الثلاثاء، 18 يناير 2011

الرئيس الفار إلى بحيرة المسك ! - عثمان البدراني


آمل أن لا يفهم من عبارة "الرئيس الفار" أن المقال سيتحدث عن رئيس ينتمي إلى فصيلة الفئران، أو عن فأر يمارس صلاحيات الرئاسة.. ولكن هي عبارة تداولتها وسائل الإعلام لتوصيف الحال التي كان عليها الرئيس التونسي بن علي خلال فترة فراره من الشعب الغاضب، وقبل معرفة مصيره التي انتهي به في جدة! برغم أن سلوك الرئيس ليس بعيداً عن السلوك الفئراني المعهود!

ومن جانب آخر فإن بحيرة المسك، كما هو معروف لدى سكان المملكة، وجدة خاصة، هي بحيرة صناعية تكونت من مياه الصرف الصحي، وأصبحت مكاناً لتفريغ حاوياته!المقصود أن الرئيس الذي أصبح في نظر التونسيين والعرب من مخلفات الماضي البغيض، قد وصل إلى جدة، التي لا يتمنى لها المحب لبلده، في نظري، أن تكون "بحيرة مسك" لمخلفات الأنظمة السياسية العربية والإسلامية، تغري كل فار بالهروب إليها من العدالة في بلاده!
لقد تم في الماضي استقبال عائلة الإمام حميد الدين، والرئيس الأوغندي السابق عيدي أمين، ورئيس الوزراء الباكستاني السابق نواز شريف، وغيرهم .. والآن زين العابدين بن علي! الذي رفضت فرنسا استضافته، برغم أنه يعد وكيلها، أو عميلها، في تونس، وكان التبرير المعلن هو الرغبة في عدم إثارة التونسيين الذين يعيشون في فرنسا، ولكن في اعتقادي أن السبب الحقيقي هو رغبة فرنسا في المراهنة على المستقبل لا على الماضي، حيث إن استضافتها للرئيس المنتهية صلاحيته سيحرمها من لعب دور في المستقبل في تونس، ويجعلها خصما لإرادة الشعب التونسي.. الذي يتمنى محاكمة الرئيس لا حمايته.الحقيقة أنني لا أدري سر المراهنة على المنتهية صلاحيتهم من الزعماء، وما المكسب الذي يمكن أن يتحقق لبلادنا من استضافتهم، في مقابل الخسائر التي ستلحق بنا نتيجة ردود فعل الشعوب الغاضبة على ذلك، حيث تتمنى الشعوب محاكمة هؤلاء على جرائمهم وما ارتكبوه في حق بلادهم، إلا إن كنا نراهن على الحكومات الزائلة، في مقابل الشعوب الباقية! أو أن الهدف هو إشعار من هم في سدة الحكم الآن بأن من مصلحتهم الاحتفاظ بعلاقات طيبة مع بلادنا لأننا على أي حال سنكون خط رجعة لهم في المستقبل، إن لفضتهم شعوبهم!
مادمت قد فهمت يا بن علي فهل يمكن أن تشرح لبقية الطلاب؟!

يبدو أن الرئيس العربي يحتاج إلى ربع قرن لكي يفهم شعبه!
فالرئيس التونسي السابق "زين الهاربين" بن علي قال في آخر ظهور له بعد أن خنقته الجماهير الغاضبة.. فهمتكم.. نعم فهمتكم.. فهمت الجميع !
فقد "فهم" الرئيس التونسي أخيراً، وبعد 23 عاماً من الحكم ما يريده شعبه! بل ما تريده الشعوب جميعها.. الحريات والحقوق.. وأداء الرئيس لواجباته التي كلفه بها الشعب..
ولكن مع كل ذلك، فلا شك أن فهم الرئيس، وإن كان متأخراً، وقد جاء في الوقت الضائع، كما يفهم الطالب البليد المنهج الدراسي بعد انتهاء الاختبارات .. فإنه يعد خطوة إيجابية يمكن استثمارها في شرح ما فهمه الرئيس السابق لبقية الزعماء العرب.. قبل أن يجدوا أنفسهم في الوقت الضائع، وبعد أن تحاصرهم الاختبارات الشعبية من كل جانب..فلا تنفعهم المذاكرة عندئذ .. لأنهم سيكونون عندها دروساً يذاكرها غيرهم عبر التاريخ.. كما هو حال زين العابدين الآن!
أقترح على الرئيس السابق وقد أصبح مطروداً من مدرسة السياسة، ولم يعد له فرصة في العودة لصفوف الدراسة في بلاده، ومن باب استثمار وقته وخبراته، أن يوظف هذه الخبرات، في إقامة دروس خصوصية "للمتخلفين سياسيا" من الزعماء العرب الذين لم يستوعبوا الدرس بعد، فيشرح لهم المنهج.. فالاختبارات تدق كثيراً من الأبواب العربية.. ولكن آمل منه أن يشرح لهم المنهج الذي أفهمه إياه الشعب التونسي، لا أساليب الغش في الاختبارات التي درج عليها خلال فصول فتراته الرئاسية المتعددة، أو من واقع خبراته الطويلة في المخابرات والقمع والدكتاتورية..
أعرف أن مهمته ستكون صعبة مع هؤلاء الزعماء، لأن بعضهم لم يعرف الدراسة أصلاً ولا الاختبارات، أو كان يدرس في مدرسة والده الخاصة، فلا يعاني ما يعانيه بقية الطلاب! ولكني أعتقد أن هذه المدارس ستتقلص بسبب "الظروف الاقتصادية" الخانقة التي تعيشها الكثير من الدول العربية..
لا تنس يا زين العابدين أن تحكي لهؤلاء الزعماء أيضاً مشاعرك بعد أن أصبحت خارج المدرسة.. وهي مرحلة سيمر بها كل واحد منهم، سواء بالأسلوب الذي فُصلت به من المدرسة، أو عندما يتدخل ملك الموت شخصياً في هذا الموضوع.. فلقد تركت خلفك كل شيء.. المنصب والمال والجاه.. ولم يبق من كل ذلك إلا الذكريات، وشعب يروى للأجيال جرائم زين العابدين.. وبالطبع الأوزار التي تحملها إلى مصيرك المحتوم، وأوزار من مكنتهم من المناصب والأموال والرقاب.. فظلموا ونهبوا باسمك.. وتحت ملكك وسمعك وبصرك..
كما آمل أن تحكي مع الذكريات مشاعر الحسرات التي ستعيشها ما بقي من عمرك، وأنت ترى من كانوا يحاولون التقرب إليك، أو إثبات قربهم منك، والولاء لك، يحاولون اليوم إثبات أنهم كانوا أبعد الناس عنك، وينقبون في تاريخهم عن كل كلمة تثبت معارضتهم لك، ورفضهم أساليبك الدكتاتورية فيما مضى!!
وبما أنك اخترت، أو اضطررت للعيش في السعودية، فستعيش بصمت في مجتمع المحجبات والملتحين والمصلين الذين حاربتهم طوال عمرك! فهنيئاً لك ما ستعتبره سجنك المؤبد!


عثمان البدراني
الرياض، الأحد 12/2/1432 هـ

 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق