الثلاثاء، 1 فبراير 2011

ج 8 - مع زينب الغزالي


صهيب الحسن


[ ج 8 ] مع زينب الغزالي .. إهداء إلى حرائر الضفة مِن الشعب المصري 


وسمع فرعون !!

نكمل معكم اليوم ما وصلنا إليه في  ج 7

جائني عبد الناصر وعبد الحكيم عامر في الزنزانة لتكتمل فصول المساومة وقد بدأ شمس بدران بتوجيه أسئلة لي : افترضي يا زينب أن الإخوان المسلمين هم الذين يحكمون البلد، وأننا نقف أمامكم تحاكموننا، فماذا كنتم تفعلون بنا ؟

فأجبت في قوة وشجاعة : نحن لا نسكن في مساكن الذين ظلموا أنفسهم، ولا نغمس أيدينا في الدم! لأننا طلاب حقيقة ليس في حسابنا أن نصل إلى الحكم نحمل لواء " لا إله إلا الله " نفتديه بالأرواح والأموال، وربما تنتهي أجيال وأجيال حتى يحكم الإسلام، نحن لا نتعجل الخطى ويوم يحكم الإسلام ستكون مواقع المرأة المسلمة في مملكتها الطبيعية لتربي رجال الأمة.

كما أن الإسلام عدل ورحمة، فلا سياط ولا قتل، لا تعذيب في 

السجون ، ولا نفي أو دفن لأحياء فضلًا عن تمزيق أجساد 

الشهداء، ولا تشريد أطفال، ولا ترمل نساء، ولا فراعنة أو 

ووثنية لكن الحق العدل!

لقد أغاظت هذه الكلمات حتى أخذوا يضربونني بالسياط في جنون والدم ينزف وكدت أموت لولا تدخل الطبيب الذي قال أن حالتي خطيرة لا تحتمل مزيد من التعذيب. كل هذا تحت مرأى ومسمع جمال عبد الناصر، ثم نقلوني بعدها إلى المشفى.

أصل المؤامرة .. نكتة !!

كانوا يعالجوني لأنهم حريصون على حياتي ، فأنا متهخة من وجهة نظر من ينسجون القضية ويؤلفون فصولها ويصنعون أبطالها، فلا غرابة إذن ، أن يصرف لي دواء لأستطيع حضور المحاكمة ! بعد أن أمضيت ثلاثة أيام في غيبوبة ..

وفي ذات مساء أحضروني إلى بدران ليسألني عن سيف الإسلام نجل الشهيد حسن البناء الذي كان أيضًا معتقل في السجن الحربي، وحين دخلت على مكتب بدران قال لي : لماذا أنتي على قيد الحياة حتى اللحظة ؟

فقلت : ليس بإرادتك ، ولا بإرادتي أن أعيش أو أموت، ولكنها إرادة الله وهو المحيي المميت.

فسألني عن المتورطون في محاولة اغتيال عبد الناصر فقلت : ما أتفه ما تعذبون الناس من أجله! ويلكم من الله! ثم ويلكم من التاريخ! ثم ويلكم من الناس جميعًا وهم ينزلون عليكم لعناتهم .. وكان جزائي على هذا الكلام قاسيًا : دم يسيل وعظام تتكسر !
فقال لي : نحن نريد أن تسردي لنا الحكاية التي قالها لك سيف البنا، فقلت : آه النكتة التي قالها حيث كنت في بيت الشهيد وقال سيف الإسلام : يقولون أن عبد الناصر كان مسافرًا في الطريق الصحراوي وكمن له جماعة من الجيش في سيارة جيب ليغتالوه وفي اللحظة الأخيرة تغير نظام سفره حيث سافر بالقطار والغريب أن السيارة الجيب هربت فلم يستطيعوا القبض عليها ولا على من فيها !

فقلت لسيف : حقًا إنها نكتة، لكن أعتقد أن هذه القصة فبركها عبد الناصر وهي من صنع المخابرات لتتحدث في كل يوم عن مؤامرة مزعومة لاغتيال عبد الناصر، مرة من الجيش ومرة من الشعب وهلُم جرًا لتقديم مسوغات لاعتقال الآلاف !

ثم قالوا أنهم يفعلون ذلك لتجهيزي للنيابة، فقلت نعم النيابة تعني السياط، الكلاب ، النار ، زنزانة الماء، التعليق على الأعواد كالذبائح ، إيلام النفس بأقذر الألفاظ وأفحشها ، التجويع ، العطش ! كل هذه وسائل التجهيز والإعداد للمثول أمام حضربة صاحبة الجلالة " النيابة " !!

شموخ الإيمان وذلة الباطل 

في مكتب بدران أرادوا مساومتي بطريقة أخرى فأخذني حسن خليل إلى غرفة أخرى يدعي انه يريد نصحي لاندهاشه من اصراري وصبري واعجابه بشخصيتي وادعاءه بأن الإخوان تخلوا عني وسبوني وانهم قد ازداد اعجابهم بي ، وطلب مني أن أكتب أشياء لم أفعلها وأقولها وأعطاني ورقة فكتبت فيها :

بسم الله الرحمن الرحيم وأصلي وأسلم على محمد وآله وصحبه ، أما بعد فأحمد الله الذي جعلني على طريق اختاره لعباده، طريق القرآن والسنة ، طريق الحق والحمد لله الذي أوقفني تحت مظلة قوله تعالى ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ) التوبة.

وأؤكد على أننا لا زلنا على طريق شهادة ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبد الله ورسوله، ملتزمين بشطري الشهادة ثابتون على الطريق فاللهم انصرنا على كل ظالم أشرك بك، وعطل كتابك وعادى دينك وحارب أهله.

هذا هو طريقي أيها الناس فافعلوا ما تريدون وكما تشاؤون، إنا براء مما يعملون، إنا مقاومون لباطلكم حتى نلقى الله ..


وحين عرضوا على شمس بدران ما كتبت أخذت قسمات وجهه تترجم إحساسه وشعرت أنه يكاد ينفجر، وخرجت سهام نارية من عينيه مصدرًا الأمر بضربي بألف سوط، ثم علقوني وقدماي ممزقتان ملفوفتان بضمادات ، كل موضع في جسمي استوفى نصيبه - وفوق نصيبه - من السياط والألون العذاب الأخرى، رغم ذلك واصل الزبانية تعذيبي حتى انبثق الدم من الضمادات فتدخل الطبيب لإنزالي وحملوني للمشفى !

النيابة ..

مررت بكل درجات التعذيب درجة درجة ، من الجلد بالسياط المجنونة كألسنة اللهب إلى نهش الكلاب المدربة، إلى زنزانة النار، ثم تكررت عملية الجلد والصلب والتعليق على الأعواد كالذبائح إلى عذاب يحطم الأعصاب والأرواح .

وجاءت النيابة لتستكمل فصول المهزلة لمعاقبة المظلومون في ظل العدل والقانون !!

نظر وكيل النيابة إلى الضمادات والشاش التي تغلف قدمي ونفسي في أعياء وضعف وطلب مني التعقيب على أوراق يقول أنها اعترافات للإخوان المسلمين وطلب مني الإعتراف !

فرفضت وأعادوني مرة اخرى للجلد من جديد وانتهت مهزلة التحقيق ولكن !!

الجولة الثانية مع النيابة ..

طلبوني مرة أخرى حيث وجدت مجموعة من الشباب أفناهم التعذيب يسألونني متى ألتقيت وتعرفت بهم ؟ فنظرت إلى الشباب سائلة : متى رأيتكم ؟ هل التقيتم بي حقًا ؟ فصرخ وكيل النيابة معترضًا وقال لهم: ألم تقولوا في التحقيق أنكم التقيتم بها، فيجيبون : تحت سياط التعذيب كنا نقول أي شئ !


عودة إلى مكتب شمس بدران .. !!

كانوا يأخذوني إليه ليهدودوني بإعادة التعذيب ثم يعرضون علي شبابًا في عمر الزهور ورجالًا وشيوخًا ويسألنني ان كنت قد التقيت بهم وتنتهي المواجهة بصورة جديدة من التعذيب كالوقوف في مكان مظلم والضرب بالكرباج على ظهري وأقدامي ممزقة ومربطة بأربطة الشاش ثم إلى زنزانة المشفى !

أمثلة على التعذيب .. 

سألوني عن أشياء لم أفعلها ولما مضت ساعات دون أن أغير موقفي هددوني بالكلاب وبالضرب ثم أخذوني إلى حجرة مظلمة وأدخلوا الكلاب وتركوني معها لساعتين ثم أعادوني إلى المشفي وفي الليلة الثانية أعادوا استجوابي عن ذات المواقف وأصررت على عدم الإعتراف بأشياء لم أفعلها فتركوني في الغرقة وارسلوا لي من يضربني ثم اعادوني للمشفى .

المال 

مرة أخرى طلبوني لمكتب بدران الذي قال أنه أتينا بالزيني من غزة الذي اعترف انه سلمكي المال ثم عرضوه علي وقلت : لا أعرفه!

فصرخ بدران بمن حوله لأخذي للثعابين لا للكلاب فأخذوني وساوموني مقابل الإعتراف بالمال فأصررت على موقفي وهددوني من جديد بالكلاب فقلت : الكلاب : لقد كانت في نظري أرق منهم شعورًا وأسمى وأكثر إدراكًا لانهم كلما حبسوني معها أحسست عمق بشاعتهم وازداد احتقاري وأصبح الأمر لا يشغلني بل أصبحت أفضل أن أظل مع الكلاب على أن أبقى ثواني مع بدران وزبانيته !

مررت بأيام واجهت صنوف العذاب متعددة الألوان حتى أنهم اعادوني مرة أخرى إلى حجرة الكلاب فقال الزبانية للحارس إن لم ياكلها الكلاب فكلها أنت يا ولد!

كل هذا أيها القارئ العزيز بعد عرضي على النيابة!


التجويع حتى في المشفى ! 

مر ما يقرب من عام على اعتقالي ولم يسمح لي بالأكل من الخارج إلا قبل المحاكمة بثلاثة أشهر خوفًا من أن موت قبل محاكمتي بأباطيلهم وتلك كانت طريقتهم في الحياة : التجويع والخداع والبهتان !

لقد كانت خطة مدبرة لاستنزاف قدراتنا - معاشر المجاهدين - بإرهاقنا ومع ذلك فلقد أرادوا أن يقولوا للناس الذين سيسمح بدخولهم للمحكمة، إن معاملتنا للمتهمين على أحسن ما يرام بدليل أنهم بصحة جيدة وأن الأكل يدخل لهم من الداخل والخارج !


أما التعذيب فحدث ولا حرج، لكن لم يكن فيما ذكرته الكفاية مما لقيت فإني سأضرب الكثير من الأمثلة حتى وصل بهم الحال لتعذيبنا بمنع الماء عن المريض ، فيظل طوال الليل لا يشرب نقطة ماء - ونحن في أشهر الصيف - حتى أصبح الحصول على نصف كوب من الماء من المعجزات !

يتبع .......

___________________________________





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق