الأربعاء، 19 يناير 2011

الاستراتيجية البوعزيزية في التغيير

مراجعات

الاستراتيجية البوعزيزية في التغيير

سامي عبد الرؤوف عكيلة
رئيس نادي صناع الحياة _ غزة فلسطين
منذ زمن بعيد ونحن ننادي في النخب العربية المثلَّجة لتتحرك وتقود الشعوب المقهورة إلى التغيير المنشود, إلا أن النداءات كانت تعود دوما بصدى الخيبة والخذلان حيث بقيت ولا تزال النخب العربية صامته صمت القبور.
وأمام سقوط استراتيجية النخب في التغيير برقت في فضاء الأمة المعتم استراتيجية بديلة أعادت الأمل وبثت الروح من جديد, فرأينا كيف أن النخب تهرول وراء الشعب التونسي الذي فتح لها الطريق نحو النور.
من الذي أمر التونسي العاطل عن العمل "محمد بو عزيزي" أن يحرق نفسه ويشعل فتيل الثورة التونسية المعظمة؟! ومن الذي قاد شعب تونس في الشوارع كالإعصار المدمر؟! إنها عفوية العامة من المقهورين الذين أرادوا الحياة فاستجاب لهم القدر وانجلى من أمامهم الليل وتحطم عنهم القيد وفق نظرية جدهم الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي في التغيير سنة 1934م.
وهي ثورة تأتي في العظم متقدمة على باقي الثورات المعاصرة كالثورة المصرية ضد الملكية الظالمة 1952م, والثورة الإيرانية ضد الشاهية المتأمركة 1979م, أو الثورات الغابرة كالثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر 1789م, ودليل العظمة يكمن في أن جميع الثورات المذكورة خاضتها الشعوب من خلف النخب, أما الثورة التونسية فلقد خاضتها النخب من خلف الشعوب.
وما كان لاستراتيجية الشاعر أبو القاسم الشابي في التغيير أن تفعل فعلها في زمانه وفي جيله نظراً لغياب مقومات البيئة الحاضنة لهذه الاستراتيجية ثقافيا واجتماعيا, ولكن وبعد عقود من الزمان خرج من أصلاب جيله من يتبنى استراتيجيته ويصنع منها تغييراً دراماتيكيا يئست منه العروبة.
ولقد أطلقت على استراتيجية التغيير بالشعوب اسم استراتيجية بوعزيزي ليس احتفاء بفعل الانتحار المرفوض شرعاً, إنما لرمزية هذا الرجل في حياة الثورة التونسية القصيرة.
إنها الاستراتيجية الشعبية في التغيير التي خط نجاحها العمال والصناع والفلاحون من أبناء الشعب التونسي البطل بدمه القاني, ففرضوا قرار التغيير الشعبي بقوة الحق أمام حق القوة.
وأمام ذلك تبقى استراتيجية التغيير بالنخب من المثقفين والعلماء والأدباء وأساتذة الجامعات .. الخ تعيش اصفرار الخريف المعتم فعلى ما يبدو أن مقومات اخضرارها الربيعي لم يحن بعد.
ولقد أثبتت ثورة تونس المعظمة النظرية المنادية باحترام الشباب وضرورة إعطائهم مكانتهم على اعتبار أنهم وقود الثورة والتغيير المنشود, فلقد ضرب الشباب التونسي نموذجاً واقعياً يغني عن ألف ألف محاضرة ومقال ومؤتمر حول دور الشباب في عملية التغيير.
أما وأن استراتيجية التغيير بالشعوب تقدمت على استراتيجية التغيير بالنخب فعلى الأخيرة أن تعيد حساباتها وأن تحمي نفسها من لعنة التاريخ والشعوب وألا تكتفي بدور قطف الثمار, وليحذروا الوقوع في فم الثائر الشاعر الفلسطيني غسان كنفاني القائل "الثورة يزرعها حر، ويخوضها شجاع، ويقطف ثمارها جبان".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق