السبت, 05 شباط/فبراير 2011
د. راغب السرجاني
كان من المتوقع لشعب عانى من الحكم الظالم عشرات من السنين أن يُقتل فيه كل معنى جميل، وأن يتحول إلى كيان لا لون له ولا طابع، وأن تسحق إرادته، وتموت همَّته.. كان من المتوقع لهذا الشعب أن يفقد فطرته السليمة، وأن تضيع منه المناهج، وتُسلب منه القيم..
لكن ما رأيناه في هذه الثورة الكريمة.. أدهش الدنيا جميعًا.. بل أدهش المؤرخين والمحللين.. هناك سر عجيب، وروح نادرة تسري في أوصال الشعب ودمائه تحفظ له عظيم الأخلاق، ونبيل المعاني..
كم أنت أصيل أيها الشعب المصري!
وكم أحبك وأحبك وأحبك..
بكل ذرة في كياني أقولها: أحبك يا مصر..
رأيت في ميدان التحرير جموع المصريين بمئات الآلاف، بل والملايين، من كل الطوائف والتيارات، من كل الطبقات، من كل الفئات، الكل يجتمع لتحقيق هدف واحد.. ويقفون إلى جوار بعضهم البعض ساعات وأيام في تلاحم عجيب، وتناسق مدهش..
الله الله يا شعب مصر..
بمجرد أن بدأ الشعب في استنشاق نسمات الحرية اختفت أخلاق الزحام المعروفة، وظهرت أخلاق حضارة عجيبة..
هل تصدقون أن يجتمع أكثر من 2 مليون إنسان في مكان محدود، بلا شرطة ولا قوانين، ولاضوابط ولاروابط، ثم لا تحدث صدامات من أي نوع بين كل هذه الأطياف البشرية المتباينة؟!
كنا منذ شهور – قبل هذه الثورة المباركة – لا نستطيع أن نضع في استاد كرة سبعين أو ثمانين ألف مواطن فقط، دون حراسة مشددة، ودون فواصل بين المشجعين.. أما الآن فالمعدن الأصيل يظهر، والملايين تجمتع دون مشاكل.. ما شاء الله..
أحبك يا مصر..
رأيت المصريين ينظمون أنفسهم في طوابير للتفتيش من لجان شعبية كوَّنوها على مداخل ميدان التحرير، ويحرصون على انتظام الطابور، مع أنهم قبل هذه االثورة كانوا كثيرًا ما يتصارعون حول شباك أي مصلحة، كلٌ يريد أن يأخذ نصيب الآخر، فإذا بالحدث الجديد.. يُفجِّر في المصريين طاقات تنظيمية جديدة عليهم، ويثبت أنَّ هذا الشعب شعب لا تموت فيه الفضائل أبدًا.. قد تضعف وتخبو زمنًا لكنها ما تلبث أن تعود للظهور..
د. راغب السرجاني
كان من المتوقع لشعب عانى من الحكم الظالم عشرات من السنين أن يُقتل فيه كل معنى جميل، وأن يتحول إلى كيان لا لون له ولا طابع، وأن تسحق إرادته، وتموت همَّته.. كان من المتوقع لهذا الشعب أن يفقد فطرته السليمة، وأن تضيع منه المناهج، وتُسلب منه القيم..
لكن ما رأيناه في هذه الثورة الكريمة.. أدهش الدنيا جميعًا.. بل أدهش المؤرخين والمحللين.. هناك سر عجيب، وروح نادرة تسري في أوصال الشعب ودمائه تحفظ له عظيم الأخلاق، ونبيل المعاني..
كم أنت أصيل أيها الشعب المصري!
وكم أحبك وأحبك وأحبك..
بكل ذرة في كياني أقولها: أحبك يا مصر..
رأيت في ميدان التحرير جموع المصريين بمئات الآلاف، بل والملايين، من كل الطوائف والتيارات، من كل الطبقات، من كل الفئات، الكل يجتمع لتحقيق هدف واحد.. ويقفون إلى جوار بعضهم البعض ساعات وأيام في تلاحم عجيب، وتناسق مدهش..
الله الله يا شعب مصر..
بمجرد أن بدأ الشعب في استنشاق نسمات الحرية اختفت أخلاق الزحام المعروفة، وظهرت أخلاق حضارة عجيبة..
هل تصدقون أن يجتمع أكثر من 2 مليون إنسان في مكان محدود، بلا شرطة ولا قوانين، ولاضوابط ولاروابط، ثم لا تحدث صدامات من أي نوع بين كل هذه الأطياف البشرية المتباينة؟!
كنا منذ شهور – قبل هذه الثورة المباركة – لا نستطيع أن نضع في استاد كرة سبعين أو ثمانين ألف مواطن فقط، دون حراسة مشددة، ودون فواصل بين المشجعين.. أما الآن فالمعدن الأصيل يظهر، والملايين تجمتع دون مشاكل.. ما شاء الله..
أحبك يا مصر..
رأيت المصريين ينظمون أنفسهم في طوابير للتفتيش من لجان شعبية كوَّنوها على مداخل ميدان التحرير، ويحرصون على انتظام الطابور، مع أنهم قبل هذه االثورة كانوا كثيرًا ما يتصارعون حول شباك أي مصلحة، كلٌ يريد أن يأخذ نصيب الآخر، فإذا بالحدث الجديد.. يُفجِّر في المصريين طاقات تنظيمية جديدة عليهم، ويثبت أنَّ هذا الشعب شعب لا تموت فيه الفضائل أبدًا.. قد تضعف وتخبو زمنًا لكنها ما تلبث أن تعود للظهور..
أحبك يا مصر .. أحب لجانك الشعبية!
أيها الشعب الأصيل.. ما هذا الابتكار المبدع؟!
عندما قامت الحكومة المصرية بتصرف مجنون فتحت فيه سجون مصر في كل مكان وأطلقت المساجين عمدًا لإثارة الهلع والسرقات في كل مكان، ثم قامت بفعل آثم آخر عجيب، وهو سحب كل قوات الشرطة من كل الدولة!! لتؤدب الشعب بكامله لأنه يريد لنفسه حاكمًا آخر.. عندما حدث هذا الأمر الشنيع لم يقنط المصريون أو يتخاذلوا، إنما في توافق عجيب للغاية بدءوا يكونون لجانًا شعبية عجيبة، تقوم بحماية كل شارع وكل بيت، ومراقبة اللصوص والقبض عليهم، وصنع كل واحد منهم سلاحًا خاصًا به، واستتب الأمن في غضون 24 ساعة!
هذا حدث يكتب في التاريخ بحروف من نور..
أحبك يا مصر..
أحب شعبك الذي يتكامل ويتكافل بشكل تلقائي، وعاطفة جياشة، وروح نبيلة.. مستشفى ميداني في ميدان التحرير لعلاج المصابين من عدوان بلطجية الحزب الوطني الحاكم.. تبرعات بالأدوية، وتبرعات بالقطن والشاش، وجهود ذاتية من أطباء على أعلى مستوى.. ونقل سريع للمصابين.. الجار يسأل عن جاره، ويعطيه غذاء ودواء، بل ويعطيه مالاً.. الكل يتعاون للخروج من الأزمة..
رأيت بناتًا في ميدان التحرير يحملن أكياس القمامة الكبيرة، ويتجولن في كل مكان لتنظيف الميدان.. ويقولن: عايزين بلدنا نظيفة!
هذه روح جديدة تظهر في وقت الأزمات.. ما أروعها!
أحبك يا مصر..
أحب روح شبابك العالية..
عزيمة وإصرار.. إقدام ورجولة.. ثبات وتضحيات..
يهجم عليهم بلطجية محترفون، وتلقى عليهم قوات الفزع –أو ما يسمونه بقوات الأمن– القنابل المسيلة للدموع، ثم يطلقون الرصاص الحي، ثم يدهسونهم بالسيارات، فما يزيدهم كل هذا إلا إصرارًا وثباتًا!!
الله أكبر.. الله أكبر..
ما زالت مصرنا بخير..
رأيت المئات والآلاف يستمرون في الميدان كل يوم وليلة بعد إصابتهم في رؤوسهم، بل والله في أعينهم، فيضمدون جراحهم، ويستكملون ثباتهم، ويقامون البلطجية من جديد.. لا تخيفهم السيوف ولا الخناجر، ولا يرهبون الحجارة ولا قنابل المولوتوف!
لقد صرت في غاية الاطمئنان على مستقبل أمتي، وأنا أرى هذه الجموع الصامدة، وهي تكافح من أجل قضية عادلة..
أحبك يا مصر..
أحب التحام شعبك ورحمته.. ورفقه وشفقته.. وتسامحه وحسن فطرته.. ها هو الميدان يضم مسلمين ونصارى.. دون احتكاك أو فتنة.. ها هي اللجان الشعبية كذلك يقف فيها هذا وذاك.. لا أصل لما يروجه النظام الفاسد من شائعات.. ها هي الكنائس بعد غياب كامل للشرطة لا تتعرض لأذى أو تخريب..
شعب أصيل.. وروح راقية .. وما لم أقله أكثر مما قلته..
فأنا لا أقصد هنا الإحصاء، ولكن أكتب مقدمات ملحمة مصرية كبيرة تحتاج إلى مجلدات لتسطيرها..
فقط أحببت أن أقول في هذا المقال:
أحبك يا شعب مصر الأصيل..
أنا مفتون بحبك أيها الشعب الكريم..
يا خير أجناد الأرض..
يا شامة على جبين الأمة الإسلامية..
يا رأس الحرية في أوطان المسلمين..
يا قدوة لكل الأمم..
أنا أرفع رأسي عاليًا الآن، وأقول بكل فخر: أنا مصري..
أنا الذي أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم..
قال: "استوصوا بأهل مصر خيرًا، فإن لهم رحمًا وذمة.."
لقد فهمت الآن كلمة الزعيم مصطفى كامل، والتي قال فيها: لو لم أكن مصريًا، لوددت أن أكون مصريًا..
إنه لم يقلها بدافع القومية أو العصبية.. إنما كان فقط يرصد الواقع.. هذه حقيقة.. هذا شعب أفخر أن أنتمي إليه..
اللهم استعمل هذا الشعب لنصرة دينك، ولخدمة شريعتك..
وأسأل الله أن يعز الإسلام والمسلمين..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق