السبت، 20 نوفمبر 2010

الجهاد في الإسلام ومفهومه

الكاتب د اسماعيل نواهضة   
بسم الله الرحمن الرحيم
الجهاد في الإسلام ومفهومه
مفهوم الإرهاب. العنف. السلام . الهدنة

مفهوم الجهاد في الاسلام

إن الجهاد في الإسلام ينطلق من رؤية مختلفة عما هو عليه الأمر في الحضارة الغربية، فالجهاد في الإسلام دفع حضاري لحماية الأرض من الإفساد ولحماية معابد الديانات السماوية جميعاً ( اليهودية والنصرانية والإسلام) من التدمير والخراب ؛ فالجهاد في الإسلام دفع حضاري لا صراع، وهذا ما يعبر عنه في الأدبيات الإسلامية بالدفع الحضاري من أهل الحق لأهل الباطل، ومن أهل الصلاح للمفسدين في الأرض.

وهذا ما تحدث به القرآن الكريم –كما سأبين ذلك-.

الجهاد في اللغة:

هو من جاهد جهاداً،ومعناه أستفراغ الوسع،اي بذل اقصى الجهد للوصول الى الغاية المقصودة. ويشمل مجاهدة الأعداء في حالة الاعتداء على الوطن،ومجاهدة النفس اذا انحرفت عن خط الاستقامة. كما في قوله تعالى(والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سُُُُبلنا وان اللهَ لمَعَ المُحسنين-العنكبوت:69).

والجهاد ليس مقاتلة الأعداء فحسب،بل هو كلمة الحق التي تقال بوجه السلطان الظالم وعدم السكوت على ظلمه وتجبره على الناس،ومعنى ذلك المشاركة في الحياة السياسية بغرض التعاون لتقويم النظام العام وارساء اسس العدالة والقول بما يراه المجاهد مصلحة ونفعا للناس، بدلالة الحديث الشريف: (الجهاد هو كلمة حق عند سلطان جائر). كما جعل الشرع المحافظة على الواجبات الدينية والالتزام بها حقاً وصدقاً جهاداً.ويعتبر جهاد النفس عن الهوى هو من الجهاد الأكبر لأن  فيه ردعاً للنفس الانسانية عن الخطأ والاعوجاج،يقول الرسول(صلى الله عليه وسلم):(الجهاد الأكبر هو مجاهدة العبد لهواه). وتعتبر الشريعة الإسلامية ان سلامة النية وصفاء القلب عن قصد في الرد على ايذاء الخلق وظلمهم من الجهاد حيث قال رسول الله(صلى الله عليه وسلم):افضل الجهاد من اصبح لا يهُم بظلم أحد.اي لا يقبل الاعتداء على أحد،لان آية الاعتداء في الاسلام حدية(ان الله لا يحب المعتدين)،اي محددة المعنى والوضوح لاتقبل التأويل المختلف.
والجهاد في الاسلام لم يشرع في القتال الا لرفع العدوان ودفع الطغاة وعدم الاعتداء على الآخرين. فحياة المسلم كلها جهاد في عبادته لله وعمارته للأرض وتزكيته للنفس الإنسانية،ودفاعه عن حقوق العامة.،فالاسلام مرآة صافية عاكسة لكل صفات الاستقامة الانسانية.
من خلال قراءة النص الديني يتبين لنا انه لا يجوز إكراه الناس لأي عمل يتنافى ومفعوم الحق والعدل وحرية الانسان،لذا فالإسلام لم يتبع اي من انواع العنف الداخلي او الخارجي وبنوعيها الفكري والسياسي بدلالة الأية الكريمة (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنه لمن يرجو الله واليوم الآخر _الأحزاب آية 21).
إن أساس الجهاد في الإسلام كما اسلفنا محاربة الطغيان وتحقيق حرية الكلمة والتعبير عن الرأي وسواسية الناس امام القانون وفي هذا السبيل يقول الحق(فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة،ومن يقاتل في سبيل الله فيقتَل او يَغلِب فسوف نؤتيه اجراً عظيما-النساء آية 74).
وبما أن كل مراحل الدعوة في عهده –صلى الله عليه وسلم- قامت على عبارة واحدة فقط هي (خلوا بيني وبين الناس ) فالمشكلة كانت مجسدة في طغيان قريش وعدم قبولها للحوار الفكري وإصرارها على القتال،لذا لا بد من محاربتها والانتصار عليها صوناً للحرية ورداً للطغيان وتحقيق هدف الآية الكريمة(من شاء منكم فليؤمن،ومن شاء فليكفر)والآية( أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين سورة يونس اية 99)،ولذلك فإن الاستعباد للناس محرم شرعا وقانوناً حين جعل حرية الاختيار والتعبير هما الاساس.
هذا هو العمود الفقري للجهاد الداخلي في الاسلام ممثلا بالحصول على اعتراف الآخر كندٍ، فلو طرحت حاكمية الله بموجب ما طرحته الدعوة المحمدية لقبل بها حتى الملحد،ولشعر بحرج شديد في الوقوف ضدها،وبذلك نكون قد وضعنا ايدينا على النقطة الجوهرية في الطروحات السياسية،اما اذا فهمنا ان حاكمية الله تعني الحكم المطلق في كل صغيرة وكبيرة من الدشداشة القصيرة الى السواك كما تروج لها المنظمات الاسلامية المتطرفة والمتشددة،فقد وقعنا في فخ الطاغوت،وهذا ما نراه الآن.
أما الجهاد الخارجي والذي نسميه فتحاً لنشر الدعوة فهو يقوم
على تهديد عدو خارجي غير مسلم لدولة إسلامية واحتلال أراضيها بالقوة.كما حصل في استعمار الدول الغربية للآخرين في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.

مشروعية الجهاد في الإسلام:

لم يأذن الإسلام للمسلمين بالجهاد إلا عندما توافرت دوافعه، وأصبح القيام به ضرورة لحفظ الحياة، ودفع ما تعرض له المسلمون من مظالم، وما فعله كفار مكة بمن دخلوا في الإسلام من التعذيب يعرفه التاريخ، ويحفظه طوال مسيرة الدعوة في عهدها المكي الذي كان ثلاثة عشر عاماً من العذاب، في مناخ لم يكن يملك اتلمسلمون فيه ما يحمون به أنفسهم، وكان الرسول –صلى الله عليه وسلم- يمر على بعض أصحابه من آل ياسر: عمار وأمه وهم يعذبون فلا يملك إلا أن يقول لهم: صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة.

هنا فقط أذن بممارسة حق الدفاع عن النفس في قوله تعالى:
أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41 سورة الحج الآيات: 39 41. فتصريح النص القرآني ليس عدواناً ولكنه دفع للعدوان، فالمسلمون ظلموا وأخرجوا من ديارهم بغير حق، ولذا كان لهم الإذن بالجهاد.

أخلاقيات وآداب الجهاد في الإسلام:

أولاً: السلام هو غاية الإسلام:

فالسلام أحد أسماء الله تبارك وتعالى: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) سورة الحشر.
السلام تحية المسلمين بعضهم بعضا في الدنيا، السلام عليكم ويكون ردها: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. ويقول الرسول –صلى الله عليه وسلم-: ( آلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم).
ثم هو تحية المسلمين في الجنة، وتحييهم بها الملائكة، فتقول الآية الكريمة:
(وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) سورة الرعد.
ثم هو كذلك أمان لأهل الذمة ممن يكونون في رعاية الدولة الإسلامية؛ فيقول الرسول –صلى الله عليه وسلم- : إن الله جعل السلام تحية لأمتنا  وماناً لأهل ذمتنا) رواه البخاري – فتح الباري. كتاب الإستئذان باب: 20.
وفي ميدان القتال إذا قال من يقاتل المسلمين لهم: السلام عليكم، وجب الإمتناع عن مقاتلته، وفي هذا السياق تقول الله تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (94) سورة النساء.
واسم الجنة في الإسلام هو دار السلام يقول الله تعالى:
لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (127) سورة الأنعام. وحسب الإسلام أن يكون للسلام به هذه العناية لتكون كافية في نفي ما يتهم به اليوم في الغرب عامة وفي أمريكا بصفة خاصة بأنه دين الإرهاب.
ثانياً: (أ) أن يكون الجهاد في سبيل الله وهذا ما تقرره الآيات الكريمة:
انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41) سورة التوبة.
وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ سورة الحج آية: 78.
وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) سورة البقرة.
وتحديد أن يكون القتال في سبيل الله يكون المراد منه أن تكون غايته حماية الكون من الفساد، وحمايةعبادة الله من التخريب كما سبقت الإشارة إليه.
ولا تكون غايته دنيوية كاستعمار الأرض، أو الإستعلاء على خلق الله على نحو ماعليه الآن من جنون القوة في بعض دول العالم. لأن القرآن الكريم يقول صراحة:
تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83) سورة القصص.
ولعل أعظم ما يحسب للإسلام في جانب رقيه الحضاري في مسألة استخدام القوة(الجهاد) أنه جعل من أهم وأقدس مسئوليات المسلمين أن يقاتلوا دفاعاً عن المستضعفين في الأرض، الذين يعجزون عن حماية أنفسهم، ويلزم القرآن المسلمين بوجوب الدفاع عنهم،وذلك في قوله تعالى:
وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا (75) الَّذِينَ آَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (76) سورة النساء.
فالقتال هنا ليس للتوسع في الأرض، أو استعمارها، واستغلال خيراتها، وإنما هو لحماية هؤلاء من استغلال الأقوياء لهم، واغتصاب ما يكون من الخيرات في أرضهم. وهنا تجدر الإشارة إلى ان التاريخ لم يعرف أبداً أمة أوجماعة كان من أهدافها الدفاع عن المستضعفين، والتضحية في سبيل حمايتهم. بل كان المعروف –ولا يزال – هو العدوان عليهم، فإذا قرر الإسلام حمايتهم، وأوجب الجهاد على المسلمين، والدفاع عنهم، فهذا ما يميز الإسلام عن غيره، وما يعطي للجهاد هنا قيمته الحضارية النبيلة.
(ب) ألا تكون بدايته بالعدوان على الآخرين، وألا يكون في ممارسته أي نوع من العدوان.
(ج) لا قتال لمن لم يقاتل ، ومن لا يقدر على القتال:
ثم تأتي وصايا الرسول –صلى الله عليه وسلم- لأصحابه، ثم وصايا الخلفاء الراشدين من بعده لمن يخرجون للجهاد في سبيل الله، وخلاصة هذه الوصايا:
لا تقتلوا امرأة، ولا شاباً ما دام لا يحمل السلاح، ولا ذا العاهة كالأعرج، والأعمى، ولا تروعوا عابداً في محرابه، ولا راهباً في صومعته، ولا تجهزوا على جريح، ولا تمثلوا بجثة قتيل.
ثم وهذه قسمة قسمة حضارية للحفاظ على البيئة حتى ينتفع بها الجميع المسلمون وغيرهم فتقول الوصايا: لا تعفروا بئراً بمعنى: لا تردموا البئر التي يشرب منها الجميع، ولا تقطعوا شجرة مظلة ولا مثمرة.

سرعة الإستجابة لدعوة السلام:

لقد حرص الإسلام على السلام متى لاحت له أي بادرة ولو مجرد كلمة (سلام) ينطق بها أحد بها أحد من مقاتلي الأعداء، وفي هذا يقول الله تعالى:

وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (94) سورة النساء.
وإذا بدت ممن يقاتلون المسلمين أي بادرة سلم وجب على المسلمين الإستجابة لها، والتوقف عن القتال، مع أخذ الحذر من الغدر والخيانة، وفي هذا يقول الله تعالى:
وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) سورة الأنفال.
ويقول أيضاً: فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا (90) سورة النساء
ومما يحسب للإسلام أيضاً ويؤكد أن الحرب في الإسلام ضرورة تقدر بقدرها، ولا يجوز التجاوز فيها حسن المعاملة لأسرى الأعداء. وفي هخذا يقول الله تعالى:
إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) سورة الإنسان. ثم وضع أمرهم بين حالتين: إما أن يمن عليهم رئيس الدولة فيطلقهم أحراراً، وإما أن يدفعوا الفدية للخلاص من أسرهم، ويعينهم الإسلام على تحصيل هذه الفدية بتمكينهم من العمل، لكي يكسبوا ما يساعدهم على الخلاص من الأسر.

الفرق بين الجهاد والإرهاب:

والحرب في شريعة الاسلام لا يلجأ إليها إلا من أجل الدفاع عن النفس والعرض والمال والوطن والحرية والكرامة الإنسانية، لا يلجأ إلى الحرب إلا لرد الظلم ودرء العدوان وردع القوة الباغية التي تعتدي على الحقوق وتبطش الآمنين، فيهم العقلاء وفيهم السفهاء فيهم الأخيار وفيهم الأشرار.

وإذا كان البعض يفسر العمل الإرهابي حسب هواه، وخلط بين مقاومة الظلم ورد العدوان، وبين اقتراف الاعتداء وسلب حقوق الآخرين فإننا نقول انه لا خلاف بين العقلاء على أن الارهابي هو الانسان الذي يعتدي على النفوس، ويسلب الأموال ويهتك الأعراض، ويعتدي على حرية الآخرين وعلى كرامتهم الإنسانية، الارهابي هو الذي يعتدي على الآمنين فيهدم مساكنهم، ويحاصرهم في بيوتهم، ويصادر ارزاقهم ويخرب ممتلكاتهم. الإرهابي هو الذي يخضع غيره ويقهره بالظلم والهوان. ويكرهه إكراهاً على الاستكانة، ويعتدي عليه بشتى صور الإعتداء إذا ما طالب بحقه وحريته وكرامه.
هذه هي بعض صفات الإنسان الإرهابي الذي ينقاد للظلم والغرور والعدوان. من هنا يتضح أن الفرق بين الجهاد والإرهاب كالفرق بين السماء والأرض القرآن الكريم هو الذي شرع الجهاد لدفع الظلم ورد العدوان وأوجب صيانة كرامة الإنسان، وبذل الجهد لتأديب الطغاة الذين يخلطون بين الجهاد الذي شرعه الله والإرهاب الذي هو وسوسة من الشيطان .. لأن الجهاد في شريعة الاسلام هو دفاع عن كل الحرمات أما الإرهاب فهو عدوان على الأنفس والأعراض والحرمات، والجهاد ضرورة لنصرة المظلوم وقمع الظالمين .. ومن آداب الجهاد واحكامه التي شرعها الإسلام منع الاعتداء على النفس إلا إذا ارتكبت ما يوجب عقابها، فلا قتل للأطفال والنساء والشيوخ والمرضى والأسرى، ولا تمثيل بجثث القتلى، ولا تعذيب لأحد بل والحفاظ على الزرع والضرع والماء. بل إن الشريعة الاسلامية في سموها الزمت المسلم ان يجير المشرك إذا استجار به كما جاء في قوله تعالى:
وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6) سورة التوبة.
لقد أمرنا القرآن الكريم بأن نفي بالعهود والمواثيق حتى ولو كانت مع غير المسلمين،وأمرنا بإلغائها اذا كانت مضرة بمصالحنا وعدم تنقيذ العدو لها، وهذاهو الذي فتح المجال الواسع للتعاون بين الشعوب المؤمنة بالرسالة وغير المؤمنة بها
هذا النوع من الجهاد مقر شرعا وفي كل الاديان ومن يناصر الأعداء،وخاصة في حالة تعرض الدولة لعدوان خارجي لدولة الاسلام والمسلمين فهو خارج عن الملة شرعاً،فمن حق المسلمين رد العدوان بالقوة المماثلة،يقول القرآن( الحرمات قصاص،فمن اعتدى عليكم فأعتدوا عليه بمثل ما أعتدى عليكم، البقرة، آية 194).وهنا يجب ان تتوفر الرغبة والعزيمة والإرادة عند المُعتدى عليه،والرغبة هي القوة المعنوية لدى النفس الانسانية في تحقيق الهدف،والعزيمة هي التطبيق العملي للرغبة، والارادة هي القرار الاستراتيجي لضمان مستقبل الدولة..لذا من اخل بهذ التوجه القرآني فقد اخل بشريعه الاسلام.
ونتيجة لهذا الاتجاه الخاطىء في فهم آيات الجهاد طمست عزيمة الجهاد من الناحية التاريخية وتم ربطها بالسياسة والسلطة الزمنية منذ بداية الفتوحات الاسلامية على عهدي الأمويين والعباسيين حين لم يفرق بين الجهاد والقتال،لذا كلما تهددت السلطة عمدت الى حل تناقضاتها بتوجيه الناس نحو الحرب الذي سمته جهاداً وهذا مخالف تماماً لهدف آيات الجهاد الاسلامي الاساسية.
إن بداية تطبيق آيات الجهاد على حروب الردة في عهد الخليفة الأول أبي بكر الصديق(رضي الله عنه) كان لامتناع الأعراب عن أداء الزكاة التي كان مفهومها لا زال حديث عهد بهم، ويبدو أن ذلك الإجراء كان مبرراً من وجهة نظرهم لتخوف الخلافة من تفكك وضياع الإسلام وهو لا زال وليدا.،والقبائل العربية التي أسلمت لم تصل الى مرحلة الوعي التام للدعوة.
وفي عهد الخليقة الثاني عمر بن الخطاب(رضي الله عنه) تطور الأمر حين عمت الفوضى بعد أن سحقت حركة الإرتداد، والنصوص التاريخية التي أوردها المؤرخون هنا غامضة ومتداخلة لم تعطينا تفاصيل الذي حدث بالضبط، سوى ذكرها لتوجه الجيوش نحو الفتوحات الخارجية،حتى عدها البعض أمتصاصاً للفتنة الداخلية وتقوية الدولة مادياً ومعنويا،وهذا هو راي المستشرقين الذين لم يُرد عليهم لحد الان بالحجة والبرهان من قبل مؤرخينا إن كانوا يملكونها. وفي عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان (رضي الله عنه)،استمرت الفتوحات هي الأخرى لإزاحة الاحتلال الرومي والفارسي عن أرض العرب في العراق والشام، وهذا مبرر شرعأً وقانوناً، لكونها أرضاَ عربية محتلة،لكن في عهد الخليفة الرابع علي بن ابي طالب (رضي الله عنه)توقفت حركة الفتوحات، ولا أدري-الكلام للشيخ الطنطاوي-  ان كان الإمام له وجهة نظر معينة لم ينقلها لنا المؤرخون،أو أن الدولة توسعت فخاف على تمزقها وضياعها،ومصادرنا التاريخية تسكت عن الحقيقة هنا،وعندي أن الرأي الثاني أقرب للقبول.،ومن ناحية أخرى فقد توسعت الدولة ولم يعد بالامكان السيطرة على فتوحات أخرى فأصابها التوقف.فقضية الفتوح خارج جزيرة العرب لا زالت بحاجة ماسة لدراسة علمية موثقة لبيان الحقيقة التاريخية والشرعية فيهاخارج نطاق التصور الفكري والعاطفة الدينية،بعد أن ظهر الكثير من المؤرخين الأجانب التي عدوها إعتداءً وتجاوزا على الشرعية الوطنية لأوطانهم وهم يطالبون اليوم باعتذار العرب والمسلمين لهم رسمياَ عنها.والمعتقد أن العرب والمسلمين بحاجة لأن يقدموا تفسيرا تاريخياً مبررا لها لإقناع الدول التي فتحت بوجهة نظرهم، لعلها تزول العُقد التاريخية المستعصية في فهمها واهدافها،واذا ما اقتضى الامر بتقديم اعتذار رسمي عنها للدول الخارجية التي فتحت عنوة دون رغبة منها، حتى نقف مع المقياس الحضاري حين نطالب بالتعويضات المادية والمعنوية من الدول الاستعمارية التي احتلت أراضينا سابقاً ولا زال بعضها محتلا الى الآن.

الفرق بين الجهاد والعنف:

حول بين الفرق بين الجهاد والعنف وما رمي به المسلمون اليوم،فقد كتب الاستاذ معز الدين الخطيب تحليلا علميا لها،نقتطف جزءً منه مع التصرف فنقول:إن من غير الدقيق الاكتفاء بدرس ظاهرة العنف ومظاهر الخلط بينه وبين الجهاد ضمن الإطار الفقهي،فهو لاشك في أزمة بحاجة الى توضيح،لا سيما وان ظاهرة العنف هي ظاهرة عالمية لا تقتصر على الأصولية الإسلامية فحسب،لكن ارتباط المنظمات الإسلامية المتطرفة بها يعود الى فهم خاطىء في مفاهيم الجهاد الإسلامية حين دمجوا العنف بالجهاد ولم يتركوا للحوار مكاناً،خاصة وإن الحس الديني العالي لهؤلاء الجماعة وتكوينهم النفسي والفقهي الخاص بهم أشعرهم بالتهديد المستمر الذي لا بديل عنه إلا العنف والإلتزام به،ناهيك عن العوامل الأخرى الخاطئة في مفهموم تأويل النص الديني وقراءته قراءة أحادية صرفة )معز الدين الخطيب،القاعدة والجهاد،دار الحياة،سنة 2005).

إذن هناك فرق واضح بين الجهاد والعنف،فالأول يتميز بوضوح الهدف ووضوح الوسيلة والإلتزام بأحكام الشرع ومكارم الأخلاق التي جاء بها الإسلام،قبل القتال واثناء القتال وبعد القتال،ولكل منه شروطه الدينية والأخلاقية،فلا قتل للبشر ولا قلع للشجر،ولاتدمير للثروة والموارد،وضرورة الخلاص من فكرة مقاتلة الكفار سواءًحصل الإعتداء منهم أو لم يحصل كما هو في مفهموم نظرية التشدد الحالية،مستندين الى قول الإمام الشافعي:( الجهاد فريضة يجب القيام به سواءً حصل من الكفار إعتداءأم لم بحصل(كتاب الأم ج4 ص168). وهذا التوجه يتعارض مع نص الآية الكريمة:( أدعُ الى سبيلِ ربك بالحكمةِ والموعظة الحَسَنة وجادلهم بالتي هي أحسن ان ربكَ هو أعلمُ بمن ضَل َعن سبيله ِوهو أعلمُ بالمهتدين،النحل 125.)، والإجماع على أن الجهاد هو في سبيل الله وإعلاء كلمته وليس بسط سلطة الإسلام على الناس بالقوة وهنا مكمن الخطأ ولنا في آيات الجهاد ما يثبت ما نقول.لكن ما يدعيه الفقهاء بأن أية السيف المتمثلة بالآية( 5 )من سورة التوبة فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)
قد نسخت اكثر من 120 آية من أيات الجهاد لهو اعتداء منطقي على الايات القرآنية،علما أن النسخ لم يكن في الآيات القصار وإنما جاء في الرسالات المتعاقبة من موسى الى محمد –صلى الله عليه وسلم- .
إن الآية الكريمة 256 من سورة البقرة، جاءت عامة لكل الناس(لا أكراه في الدين قد تبين الرشد ُمن الغي)،لذا فهي تتقاطع مع شعار الفتوح المعلن عند البلاذري في كتابه فتوح البلدان(أسلم تسلم لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم،وان لم تسلم تدفع الجزية نظير حماية الدولة لك).
إن الآية الكريمة وضعت سُنة لكل الناس دون تمييز في الحرية الدينية والمدنية دون إكراه،لأن الحرية هي هبة الله الى الناس،وليست هبة أحد من الناس،فاذا تتبعنا آية الجزية في سورة التوبة يقول الحق: ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله واليوم الاخر،ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين آوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون،التوبه 29). فالآية الكريمة ليست عامة،بل وضعت شروطا ًدقيقة لتطبيقها عملياً حين لا يكونون من المؤمنين بالله واليوم الاخر،ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله،كقتل النفس الانسانية بدون جرم مرتكب،وأن يبداوا هم بقتال المسلمين بدلالة الآية عن يدٍ وهم صاغرون.
الديانات المنزلة كلها تؤمن بالله واليوم الآخر،ولا تؤمن بقتل التفس الإنسانية بدون سبب مبرر،لذا فإن تفسير النص يحتاج الى إعادة نظر في قراءته،وما يعزز هذا الرأي ما ورد بنص الآية الكريمة يقول الحق:(ان الذين آمنوا بالله واليوم الاخر والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الاخروعمل صالحاً فلهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون،المائدة والبقرة 169،62). فشرط الآية هو الإيمان لاغير،وهم مؤمنون،هنا نلاحظ أن شعار الفتوح السابق يصح بالحوار لابالقتال.لذا لابد من إعادة النظر في هذه الإشكالية الدينية الكبرى- إشكالية الفتوحات- لكي نضع حدا للآراء المتضاربة وحتى يخرج الإسلام منها سليماً معافى.
أما العنف كما تمارسه بعض الجماعات المتزمتة الى تنسب الى الإسلام،فينقصه الوضوح في الرؤية وقصور الأهداف وخطأ الوسائل ومخالفة الضوابط الشرعية،ويعتبر اجتهاد أفراد أوجماعات معزولة عن المجتمع،تخالف رأي الناس و هي لا تمثل امة الاسلام،بل تشكل قطيعة معها حين يصبح الجهاد بنظرها صحيحاً لكل راضٍ عنها غير منكر لها.
وحقيقة القول ان تفسير أيات الجهاد بالمنطق السلبي قد كلفنا الكثير أرواحاً ومالاً وسمعة عند الآخرين،واتهمنا وأتهم الإسلام بالإرهاب والإرهابين تجاوزا علينا وعلى النص الديني دون مبرر سوى التشدد في آحادية الرأي الخاطىء والإصرار العنيد،فهل من نهاية لهذا الموقف الخاطىء الخطير..

صدام الحضارات:

* روج البعض لما سمى بصدام الحضارات، وجاءت أحداث سبتمبر فأستغلها أصحاب هذه النظرية باتهام الإسلام بالإرهاب. ما موقف الإسلام من هذه الاتهامات، وما موقف الإسلام من الحضارات الأخرى؟

 
حول صدام الحضارات والعلاقات بين الأمم ومفهوم الجهاد في الإسلام تحدث شيخ الأزهر د. محمد سيد طنطاوي لـ «العالمية» واضعاً النقاط على الحروف.
- الحضارات يجب أن تتعاون لا أن تتصادم وان تتآزر لا أن تتصارع وذلك مما فيه خير للبشرية.
- الجهاد في الإسلام هو دفاع عن كل الحرمات وهو ضرورة لنصرة المظلوم وقمع الظالم.
- البعض يفسر الإرهاب حسب مراده ويخلط بين مقاومة الظلم ورد العدوان وبين اقتران الإعتداء وسلب حقوق الآخرين.
- مستقبل الأمة الذي ننشده والنجاح الذي نأمله يتحقق عند الأخذ بأسباب العلم والعدل.
- يجب على المسلم أن يقدم للناس ما يدل على أن شريعة الإسلام هي شريعة السماحة والعدل، شريعة الاعتدال والوسطية والإبتعاد عن العنصرية، وبذلك نرد بالدليل العملي على من يقولون بتصادم وتصارع الحضارات أنهم مخطئون، فالحضارات عند العقلاء تتعاون ولا تتصارع، تتقارب ولا تتباعد، تتآزر من أجل نشر السلام والأمان والرخاء في المجتمعات الإنسانية.

الهوامش:

- الموسوعة الجهادية تحت مفهوم الجهاد1

2- مفهوم الجهاد في الإسلام ونظريات التطرف. د. عبد الجابر العبيدي من النت.
3- صراع الحضارات . د. محمد سيد طنطاوي. من النت.
4- الإسلام والجهاد. د. عبد الصبور مرزوق. المؤتمر العام السادس عشر للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية المنعقد بالقاهرة 2004م  التسامح في الحضارة الإسلامية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق