الثلاثاء، 4 يناير 2011

(كسر الحصار عن القدس)




د.نهاد الشيخ خليل


بقلم: د.نهاد الشيخ خليل
الإثنين, 03 يناير 2011 - 13:15
تتكاثر الشكوى على لسان نشطاء حماس في الضفة الغربية، اعتقالات وملاحقات ومداهمات وفصل من الوظائف، ومؤخراً اعتقال أبرز وأهم قادة القسام في منطقة الخليل ....إلخ، هذه الإجراءات طالت النساء بشكل منهجي ومستمر، وكذلك طالت نواب حركة حماس في المجلس التشريعي؛ سواء عبر المساس بهم مباشرة أو تهديدهم بالإبعاد أو المس بأبنائهم وعائلاتهم، وعندما يصل الأمر إلى هذا الحد –المساس بالنساء والنواب واعتقال المطاردين من قِبَل الاحتلال- فهذا يعني أنه لا توجد حُرمات، وأن الأجهزة الأمنية في الضفة قد حرقت كل السُفُن، وأنها لا تفكر بالعودة.

وفي المقابل، عندما يرصد المتابع محاولات حركة حماس لمعالجة هذا الملف، فإنه يجد تشخيصاً للحالة يستند إلى أن الواقع في الضفة صعب، ونشطاء حماس واقعون بين عسف الاحتلال وظلم الأجهزة الأمنية، والذي ينجو من الاحتلال تصطاده الأجهزة، والعكس صحيح، ويلاحظ المراقب كذلك أن نشطاء حماس في الضفة؛ إلى جانب الشكوى، فإنهم يطلبون النصرة من حماس في غزة؛ التي لا تستطيع أن تصل إليهم، وبالتالي تبدأ المؤتمرات الصحافية والموجات التلفزيونية التي تهجو سلوك الأجهزة الأمنية في الضفة أحياناً، وتذكرهم بالنخوة والشرف أحياناً أخرى، وتُحذّرهم في مرات كثيرة من العواقب الوخيمة لمثل هذا السلوك المستنكر دينياً ووطنياً، وفي النهاية تبقى الأمور على حالها انتظاراً لموجة اعتقالات وملاحقات جديدة، ومن ثمَّ عود على ذي بدء! وحتى اللحظة يبدو أن الأحداث تدور في هذه الحلقة المفرغة.

وللخروج من الحلقة المفرغة، وإطلاق مرحلة جديدة في الضفة الغربية، لا بد أن نحدد ما هي إمكانات وخبرات وقدرات حركة حماس، وما هي الفرص المتاحة أمامها. إذا عدنا إلى تاريخ حركة الإخوان المسلمين الفلسطينية لمعرفة كيفية تصرفها مع حالات الحظر والملاحقة من الأنظمة العربية؛ سنجد أنها لم تلجأ إلى العنف، وإنما امتصت الضربة أولاً، ثم أوجدت لافتات جديدة تعمل تحتها، حصل هذا بعد ضربة سنة 1949، عندما أسست الحركة جمعية التوحيد في غزة بعد حظر أنشطة الإخوان في مصر ومن ثم في غزة، وفي عام 1955 أسس الإخوان المسلمون –بالاشتراك مع القوى السياسية الأخرى- في غزة نقابة لمعلمي وكالة الغوث، وكان الهدف من هذه النقابة إيجاد لافتة للعمل العام تعويضاً عن حظر أنشطة الإخوان على إثر ضربة 1954، وهكذا سارت الأمور، حتى أن حركة حماس عندما تعثرت العلاقة بينها وبين السلطة في بداياتها فقد أعلنت عن تأسيس حزب الخلاص الوطني الإسلامي سنة 1996، وحافظت الحركة من خلاله على شيء من وجودها ونشاطها وموقفها.

لكن يبدو أن الحركة في الضفة غير قادرة على العمل تحت لافتة جديدة، وهي كذلك غير قادرة على الاستفادة من حصانة النواب الذين يجتهدون مؤخراً للتعبير عن مواقفهم والقيام ببعض الأنشطة، إضافة إلى أنها كذلك غير قادرة، وربما غير راغبة في مواجهة السلطة عسكرياً كما فعلت الحركة في غزة، وغير قادرة كذلك على إطلاق مرحلة جديدة من العمل العسكري ضد الاحتلال.

ويبدو أن الأجهزة الأمنية في الضفة لا تريد أن تترك أي مجال للتنفس أمام الحركة، ربما ظناً منها أن ضغطاً كهذا يمكن أن يساعد في الحصول على تنازلات من قيادة حماس في غزة، وربما أن الأجهزة الأمنية في الضفة تعتقد أن الضغط الشديد وتجفيف المنابع؛ سيجعل القواعد الاجتماعية المؤيدة لحماس تَنْفَضّ من حولها، وترتبط بشبكات المساعدات الاجتماعية التي أسسها فياض في إطار سياسته القاضية بالهيمنة على الوضع العام في الضفة عبر الاقتصاد والقبضة الأمنية مضافاً إليهما وعد شكلي بإقامة الدولة الفلسطينية، وبالتالي دفع كل قطاعات المجتمع الفلسطيني تحت ضغط الرغبة والرهبة للانخراط في سياق الأمر الواقع.

يبدو حتى اللحظة أن هذه النظرية (الفياضية) لا زالت قادرة على الهيمنة على الوضع العام، ويظهر أيضاً أن حركة حماس غير قادرة على مواجهتها، لأن قيادات حماس في الضفة لا تفكر في المواجهة العسكرية مع السلطة، وهي أيضاً لا تمتلك الخبرة في المواجهة السياسية، ويمكن القول إن هذه هي المرة الأولى التي تقف فيها حركة حماس في الضفة في مواجهة واستهداف مباشرة مع حكم عربي فلسطيني مسيطر على الضفة، في السابق لم تمر حماس أو الإخوان المسلمين في الضفة بحالة من هذا النوع.

ما العمل؟ بالطبع تستحق قيادة وكوادر حركة حماس في الضفة كل التقدير على الصبر والتحمل، لكن هذا الصبر زاد عن حده، وأنا لا أدعو إلى مواجهة عسكرية بين حماس والأجهزة الأمنية، ولا حتى إلى عصيان مدني في الضفة، وأعتقد جازماً أن مواجهة عسكرية أو سياسية تخوضها حماس في الضفة لن تؤدي إلى نتائج إيجابية لحماس أو للشعب الفلسطيني.

مرة أخرى ما العمل؟ تجدر الإشارة هنا إلى أن حركة حماس في الضفة –بقياداتها وكوادرها- تمتلك خبرة جيدة في خوض المواجهات الجماهيرية مع الاحتلال خلال الانتفاضتين؛ لهذا أقترح على حركة حماس في الضفة أن تبدأ مرحلة جديدة من العمل ضد الاحتلال، يكون عنوانها الرئيس (كسر الحصار عن مدينة القدس)، وأدواتها خروج جماهير حركة حماس نساءً ورجالاً إلى حواجز الاحتلال العسكرية التي تفصل مُدُن الضفة عن القدس، وتشتبك هناك مع قوات الاحتلال أمام كاميرات الفضائيات العالمية، قطعاً سيسقط شهداء وجرحى –بالطبع أنا لا أستهين بأية قطرة دم- لكن الشهداء والجرحى يسقطون باستمرار، فأيهما أفضل أن يسقطوا خلال اجتياحات الاحتلال، أم أثناء الهجوم لفك الحصار عن القدس.

إذا قامت حركة حماس بهذا العمل، ستسري روح جديدة في الضفة سيتألق فيها الفلسطيني الأصيل، ويتعزز وجوده ونهجه، وسيتراجع "الفلسطيني الجديد" ويتقوّض نهجه، هل سيحدث هذا؟

--
[تجدون مقالاتي وخواطري في مدونة تأملات http://www.t5molat.blogspot.com/]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق