الثلاثاء، 23 نوفمبر 2010

علمانيو فلسطين..نهشٌ للذات حتى الممات



علمانيو فلسطين..نهشٌ للذات حتى الممات

براء ياسين

لا شك أنكم سمعتكم يوماً عن قصص عدة لأنواع كثيرة من الحيوانات أخذت بأكل أجسادها بعد أن سُدّتْ الطرق في وجهها للعيش والبقاء على قيد الحياة، حديثنا اليوم عن قصة في ذات السياق لكنها بشريةٌ بحتةٌ بنكهات علمانية براغماتية نُزعت من عقولها وأفئدتها غاية العيش وهدف الحياة التي خُلقنا من أجلهما.

قبل أن أبدأ بالقصة البشرية سأعرج قليلاً على الأخرى الحيوانية، التي يبحث عناصرها عن الحياة عبر شق الطريق نحو الموت، هي قصة نجد فيها العبرة التي تقودنا إلى مبرر ما يفعله بطل حكايتنا البشرية –وإن اختلف معي البعض في وصفها بـ"البشرية"-.

بحثٌ علمي أعده مجموعة من العلماء الغربيين توصلوا فيه إلى نتيجة مفادها أن الجراد يبدأ بأكل ذاته حينما يكتشف عدم صلاحية ما أمامه للأكل أو عدم مقدرته على تناوله، فنجد مجموعات الجراد قد تبعثرت كلٌ يبحث عن فريسته من مجموعته لينهش ما يمكنه حتى يشبع غريزة البقاء لديه.

وتبين للعلماء أن تلك الغريزة تودي بالجراد الصغير الذي لا يستطيع الطيران إلى قضم غيره من المجموعة حتى وإن كان لا يزال حياً، فيما تبحث الحشرات التي تجد نفسها محاصرة وعرضة للالتهام عن ملجئ بعيد تفر إليه خوفاً من أن تُنهش من قريباتها.

الحكاية البشرية –وإنْ ميّزها الله بالعقل- الذي لم يُستخدم هنا فيما خُلق له، لم تذهب بعيداً عما صار إليه حال الجراد، فأكلَ بطل الحكاية من جسمه وتهشم وتشوه وتفتت وتجزأ، وأمسى جسداً ضعيفاً هزيلاً يُحرَكُ بالخيوط الممدودة من أعلى مُصدرةً للأوامر إلى اليمين والشمال كتلك الدُمى والعرائس التي لا تستطيع الحراك إلا بفعل مالك ناصية الخيط.

ما أتى بي إلى ذِكرِ ما ذكرتْ، ما يقال منذ فترة وجيزة عن الخلاف الحاصل بين رأسي الحكم في حركة فتح –إن صح التعبير- محمود عباس ومحمد دحلان، اللذان وصل بهما حال الخلاف إلى أعلى مستوياته كما ذكرت المصادر الإعلامية، ذاك الخلاف الذي سيترك شرخه الخاص ذو الطابع الحاد في جسم الحركة التي أخذت بالتآكل تباعاً بعد تسميمها لقائدها السابق ياسر عرفات.

فتح التي فعلت كل ذلك بنفسها بملء إرادتها وبما حصده قادتها وعناصرها نتاج سنين طوال من سياسات الطبطبة وبوس اللحى والإرضاء بمغريات الدنيا من مال ومناصب على طريقة قائدهم السابق أبو عمار، ومن رضوخ للعدو وبيع للمبدأ وبحثٍ شرهٍ عن الدولار الذي لا يقوى الفتحاوي على الحراك دونه، آل بها المآل إلى واقع لا يتفق فيه فتحاويان إلاّ على أمر واحد فقط، هو محاربة حماس ونهجها الإسلامي المقاوم.

خلافات عباس- دحلان جاءت نتيجة لجملة من الأسباب أهمها غضب عباس من دحلان بسبب محاولته الاتصال المباشر مع الإدارة الأمريكية وطرح نفسه كبديل أنجع لها من عباس، وسعيه تعزيز نفوذه بالأجهزة الأمنية والوزارات في الضفة، وإلى تدخله المكثف أيضاً في تشكيل الحكومة الجديدة التي لم ولن ترى طريقها النور، وما تبع ذلك من إجراءات تصعيدية بين الطرفين رأينا أو سمعنا بعضها وسنرى ونسمع ما سيأتي في مقبل الأيام أيضاً.

نهش الذات هذا يضاف إلى قائمة طويلة جداً من الخلافات التي دبّت في جسم الحركة منذ أيامها الأولى بعد إعلان تأسيسها، بل لا نبالغ إن قلنا –قبل الإعلان-، أي منذ بدأ قادتها الأوائل التفكير بإطلاق الحركة.

بتلك التشكيلة منقطعة النظير في خلفيات النزاعات الفتحاوية الداخلية، ابتداءً من الخلافات الشخصية ذات الأسباب السخيفة، إلى حرب الأقاليم والمحاور، إلى معركة الجيلين القديم والحديث، وحتى الوقائع المسلحة بين أجهزة السلطة الأمنية، فاق بطل حكايتنا العلماني كل التجارب الإنسانية السابقة في نهش الذات حتى الممات الذي نراه يلوح في الأفق، وما هو على الله ببعيد

هناك تعليق واحد:

  1. هُمْ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي خُطْبَتِهِ الْمَشْهُورَةِ فِي كِتَابِهِ فِي الرَّدِّ عَلَى الزَّنَادِقَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي كُلِّ زَمَانِ فَتْرَةٍ مِنْ الرُّسُلِ بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَدْعُونَ مَنْ ضَلَّ إلَى الْهُدَى ، وَيَصْبِرُونَ مِنْهُمْ عَلَى الْأَذَى ، وَيُحْيُونَ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَوْتَى ، وَيُبَصِّرُونَ بِنُورِ اللَّهِ أَهْلَ الْعَمَى ، فَكَمْ مِنْ قَتِيلٍ لِإِبْلِيسٍ قَدْ أَحْيَوْهُ ، وَكَمْ مِنْ ضَالٍّ تَائِهٍ قَدْ هَدَوْهُ ، فَمَا أَحْسَنَ أَثَرَهُمْ عَلَى النَّاسِ وَمَا أَقْبَحَ أَثَرَ النَّاسِ عَلَيْهِمْ ، يَنْفُونَ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ ، وَانْتِحَالِ الْمُبْطِلِينَ ، وَتَأْوِيلِ الْجَاهِلِينَ ، الَّذِينَ عَقَدُوا أَلْوِيَةَ الْبِدْعَةِ ، وَأَطْلَقُوا عَنَانَ الْفِتْنَةِ ، فَهُمْ مُخْتَلِفُونَ فِي الْكِتَابِ ، مُخَالِفُونَ لِلْكِتَابِ ، مُجْمِعُونَ عَلَى مُفَارَقَةِ الْكِتَابِ ، يَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ وَفِي اللَّهِ وَفِي كِتَابِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ، يَتَكَلَّمُونَ بِالْمُتَشَابِهِ مِنْ الْكَلَامِ ، وَيَخْدَعُونَ جُهَّالَ النَّاسِ بِمَا يُشَبِّهُونَ عَلَيْهِمْ ؛ فَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الْمُضِلِّينَ.

    ردحذف