السبت، 20 نوفمبر 2010

أوهـــــــ المصالحة ـــــام - ابراهيم حمامي


أوهـــــــ المصالحة ـــــام - ابراهيم حمامي

بداية نؤكد أنه ممن شريف ووطني وغيور إلا ويؤيد المصالحة الفلسطينية والوحدة الفلسطينية ولم الشمل وانهاء الانقسام وغيرها من مفردات الساعة...
لكن ....
أي مصالحة؟
ومع من؟
وعلى أي أسس؟
وبأي ثمن؟
ما شهدته الأيام والأسابيع الأخيرة من جولات "حوارية" بين حركة حماس والمتنفذين في حركة فتح، أثبت المثبت وأكّد المؤكد، ألا وهو استحالة التفاهم والحوار مع من يفتقدون القرار، ويرتهنون بإرادة المحتل وبشكل كامل.
لا نتحدث هنا عن التقارير الصحفية التي ذهبت لحد تهديد الاحتلال بانهاء دور السلطة، ولا نتحدث عن سحب الامتيازات من أعضاء حركة فتح ومسؤوليها ومنعهم من استخدام سياراتهم الخاصة للتنقل من وإلى الضفة، ولا نتحدث عن التقارير التي هدد فيها الاحتلال ومعه الولايات المتحدة بوقف الدعم عن سلطة أوسلو إن أشركت حماس في قيادة الأجهزة الأمنية، وبالتأكيد لا نتحدث عن زيارة عمر سليمان وأبو الغيط لرام الله والتي قيل أنها لعرقلة المصالحة وتحويلها إلى "عملية" حوار!
لكننا نتحدث عن أجهزة أمنية تخضع بالكامل عقيدة وتدريباً وعملياتياً للمحتل وخدمته والسهر على راحته، وهو ما حذا بعباس وكبير مفاوضيه للتذكير بذلك وبدور السلطة في أكثر من مناسبة.
نتحدث عن غياب أية استقلالية سياسية لاتخاذ القرار لا بالمفاوضات ولا بالحوار، وليلاحظ أي كان كم من الوقت يُمضي عباس في الضفة، وكم من الوقت يقضيه بين فلان وعلان بحجة التشاور والتباحث، لعجزه المطلق والكامل عن اتخاذ أي قرار، حتى ولو بتنحيه أو استقالته أو رحيله كما هدد غير مرة.
حركة حماس وقيادتها تعي ذلك تماماً، وتعرفه وتخبره أكثر من أي جهة وطرف.
ومع ذلك تفتح الباب على مصراعيه لما يسمى بالحوار، البعيد تماماً أيضاً عن أي جدية وحسن نية من قبل متنفذي فتح.
حركة حماس وقيادتها تعرف تماماً لماذا وقعت فتح الورقة المصرية العام الماضي للخروج من ورطة جريمة تأجيل تقرير غولدستون، وتعرف لماذا أحب عبّاس فجأة المصالحة بعد جريمة أسطول الحرية، ليعود ويلهث مجدداً وراء مصالحة مفترضة بعد الصفعات المتتالية له ولمن معه من قبل الاحتلال والولايات المتحدة بعد أن سقطت آخر أوراق التوت بفشله التام في الحصول حتى على وعد "من تحت الطاولة" لتجميد الاستيطان ولأيلم محدودة.
أي أن متنفذي فتح يستخدمون ورقة المصالحة تكتيكياً للخروج من فضائحهم وجرائمهم وفشلهم.
كل هذا تعرفه حماس وقيادتها، ويعرفه الفلسطينيون كبيرهم وصغيرهم.
لكن مع كل ذلك تظهر حماس في الاعلام وكأنها من يركض وراء المصالحة، وتترك الساحة للطعن والتشويه، بل لا نبالغ ان قلنا، أن حماس في كثير من ألأحيان تعطي الطرف الآخر الذخيرة والمؤنة لمهاجمتها من خلال هفوات لا تخفى على أحد.
رغم ما سبق وتهافت متنفذي فتح على الظهور بمظهر الحريص على المصالحة، ولهاثهم وراء اللقاءات مع كل مأزق، لنقرأ ما الذي يصرحون به:
· أكد محمود عباس أن السلطة الفلسطينية لن توافق أبداً على اقتسام الأمن مع حركة حماس إذا ما طلبت ذلك خلال جلسة المصالحة المقررة في التاسع من الشهر الجاري في دمشق لبحث الملف الأمني الشائك. وقال عباس -خلال مقابلة مطولة مع جريدة الأنباء الكويتية في عددها الصادر الخميس 04/11/2010- "إن كل شيء يمكن أن يكون خاضعاً للقسمة، المجلس التشريعي، الحكومة، إلا الأمن فلا يمكن إلا أن يكون بيد واحدة، ومرجعية واحدة، وقيادة واحدة".
وأضاف "أما قصة اقتسام الأمن في غزة والضفة فهي غير مقبولة إطلاقا، وفي حال طرحت حماس ذلك فلن نقبل به أبدا". وأعرب عن أمله بأن توقع حركة حماس على الورقة المصرية. وقال: "هذا هو الأساس في كل الحوار، نتحاور في القضايا التي يمكن أن نتوافق عليها ونتشاور فيها، ولكن في الأساس الوثيقة المصرية هي المعتمدة والأساس الأصلي لأي مصالحة".
· في تصريح ل"يونايتد برس انترناشونال' يوم الخميس 11/11/2010، وصف رئيس وفد حركة فتح إلى محادثات المصالحة عزام الأحمد جولة الحوار الثانية من الحوار مع حماس بأنها كانت "مضيعة للوقت"، بخاصة بعد التأجيل من عشرين الشهر الماضي إلى الثلاثاء الماضي، وأعلن عن زيارة قريبة للرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى دمشق، متهماً إيران بـ"التدخل" في الخلاف الفلسطيني. وأضاف "نعم أضعنا وقتاً بدون جدوى وإذا لم نتسلم ملاحظات حماس سنكون مهزلة أمام العالم وبالتالي لا داعي لعقد جلسة حوار أخرى وعلى الإخوة في حماس التوجه إلى القاهرة للتوقيع على الورقة والتفاهمات هي شأن فلسطيني داخلي".
· علم من مصادر فلسطينية مطلعة بأن لقاء المصالحة الأخير بين حركتي "حماس" و"فتح" والذي عقد الأربعاء (10-11) في العاصمة السورية دمشق، وصل إلى طريق مسدود بسبب التعنت الذي أبداه وفد فتح فما يتعلق بالملف الأمني، الذي شكل مادة البحث الرئيسة بين الطرفين.
وأضافت المصادر أن عدم التوصل لشيء في هذا اللقاء جاء نتيجة إصرار حركة "فتح" وتحديدا مدير جهاز المخابرات في السلطة ماجد فرج على اقتصار التعديلات الأمنية الاجهزة الأمنية الموجود في قطاع غزة فقط، وعدم استعداده لقبول أي تعديل على الوضع الأمني في الضفة الغربية المحتلة
· اكد مصدر فلسطيني مطلع جدا على لقاءات وفدي فتح وحماس في دمشق يومي الثلاثاء والاربعاء الماضي بأن المصالحة الفلسطينية 'مؤجلة' ولن تكون خلال العام الجاري.
واضاف المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه قائلا لـصحيفة القدس العربي – 12/11/2010 - 'المصالحة مؤجلة للعام القادم'، مشيرا الى ان عقبة الامن التي شرعت فتح وحماس بمناقشتها خلال الاجتماع الذي عقد في جلستين الثلاثاء والاربعاء الماضيين ما زالت تحول دون تحقيق المصالحة.
واوضح المصدر بأن وفد فتح برئاسة عزام الاحمد ومشاركة مدير المخابرات العامة الفلسطينية ماجد فرج وصخر بسيسو عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عبر عن رفضه لفكرة المحاصصة في المؤسسة الامنية، مشددا على ان الاجهزة الامنية العاملة في الضفة الغربية هي اجهزة مكتملة النصاب والشرعية وانه لا يمكن اجراء اعادة هيكلة لها وان المطلوب بحث مستقبل الاجهزة الامنية في قطاع غزة كون ان الموجود في غزة هي اجهزة محدثة اي تم تشكيلها حديثا، الامر الذي رفضه وفد حماس برئاسة موسى ابو مرزوق لان الاجهزة التي تم تشكيلها في غزة هي اجهزة ما بعد تحرير غزة من الاحتلال الاسرائيلي وهي الشرعية كونها شكلت على اجندة وطنية بعد زوال الاحتلال، وان الاجهزة التي يجب اعادة تشكيلها وفق اجندة العمل الوطني الفلسطيني هي اجهزة الضفة الغربية التي شكلت في ظل الاحتلال الاسرائيلي وتعمل في ظل سيطرته واحتلاله للضفة.
هذا ما يتعلق بالملف الأمني، مفترضين حسن النية والجدية في القبول والتطبيق لباقي الملفات!
لا يمكن لعاقل أن يتصور انجاز وحدة وطنية تشارك فيها حماس في الأجهزة الأمنية التي تنسق مع الاحتلال وتخدمه وتأتمر بأوامره، ولايمكن لعاقل أن يتفهم كيفية انجاز الوحدة الوطنية في ظل التنسيق الأمني.
يقول البروفيسور عبد الستار قاسم وتحت عنوان يجمل القضية "إما الوحدة أو التنسيق مع اسرائيل" يقول:" التنسيق مع إسرائيل نقيض الوحدة، ونقيض الشعب الفلسطيني، ونقيض الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني، ونقيض الاستقلال والحرية. التنسيق الأمني مع إسرائيل عبارة عن استنزاف أخلاقي ووطني وديني وتاريخيى ومعنوي وعاطفي وذهني للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، وهو وصمة عار مقرفة على جبين الشعب، إذا بقي هناك جبين. لقد وضعنا التنسيق الأمني مع العدو الذي شرد الشعب واغتصب الأرض في خزي تاريخي أمام أنفسنا وأمام الأمم، وجعلنا أضحوكة للتندر والاستهزاء. من في التاريخ وقف على أبواب جلاديه وقاتليه ومغتصبيه يحرسهم وهم يزنون وينتهكون غير أصحاب التنسيق الأمني من الفلسطينيين؟ ولا يبدو بأن الدعوة للخجل قد باتت تنفع.

فهل من الممكن أن تتم وحدة الصف الفلسطيني على أرضية التنسيق الأمني مع إسرائيل؟ نحن أمام أمرين: إما أن نتوحد بناء على الاعتراف بإسرائيل وخدمتها أمنيا، وإما على قاعدة العمل على استعادة حقوقنا. ربما يقول أحد إن التنسيق مع إسرائيل يوصلنا إلى حقوقنا الثابتة، ولكن عليه أن يجيب كيف يمكن أن يستعيد مظلوم حقه من خلال خدمة ظالمه؟ ربما يشفق الظالم عليه قليلا فيعطيه شيئا، لكن الظالم لن يكون ظالما إذا أعاد الحقوق لأصحابها. وقد جرب أصحاب التنسيق الأمني على مدى عشرين عاما تقريبا، ورأوا أن طلبات إسرائيل الأمنية لا تنتهي، وأنها لا تبحث عن إعاداة حقوق وإنما عن استعباد الفلسطيني ليكون حارسا أمنيا لها وتحت إشرافها مقابل فتات من المال تقدمها الدول المانحة بإذن من إسرائيل ذاتها. حتى لقمة خبز هؤلاء الذين يتوهمون أنهم سيقيمون دولة تبقى تحت رحمة إسرائيل، وكان عليهم أن يتعلموا أن فلسطين قد تحولت إلى راتب وسيارة ومتع لبعض القيادات، وأن ما يتغنون به من حقوق ثابتة ليست إلا مجرد شعارات إعلامية لا قيمة لها".
كل ذلك تعرفه حماس وتدركه جيداً – لماذا الاستمرار في مهزلة الحوار والمصالحة مع من لا يريد تلك المصالحة ولا يمتلك قرار نفسه؟.
كثيرة هي الأعذار التي تساق في هذا الشأن:
· حماس لا يمكن أن تظهر بأنها من يعرقل المصالحة
· في رقبة حماس مليون ونصف المليون في غزة تحت الحصار وعليها أن تخفف عنهم
· حماس مستعدة للتنازل لطرف فلسطيني في سبيل المصالحة
· حماس ترى في المصالحة والوحدة الوطنية أولوية قصوى
لكن بالله عليكم هل من يطرح هذه الأعذار مقتنع بامكانية التوصل لأي اتفاق يحترمه الطرف الآخر، وهل من ضمانات بفك الحصار وادخال أموال اعادة الاعمار والذهاب لانتخابات رئاسية وتشريعية كما يكرر عباس في كل مرة؟
ألم يتعظ الجميع من تجربة انتخابات التشريعي في المرة السابقة والانقلاب عليها بفرمانات عباسية بعد تدخل الاحتلال لصالح عباس ومن معه واعتقال عشرات النواب المنتخبين؟
حماس تخسر من شعبيتها ومن دعم الجماهير لها، تخسر من سمعتها وصورتها، وهي تظهر اليوم بهذا المظهر المحزن في حوار الطرشان الذي لن يحصد إلا المر.
عودة للبروفيسور عبد الستار قاسم حين ينهي مقالته السابقة بقوله " ولهذا مطلوب من حماس أن تتوقف عن المطالبة بإصلاح الأجهزة الأمنية لأنها في ذلك تعني أنها تريد أن تكون شريكا في إدارتها والسيطرة عليها. نحن لسنا بحاجة لهذه الأجهزة في الضفة الغربية، ويجب حلها. المطلوب تطوير المقاومة على أسس علمية ومهنية، وإقامة قيادة موحدة سرية لها في مكان سري في هذا العالم، وعلينا أن نودع العلنية في العمل، والعنجهية في استخدام السلاح. وأظن أن الجميع أصبح على يقين بأن السلاح العلني في ظل الاحتلال إما سلاح خائن أو جاهل".
نزيد على ذلك بالقول أن القبول بسلطة وانتخابات في ظل الاحتلال، هو تشريع له ودعم له وحماية له، وتكبيل للشعب وقواه، ولجم للمقاومة، خاصة بعد تجربة الانتخابات الأخيرة التي كانت اختباراً ودرساً عملياً وواقعياً.
لن تتم المصالحة مع من يرتهن للمحتل، وان تم التوقيع عليها لن تنفذ وسيكون مصيرها هو ذات مصير الاتفاقات السابقة، وان نفذ جزء منها فسيكون انتقائياً تتم بعده عرقلة الباقي، وان صدقت النية وعاد من في حضن المحتل لحضن الشعب – ولا نرى ذلك حاصلاً – فحينها سيتدخل الاحتلال ويضرب الاتفاق ومن وقعه!
لماذا؟
ننهي من حيث بدأنا أن المصالحة يحرص عليها كل وطني وشريف وغيور، لكن المصالحة التي نريد هي المصالحة الحقيقية مع الرجال وبين الرجال، مصالحة على قاعدة وعقيدة واضحة، أساسها وبؤرتها وبوصلتها تقول:
طالما أن أحد أطراف المعادلة هو الاحتلال والمحتل، فإن الطرف الآخر هو المقاومة حتى التحرير والعودة.
هذا هو أساس المصالحة الحقيقية وما دونه لن يكتب له النجاح، ولو عقدت عشرات اللقاءات والتفاهمات والاتفاقات، ولو انتقل ملف المصالحة من مكة إلى صنعاء مروراً بالقاهرة ودمشق وكل العواصم، ولو وقعوه بماء الذهب وفي حضن الكعبة المشرفة!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق