الجمعة، 24 ديسمبر 2010

القدومي ومشعل وعناق الشجعان


بقلم د. عصام شاور – كاتب فلسطيني


العناق المتبادل بين السيد فاروق ألقدومي والسيد خالد مشعل في أعقاب تلاوة البيان الرافض لقرار الرئاسة الداعي لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة أضاع نشوة الانتصار التي شاهدنا بداياتها حين وقف البعض مصفقين مكبرين في أعقاب إعلان الرئيس لقراره .

السيد فاروق القدومي هو رئيس الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية وهو كذلك وزير خارجية دولة فلسطين كما تعتبره اللجنة التنفيذية، ولكن يبدو أن عناقه للسيد مشعل وموافقته على رفض قرار الرئاسة ضمن العشرة فصائل قد سحب كافة صلاحياته تلقائيا ودون الحاجة إلى اجتماعات أو مؤتمرات .

لو لاحظنا ، فقد وقعت مؤسسة الرئاسة بفخ كبير دون أن تشعر وكذلك ما يسمى باللجنة التنفيذية ، فكلنا يعتبر أن القرار هو قرار رئاسي – مجازاً – وليس فتحاوياً ، باعتبار أن السيد عباس هو رئيس الشعب الفلسطيني بكافة توجهاته ، ولكن حين يصدر بيان عن اللجنة المركزية لحركة فتح يشير إلى أن القدومي لا يعبر عن توجهات اللجنة ، وحين يقول أحمد عبد الرحمن إن تصريحات القدومي لا تعبر عن موقف حركة فتح ، وكذلك نبيل عمرو يطعن بأهلية من هم بالخارج باعتبار أن آراؤهم لا يشترط الأخذ بها ، علماً بأن تصريحات سابقة للسيد مشعل اعتبرت وكأنها صادرة عن هنية ولم يعتبروها شخصية ولا حتى فصائلية .

كل هذه الردود تدلل على أن القرار صادر عن فتح وليس عن الرئاسة ، لأن اللجنة المركزية لم تصدر القرار ولأن فتح لم تصدر قراراً باسمها أيضاً ، فكيف سيعترض القدومي على قرار لفتح لم يصدر بعد ، ولكن بما أن حقيقة ما أعلنه الرئيس هو قرار فتحاوي (جزء من فتح) ، هبّت التصريحات المضادة لتتبرأ من الموقف المتعقل للسيد فاروق القدومي .

إذا كان السيد فاروق القدومي لا يمثل فتح فمن يمثلها إذن ؟ وإذا كان لا يمثل المنظمة وهو رئيس الدائرة السياسية ووزير خارجية دولة فلسطين فمن يمثلها ؟ هل هو عبد ربه الذي دخل المنظمة باسم حركة فدا وهو المطرود منها ؟ القدومي الذي أسنِد إليه تمثيل فلسطين في العالم كله أصبح لا يملك إلا أن يمثل نفسه ؟ هذا منطق لا نفهمه ولا نحبذ أن نفهمه ، ولكن على القاعدة الفتحاوية أن تفهم أن إسناد الأمر لمثل هؤلاء سيدمر الحركة ولن تقوم لها قائمة .

إن قرار فتح الأخير عزلَها عزلاً تاماً عن محيطها ، حتى إنه بات يتهدد فتح ذاتها بانشطارات لا يعلم عددها إلا الله .

الفصائل العشرة في دمشق رفضت القرار بالإجماع ، رئيس الدائرة السياسة رفضه أيضاً ، الجبهة الشعبية والجهاد الإسلامي وحماس وبعض الفصائل الأخرى اتخذت نفس القرار ، وحتى إن بعض أذرع كتائب الأقصى اصطفت مع موقف القدومي ، وساسة كبار في العالم العربي حذروا من مثل هذا القرار ولم يرحب به سوى إسرائيل وأمريكا وربما تلحقهم بعض الدول الأوروبية والعربية ، أي باختصار، فالقرار نال موافقة وترحيب من دعوا عباس لاتخاذه ، وهم من يحاصرون الشعب الفلسطيني .

السيد عباس لم يغلق الباب تماماً، هكذا قال البعض ، ولهذا وجدنا من لم يعارض القرار ، وهم قلة ، باعتبار أن قرار عباس ما هو إلا وسيلة ضاغطة من أجل تشكيل حكومة وحدة وطنية ، ربما هؤلاء أحسنوا النية ولكن الحقيقة هي ما جاء في بيان تسرب عن اللجنة التنفيذية نشرته وسائل الإعلام الفلسطينية منها شبكة « معاً » دون أن تذكر المصدر صريحاً ، وقد أصدر مكتب الرئيس نفياً لكل ما ورد فيه ، ولكنه أشار إلى أن فكرة الانتخابات المبكرة لم تقرر ولم تلغَ ، ولهذا لم يتطرق الخطاب إلا لهذا الأمر الذي لم يتم نفيه ، ومن هنا فإن المتوقع أن الرئاسة أو اللجنة التنفيذية قرروا أن يكون الأمر تدريجياً ، لقياس رد الفعل الشعبي ومن ثم التصرف حسبه ، وكذلك لعدم تكرار ما وقعت به اللجنة التنفيذية حين أصدرت قراراً قاطعاً بالاستفتاء ثم أجبرت على التراجع عنه تحت ضغط الشارع الفلسطيني وضغط المعارضين وخاصة حماس ، مما أشعر اللجنة التنفيذية ومعها الرئاسة بالضعف ، ولهذا قيل أن عباس أبقى الباب مفتوحاً ، وصحيح أنه أبقاه مفتوحاً ولكن ليكون مخرجاً للجنة التنفيذية وللرئاسة وليس للحكومة أو لحماس .

وأخيراً ، أود التذكير أن هناك فئة اعتادت على جلد من تنتمي هي إليه ، فاليوم تسلط السياط على القدومي ، وبالأمس سلطت على المناضل مروان البرغوثي حين أعلن ترشحه لرئاسة السلطة ، وغداً لا نعرف دور من سيأتي ، ولكن علينا أن ندرك أن تلك السياط هي التي تمزق حركة فتح ، وحركة كبيرة مثلها يجب أن تظل متماسكة لأن في تشرذمها خطر يتهدد الاستقرار الداخلي ، وفي توحدها الداخلي وتوحدها مع حركة حماس ومع باقي الفصائل قوة للشعب الفلسطيني والموقف الفلسطيني ، ففك الحصار لا يكون إلا بالوحدة الوطنية وحكومة الوحدة الوطنية .




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق