بعد انتخابات مجلس الشعب: مصر إلى أين؟
بقلم: ياسين عز الدين
كان قرار المحكمة الإدارية العليا في مصر القاضي ببطلان الانتخابات في عدد من الدوائر بمثابة ضربة إضافية وجهت لشرعية الانتخابات التي شابتها الكثير من التجاوزات منذ أن تم تعديل القوانين بحيث يضمن النظام ابعاد الرقابة القضائية على الانتخابات، مروراً بمنع الكثير من المرشحين من تقديم أوراقهم (وهو سبب حكم المحكمة الإدارية ببطلان العملية في الدوائر تلك نظراً لرفض لجنة الانتخابات الالتزام بأحكام قضائية سابقة)، وانتهاءً بأعمال البلطجة والتزوير خلال الجولة الأولى من العملية الانتخابية.
انقسمت المعارضة المصرية إلى قسمين: قسم قاطع الانتخابات لأنه متيقن أنها انتخابات مزورة، وهذا ما أثبتته الوقائع، وقسم قال نريد المشاركة ومحاولة انتزاع حقنا بانتخابات شرعية، وإذا حاول النظام التزوير فسنقوم بفضحه، وحكم المحكمة الإدارية العليا (ومن قبلها الأحكام القضائية لمحاكم إدارية أقل) أثبتت صحة كلامهم وصحة قرارهم بمقاطعة الجولة الثانية من الانتخابات (جولة الإعادة).
ومن المفارقات أن أعمال العنف والبلطجة اختفت (أو على الأقل هكذا بدا لي كمتابع) في جولة الإعادة، وهذا يثبت على أنها أعمال مبرمجة وموجهة من أجل سرقة نتيجة الانتخابات وليست مجرد تجاوزات لأنصار النظام والحزب الوطني الحاكم.
المعارضة بشقيها تقول أن الانتخابات غير شرعية، وأثبتت ذلك إعلامياً من خلال التقارير الاعلامية بالصوت والصورة التي أثبتت تجاوزات النظام وتزويره للنتائج، وسياسيا من خلال المقاطعة (سواء كانت المقاطعة من البدء أو الانسحاب بعد الجولة الأولى)، وشعبياً من خلال نسبة المشاركة المتدنية التي لم تتجاوز العشرين بالمئة، وقضائياً حيث يوجد معها الآن حكم قضائي ببطلان الانتخابات، وفي حال لم يستجب لقرار المحكمة العليا، سيكون المجلس القادم مجلساً باطلاً قانوناً، مما يجعل المعارضة المصرية أمام تحدي وهو ترجمة هذه الانتصارات الاعلامية والسياسية والقضائية إلى انجازات على أرض الواقع، لكي تستطيع الانطلاق بمسيرة الاصلاح ومحاربة جرائم النظام المصري.
قرار المحكمة الإدارية العليا مهم جداً، فعندما نقول أن مجلس الشعب باطل والانتخابات باطلة، فهذا يعني أن النظام كله باطل وغير دستوري (لأن الرئيس القادم سينتخبه مجلس الشعب)، مما يجعل مبارك وفتحي سرور وكل الوزراء مجرد قادة حزب سياسي مثلهم مثل حزب الوفد أو الاخوان المسلمين أو حركة كفاية (هذا من ناحية قضائية)، ويجعل جاهز أمن الدولة مجرد مليشيا تنفذ سياسة حزب ومصالح شخصية لا أكثر ولا أقل.
النظام سيلتف على الأمر ويحاول تجميل نفسه وإيجاد المخارج القانونية التي تجعل العملية تبدو وكأنها شرعية، لكن الرصاصة التي تخرج لا يمكن ارجاعها، وكل ما كان مجرد مزاعم للمعارضة أصبح موثقاً الآن بقرار هيئة قضائية مصرية من قلب النظام نفسه، وهذه فرصة لمحاربة التزوير ومحاربة من يقومون على التزوير والتضييق عليهم وعلى جرائمهم.
المطلوب الآن تجاوز الخلافات الداخلية في صفوف المعارضة المصرية، والتي عطلت لحد اللحظة من وجود جبهة معارضة قوية تقف في وجه النظام، بالإضافة لتجاوز الخلاف الناجم عن عدم اتفاق المعارضة على قضية المشاركة من عدم المشاركة، لأن الهدف تحقق الان وهو اثبات عدم مشروعية الانتخابات، ويوجد بيدهم ورقة قوية ليلعبوا بها.
يفضل دوماً الالتقاء على هدف واحد بسيط ولا خلاف عليه، لأن المعارضة المصرية طيف واسع ويستحيل الاتفاق على كل شيء، فليكن هنالك هدفاً بسيطاً يتفق عليه الجميع، وهو المطالبة بعدم اعتماد نتيجة الانتخابات الحالية، وشن حملة واسعة النطاق لكي لا يبدأ مجلس الشعب نشاطه ولتعطيله عن البدء بمسرحية التوريث، مع وضع الاحتمالات المختلفة في الحسبان؛ مثل إذا رفض النظام الخضوع وإعادة الانتخابات وفق شروط نزيهة وضمانات حقيقية، فكيف يكون التعامل معه؟ هل يتم الدعوة لعصيان مدني وكيف يكون ذلك وغير ذلك من الترتيبات.
من أخطاء المعارضة وخاصة الأحزاب والتنظيمات الكبيرة، ظنها أنها تستطيع الاستغناء عن الأحزاب والتنظيمات الأصغر، وبالتالي ترفض استيعابها أو مناقشة مطالبها (والتي ربما لا تكون محقة لكن يجب مناقشتها)، ومن الضروري أن يدرك الجميع أنه لا يمكن تحريك الشارع المصري إلا إذا كانت هنالك جبهة موحدة من الجميع، لا الإخوان لوحدهم يستطيعون تحريكه، ولا حتى لو تحالفوا مع حزبين أو ثلاث أحزاب، وأي محاولة تغيير لا تستند إلى قاعدة شعبية عريضة تمثل المجتمع المصري بكليته لن تنجح، وسيبقى النظام ممسكاً بقوة على رقبة الشعب المصري إلى أن يشاء الله.
ومن المهم هنا التوضيح أن تحالف المعارضة لا يعني مجرد الزيادة العددية لمجموع الاحزاب والجماعات المشكلة للتحالف، فلو فرضنا أن الإخوان يمتلكون 30 ألف نشيط وكفاية تمتلك 5 آلاف نشيط والحزب الناصري يمتلك ألف أو ألفي نشيط، فتحالفهم لا يعني أنهم سيمتلكون 38 ألف نشيط، بل سيكون هنالك اندفاع للكثير من الأشخاص العاديين وغير المؤطرين حزبياً الذين سيتشجعون من وجود هكذا تحالف وسنتكلم وقتها عن تحالف من مئة ألف نشيط أو أكثر، مع التأكيد على أن الأرقام التي ذكرتها هي افتراضية حتى أوضح فكرة أن التحالف والجبهة الموحدة ليست مجرد عملية جمع للأنصار بل ستضفي زخماً لا يمكن أن يكون بدون هذا التحالف، وأن مثل هذه التحالفات لا تحتكم لقانون (1+1=2)، بل (1+1= 11).
نأمل أن تتمكن المعارضة المصرية من اغتنام الفرصة، لأن النظام يسير بغرور وتكبر نحو تكريس التوريث ونحو تكريس الفساد ونحو تخريب البلد وادامة التخلف الاقتصادي والاجتماعي في سبيل مصالح شخصية لقلة متنفذة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق