الطواف في مصر والرجم في ليبيا

الدكتور / فايز أبو شمالة في ميدان التحرير في القاهرة اجتمع قبل أيام ملايين  المصريين الثائرين على النظام، والمطالبين بالتغيير، والداعين إلى إعادة بناء الأمة العربية والإسلامية على أسس ديمقراطية، ملايين المصريين يطوفون في ميدان التحرير، وكأنهم في موسم الحج، ولاسيما أن أعداد المصريين الذين لبوا دعوة الثورة، واجتمعوا في ميدان التحرير، تضاهي عدد الحجاج المسلمين الذين يلبون دعوة الحج لبيت الله الحرام، حتى أن منظمي اللقاء قد تنبهوا لهذا العدد، فراح المذيع يردد، والملايين في ميدان التحرير تردد من بعده، وبلسان عربي واحد: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك لبيك. هذا الدعاء الذي بدأ فيه المصريون احتفالهم بالنصر بعد صلاة يوم الجمعة في ميدان التحرير، لا يعكس العمق الديني في نفوس العرب، ولا يرمز إلى وحدانية الخالق، وقدرته على التغيير وحسب، وإنما يؤكد على تحقير الشعب العربي لكل الملوك والرؤساء الذين حسبوا أنفسهم وارثي هذه الأرض، وأصحاب القرار المطلق فيها، وأنهم القادرون على أن يفعلوا بالناس ما يشاؤون، ويبيعون خيرات الوطن العربي رخيصة لمن يرتضون. لم يقتصر مشهد المشابهة في عدد المصريين الذين أجمعوا على فكرة واحدة، وعدد حجاج بيت الله الحرام الذين أجمعوا على فكرة توحيد الخالق، وإنما فاض مشهد المشابهة بين المصريين وهم يطوفون ميدان التحرير فرحاً بالتخلص من الطاغية، والكفر بحكم الفرد، وبين فرح المسلمين بشكل عام وهم يطوفون حول الكعبة، تسليماً بوحدانية الخالق، وكفراً بما سواه من ملوك ورؤساء. هذه المشابهة فاضت بجلالها على حشود المصريين التي ارتدت عباءة المودة، وخضعت لقوة التأثير الروحي الذي طهر نفوس العرب عامة. ولما كان الطواف حول الكعبة، ورجم إبليس من عادات العرب الحميدة التي لم يبطلها الإسلام، ولما كان مشهد الطواف حول الكعبة الشريفة لا يكتمل إلا برجم إبليس، بدءاً بإبليس الأصغر، فإن مشهد طواف العرب المصريين في ميدان التحرير في القاهرة لم يكتمل إلا بعد أن رجم العرب الليبيون في بنغازي صورة إبليس الأصغر، المدعو سيف بن معمر القذافي. ستكتمل شعائر الثورة المصرية والتونسية حين يرجم إبليس العرب الأكبر، معمر القذافي؛ الذي ما انفك يجثو على صدر ليبيا، ويعبث بطرابلس عاصمة الكرامة العربية.