الانتخابات الفلسطينية ... والمتغيرات على الساحة العربية

النائب فتحي قرعاوي

لم تكن الخطوات التي اعلنت عنها السلطة الفلسطينية بإجراء انتخابات محلية وتشريعية قريبة بالخطوات المفاجئة , فالسلطة الفلسطينية ومنذ زمن تعيش حالة من الارباك على شتى الصعد , فهي من جانب فشلت بمعالجة حالة الانقسام الفلسطيني بسبب الضغوط الاسرائيلية والامريكية التي لم تعد خافية على احد وحمّلت المسؤولية في ذلك لحركة حماس ثم من جانب اخر فالسلطة لم تنجز ما وعدت به الشعب الفلسطيني من اقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس على اراضي عام 67 .
ودخلت في متاهات المفاوضات مباشرة او غير مباشرة وفي تجميد الاستيطان حتى فشلت في مجرد تجميده ولو لأسابيع كما فشلت داخليا وخارجيا في اقناع المواطن العربي بصحة نهجها وانعكس ذلك على حركة فتح حتى اصبحت السلطة عاجزة عن تقديم اي شيء لشعبها او للجمهور العربي تذكر فيه .
والان وبعد سلسلة المتغيرات الهائلة التي حصلت ولا زالت تحصل على الساحة العربية والتي تبشرنا بكثير من المفاجئات اصبحت السلطة اكثر ارتباكا وتراجعا , فهي من جانب تخشى ان تجرفها ارتدادات موجات كل من تونس ومصر فهناك تحذيرات بل وارهاصات بتغييرات جدية في اكثر من دولة ومكان .
فالسلطة لا زالت تعيش في نفس الخيال والفكر والذهنية ولم يطرأ اي تغيير او تبديل على ذلك , فالشعب المصري والتونسي استطاعا (اقتلاع ) اعتى نظامين امنيين مرا في تاريخ المنطقة كلها دون اطلاق طلقة واحدة رغم ما حظي به كلا النظاميين من دعم غير محدود من النظام الدولي والاقليمي, وامام هذا السقوط المريع لنظامي مبارك وبن علي وامام ارادة الشعوب التي لاتقف عند حد لم تستطع اوروبا توفير مأوى لابن علي ولم تجرؤ اوروبا وامريكيا على مجرد امتداح نظام حسني مبارك بل كان الدفع باتجاه ضرورة تسليم السلطة بشكل سلمي , بل سارعت بعض الدول الى كشف وفضح مخازي هذين النظامين وتجميد ارصدتهما ... ولم يحزن على نظام مبارك ولم يذرف اي دمعة عليه سوى ( بن اليعيزر ) و(نتنياهو ).
ان الفرحة العارمة والغامرة ودموع الفرح قد اجتاحت الشارع العربي والفلسطيني الذي صرح برضاه الكامل ولا يزال يأمل ويرجوا التغيير .
ان ما تم الاعلان عنه من انتخابات فلسطينية محلية وتشريعية في هذه الظروف والاوضاع المعقدة لم يكن سوى ديكور وخطوات شكلية توضع على طاولة الفشل للقيادة الفلسطينية على جميع الصعد ,وهي محاولة لتأخير عملية الانهيار كما حصل في تونس ومصر وكما يحصل ويجري في اكثر من قطر عربي .
فالسلطة الفلسطينية لا زالت تصر على نفس الاخطاء السابقة... فحركة فتح لا زالت تعشش في ذهنها عقلية الثأر من حماس على خلفية الانتخابات التي جرت مطلع عام 2006 , فهي تريد اجراء الانتخابات حتى لو استمر الانقسام وحتى لولم تشارك غزة وحتى لو لم يشارك سوى 30% من سكان الضفة الغربية .
ان استمرار حديث السلطة الفلسطينية عن المصالحة وان الانتخابات هي الحل السحري لذلك كلام غير صحيح ينفيه الواقع المرير على الارض ومعظم المعتقلين في سجون السلطة سابقا ولاحقا لم يكن الا انتقاما بسبب مشاركتهم واختيارهم لحركة حماس ولقد حكم على بعضهم لسنوات لأنه كان مرافقا او مساعدا لاحد المرشحين .... ان سياسة تكميم الافواه والاصرار على منع المجلس التشريعي من الانعقاد ولو لمرة واحدة واستمرار ملاحقة النواب الاسلاميين والتضييق عليهم وارهاب الشارع الفلسطيني كلها خطوات لا زالت تشير الى ما ذهبنا اليه من حالة تخبط وعدم جدية في اي خطوة ايجابية تقوم بها السلطة, فهناك المئات من المعتقلين لا يزالون ينتظرون محاكمات وللأسف فان بعضهم حوكم ويحاكم على ملفات امنية اسرائيلية !!! ولا زال الاسرى المحررون ملاحقون ويتم استدعائهم فور الافراج عنهم وهناك الاف المفصولين لأسباب سياسية وفصائلية وحالات القمع والاستدعاءات والتهديد بالاعتقال ومراقبة البيوت وملاحقة الناس لم تنقطع الى اليوم ثم بعد ذلك ( تفضلوا الى انتخابات حرة ونزيهة).
ان فشل محاولة عقد انتخابات محلية قبل عدة شهور بسبب خلافات فتح الداخلية سيظل احد الهواجس التي تلاحق الداعين الى الانتخابات, فالمطلوب في هذه المرحلة ان كانت هناك جدية في طرح موضوع الانتخابات هو ان تراجع السلطة حساباتها بإعادة ترتيب البيت الفلسطيني على اسس صحيحة من حيث اطلاق الحريات واطلاق سراح كافة المعتقلين واعادة المفصولين لأسباب سياسية وحرية العمل النقابي للجميع وانصاف كافة الشرائح والاطياف الفلسطينية ... وغير ذلك فان الحديث عن الانتخابات سيظل (كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءاً حتى اذا جاءه لم يجده شيئا.... ).