الأربعاء، 16 فبراير 2011

هامان إذ يتبرأ من فرعون


الاحد 13 فبراير 2011

بقلم: شريف عبد العزيز
ـ قديما قالت العرب: لكل امرئ نصيب من اسمه، ورغم أن العرب قد صدقوا في كثير من مقولاتهم وحكمهم التي جاءت عن تجربة، إلا إن هذه المقولة تحديدا قد جافاها الصواب، لأنهم بالطبع لم يروا النسخة المطورة من الشخصية العربية، فهم قد رأوا النسخة الأصلية، أو العربي الأصلي، ولم يروا العربي التقليد، أو العربي التايواني كما يقولون، فلقد رأينا كثيرا من الناس تخالف أسماؤهم حقائقهم، فكم رأينا من وضيع اسمه شريف، وبخيل اسمه كريم، وخائن اسمه أمين وهكذا، وإن أكثر مثال يحطم هذه المقولة والحكمة العربية وينقضها من أساسها، هو وزير الداخلية المصري السابق: حبيب العادلي، الذي اعتبر المسئول الأول عن انعدام الأمن في البلاد في أعقاب مظاهرات الثورة المباركة، التي اندلعت في الخامس والعشرين من شهر يناير الماضي والتي اقتلعته من كرسي وزارة الداخلية التي استمر بها طوال 14 عاما
ـ هذا الوزير الطاغية أبعد الناس عن معاني الحب والعدل والحق، فهو تجسيدا متكاملا لكل مترادفات الشر والظلم والفساد والكراهية، ولو دخل مسابقة الشخص الأكثر كراهية في العالم العربي والإسلامي، لنالها عن جدارة واستحقاق، وربما سجل اسمه بجرائمه ضد الإنسانية والمصريين في موسوعة إبليس للمجرمين الأكثر شيطانية !  
رحلة الصعود إلي الطغيان
ـ ولد حبيب العادلي في الأول من مارس 1938، وحصل على ليسانس الحقوق ودبلوم المواد الشرطية من كلية الشرطة عام 1961، وتلقى عددا من الدورات التدريبية منها فرقة البحث الجنائي في عام 1963، وفرقة البحث عن الجريمة "المركز القومي للبحوث الجنائية" وفرقة تخصصية في مجال مباحث أمن الدولة في عام 1966، وفرقة إدارة الأزمة من الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1985.
التحق العادلي بالعمل في الأمن العام، وإدارة مكافحة المخدرات، وجهاز مباحث أمن الدولة في 1965، وتدرج حتى عين نائبا لرئيس الجهاز، وللقارئ أن يتخيل معني أن يكون الرجل ضابطا في جهاز أمن الدولة في حقبة الستينيات، وهي الحقبة الأشد شناعة وبشاعة في تاريخ التعذيب في المعتقلات، ثم  انتدب للعمل بوزارة الخارجية بين عامي 1982 و1984. ومُنح نوط الامتياز من رئيس الجمهورية في عامي 1986 و1997.
رُقي العادلي إلى رتبة مساعد وزير الداخلية في عام 1993، وعين مساعد أول وزير الداخلية لمنطقة القناة وسيناء، ثم مديرا لأمن القاهرة، ومساعد أول وزير الداخلية للأمن والمنطقة المركزية، كما عُين مساعداً أول لوزير الداخلية لجهاز مباحث أمن الدولة في 5 فبراير عام 1995، وفي 18 نوفمبر عام 1997 عين وزيرا للداخلية في مصر خلفا لحسن الألفي، في أعقاب حادث السياح الشهير في الأقصر، وذلك علي جثة سلفه حسن الألفي، إذ تقدم بتقارير تطعن وتدين الألفي بالتقصير، مما دفع حسني مبارك لئن يسب الألفي ويهينه  علانية في مشهد فريد نقلته كاميرات التليفزيون، وفي نفس اليوم صدر قرار الإقالة للألفي وتعيين العادلي بدلا منه .
وزير أمن النظام  
ـ بدأ حبيب العادلي أو هامان كما ينبغي أن يطلق عليه مهام عمله، ونصب عينيه مصائر أسلافه من وزراء الداخلية في مصر، فمنذ عهد السادات ووزراء الداخلية في مصر لا يمكث الواحد منه في منصبه أكثر من أربع سنوات، وتتم الإطاحة به، فلم يتقدم واحد من وزراء الداخلية منذ الوزير سيد فهمي الذي أقيل سنة 1977، استقالته، بل أقيل وأهين في معظم الأحوال، لذلك لما تولي حبيب العادلي المنصب جعل جل همه أن يتفادى أخطاء أسلافه، ويركز علي قضية واحدة فقط لا غير، وهي قضية أمن النظام، فقد اختصر مفهوم الأمن القومي الداخلي والقومي، في عبارة واحدة وهي أمن الحاكم وتأمين الكرسي، وعمل بكل قوته علي تقوية وزارة الداخلية في عهده  لتسعفه في مهمته الوحيدة، حتى صارت وزارته تحصل علي حصص مهولة من أموال الموازنة العامة للدولة المصرية، تبوأت بها المركز الثاني في الميزانية السنوية بعد وزارة الدفاع، ومتقدمة علي وزارات أكثر أهمية مثل وزارة التعليم والصحة والاقتصاد، وأصبح تعداد من يعمل في سلك الشرطة المصرية قرابة المليونين من الرتب المختلفة .  
ــ العادلي أو هامان العصر راح يتفنن في إثبات ولائه المطلق لنظام سيده مبارك، وجعل جل هم وزارته البائسة في تعقب المعارضة بشتى أطيافها، علمانية كانت أم إسلامية، وكان الجزء الأعظم بالتأكيد من نصيب المعارضة الإسلامية، فامتلأت السجون في عهده بالآلاف المعارضين الإسلاميين، وأطلق العنان لزبانيته في تعذيب المعارضين في المعتقلات ، فسقط سنويا العشرات حسب تقارير لجان حقوق الإنسان الدولية والإقليمية، آخرهم كان شهداء الثورة المباركة، ورغم تلك الوحشية المفرطة في القمع التعذيب، لم تتوقف وتيرة العلميات المسلحة في مصر، وشهدت البلاد موجة متتالية من العمليات الكبري في شرم الشيخ وسيناء، أسفرت عن خسائر بشرية ومادية ضخمة، وأضرت بسمعة مصر ومكانتها كثيرا، ومع ذلك لم يقله مبارك لخدماته الجليلة في ضمان سلامة وأمن النظام والكرسي .
فساد بأرقام قياسية
ونتيجة هذا القصور في فهم طبيعية الدور المنوط بوزير الداخلية والذي هو في الأساس حفظ أمن الوطن والمواطنين وحياتهم ومعايشهم ومعتقداتهم، ازداد معدل الجريمة والفساد في مصر ازديادا غير مسبوق، وبلغت الجريمة والبلطجة أعلي معدلاتها، وازدهرت تجارة المخدرات والممنوعات بأنواعها، وأصبح للجريمة دولة متكاملة الأركان في عهد حبيب العادلي، هوت بالبلاد إلي أحط مستنقعات الفساد والرشوة والمحسوبية، فمنظمة الشفافية العالمية، وهى أهم منظمة دولية في مجال قياس مدركات الفساد ودرجات الشفافية والنزاهة، تؤكد في جميع تقاريرها السنوية الصادرة منذ عام ١٩٩٥، ليس فقط أن مصر دولة«ضعيفة جدا» في مكافحة الفساد، بدليل حصولها على أقل من ٣ من عشرة على مقياس أو مؤشر الشفافية والنزاهة، ولكن ترتيبها بين الدول على سلم هذا المقياس يزداد سوءا من عام إلى آخر،  ففي  عام٢٠٠٦ كانت مصر تحتل المرتبة ٧٢ على هذا المقياس ثم انحدرت إلى المرتبة ١٠٥ عام ٢٠٠٧ ثم إلى المرتبة ١١٥ عام ٢٠٠٨ ، وبلغ الفساد حدا غير معقول، حتى نستطيع أن نقول بكل أمانة وحيادية أن مصر في عهد مبارك واحدة من أفسد دول العالم، والأرقام والأسرار تنكشف كل يوم عن مسئولين وشخصيات في النظام الحاكم، قد استنزفت هذه البلاد الطيبة استنزافا منهجيا لعشرات السنين وبأرقام مهولة،وليس لذلك سوى معنى واحد وهو أن حكومة مصر السابقة لم تكن فاسدة فقط ولكنها كانت تزداد فسادايوما بعد يوم،  وذلك بسبب سياسات حبيب العادلي الأمنية القاصرة و المختزلة في أمن النظام .
مؤامرة الفتنة الطائفية
وهامان العصر لم يبالي  بما فعل، وعلي ماذا أقدم من أجل تأمين كرسي سيده فرعون، وضحى بكل الثوابت الوطنية والاجتماعية من أجل أمن النظام وسلامة السيد، حتى أنه قد أقدم علي إشعال فتيل الفتنة الطائفية المرعبة التي كادت أن تأتي علي الأخضر واليابس في مصر، فقد كشفت تقارير المخابرات البريطانية الموثقة عن دور حبيب العادلي في تفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية مطلع العام الجاري، من أجل إيقاع المواطنين المسلمين والأقباط في حرب طائفية تدمر البلد، وتشغل الناس كلهم عن المطالبة بالحقوق والعدل والقضاء علي الفساد، كما أثبتت التقارير الأمنية الأخيرة عن دور أجهزة الأمن في تسليم المسلمات الجدد مثل وفاء قسطنطين وكامليا شحاته للكنيسة، من أجل تهييج مشاعر المسلمين ودفعهم لحرب طائفية مدمرة، تكون ذريعة للتنكيل والتصفية لمن شاء الطاغية أن يصفيه، مستغلا حالة الفوضى العارمة، وباسم محاربة الفتنة الطائفية، وأكبر دليل علي أن مؤامرة الفتنة الطائفية هي خطة أمنية من صنع الشيطان العادلي أن كنائس مصر كلها لم تتعرض لحادثة واحدة طوال أيام الانفلات الأمني، فهل عرف الأقباط من كان يزرع شوك الفتنة الطائفية ؟ .    
ــ وفي المقابل واعترافا من مبارك لجهود العادلي في حماية كرسيه، وقمع معارضيه، وتأمين شلة اللصوص والمفسدين المحيطين به، أطلق مبارك يد العادلي ورجاله في البلاد طولا وعرضا يسومون العباد الخسف والظلم والقهر، لتوطيد نفوذهم سيطرتهم علي الأوضاع،  وأعطي مبارك للعادلي ورجاله وكافة المنتمين إلي وزارته سلطات وصلاحيات واسعة، فاقت سلطات الجهات القضائية والرقابية، حتى أصبح منصب ضابط الشرطة من المناصب السيادية، والمخوفة في مصر تحت حكم مبارك وهامانه العادلي،وسجلت بالصوت والصورة والمستندات ألاف الحالات من انتهاك آدمية المواطن المصري، فقتل وتعذيب وتنكيل لا تصدقه العقول، وكان ذلك وفق سياسة منهجية ومدروسة كما قالت منظمة العفو الدولية في تقريرها الصادر سنة 2009، من أجل بث الرعب والخوف في البلاد كلها، حتى صار جهاز الشرطة من أكثر مؤسسات الدولة كراهية وإجراما عند المصريين، ولعل هذا يفسر حالة الغضب العارم لدي المصريين ضد هذا الطاغية ورجاله، وحالات الانتقام الكثيرة التي سجلت ضدهم في الشارع المصري .
وزير غرفة جهنم
ـ اليوم وبعد أن سقطت إمبراطورية الشيطان، وسقط فرعون ومن قبله هامان، نجد أن الحقائق تنكشف الواحدة تلو الأخرى، ليصحو الناس كل يوم علي فضيحة فساد وتعذيب جديدة، اليوم حبيب العادلي يكشف عن ولائه الحقيقي لسيده مبارك بعد أن تخلى عنه الجميع، بعد أن قرر مبارك قبل خلعه أن يجعله كبشا للفداء علي مذبح التحرير، وكان العادلي في بداية التحقيقات معه واثقا من أن سيده مبارك سوف يتدخل في اللحظة الحاسمة وينقذه من محكمة الشعب والقصاص العادل، ولكن لما جاءته أخبار خلع مبارك وفراره خارج البلاد، قرر الشيطان هامان أن يتبرأ من سيده فرعون، فقد هدد وزير الداخلية السابق حبيب العادلي بالكشف عن وثائق تدين الكثير من كبار المسئولين في الدولة، مشيرا إلي  انه كان يتلقى أوامره بشكل شخصي من مبارك، وأكد العادلي على أن  مبارك كان شريكا له، وكان هو وعدد من قيادات الدولة الكبار على علم بجميع أوضاع البلاد بما في ذلك حجم الفساد للمسئولين .
ــ أعجب ما هذه البراءة بين هامان وسيده فرعون، ما كشفه  عن وجود غرفة في مقر الحزب الوطني الحاكم في ميدان التحرير تعرف باسم "غرفة جهنم" تضم جميع مُخالفات كبار المسئولين بالدولة والحكومة وموثقة بالصوت والصور،  مشيرا إلي أن كلا من صفوت الشريف الأمين العام السابق للحزب الوطني وجمال مبارك نجل الرئيس وأمين التنظيم السابق بالحزب كانوا على علم بها وبجميع  الملفات وبفضائح جميع المسئولين وكانوا يتغاضوا عنها، وذلك من أجل منافعهم الشخصية ومن أجل السيطرة عليهم وإجبارهم علي تنفيذ كل ما يطلب منهم دون مناقشة، وهي سياسة صهيونية مخابراتية شهيرة وقديمة، سياسة الملفات السرية، والفضائح الأخلاقية .
ــ وكما تبرأ هامان من سيده فرعون، أخذ تبرأ من مساعديه ومرؤوسيه الواحد تلو الأخر، في مشهد دراماتيكي يحاكي أكثر الأفلام إثارة وتشويقا، حيث أخذ العادلي ومساعدوه يلعن بعضهم بعضا، ويلقي التهم علي الآخر، فقد أنكر حبيب العادلي كل ما نسب له من اتهامات وقال أنه لا يحب العنف ولا يقمع المتظاهرين!،
 وألقي بالمسئولية على اللواء عدلي فايد مساعد الوزير لقطاعي الأمن والأمن العام، وحسن عبد الرحمن رئيس جهاز مباحث أمن الدولة واللواء أحمد رمزي مساعده الوزير للأمن المركزي، وقال العادلي إن رئيس مباحث أمن الدولة قدم له تقارير مضلله عن حمل المتظاهرين أسلحة ومهاجمتهم لقوات الأمن مما اضطره لأخذ قرار بمهاجمتهم، ولكن اللواء عدلي فايد قال أمام النيابة أنه غير مسئول عما حدث وأنه ليس له أي علاقة  بأي ضابط متواجد بالشارع وأنه يعتبر جهة رقابية علي الشرطة من داخل الشرطة ولا علاقة له بالأمور الميدانية، في حين رد رئيس مباحث أمن الدولة قال إنه منذ 3 سنوات يتقدم بتقارير للعادلي حول خطورة معاملة المتظاهرين بعنف وحذره خلالها من إتباع أساليب القمع إلا أن العادلي كان يعد تقارير بشكل يخدم هدفه في التعامل بعنف مع المتظاهرين في أي مكان في الجمهورية ولم يهتم مطلقا بتقاريره .
ومهما يكون من نتيجة ستنتهي إليها التحقيقات، فإن مصر والعالم العربي والإسلامي إزاء مشهد من مشاهد التاريخ المعبرة الزاخرة بالدلالات والدروس والعبر التي سيحكيها غدا التاريخ للأجيال القادمة، كما تقص علينا قصص السابقين والهالكين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق