بقلم: النائب خالد سعيد
منذ أن بدأت ملامح المشروع الصهيوني تتضح إبان الاحتلال العسكري الانجليزي لفلسطين، بدا جليا ما تمهد به بريطانيا لاستجلاب موجات الهجرة الصهيونية عبر البحر إلى الموانئ الفلسطينية متزامنة مع سياسة النفي "الطرد والإبعاد" لأهل الوطن الفلسطيني إلى شتى البقاع المجاورة والبعيدة.
ومن يراجع ملف الاحتلال الانجليزي لفلسطين في عجالة يجد أن النفي والسجن والقتل "الإعدام" تمثل ثالوث النهج العسكري البريطاني، وفي المقابل كانت بريطانيا تسهل وتشجع الهجرة الصهيونية إلى أرض فلسطين، فالمعادلة الاحتلالية واضحة: تفريغ الأرض الفلسطينية من أهلها الأصليين بشتى الوسائل، وتوطين القادمين الجدد "الصهاينة" وإحلالهم مكان الفلسطينيين لكي تتحقق مقولة: "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض".
وعندما سلمت بريطانيا أرض فلسطين للصهاينة عام 1948م برعاية هيئة الأمم و مجلس الأمن سارعت العصابات الصهيونية في صنع المجازر والمذابح وطردت مئات الآلاف من الفلسطينيين وهدمت مئات القرى والبلدات، فنشأت مشكلة اللاجئين وهم المبعدون الأكثر عددا في موجات النفي والطرد والإبعاد، وظهرت المنافي والشتات ومخيمات اللاجئين وبرزت الأونروا، فالإبعاد رديف الطرد والتهجير والنفي، فاللاجئون هم مبعدون إبعادا مفتوحا.
ومع أن القوانين الدولية تعارض سياسة الإبعاد والطرد والنفي من الوطن إلا أن الصهاينة مارسوا هذه السياسة بصفتها أحد أبرز مقومات الأساليب العدوانية الثلاثة القديمة الجديدة: القتل والسجن والنفي "الإبعاد". وهي أحد أبرز ثلاثة أساليب ذكرها القرآن الكريم إذ يقول: ((وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين)).
ولإدراك خطورة الإبعاد عن الوطن والمواطنين يكفي أن نتأمل قول الله تعالى: ((ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم...)) أي أن الإخراج من الوطن قرين القتل ووجهه الآخر.
وقد مارست سلطات الاحتلال الفرنسي هذه السياسة في الجزائر حتى قال شيخ الجهاد الجزائري العلامة عبد الحميد بن باديس: "لا بد لكل حر مجاهد وداعية صادق أن يوطن نفسه للمخاطر الثلاثة: القتل والنفي والسجن"، وقديما قال ابن تيمية شيخ الإسلام في سجن القلعة حيث استشهد قال: "ماذا يصنع أعدائي بي: إن قتلي شهادة ونفيي سياحة "انطلاق ودعوة" وإن سجني خلوة "فرصة للعبادة والتأمل"" والمتتبع لمواقف الحركة الفلسطينية تجاه سياسة الإبعاد يرى إجماعا رافضا، وإن تفاوتت أساليب التعامل من قبل المبعدين أنفسهم. فهناك قلة اندمجت في المنافي وضعفت قضيتها، والأكثرية الساحقة بقيت متمسكة بحق العودة تنظر للوطن وتتجه إليه، وتحاول دخوله عبر العمليات الفدائية وغيرها، وهناك من ثبت وأصر على عدم مغادرة حدود الوطن كمبعدي مرج الزهور عام 1992م الذين كان موقفهم نقطة تحول إيجابية في مسيرة المقاومة والعودة وإفشال سياسة الإبعاد.
ومع أ ن الهيئات الدولية أصدرت قرارات عديدة ضد الإبعاد ولصالح العودة إلا أن قرارا واحدا فقط نفذ وهو القرار 799 الذي أصدره مجلس الأمن لصالح مبعدي مرج الزهور وذلك بفضل صمود وتضحيات المبعدين ومساندة أنصار الحق.
وإذا استعرضنا أبرز محطات الإبعاد نقف عند موجة التهجير الكبرى عام 1948م ثم إبعاد رؤساء البلديات عام 1976م وموجة الإبعاد في الانتفاضة الأولى عام 1988م وما بعدها وموجة إبعاد مرج الزهور 1992م وموجة الانتفاضة الثانية وأبرزها مبعدو كنيسة المهد الذين تشكل مأساتهم كارثة يمكن أن تصل إلى حد قضايا الحل النهائي ؟!.
وأخيرا موجة الإبعاد الحالية المعاصرة التي أصبح قطاع غزة وجهتها بوصفه كيانا معاديا لابد من إثقاله بكل الأعباء، وأصبح أهل القدس أبرز المستهدفين من الإبعاد بوصف القدس محور الصراع ومركز القضية.
إن موجة إبعاد المقدسيين عموما والنواب والوزراء خصوصا تمثل جزءا من سياسة التهويد العنصرية وهي وجه من وجوه عديدة كسحب الهويات وفرض الضرائب الباهظة وهدم المنازل والاستيلاء على الأحياء بالقوة ومنع ترميم البيوت، ومنع لمّ الشمل، وأحدها تخيير النواب والوزراء المقدسيين بين الهوية والبقاء في القدس أو العمل الوطني و الصمود، فاختار المقدسيون كلا الأمرين معا لأنهما حق لا يتجزأ;فالمواطنة والصمود لا ينفصلان، فعندما يختار شيخ الأسرى المحررين النائب محمد أبر طير الصمود و البقاء في القدس بلده ووطنه فإن السجن يكون هو الحل الصهيوني، وعندما يقرر النائبان أحمد عطون ومحمد طوطح والوزير خالد أبو عرفة أن يصمدوا يكون الاعتصام في ملاذ الصليب الأحمر هو الأسلوب المتاح في المواجهة والمقاومة و البقاء.
وعندما يتحول مقر الصليب الأحمر في القدس إلى مزار إنساني وتعلو قضية إبعاد المقدسيين على كل الأحداث يكون أسلوب المواجهة هو الأمثل لإفشال السياسة الصهيونية،وعندها تصبح كل مجالات الدبلوماسية والإعلام والحقوق والقانون والسياسة محليا وإقليميا ودوليا على المحكّ، فالمفاوض الفلسطيني والرباعيات الدولية والإنسانية كلها موضوعة على المحكّ، كما هي الحال منذ بدأت قضية اللاجئين عام 1948م. فهل تستطيع إيقاف جريمة العصر ؟ وهل تستطيع نصرة أهل القدس؟! فالقدس مفتاح السلام والحرب. وهي قلب فلسطين ورأس القضية الفلسطينية، وميزان الوعي الوطني والإسلامي والتلاحم الإنساني الحر لنصرة النماذج المتجددة لتجارب أنبياء الله الذين تلاحقهم سياسة الصهاينة، فأهل القديس الآن يجسدون أشخاص الأنبياء الثلاثة مثالا وليس حصرا وهم الأنبياء يحيى وعيسى ومحمد عليهم جميعا أفضل الصلاة والسلام.
المصدر: المركز الفلسطيني للاعلام
اضغط هنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق