وهل يمكن أن يتكرر سيناريو "ثورة الياسمين" في الخليج!!
صلاح الدين يوسف 18 يناير 2011
خاص بشبكة فلسطين للحوار
يحس المواطن العربي هذه الأيام بنوع من الارتباك والدهشة مما يحصل حواليه ولعله يتساءل: هل نعيش هذه الأيام حلم وردي على أضواء نار محمد البوعزيزي؟ أم نشاهد مجريات لعالم واقعي هو نفسه العالم الذي نعيش فيه!!
وهل ياترى نحتاج لقرصة كتلك التي يتلقاها أبطال برامج الأطفال عندما يظنون أنهم يحلمون في عالمهم الخيالي!!
أم ترانا نعيش في مقطع من فلم " Inception " الذي يقوم على فكرة في غاية الغرابة والإبداع حيث يمكننا أن نخلق الأحلام ونعيش فيها، وأن ندخلها لنسطرها بالطريقة التي نريدها.
فلا نكاد أن نصحوا من سرعة الأحداث في تونس إلا على وقع حدث أكبر من سابقه، وقد رأينا انعكاسات أحداث تونس في تحركات أخرى بمناطق مختلفة من الدول العربية كالجزائر وموريتانيا ومصر والأردن، بل وصلت إلى مناطق أكثر استقرارا من غيرها كدول الخليج، فالمتابع للأخبار يجد تحركات من هنا وهناك في دول خليجية كلها مرتبطة بتونس وإن أنكر المسؤولون ذلك بشكل رسمي:
تحركات خليجية:
في الكويت قال وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء الكويتي إن أمير البلاد أمر بصرف "مكرمة أميرية" تبلغ ما يعادل 3500 دولار لكل مواطن، بالإضافة لتوفير المواد الغذائية لحملة البطاقات التموينية لمدة سنة كاملة.
وفي عُمان تم توزيع جهاز كمبيوتر على كل أسرة، خصوصا مع خروج العشرات في مظاهرة للتنديد بالأوضاع الاقتصادية وارتفاع الأسعار!! وكتب على لافتة رفعها المتظاهرون الذين تجمعوا أمام وزارة الإسكان "ارتفاع الأسعار يدمر أحلام المواطنين العاديين".
وضربت الشرطة طوقًا أمنيًا من دون أن تتدخل، وردد المتظاهرون الذين تجمعوا بناء على رسائل تلقوها عبر هواتفهم النقالة أو عبر الإنترنت، شعارات تندد بغلاء المعيشة والفساد.
وفي البحرين نشاهد الصحف يومياً تنقل بيانات وكلمات للحكومة وعبر أرفع مسؤوليها الذين يؤكدون الوقوف التام مع احتياجات المواطنين، والحرص على التواصل معهم، رغم النية السابقة لرفع الأسعار لأكثر مما هي عليه وإزالة الدعم الحكومي عن السلع الأساسية!!
وفي السعودية نلاحظ سعي حثيث من قبل المسؤولين محاولة تجنب أي تلميحات من شأنها الرباط بين الحكومة السعودية والحكومة التونسية المخلوعة، وذكر دبلوماسيون أنهم كانوا يأملون فيما يبدو الاستفادة من استضافة بن علي في إظهار دور دبلوماسي للمساعدة على نزع فتيل أزمة دولية!!
هل ممكن أن تنتقل الثورة لدول الخليج العربي؟
إن سنوات طويلة من القمع والترويع التي تعرض لها المواطن العربي جعلته كائن بشري منزوع الإرادة، يخاف من كل شيء يحيط به، ويلقي اللوم على الآخرين في كل شؤون حياته، ويرى بأن العالم يحركه أيادي خفية تسيطر حتى على القطر في السماء، يقول روجر كوهين وهو كاتب أمريكي بارز في صحيفة نيويورك تايمز (العقلية العربية نتيجة لسنوات القمع التي عاشوها في ظل أنظمة ديكتاتورية أضحت تتسم بإلقاء اللوم على الآخرين واعتناق نظرية المؤامرة بشكل مستمر بالإضافة إلى الخوف الشديد الذي يشلّ قدرتهم على التفكير أو التصرف بأنفسهم).
رغم ذلك كله إلا أن الثورة التونسية كانت بمثابة الصفعة القوية التي لطمت مجموعة كبيرة من الوجوه، كان من أولها وجه المواطن العربي البسيط لتحول تركيبته الكيميائية الداخلية وتعيد صياغة عقله ليتحول إلى كائن أسطوري تسري دماء التحرر في عروقه، والملفت للنظر أن هناك تقارير استخبارتية لوكالات أجنبية تؤكد إمكانية إعادة السيناريو التنونسي في دول أخرى، فقد توقع رئيس وكالة الاستخبارات الألمانية الخارجية إرنست أورلاو إمكانية تكرار سيناريو الانتفاضة الشعبية في تونس التي أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي في دول عربية أخرى مع تشابه الظروف التي أدت إلى اندلاع ما تسمى بـ "ثورة الياسمين" بتونس.
وذكر من بين تلك العوامل النمو السكاني الكبير غير المتوازي مع التطور الاقتصادي، وفرص العمل في تلك الدول.
ويذكر الدكتور طارق السويدان أنه بحسب كتاب "سيكولوجيا الثورات" فإن الناس تثور في حالتين، يثور الناس إذا مُس مصادر رزقهم، ويثور الناس عند المساس بمقدساتهم.
ولو أسقطنا هذه التحليلات والأسباب أو العوامل على الواقع في الخليج فإننا سنجد أنه من المستبعد أن تشمل هذه الثورات الدول الخليجية لأسباب رئيسية منها أن المواطن الخليجي يعتبر بوضع اقتصادي جيد نسبيا، ومشغول بأمور أخرى غير التفكير بالمشاكل الاقتصادية والبحث عن كسرة الخبز،
ففي الإمارات مثلا عندما سئل بعض الشبان الإماراتيين في مركز للتسوق بأبوظبي عن تونس لم يكونوا مدركين للازمة التي تدور هناك!!
يقول تيودور كاراسيك المحلل الأمني المقيم في دبي (أعتقد أن دول الخليج أكثر أمنا قليلا من بعض الدول الاخرى التي ورد ذكرها مثل مصر والاردن والجزائر. لذلك لا أرى أنها "الثورة" ستمتد الى هنا)
وقال سلمان شيخ مدير مركز "بروكنجز" الدوحة (أعلم أن هناك قدرا كبيرا من الحديث بشأن التداعيات. أعتقد أن مركز التأثير ما زال تونس بصورة كبيرة ويمكن أن أقول في شمال إفريقيا).
بالإضافة لأن حكومات الدول الخليجية بشكل عام تغلف نفسها بغطاء ديني وتدعم بعض التيارات الدينية التي تمتاز بالتبعية لها والتي تعطيها الشرعية الدينية في كل تحركاتها وحتى التي تخالف أساسات الدين الإسلامي كمولاة الكفار، ونصرة المسلمين المستضعفين، أو حتى سرقة أموال الدولة، وتقوم المؤسسات الدينية بتحريم معظم أنواع النقد والنصيحة للحكام أو التعبير عن الرأي بحجة وجوب الطاعة لولاة الأمر!!
لهذه الأسباب يمكن القول بأن الثورة التونسية لايمكن أن نشاهد لها غير انعكاسات بسيطة على واقع الحكومات الخليجية تشمل توزيع بعض الفتات من حين لآخر وإصدار بعض التصريحات المخدرة التي يُسعى من خلالها لامتصاص أي احتقانات مرتبطة بالقضية التونسية، وإن كان هناك تغيير سيكون بسيناريوهات أخرى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق