خلافة مبارك... من يخطط لها ؟

abureem

بدأت حركة مصرنا الغالية حركة شبابية عفوية احتجاجية، بمطالب معيشية تتعلق بالبطالة والفقر والفساد والرشوة والخصخصة. تقرّب مسؤولو الأحزاب السياسية من هؤلاء الشباب وحاولوا استيعابهم وسرقة حركتهم النبيلة.

نعم، أحزاب متصادمة فكرياً التفت حول شباب بدون التزام سياسي لسرقة عفويتهم، ومنذ البارحة تقرّب مبارك بوساطة الطنطاوي وزير الدفاع وتواصل مع الشباب، وقام عمر سليمان بتصريح يتضمن أن مبارك قد كلـّفه بالحوار مع الحركات السياسية، بيد أن الشباب يستمرون بحركتهم، وها هم اليوم يملؤون الشوارع وميدان التحرير بتظاهرة مليونية، يهرع وراءها سياسيون هواة يحلمون بممارسة السياسة على رأس نظام جديد بدون نهج ولا رؤية سياسية واقتصادية وأمنية واجتماعية. نعم سرق أو قد يسرق ساسة مصر جهود الشباب العفوية النبيلة، كون مطالبهم باتت سياسية أو مسيّسة بفعل تدخل هؤلاء السياسيين : زوال الحكم برمته ورحيل مبارك بأقصى سرعة ممكنة. ولكن من سيخلف مبارك ؟

مبارك من الناحية العملية لم يعد رئيساً، ولن يتمكن من حكم مصر، في ظل كراهية شخصه ونظامه وحزبه وأزلامه وسياسته من شباب مصر. كان ترحيله لأي بلد في منتهى السهولة، لكن خبثاء الغرب والصهاينة يخططون بحنكة واهتمام بالغ الأهمية، فتركوه وحده يشغل منصب الرئيس بلا سلطة، وطمأنوه على أفراد أسرته بترحيلهم إلى الخارج، ثم فرضوا عليه شبه إقامة جبرية، حتى يتثنى لهم اختيار من يخلفه. ولكن من سيكون الخليفة ؟

إن قادة أمريكا وأوربا والعدو الصهيوني لا يرغبون برحيله قبل أن يعثروا على من هو بنفس نسبة العمالة والتواطؤ لصالحهم ولصالح "أمن العدو الجرثومي" المحتل لفلسطين، بمعنى أن ضمانهم لعدم إلغاء معاهدة كامب ديفيد الموقعة بين مصر والعدو هو المُسيّر الأكبر لتخطيطهم... معاهدة تنص على عدم تواجد الجيش المصري في سيناء، والدليل أن مصر طلبت موافقة نتنياهو وباراك ليحشدوا جيشهم شمال سيناء لمواجهة المتظاهرين المصريين "المخربين". يا لها من معاهدة عار ؟

عثرت أمريكا والصهاينة على أقرب المقربين من قادة العدو، عثروا على عمر سليمان ليخلف مبارك قبل أن يطالبوا مبارك برحيل هادئ، فتم تعيينه نائباً للرئيسً، كون مبارك لم يعد عملياً رئيس البلاد، لا دستورياً (بسبب القبول بالطعن بالانتخابات النيابية) ولا شعبياً (بفضل التظاهرات الحية)، ونظراً لأن سنـّه لا يساعد على التعدي عليه جسدياً، فسيضمن الجميع له كحليف سابق مخرجاً آمناً يلحق بأولاده وأحفاده، إن بقي على قيد الحياة.

يستغل صهاينة الغرب غباء وضعف وجبن ملوك ورؤساء وأمراء العرب ويجهزون شخصاُ أخر، إن تمّ التخلي عن عمر سليمان أو إن هرب هذا الأخير بنفسه أو رحل. نعم، يحضـّرون بديلاً مضموناً في (المعارضة)، إنه محمد البرادعي الذي حلّ في مصر، ليكون أحد كبار قادة المعارضة خلال أيام، ليس لجمال عيون مصر والعرب، بل لأنه أحد رجالاتهم.

خططوا وهم سادة التخطيط، أنه إن انتصر الشارع سينتصر البرادعي، وبالتالي سيفعل الغرب ما بوسعه ليضعه خليفة لمبارك. فهو حامل جائزة نوبل، وهو الذي لم يتصد للحرب على العراق حين أعلنوا كذباً عن امتلاكه أسلحة دمار شامل، وهو لا يشعر بما يشعر به العربي وخاصة المصري... لم يعش في مصر ولا تزوج من مصرية ولم يعرف الفقر ولا الحاجة.

للتذكير، بعد أن أصبح البرادعي مديراً عاماً للوكالة الذرية الدولية، ندّد كثيراً بنووية إيران وكان ربما محقاً، ووقف موقفاً متفقاً مع مواقف أمريكا والعدو الصهيوني فيما يتعلق بـ "نووية سوريا" المزعومة في دير الزور، وكان وقتها مبتاعاً. بينما، حين زار البرادعي كيان العدو، كادت شفتاه ترتعشان حين كان يحاول التطرق لنووية الحثالات الصهيونية في فلسطين المحتلة، فاكتفى بدعوة دول "الشرق الأوسط " للتخلي عن السلاح النووي.

البرادعي "الوطني المعارض اليوم" هو الذي صرّح أن أفضل فترة مرّت بها مصر كانت فترة ما قبل ثورة 23 يوليو حيث كانت، حسب قوله، تعمّ الحرية والديمقراطية والتعددية، ناسياً أو متجاهلاً أن هذه التعددية كانت تمارس تحت أحذية المستعمر الإنكليزي وتحت رقابة الملكية الفاسدة، وهو الذي صرّح أن عبد الناصر كان أكبر (طاغوت) عرفته مصر. إنّ وجود البرادعي في المعارضة يقلق كل مواطن مصري وعربي، ويدنس اسم المعارضة، لكنه أفضل خليفة لمبارك وسليمان، وفق تخطيط الغرب والعدو، للحفاظ على أمن المحتل الصهيوني، فكيف تثق به شبيبة مصر ومعارضتها ؟ 

هنالك شخصية ثالثة عربية مصرية، إنه عمرو موسى الذي شغل منصب وزير خارجية مصر - السادات، أثناء وبعد اتفاقية كامب ديفيد الاستسلامية. بدأ عمرو موسى يظهر على الشاشات العربية ليدلي بدلوه في أحداث مصر كمواطن مصري، لا كأمين عام عام لجامعة الدول العربية، وربما يستغل المنصبيْن. قد يكون عمرو موسى ممّن يرضى عليه الغرب والصهاينة، كون عروبته تبدو قوية وبالتالي مُخدّرة، كما أن تعلقه بـ "السلام مع إسرائيل" لا جدال فيه.

باختصار، لصالح من يخطط الغرب الصهيوني ؟

دونما أي شك، يخطط لـ عمر سليمان كحليف لقادة الكيان الغاصب... لا يمانع من تولـّي محمد البرادعي منصب رئيس الجمهورية أو أي منصب كبير، فهو من "أبناء الشعب" الذين نزلوا إلى الشارع !!... ولا يُمانع من وصول عمرو موسى الذي شارك في الحكم مع السادات ومبارك، وبصم بكل ما لديه من أصابع على اتفاقية الاستسلام الكامب-ديفيدية.

المواطن العربي البسيط يرى ويسمع وينتظر من سيحل محل الطاغية مبارك الذي يعتبر غائباً منذ أيام. هل سيكون رئيس مجلس النواب فتحي سرور، أم نائب رئيس الجمهورية عمر سليمان، أو أحد أقطاب المعارضة محمد البرادعي، أم الشخصية المفاجئة عمرو موسى.

إن وصل البرادعي أو سرور أو سليمان، فيا لذكاء ما تمّ تخطيطه من الغرب لتهميش الحركة الثورية في مصر الغالية، ولضمان أمن مغتصبي فلسطين، وإن وصل عمرو موسى فسيكون لكل حادث حديث، كون موسى لم يتقرب من الشارع ولم يكن رجل القصور المباركية.

المواطن العربي البسيط المحب العاشق لمصر يحلم بأن تستمر الحركة قبل سرقتها من السياسيين الهواة، وخاصة البرادعي، وأن يشكل الشباب أنفسهم هيئة نزيهة قضائية وسياسية واقتصادية واجتماعية، لتهدئة الأمور ثم لتسيير شؤون مصر بإجراء انتخابات تشريعية نيابية فقط، فلا حاجة في مصر إلى مجلس شورى بلا سلطة، ثم بانتخابات رئاسية ينتخب المواطن من يقدّم أفضل برنامج انتخابي ويعاقبه إن لم يف بوعوده في موعد الانتخاب القادم، على ألاّ تزيد مدة الرئاسة عن 5 سنوات، تـُمدّد مرة واحدة.

الكلمة لشعب مصر العربية العظيم، وما هو منتظر الآن الحفاظ على نقاء وصفاء ونظافة الحركة الثورية الشبابية، وعلى عدم نهبها من مهنيي السياسة، أياً كانت مشاربهم وتوجهاتهم.

ل يحم الله شباب مصر وليحفظ حركتهم، ولتعد مصر لمكانتها التي كانت تحتلها في خمسينيات وستينيات القرن الماضي.

اسأل الله العلي القدير أن يحفظ دماء أهلنا في أرض الكنانة
وأن يسخر لهم من ينقذهم مما هم فيه

___________________________________