الأحد، 28 نوفمبر 2010

الفرخة التي تبيض ذهبا للإسرائيليين!



الفندقة في جنوب السودان ..الفرخة التي تبيض ذهبا للإسرائيليين!

كتب: محمد جمال عرفة - السودان
21/12/1431 الموافق 27/11/2010
ما أن تطأ قدمك أرض جنوب السودان ، وبالتحديد العاصمة جوبا حتى تشعر كأنك في غابة كبيرة ، يغلب عليها السودانيون من أصل أفريقي ببشرتهم داكنة السواد ، ولكنك ستلمح بين حين وأخر سكان بيض البشرة أو من ذوي الملامح الأوروبية والأفريقية والأسيوية أيضا .

ولو قدر لك أن تبيت هناك عدة أيام فلن تجد سوي فنادق ذات طابع أفريقي بسيط وفقير عبارة عن جمالونات أو حجرات من دور واحد من الأسمنت أو من القش علي الطراز الأفريقي ،وبعضها مجمل بصورة تشبه تلك التي قد تراها علي شواطئ الكاريبي مع أحواض سباحة مثل منتجع(acacia) ,وأشهر هذه الفنادق هي (جراند أوتل جوبا) الذي يشبه حوش مدرسة به عدة حجرات متلاصقة دور واحد ووسطها حديقة فقيرة المستوى ،بل إن فندق بكين الذي يرتفع فوقه العلم الصيني يبدو أجود تصميما من فنادق أخري ، وإن كانت هناك فنادق بدأت تظهر من دورين مثل فندق جوبا بوصاصو أو فندق جوبا الجديد أو "النجم" أو "النيل" وغيرها التي تقع علي ضفاف النيل الأبيض، ولكنها أشبه بمنازل منها فنادق ،وبعضها جيد الفرش من الداخل .

وستكون مفاجأة كبيرة لك عندما تعلم أن مبيت ليلة واحدة في بعض هذه الفنادق المتواضعة قد يصل إلي 800 دولار أحيانا في اليوم الواحد بسبب ضعف البنية التحتية في الجنوب وتوافد ألاف من مسئولي وجنود الأمم المتحدة ومئات المنظمات الإغاثية العالمية وغيرها علي الجنوب ،حيث لا يجدون سوي هذه الفنادق الصهيونية للمبيت فيها ، فهناك عشرات الآلاف من قوات الأمم المتحدة فقط يستخدمون هذه الفنادق البسيطة وبملايين الدولارات في الشهر !!.

وستفاجئ أكثر عندما تعلم أن 80-90% من هذه الفنادق يسيطر عليها إسرائيليون قدموا مع تدشين اتفاقية سلام الجنوب في 2005 ونشطوا في بيزنيس اقتصادي كبير هناك ،وتخصصوا في مجال الفندقة الذي يعتبر – كما قال لي د. حسن مكي الخبير السوداني المعروف في صومعته بجامعة أفريقيا العالمية بالخرطوم – بمثابة (الفرخة التي تبيض ذهبا ) للصهاينة في الجنوب ، ولكنه بيزنيس "غير مباشر" حيث تدار هذه الفنادق عبر فروع فنادق تعمل من دول الجوار الأفريقية (أوغندا – كينيا – أثيوبيا ) ويتملكها إسرائيليون ،ولكنهم لا يظهرون في الصورة بشكل بارز في الجنوب ،علي الأقل حاليا ،حيث الجنوب جزء من دولة السودان ولم ينفصل بعد !؟.

ووفقا لبعض الإحصاءات الفندقية الجنوبية والأجنبية يوجد في كل مدن جنوب السودان قرابة 45 فندقا و9 نزل صغير ، و13 مخيما ، يسيطر علي أغلبها بشكل غير مباشر قياديون من الحركة الشعبية الجنوبية ويوفرون لها الحماية (بحسب مسئولين في الخرطوم)، ولكنهم في حقيقة الأمر يحمونها لصالح استثمارات صهيونية تدار بأيدي أفريقية في الجنوب .

ومعروف أن مجال التخصص في مجال الفندقة واحتكاره من قبل الصهاينة يوفر للمخابرات الصهيونية كنز من المعلومات حول الرائحين والذاهبين للجنوب من كل حدب وصوب ودراسة المنطقة جيدا ومعرفة الكثير عن أحوال الجنوب الاقتصادية والسياسية ،وربما اختاروا هذا المجال لأسباب ربحية ولأسباب استخباراتية؛ لأنه يكشف لهم كل الأجانب الذين يدخلون الجنوب ويجعلهم يتحكمون فيه !.
وهذا الوجود الإسرائيلي في منطقة حوض النيل و جنوب السودان ليس مجرد صدفة ،برغم أنه يدر مئات الملايين من الدولارات علي الصهاينة ، فمن جهة هو يوفر لهم أداة قوية لرصد كل المعلومات والأحداث التي تدور في المنطقة ، ومن جهة أخري يضع يدهم علي منطقة هامة في مسار مياه نهر النيل ، ويقوي نفوذهم في المنطقة ويوفر أرضية صلبة لمعيشة الاستخبارات الصهيونية هناك ،والعمل من خلف الستار بهدوء.

وهذه الأعمال الإسرائيلية لا تكشف عن وجهها الصريح باعتبار أن هذه الشركات قام بتأسيسها إسرائيليون في البلدان الأفريقية المحيطة ، ثم جاءت لتعمل في الجنوب ، وهو ما يدفع الجنوبيين لنفي أي سيطرة صهيونية علي مجال الفندقة هناك بسهولة عبر التصريحات الصحفية ، فهذه الفنادق التي تدار في جوبا مثلا لا تدار بواسطة الكيان الصهيوني ، وإنما عبر مستثمرين أجانب في جنوب السودان من دول لها علاقة بالسودان ، اريتريا، إثيوبيا ، أوغندا، كينيا !.

اقتصاد مرهون بتل أبيب:
ولا تتعلق القضية بسيطرة الإسرائيليين علي قطاع الفندقة فقط في الجنوب السوداني ، وإنما بقضية رهن اقتصاد الجنوب كله بالكيان الصهيوني ، حيث الهدف الصهيوني – والغربي عموما ضمن فكرة تفتيت السودان وحصار مصر من الجنوب - منذ اتفاق سلام نيفاشا عموما هو التغلغل في اقتصاد الجنوب ،والسعي لترويج فكرة فصل الجنوب،وتشجيع الجنوبيين عليها للحفاظ علي هذه المصالح الاقتصادية الصهيونية هناك .

بحيث إنه في حال جاءت نتيجة عملية الاستفتاء في مطلع السنة المقبلة لمصلحة الانفصال عن الشمال ، تكون معالم هذه الخطة الصهيونية الغربية لفصل الجنوب عن الشمال وربطه بالاقتصاد الصهيوني والغربي جاهزة ، عبر دفع الأطراف الجنوبية لبناء اقتصاد مرتبط بإسرائيل وفق ما تلمح له تقارير إعلامية مسربة إلى وسائل إعلام غربية.

فهناك معلومات متداولة أن مستثمرين بريطانيين على علاقة بالكيان الإسرائيلي تم الاتصال بهم للاستثمار في دولة جنوب السودان في مجالات عدة ،من بينها المعادن الثمينة والنفط ،وذلك في مناطق تقع على الحدود مع كينيا ، وأن إسرائيل لا تكتفي بمجال الفندقة ، وإنما بمجالات أخري خصوصا التسليحية ، فهناك تقارير عدة تؤكد أن الأسلحة بدأت تتدفق إلى جنوب السودان ،وأن جهاز المخابرات الإسرائيلي يأتي في مقدم أجهزة مخابرات دول عدة تورطت في صفقات تهريب السلاح إلى الجنوب.

وكشف تقارير صدرت في مايو 2010 أن عدة مصادر أجنبية من بينها تل أبيب تعمل على تدفق السلاح إلى الجنوب ،وأن تنسيقا أمريكيا وإسرائيليا جار بقوة عبر تمويل عمليات التسليح التي تتولاها وزارة الدفاع الإسرائيلية.

والعين الصهيونية تركز أيضا علي المخزون النفطي باعتبار أن بترول السودان الذي بلغ تصديره نحو 600 ألف برميل في اليوم عام 2009 يأتي معظمه من جنوب السودان ، ويقع في أراضي قبائل النوير الجنوبية ، والشركات الأمريكية تعتمد على إسرائيل لتمهيد الطريق لعلاقات مستقبلية مع الجنوب استلهاما لعمل الموساد الإسرائيلي في دول حوض النيل.

ولا ننسي هنا الهدف الصهيوني الأهم – بحسب الدراسات الصهيونية العديدة - هو فصل الجنوب لأن السودان أصلا يعاقب لأنه جنوب مصر، وفصل الجنوب هي محاولة لعقوبة مصر ؛ لأن الجنوب يعني التوسع المياهي المرتقب أو المستقبلي لأمن مصر المائي ؛ لأن كل قنوات المياه كقنوات جونقلي وكقناة مشار وغيرها من القنوات لزيادة مياه النيل إنما ستكون في جنوب السودان ، وهم يرغبون في ضرب وحدة السودان عبر فصل الجنوب وعبر شغل مصر بالالتفات للخلف نحو مياه النيل دوما باعتبارها أمن قومي ؛ خصوصا أن أوغندا وأثيوبيا أيضا بدأت تفتح ملف المياه .

ولا ننسي أن هناك رغبة صهيونية في خلق "إسرائيل ثانية" في جنوب السودان لأسباب عديدة بعضها يتعلق بزرع خاصرة جديدة في جنب العرب والسودانيون تشغلهم عن الشمال (إسرائيل الصهيونية) ، وبعضها يتعلق بالرغبة في الترويج لنموذج صهيوني في التنمية في أفريقيا لجذب الأفارقة للاستثمارات والأعمال والخبرة الصهيونية ، وتجربة فصل الجنوب السوداني وتحويله لإسرائيل جديدة سيكون هو المحك والدعاية المجانية لهذه الرغبة الصهيونية في الترويج لنموذج تنموي صهيوني في مناطق أعالي النيل عموما .

ويكفي أنه حينما سئل إيزكيللول جاتكوث ، رئيس بعثة حكومة جنوب السودان في واشنطن: هل ستكون هناك علاقات مع إسرائيل؟ قال بمنتهى الوضوح: نعم ، نستطيع قيام علاقات مع إسرائيل ، وهناك علاقات دبلوماسية لعدد من الدول العربية معها، ولن نكون ملكيين أكثر من الملك؟!

وهو ما عاد وأكده بقوة زعيم "الحركة الشعبية لتحرير السودان" التي تحكم إقليم الجنوب، سلفاكير ميارديت، عندما قال لصحيفة الحياة اللندنية 28 أكتوبر 2010 أنه لا يستبعد إقامة "علاقات جيدة" مع إسرائيل وفتح سفارة لها في جوبا عاصمة الإقليم، في حال اختار الجنوبيون الانفصال في الاستفتاء المقرر مطلع العام المقبل، واعتبر أن الدولة العبرية "هي عدو للفلسطينيين فقط، وليست عدواً للجنوب" !.
وأشار سلفاكير في تصريحات صحافية إلى أنه سيرسم "خريطة جديدة للسياسة الخارجية" في حال الاستقلال، لكنه أكد أنه "وحدوي التفكير".
منقول من موقع altareekh.com

هناك تعليق واحد:

  1. نقلت وكالة الانباء السعودية "واس" عن السفير علي الصادق الناطق الرسمي باسم الخارجية قوله: "إن التغلغل الاسرائيلي للقارة الافريقية سياسة اسرائيلية بغرض احداث فجوة في العلاقات العربية الافريقية".

    وأضاف "ان اسرائيل تهدف لاستغلال بعض الدول الأفريقية التي لها حدود مع أخرى عربية" ، مبينا ان التغلغل الاسرائيلي يتم عبر المساعدات التي تَأتي تحت ستار المشروعات الزراعية والتنموية الاخرى التي يشرف عليها ضباط مخابرات يستغلون وجودهم لإنفاذ مهمتم الأساسية، المتمثلة في استعداء الدول الأفريقية ضد العربية.

    ردحذف