السبت، 26 فبراير 2011

ثورة اليمن

طلال البعداني

ما زالت ثورتي مصر وتونس تطلان براسيهما هنا وهناك واثبتت ثورة مصر ان باب التوقعات مفتوح على مصراعيه دون اعتراف بخصوصية الانظمة المستبده فمصر لم تكن تونس وزين لم يكن مبارك وكلاهما كان قاسمهما المشترك هو الاستبداد والظلم والقمع واحتكار ثروات البلدان وهتك الحريات وكبت طاقة الشباب
ولعل الاخيره المتصلة بالشباب على وجه الخصوص هي الفتيل الاكثر قابلية للاشتعال وحين يشتعل فتيل الشباب فلا مجال للدوس عليه باقدام بوليسيه بغية اطفائه فسرعان ما ستنفجر براميل البارود الفقر والبطاله والتهميش والاستغلال لمقدرات الشعوب على اساس من الطغيان الاعمى الذي لا يدرك فسيولوجية المجتمعات ولا ديموجرافية الازمات التي تصاغ على اساس تراكمات قد تستمر لعقود لكنها قد تنفجر في لحظات
المعادله ليست صعبه هي تماما كابجدية العمليه الحسابيه المتعارف عليها وفق قوانين صارمه وليس مجرد نظريات انشائيه قد تحتمل النجاح والفشل
فعوامل النمو المعرفي ونوافذ التواصل الاجتماعي الرابط بين مكونات المجتمع الشابه واحترافية التعبئه العامه تكون اليوم ما بات يعرف بالقوه الثالثه المتحلله من عتيق السياسات وعفونة الاحزاب وشكلية التحالفات وعبثية الدمقرطه القائمه على اساس من الحد الادنى لما يمكن تسميته حراك النخب السياسيه ناهيك ان لفظ النخب لا يوائم هذه الكنتونات القائمة على اسس من المصالح الضيقه المتكسبة من قضايا الشعوب للحصول على مناصب معدوده في مشاهد باهته تكرر نفس المقاطع التمثيليه الممله
على ان استيعاب الدرس المصري ومن قبله التونسي من السهولة بمكان ان يحد من زحف المد الثوري غير ان البله المنغولي يكاد يكون هو القاسم المشترك الاكثر انتشارا بين زعامات الانظمه المستبده مما يجعلهم يتساقطون بنفس الطريقه وعلى نفس الطريقه
وفي المقابل اثبتت الشعوب وفي مقدمتها الشباب انهم الاكثر استيعابا للدروس والاكثر مقدرة على ترجمة الدرس الى تطبيق عملي واكاد اجزم ان عمر الرؤساء العرب المتهالك هو ما يجعل من فهمهم بطيئا وسقوطهم رتيبا على هذا النحو المضحك الذي يشفي الله به غليل الشعوب المقهوره فكل الانظمة العربيه يبدو انها باتت تعاني من امراض الشيخوخه والتبول اللارادي عبر وسائلهم الاعلاميه التي تجلب على الغثيان وتجعل من الشعوب اكثر توقا للتخلص من تلك الروائح الكريهه التي تبثها وسائل الاعلام الحكوميه مترجمة لعقلية تلك الانظمه ومدا ترهلها رغم انها تحاول ان تثبت بالعصى الغليظه انها ما زالت تملك من اسباب البقاء ما يمكنها من الترديد دائما ان كل شيئ ما زال تحت السيطره

حين ثارت تونس واقتلعت نظامها الاستبدادي والتسلطي بطريقة قتل الافاعي بضرورة بتر الراس لانجاز ثوره تغيرييه حقيقيه
كنت من المرددين ان اليمن ليست تونس واذكر انني استخدمت نفس العباره حين توقع احد اصدقائي ان يكون النظام المصري هو التالي قلت له حينها مصر ليست تونس متحججا بمساحة الحريه المفتوحه نوعا ما ومكانة مصر الاقليميه ورعايتها للمصالح والسياسات الغربيه وضمانها للامن القومي الاسرائيلي اكثر من ضمانها للامن القومي المصري نفسه مما جعلني اجزم ان نظام مبارك له من عوامل القوه المستمده من الدعم الخارجي الغربي اللامحدود للنظام السياسي المصري وان ما حدث في تونس لا يمكن اسقاطه على مصر كون تونس لم تكن تمثل ذاك القدر من الاهميه لصناع السياسات العالميه في امريكا ومن خلفها اوروبا كون احدا لن يسمح بسقوط النظام المصري على هذه الطريقه وتهديد المصالح الاستراتيجيه الغربيه وتعريضها للخطر على ان يتم دفع النظام المصري الى القيام بمزيد من الاصلاحات التي من الممكن ان تنزع فتيل الثوره والابقاء على مصالح الغرب الاستراتيجيه المتمثله قبل كل شيئ في حماية امن اسرائيل والعمل على تقوية محور الاعتدال العربي التي كانت مصر بنظامها المستبد داخليا المنفتح خارجيا ركيزه اساسيه بل وراس حربه في هذا المحور

واسرع مما كان متوقعا اذا بعدوى الثوره تنتقل الى مصر ويتم استنساخ نفس مشهد السقوط لكن هذه المره باخراج اكثر حرفيه وبسيناريو اكثر اثاره بحجم مصر وموقعها التاريخي والجغرافي والسياسي وانسحبت كل المشاهد السياسيه وكل الازمات العالميه الى الظل لتكن مصر هي شغل العالم الشاغل على مدا 18 يوما كانت كفيلة بان تلقي درسا للعالم جعلت زعيم اقوى دوله في العالم يقول انه يحرص على ان يتعلم شباب امريكا من شباب مصر وان مصر قد غيرت وجه العالم
وزعيم دولة عظمى ثانيه يصرح بالقول ان ما حدث في مصر ليس غريبا فمصر دائما هي من تكتب التاريخ
واكثر ما جعلني اعيد النظر في قراءاتي السابقه لثقافة الثوره ومدا امكانية نشوبها في اي دوله عربيه اخرى تلي تونس ومصر والتي قد تكون اليمن هما مشهدان يبعثان على الضحك من باب شر البلية ما يضحك
المشهد الاول للفنان الجماهيري تامر حسني الذي بكا امام عدسات التصوير بعد طرده من ميدان التحرير من قبل الجماهير الغاضبه الذي اعتاد ان تصفق له اثر تصريحات اعلنها امام وسائل الاعلام تهجم فيها على الشباب وعلى الثوره وحين ادرك مثلي الان ان الشعوب اذا ثارت فلا مجال للاستخفاف بها غير اني ادركت قبل فوات الاوان اما هو فقد اضطر للبكاء امام عدسات التصوير بشكل هيستيري وهو يردد انا مكنتش عارف هم اللي ضحكوا عليا وكانه يمثل دور بنت مضحوك عليها واعذروني على الاستعاره التي لا تليق بالقارئ لكنها تليق بتامر حسني في ذاك المشهد
المشهد الثاني كان للاعلامي ونجم برامج التوك شو على الطريقه المصريه عمرو اديب الذي لطالما سبح بحمد مبارك وحمده
والذي كان في بداية الثوره غير قادرا الا على التقليل من حجمها ورمي الاتهامات عليها ولو من باب التناول الاعلامي والذي طرد هو الاخر من ميدان التحرير مما دفعه على تمثيل نفس المشهد لكن بطريقه اكثر ابتذالا وهو يبكي ويقول انه كان مجبرا على التطبيل لمبارك ولم يجد في نفسه حرجا وهو يقول انهم رموه زي الكلب والاكثر من ذلك ان يقول عن اخيه عماد الدين اديب ان اباطرة النظام المصري بهذلوا امه الى درجة القول ان اصحابه من رجال الاعمال والشخصيات المهمه كانوا ينصحونه ويقولون له ان نظام مبارك اجمد من ربنا وصدقهم حينها لكنه ادرك بعد فوات الاوان ان الله هو القوي يعز من يشاء ويذل من يشاء

مشهدان وغيرهما كثير قد تكون امتلات بها شوارع مصر وازقتها ومجالسها الشبابيه وكل من هاجم الشباب في بداية ثورتهم عمد الى البكاء امام من كان يستهزئ بهم ويقول مكنتش عارف ضحكوا عليا او ضغطوا عليا
ناهيك عن قائمة العار التي دشن لها موقعا خاصا في عملية تنظيف للمشهد المصري باكمله من ازلام النظام المعاديين للثوره في بدايتها المتباكين امام شبابها تحت ظلال سيوفها
لذا انا اعلن من هنا تاييدي للثوره اليمنيه قبل بدايتها او في بداية شرارتها فمتى زرعت روح الثوره في نفوس الشباب فلا سبيل لصدها ولا مجال للاستخفاف بها او التقليل من شانها وان كان هناك من تخوفات لما يمكن ان تجره الثوره لليمن من تسريع لعملية انفصال في الجنوب او تقويه لحركات التمرد في الشمال وربما الوصول بها الى قمة المشهد السياسي في اليمن وهذا ما كان يجعلني من المتخوفين لاي بوادر ثوره ضد النظام في اليمن ولخشيتي ان النظام اليمني سيكرر المشهد ولن يكن بمقدوره الشذوذ عن رتابة السقوط السريع فانا سادرء المخاوف عن نفسي بان الشباب حين يشعلون ثورتهم فانهم سيشكلوا مجلس امناء الثوره وسيقطعوا الطريق على كل من يعتقد ان بامكانه استغلال الثوره لصالحه تماما كما فعل شباب مصر واثبتوا انهم حين يثورون فان ثورتهم لن تكون على النظام لوحه بل على كل ما من شانه ان يسرق منهم ثورتهم
حين يستيقظ الشباب فسيكون بمقدورهم على اقتلاع كل المؤامرات التي من الممكن ان تقود الى مستقبل اكثر ظلاميه مما يعيشه اليمن حاليا وحين يسقط النظام فحتما ستسقط معها المعادله بكل مجاهيلها وسيكون كل شيئ خاضعا لارادة الثوره دائرا في فلكها
ستسقط كل المحاذير وستبدد كل المخاوف وستسقط كل الاصنام وسيكفر بها كل معبوديها وسيكون الشباب هم الاقدر على تاطير جديد للمشهد كاملا
فليذكرني التاريخ انني ممن ايدوا الثوره منذ بداياتها طالما والثوره آتية لا محاله في ظل نبوءات بتكرر الغباء السياسي للنظام اليمني كما يبدو بما سيجعل من الخطا الركون الى ان الحكمه اليمانيه ستؤتي اكلها لدا صناع القرار السياسي في اليمن حيث يخشى ان تكون الثقه بقدرة النظام اليمني على استيعاب الدرس ستكون مجازفه تنتهي بالبكاء على انغام ضحكوا عليا ومكنتش عارف او حتى كنت خايف
ساضع ثقتي في الشباب ومدا قدرتهم على فرض اطروحاتهم على كافة المشهد مسقطين بذلك كل المخاوف وما استمرار شباب مصر في الاعتصام والتظاهر والضغط بعد نجاح الثوره الا دليل على قدرتهم على حماية ثورتهم بعد ان كتب لها النور
وليت الرئيس اليمني امنية قد لا يكون لها ما يؤيدها ليته يقنعني في القادم من الامل ان اليمن فعلا ليست مصر ولا تونس ساكون ممتنا ولن اجد حرجا حينها ان ابكي فرحا انه كان فوق كل التوقعات عوضا عن ان ابكي خجلا انني كنت من المناهضين للثوره في بدايتها

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق