السبت، 20 نوفمبر 2010

على ماذا تساومني؟ بقلم / عبد المجيد زيدان



على ماذا تساومني؟
بقلم / عبد المجيد زيدان

بسم الله، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
ان الواقع التنظيمي الفلسطيني واقع معقد الى ابعد الحدود، واقع يحمل في طياته الإتفاق من جهة والاختلاف من جهة، فهو يتفق على فكرة التحرير، ويختلف مثلا في الامتدادات والجذور الفكرية والعقائدية والقناعات المنهجية، بقي هذا الاختلاف قائما منذ نشأ حين نشأت التنظيمات، كان يقبع هذا الخلاف ضمن مساحة من التحرك والقبول الوسط، مع بعض نقاط الشدة فيه، ونحن الآن نشهد حالة شد لم يسبق لها مثيل في سابق العهد.

تختلف هذه الخلافات في شدتها باختلاف اطرافها، فحين نتحدث اليوم عن الخلاف والانقسام الحاصل بين حركتي حماس وفتح، فنحن نتحدث عن خلاف تديره حكومات لا مجرد تنظيمات ويتمثل هذا في حكومتي غزة والضفة، وهنا تزداد المشكلة تعقيدا، فاليوم يبدو الامر مقننا، أي خلاف مشرعن، فحركة فتح التي تحظى بنصيب الاسد من اسباب هذا الانقسام وصعوبة حله مثلا تدير الوضع في الضفة الغربية على مستوى القيادات والعناصر، فلم يقتصر الامر على مجرد صراع تنظيمي عشوائي.

حين كان الصراع الفلسطيني الداخلي يدار باستخدام الحكومات كانت المشكلة اكثر تعقيدا، لنجد ان هذا الخلاف بات يظهر في كل المستويات، فحكومة رام الله تستخدم صلاحياتها لابتزاز واهانة واذلال الطرف الآخر، فتشرع في عمليات قذرة بعيدة عن الانسانية لتحقق رضاها وتنتقم من الآخر المتمثل بحركة حماس من قياداتها الى انصارها ومؤيديها مرورا باعضائها وناشطيها وكل المقربين منها، فتنحى حركة فتح ـ عن طريق استخدام حكومة رام الله ـ منحنى اخر في هذا الصراع والانقسام، لتصل الى الاعتقال والفصل الوظيفي والإرهاب ضد المواطن الحمساوي وغيره حتى، والحرمان من اكمال الدراسة الجامعية والعليا، والمضايقات الوظيفية والمجتمعية التي لا تخفى على احد.

بعيدا عن نقاش وضع الإنقسام وما يدور حوله، نريد الحديث عن الوسائل التي تستخدم ضد هذا "الحمساوي المغضوب عليه فتحاويا"، حين يعتقل بتهمة حماس، ويقتل بتهمة حماس، ويمنع من الحصول على وظيفة بتهمة حماس، ويفصل من الوظيفة بتهمة حماس، ويضيق عليه ويرهب بتهمة حماس، يعادى ويقاتل بتهمة حماس، الا يشعر هذا "الفتحاوي الأسمر ذو الساعد المغبر في ساحات النضال الوطني مع تلك الغلابة" انه يتصرف تصرف البهائم ـ اجلكم الله ـ لو نظر بعقله هنيهة الى ما يفعل لأدرك انه لم يزد عن كونه يصارع ويدافع هذا الحمساوي ـ او لنقل غير الفتحاوي ـ على رزقه وقوت عياله ولقمة عيشه، وهذا كما علمتنا البشرية والإنسانية بالفطرة انه حرب البهائم على العشب، وقتال ذوات الناب على الفريسة، انه صراع البقاء ليس الا.

حين يتخرج الشاب الحمساوي من جامعته ـ بعد ان ذاق الأمرين حتى تخرج، لما تعرض له على يد الاحتلال وغلابة العصر ـ يقف مشدوها لهول ما يلاقي وما يشاهد، فحين يتقدم للوظيفة يكون امام خيارين اما ان يرفض امنيا ولا ينال شهادة "حسن السلوك" التي استحدثت في الضفة في عهد الفلسطيني الجديد، واما ان يتنازل عن كل مبادئه فيحرف كل ذرات كيانه عن مساره الصحيح القويم، ويوقع على بطاقة عضوية في حركة فتح او وثيقة تعاون وتجسس لصالح الاجهزة الامنية، والامرين كلاهما مر لا يطاق تذوقه ولا تجربة طعمه اصلا، او حتى مجرد التفكير فيه.

لنقف طويلا عند سؤال يقول: على ماذا تساومني؟

الكل يعرف ان المكرمة الملكية السعودية تم توزيعها على الاسراى الذين امضوا خمسة عشر عاما في السجون الصهيونية فاكثر وأهاليهم، وبعديا عن فضيحة الحجج المسروقة والتي وزعت حسب الذوق الفتحاوي، جزء من هذه المكرمات كانت من نصيب اسرى حماس الذين تجاوزوا الخمسة عشر عاما في السجون، وكان ذلك فعلا، تم الامر ووزعت عليهم الحجج، لنتفاجأ او لنقل لم نتفاجأ حين سمعنا ان سلطة رام الله اعتقلت هؤلاء الاشخاص الذين حصلوا على هذه الحجج والذين ينتمون لحركة حماس، اعتقلتهم الاجهزة الامنية قبل انطلاق الحجيج الى ارض الحجاز بايام قليلة، وما زالوا حتى اللحظة قيد الاختطاف لدى هذه الأجهزة التي لا ترعى في مؤمن الّا ولا ذمة ولا ضميرا ولا انسانية ولا ادنى شرف، مع العلم ان اليوم الخميس كان آخر موعد لسفر حجيج هذه المكرمة، وأعتقد ان الكل يعرف قضية اعتقال الأخ علاء ابو خضر وفراس جرار من جنين، واللذان امضيا في الاسر ستة عشر عاما، وخرجا ليبرزا كناشطين في مجال الاسرى، هم كغيرهم، يقبعون في زنازين مخابرات فتح خلف قضبان الانحطاط اللانسانية وقد اكتحلت اعين الحجيج بمنظر الكعبة المشرفة، حرموهم من الحج حرمهم الله لذة النظر الى وجهه يوم لا ينفع مال ولا بنون.

نعود للسؤال نفسه ونقول على ماذا تساومني؟ هل تعدى الامر المساومة على الرزق والقوت واللقمة، ليصل الى الحج، اخشا ما اخشاه ان يصدر فرمان فتحاوي يحرم كل "حمساوي" من رحمة الله يوم القيامة "لانو هذا اللي ظل".

ومع كل ذلك يبقى الله جل في علاه وقد افاض على المؤمنين منه صبرا وحلما وأناة، املهم به عظيم، وهذا ما يصبرهم، فالكل على يقين بان الله منجز وعده رسله، الكل يعي ويدرك ان العاقبة لمن صبر والخزي والمهانة لمن ارتضا طريق الباطل وتعثر بشوكة ووحل مستنقعاته وعفونة محتواه، الكل يقول: اللهم لا عيش الا عيش الاخرة.

وان غدا لناظره قريب، "ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق