السبت، 27 نوفمبر 2010

دعوى الأسرى والمسرى



دعوى الأسرى والمسرى
بقلم بشير شريف البرغوثي
24/11/2010

معذرة على هذا الامتشاق العفوي للقلم، الذي انطلق مباشرة مع قراءة مقالة الأخ أحمد محمود القاسم الموسوم بعنوان "أسرانا وأسيرهم"
الوصل بين الأسرى والمسرى ليس لغطاً لغوياً، إنما هو تجسيد لقدسية الإنسان، وبذل أقصى آيات الاحترام للحق الإنساني الأول وأبو الحقوق كلها، ألا وهو الحق في الحياة، الذي لا ينفصل عن الحق في الحرية.
إن حماية الحق في الحياة والحرية لا تقتصر على القيام بالأفعال التي تؤدي إلى إعمال هذا الحق، ولكنها تؤدي حكماً إلى تأثيم وتجريم كل شخص يمتنع عن القيام بفعل ما، عندما يمس امتناعه هذا بحق الإنسان في الحياة، ونجد مصطلحات شتى في أدبيات القوانين الجنائية تعبر عن هذا المفهوم، مثل الإتيان بعمل أو عدم الإتيان بعمل، الإهمال الجسيم.... gross negligence وسوى ذلك. ونخلص من ذلك، إلى أن كل من يعلم بالانتهاكات الإسرائيلية لحق الإنسان الفلسطيني في الحياة وفي الحرية، ولا يقوم بما يستطيع، إنما هو شريك في هذه الأفعال الجنائية الإسرائيلية، ويستحق المحاكمة بتهمة الامتناع أو عدم الإتيان بعمل كان من الممكن أن يمنع أو يقمع هذه الجرائم. هذه ليست مبالغة، فالإنسان المتمدن، إما أن يكون إنساناً بضمير، أو ينتسب لصنف آخر في مملكة الحياة. هكذا يغدو عمر القاسم وعشرات الشهداء الذين منع عنهم الدواء والعلاج في السجون الإسرائيلية مسؤولية بني البشر جميعاً. فما بالك بمن لم يستشهدوا بعد ويموتون موتاً بطيئاً أمام أعيننا، وما من يدٍ ولو بتحية تمتد إليهم.
وإذا كان تأثيم الصمت في قضية الأسرى يطال أي إنسان سوّي، فما حال من هم في مواقع القيادة من أبناء الشعب الفلسطيني، سواء في السلطة أم المنظمة أم التنظيمات الأخرى. إن هؤلاء القادة مسؤولون بحكم قواعد المسؤولية الشخصية للرؤساء عن تصرفات مرؤوسيهم كما هي مستقرة في القانون الجنائي الدولي، بمعنى أنه لو ثبت أن أي أسير فلسطيني متهم بارتكاب جريمة وأدين في محاكمة عادلة، فإن رئيسه الأعلى منه يخضع للمساءلة الجنائية بنفس شروط أركان الجريمة وبنفس شروط قواعد إثباتها ويستحق نفس العقاب.
هنا نسأل عن السر وراء ارتياح القيادة الفلسطينية واطمئنانها، إلى أسر ومحاكمة وسجن أفراد هي نظمتهم وهي رعتهم وهي أحياناً أعطتهم الأوامر المباشرة للقيام بما قاموا به.
الأمر هنا لا يتعلق بمطالبة القيادة أو عدم مطالبتها للجانب الإسرائيلي بإطلاق الأسرى، وإنما يتعلق بضرورة أن تحدد هذه القيادات موقفها القانوني: فإذا كانت ترى أن ما قام به الأفراد التابعون لها يستحق العقاب، فإن عليها أن تدرك أن القادة أيضاً مسؤولون تمام المسؤولية عن هذه الأفعال. أما إذا كان القادة الذين يفاوضون –وبضمنهم من يفاوضون من أجل إبرام صفقات "التبادل"- يعتقدون أن الأسرى هم مناضلون من أجل الحرية بالمعنى السياسي لدينا، وأنهم أسرى حرب بالمعنى القانوني سنداً لاتفاقيات جنيف، ولقواعد المعاهدات والأعراف التي تحدد الواجبات والمسؤوليات والعقوبات في حالات النزاع المسلح الدولي، فإن الأمر عندها يحتاج من القيادة الفلسطينية أن تربط موضوع الأسرى بالمفاوضات ربطاً لا فكاك منه، إن اتفاق أوسلو –هو "والد" حكومة رام الله، كما هو "والد" حكومة غزة، وإن اختلفت الأمهات- وهو "والد" المفاوضات اللاحقة، فإذا كان هذا الاتفاق والمفاوضات التالية له، تعني "إنهاء" العمليات الحربية، فإن الأسرى يجب أن يعادوا إلى وطنهم فوراً، ومن دون شروط، ولا تجوز أصلاً محاكمة الواحد منهم على أعمال قام بها في سياق الأعمال العدائية أثناء فترة النزاع المسلح بين الطرفين، وحتى لو تذرعت إسرائيل بعدم تصديقها على هذه الاتفاقية أو تلك، فإن هناك أعرافاً دولية ملزمة لها، ولكن المشكلة أن الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني لا يرغبان كليهما في إدارة أية مفاوضات على أسس قانونية (de-jure) وإنما يريدون التفاوض على أساس الأمر الواقع (de-facto)، مما يضعف الموقف الفلسطيني إلى حد الانسحاق.
في ظل القانون الجنائي الدولي، يطالب الفلسطينيون بإطلاق أسراهم سنداً للقوانين، سواء كان لديهم شاليت أو لم يكن، أما في ظل الأمر الواقع، فإذا لم يكف شاليت لإطلاق كل الأسرى، فماذا يفعل الفلسطينيون؟ هل يجب أن يلجأوا إلى أسر مزيد من الإسرائيليين كي يبادلوا كل إسرائيلي بمئات من الفلسطينيين؟ هذا عمل عقيم، بل ومسيء لأسرانا وقضيتنا.
ولو كنا أكثر ذكاءً بقليل، لسلمت حماس شاليت منذ البداية إلى "قوة حامية" مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر أو الحكومة المصرية. كي تكرس بذلك مبدأ احترام القوانين والأعراف الدولية من قبلها، حيث أن هذه القوانين والأعراف لا تشترط التعامل بالمثل، عدا عن تطبيق مبدأ التسليم إلى قوة حامية لو طبق مع شالت، لكان بإمكان القيادة الفلسطينية أن تطالب بتطبيقه على الأسرى الفلسطينيين. لقد كانت فرصة ذهبية لخدمة أسرانا وقضيتنا... ولكن ما العمل مع أساتذة تضييع الفرص؟إن حجر الزاوية في قضية الأسرى يتمثل في ربط موضوع الأسرى الفلسطينيين بموضوع المفاوضات... ربطاً قانونياً، يقوم على إطلاق الأسرى وإعادتهم إلى أوطانهم فهذا حق قانوني قبل اتفاق أوسلو، وليس وليد اتفاقيات جنيف، بل قواعد لاهاي قبلها (1907)، بل وقواعد معاهدة قادش قبل آلاف السنين –تلك المعاهدة التي لا تزال صورتها في مبنى الأمم المتحدة. وهذه الاتفاقيات والأعراف لا يمكن إخضاعها، وإخضاع إرادة البشرية كلها التي صاغتها عبر آلاف السنين لذرائع إسرائيلية واهية لا تستند إلى ذرة قانون، مثل القول إن هذا الأسير أو ذاك أيديه ملطخة بدماء الفلسطينيين... هذا كلام أحمق، وإلا فأي مسؤول إسرائيلي ليست أيديه ملطخة بدماء الفلسطينيين إما مباشرة أو من خلال قواعد المسؤولية الشخصية للرؤساء عن أفعال مرؤوسيهم.
وبعد تكثيف المطالبة بحق الأسرى الفلسطينيين وتثبيت الاعتراف بهم كأسرى حرب، تأتي قضية المطالبة بالتعويضات "الشخصية" لهم وبمخصصاتهم طيلة فترات أسرهم، فكل "نقيب" فلسطيني له رتبته العسكرية، يستحق راتب نظيره الإسرائيلي طيلة فترة أسره عند الإسرائيليين، وكل معتقل إداري له حق المطالبة بالتعويض، ولكن أين توثيق هذه الحالات؟ أين توعية الأسرى بحقوقهم القانونية قبل وأثناء وبعد أسرهم؟ مئات الأسئلة تقع على رؤوس كل من قصّر أو "امتنع عن القيام بعمل" ينتقذ روحاً أسيرة، أو سدّ على الأسرى –السابقين والحاليين- دروب المطالبة بحقهم في التعويض الملائم عن الاعتقال وعن التعذيب وعن الفرص والمنافع التي ضاعت على كل واحد منهم.
ما يثير العجب، أن الفلسطينيين يربطون الاستيطان باستئناف المفاوضات، مع أنهم يعرفون أن لا سيطرة لهم على مناطق الاستيطان ولا على غيرها، ولا يربطون المفاوضات مع شرط إطلاق الأسرى، مع أن الأسرى سيظلون تحت سيطرتهم، بمعنى أنه بصرف النظر عن حال ومآل المفاوضات، ضمن المدى القصير، فإن الموقف من الاستيطان لن يقوي الجبهة الفلسطينية الداخلية، ولكن إطلاق آلاف المناضلين من ذوي الخبرة النضالية سيعدل الميزان لصالح حركة النضال الفلسطيني وستكون له تأثيراته الفورية المباشرة على الأرض. كما أن الفلسطينيين لم يختبروا بشكلٍ كافٍ بعد نوعية الخيار الذي قد تتخذه أية حكومة إسرائيلية فيما لو خيرت بين إطلاق الأسرى أو وقف الاستيطان... هذا مع الرفض المطلق والمسبق لكل قواعد التفاوض على أساس الأمر الواقع واللجوء بدلاً من ذلك إلى المطالبة بالمرجعيات القانونية فلا يمكن لأي حل أن يدوم –هذا إذا تم التوصل إلى أي حل- إلا إذا كان محكوماً بقواعد القانون الدولي، والتشديد على الحقوق الفردية غير القابلة للتصرف لأبناء الشعب الفلسطيني، مترابطة بلا فكاك مع الحقوق الوطنية والسيادية، ودون أن تكون أية منظومة من الحقوق بديلاً للحقوق الأخرى.


المقال كما هو
فقط اردت الحوار. فيه راي هل هو علمي وواقعي ؟ اتسائل

هناك تعليق واحد:

  1. أكدت اللجنة الوطنية العليا لنصرة الأسرى أنها رصدت خلال شهر أكتوبر الماضي اختطاف أكثر من 345 مواطناً فلسطينياً في إنحاء مختلفة من الضفة المحتلة والقدس وقطاع غزة من بينهم 130 طفلاً وامرأتين، هذا عدا عن اختطاف ما يزيد عن 500 عاملاً فلسطينيا، بحجة عدم حصولهم على تصاريح لدخول كيان الاحتلال، وحازت مدينة الخليل النصيب الأكبر من الاعتقالات، حيث وصل عدد المختطفين منها 90 مواطناً، بينهم 15 طفل، بينما اختطف الاحتلال طفل وشاب من قطاع غزة، وهما الطفل "طه أبو جزر" وقد أطلق سراحه، بينما الأسير " إياد ابو الجديان" لا يزال محتجزاً ويتهمه الاحتلال بالمشاركة في قتل جنديين في رام الله قبل عشر سنوات .
    وأوضحت اللجنة في تقريرها الشهري الذي يرصد أوضاع الأسرى والاعتقالات أن الاحتلال اختطف خلال أكتوبر المنصرم فتاتين إحداهما لم يتم التعرف على اسمها واعتقلت على حاجز الأنفاق القريب من مدينة القدس المحتلة بحجة محاولتها طعن جندي إسرائيلي، والثانية هي الطالبة "ساجدة العواودة" 20 عاما من بلدة دورا جنوب الخليل والتي تم اعتقالها من أمام جامعة الخليل وهى زوجة أسير أيضا، وقد تم الإفراج عنها في اليوم التالي بعد التحقيق معها، بينما اختطف الاحتلال الأسير المحرر "عمر البرغوثي" من رام الله والذي أمضى في سجون الاحتلال 25 عاماً .

    ردحذف