الثلاثاء، 11 يناير 2011

دروس انتفاضة الشعب التونسى . مجدي حسين


من سجن المرج - مجدي أحمد حسين

انتفاضة الشعب التونسى التى استمرت أكثر من عشرة أيام فى مختلف أنحاء البلاد، كانت بشارة الخير لتونس ولكل أمة العرب، وإذا كانت الموجة الجماهيرية قد هدأت وبدأت موجة قمعية مضادة بالاعتقالات، فإن تونس ما بعد 17 ديسمبر لن تكون هى تونس ما قبل 17 ديسمبر 2010 .

انتفاضة التوانسة حملت بشارات عدة.. وأيضا دروسا عدة.. فمشكلة الأمة العربية الأساسية فى العقود الأخيرة، أن الوجه الإيجابى البارز بها كان فى المقاومة الشعبية المسلحة فى الأراضى المحتلة أو التى تتعرض للعدوان، كان فى المقاومة الفلسطينية واللبنانية والعراقية، وكان فى المقاومة الصومالية التى أخرجت القوات الاثيوبية المدعومة أمريكيا، رغم أى ملاحظات لنا على كفاءة إدارة الصراع ومدى نضج حركة الشباب. وفى المقابل كان الوجه المظلم الذى يخيم على ربوع الأمة هو غياب الجهاد المدنى ضد أنظمة الاستبداد والتبعية فى باقى الأقطار العربية, رغم أن هذه الأنظمة هى الخطر الأكبر على المقاومة, فهى لم تكتف بالانسحاب من معترك الجهاد بل اندفعت إلى خيارات الحلف الصهيونى - الأمريكى، وأصبحت عمقه الاستراتيجى، ثم لم تكتف بذلك, بل سامت شعوبها سوء العذاب.

لذلك فقد كانت الحركة المنادية بالإصلاح والتغيير فى مصر التى انطلقت فى أواخر عام 2004 نقطة مضيئة ومشعة للوطن العربى بأسره وليس فى مصر وحدها، ولكن هذه الحركة خبت وانطفأت إلى حد ما، وبدأت تعمل تحت أسقف متدنية فى أغلب أجنحتها حتى عادت تشرق من جديد فى تظاهرة 12/12/2010 بقيادة حركة (كفاية) صاحبة السقف الأعلى والصحيح والذى يتلاءم مع أحوال مصر المتردية, لذا دعونا نأمل بأن يكون عام 2011 عاما مزهرا فى مصر إن شاء الله. ولكن كان مما يثير خيبة الأمل حالة السكون المخيمة على ربوع الوطن العربى (خارج ساحات المقاومة والتى نضيف لها أيضا السودان الذى يواجه تدخلا خارجيا فظا سواء فى الجنوب أو فى دارفور، ونضيف لها أيضا الصمود السورى فى مواقع الممانعة ومساندة المقاومة)، ولم يخلو الوطن العربى من حركات احتجاجية ذات طابع اقتصادى - على غرار ما يحدث فى مصر - خاصة فى الجزائر والمغرب، أما فى اليمن فقد اختلطت فيه المعارضة المدنية مع الاقتتال الأهلى، ومع نزاعات الانفصال فى الجنوب، حتى أصبحت الساحة اليمنية حبلى بالتغيير، ولكن اختلاط الأوراق (خاصة مع دخول تنظيم القاعدة على الخط) وعدم توحد أجنحة المعارضة لا يزال هو سيد الموقف، فى وقت يغير فيه النظام الدستور لتأكيد البقاء الأبدى لحاكم البلاد! أى أن الصورة العامة كانت تميل إلى القتامة فى معظم البلاد العربية التى تتنكر باسم حركى هو (الاعتدال) والاعتدال منها براء!!

لذلك جاءت الانتفاضة التونسية المباركة - لهذا الشعب الحيوى - كصاعقة فى سماء صافية، فقد بدأ النظام التونسى أكثر الأنظمة استقرارا، وأكثرها قمعية، بدا أن تونس الخضراء الجميلة قد دانت له، خاصة بعد التصفية القاسية لحركة النهضة الإسلامية. وكانت كل المؤشرات الاقتصادية المعلن عنها (سواء أكانت حقيقية أو كاذبة) والتى تصدق عليها كافة المؤسسات الاقتصادية الدولية، كانت كلها تسير فى الاتجاه الإيجابى، وكانت أفضل من مؤشرات الاقتصاد المصرى. وأصبح زين العابدين بن على الرئيس الأبدى بلا منازع, وهو يستعد الآن لتمديد جديد. ووصفت وثائق ويكيليكس - على لسان دبلوماسيين أمريكيين - أن الذى يحكم تونس مجموعة من المافيا (العصابة الإجرامية) وأن كل الصفقات الاقتصادية المهمة لابد أن تمر عبر زوجة الحاكم أو أى أحد من أفراد العائلة المالكة الحاكمة! وكان للنظام التونسى تجربة متميزة فى إفساد وتدجين الأحزاب المعارضة إلى حد تعيين بعض قادتها فى السلك الدبلوماسى.

والمعارضة لكى تكون شرعية لابد أن تكون مستأنسة, وفى هذه الحالة يكون لها صحف ومقرات وتدخل البرلمان بالانتخاب أو التعيين أو التزوير!! وهى أشبه بالتجربة المصرية عدا حكاية السلك الدبلوماسى! وكان النظام التونسى -ولا فخر - أشد قمعية من النظام المصرى، ولكن النظام المصرى حزم أمره على تبنى النموذج التونسى كما ظهرا أخيرا من تكسير الأنياب للإعلام والمعارضين ثم بهذه الانتخابات المروعة. وأيضا بتحويل الإخوان المسلمين من كتلة برلمانية من 88 عضوا إلى جماعة محظورة يتعين تصفيتها، وقد رفع شعار "المحظورة" قبل الانتخابات بعدة سنوات كتوطئه لهذه التصفية.

ولكن الانذار جاء من تونس نفسها وليس من أى مكان آخر. فما هى دروس انتفاضة تونس؟

1- إن المؤشرات الاقتصادية المعلن عنها للنمو حتى وإن كانت صحيحة (ونحن نشكك فى ذلك لأسباب موضوعية شرحناها فى مكان آخر) لن تحمى النظام ولن توفر له استقرارا إذا كانت لا توزع بعدالة، وهذا واضح من بداية الانتفاضة التونسية من الأماكن الأكثر فقرا.

2- إن شراء أحزاب المعارضة وتدجينها مع ما فى ذلك من إفساد للحياة السياسية لن يمنح الشعب من الخروج إلى الشارع عندما تضيق عليه الأحوال، وبدون أى قيادة منظمة للمعارضة السياسية.

3- كذلك فإن قمع المعارضة الثورية وإخراجها من الشرعية وتمزيق أوصالها بأجهزة الأمن لن يمنع الشعب من التحرك.

4- إن هذه الحركة الشعبية التلقائية انتقلت سريعا من الهتاف ضد البطالة والفقر والجوع إلى الهتاف ضد الاستبداد وضد الحاكم وضد حكمه الأبدى، وضد تمديد هذا الحكم. والموضوع لا يحتاج لقادة سياسيين ولا منظرين، والشعب يعرف الصلة الوثيقة بين كل هذه الأشياء.

5- أن أجنحة المعارضة التونسية الجادة والشريفة تحركت.. بعد تحرك الجماهير, وحاولت مواكبة الحركة الجماهيرية، وتوفير القيادة السياسية لها، وهذا جيد ومطلوب، لأنه لا غنى للحركة الجماهيرية عن قيادة وطنية واعية مستعدة لتقدم الصفوف والتضحية.

6- أن الحركة أصبحت شاملة وعميقة, وامتدت لمحافظات شتى والمدن الرئيسية حتى العاصمة, وهو الأمر الذى اضطر النظام لتقديم الوعود وإجراء تعديل وزارى لامتصاص الغضب, ولكن النظام يمارس نفس اللعبة السقيمة لكل المستبدين، أن يقدم الجزرة للجماهير المنتفضة (الوعود) وأن يقمع المندسين والمستغلبين لمعاناة الجماهير!! (اعتقال المئات + التهديد والوعيد). ولكن هيهات، فقد تم تحطيم جدار الخوف، وهو الجدار الأساسى الذى تتستر خلفه تلك الأنواع من الأنظمة البالية. وعندما يتحطم هذا الجدار فإن الطريق سيكون مفتوحا للتغيير.

*****

لا يمكن تقدير كيف ستتفاعل الأمور فى المدى القريب فى تونس؟ ولكن الأكيد أننا سنكون أمام تونس جديدة، انتهت فيها أسطورة التنمية التونسية الرائدة، وأعلن الشعب موقفه، من الاستبداد والفقر والجوع، ولن تعود عقارب الساعة إلى الوراء.

ومن المهم أن تستلهم النخب العربية والجماهير العربية هذه الدروس الثمينة للانتفاضة التونسية, فقوانين التغيير من سنن الله، وهذه القوانين ستعمل مهما ازداد القمع البوليسى, ومهما تورطت المعارضة فى خيانة الأمانة، وعلى الشرفاء والمخلصين لأوطانهم أن يقفوا فى الخندق الصحيح، وأن يكونوا أداة لتفعيل هذه القوانين، لأنها ستعمل بهم أو بدونهم، فليعملوا بدلا من أن يصيبهم الخزى والخسران.

(حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا . قُلْ إِنْ أَدْرِى أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّى أَمَدًا) (الجن: 24-25).
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق