعاته بالعاصمة التونسية.
هذا كله وغيره الكثير كان يجري بينما البلاد تعج بالفقراء والمُعدمين، وتمتلئ السجون والمنافي بالشرفاء والمجاهدين ودعاة التغيير، حتى أضحى الموت مفضلاً على الحياة لدى العديد من الناس، الأمر الذي دفع الشاب البوعزيزي لحرق نفسه قهراً، وإذ بناره تمتد لتحرق الطغاة، فانتفض الشعب التونسي على بكرة أبيه مصمماً على الخلاص من هذا الواقع المرير.
اليوم تألق الشعب التونسي وفرض إرادته الحرة، وهرب الطاغية ذليلاً، كعادة الطغاة في مثل هذه الأحوال، وفي هذه المحنة الحالكة إذ بأسياده يتخلون عنه كعادتهم أيضاً، حتى أنهم رفضوا استقباله على أراضيهم وتركوه هائماً على وجهه، فقد انتهت مهمته وأمسى بلا جدوى.
ما حدث في تونس يعطي مؤشراً قوياً على أن الشعوب قادرة على التخلص من الهوان والظلم والقهر الذي تعيشه إن هي امتلكت الإرادة الفاعلة على التغيير، فعروش الباطل هشة وإن انتفشت وانتفخت وبدت كالقلعة المنيعة، فهي أوهن من بيت العنكبوت، فقط "ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون" فالأمر يحتاج إلى فعل وتحرك ومبادرة، "إن لله لا يغيرُ ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم" وهذا بالضرورة يحتاج إلى تضحيات، لكنها لن تتجاوز في الغالب عدد من يقضون في حوادث الطرق سنوياً، فعلى الشعوب أن تفاضل بين الذل الأبدي وبين الحرية والكرامة بتضحيات ستدفع أضعافها من خيرة شبابها قتلاً وسجنا ونفياً، إن هي رضيت بالهوان، فهل ستكون تونس عربياً كما كانت بولندا أوروبياً منطلقاً للشرارة الأولى للثورة والتغيير؟.
كلمة أخيرة للشعب التونسي العظيم الذي تخلص للتو من جحيم الطغيان، عليك بالحذر الشديد في هذه اللحظة الحاسمة والتاريخية، فالأيدي الغربية لاسيما الفرنسية والأميركية تعمل بجد وبصمت معاً وعلى مدار الساعة وفي سباق مع الزمن، رغم التصريحات الدبلوماسية التي تبدو هادئة وحذرة، فقد يأتون لك بالرجل المُنقِذ في ثوب المهدي المنتظر ممن أعدوهم مسبقاً من رجالاتهم، ربما من صفوف الجيش أو الحرس القديم أو من خارج البلاد أو غير ذلك، رافعاً الشعارات والوعود البراقة كما رفعها الذين من قبله، واعداً البلاد بأنهار من اللبن والعسل المصَفَّى، وسرعان ما يتحول في بضع سنين إلى طاغية ثالث ينهب البلاد ويذل العباد وتذهب التضحيات والآمال أدراج الرياح، "ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوةٍ أنكاثاً".
لذلك ينبغي التدقيق الشديد في القادم الجديد، فلا بد أن يكون ممن يعرفهم الشعب ويثق بهم وثوقاً أكيداً من أهل الصلاح والإصلاح، وممن بذلوا التضحيات الجسام خلال عقود الظلم السابقة، ولا ينبغي التسليم بحكم الفرد المطلق كائناً من كان، فلا بد من ترسيخ النظام المؤسساتي القائم على أسس الحرية والنزاهة والشفافية والمحاسبة بمعناها الحقيقي وليس الزائف كما يفعل الحكام اليوم، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق