طلال البعداني
ما زالت ثورتي مصر وتونس تطلان براسيهما هنا وهناك واثبتت ثورة مصر ان باب التوقعات مفتوح على مصراعيه دون اعتراف بخصوصية الانظمة المستبده فمصر لم تكن تونس وزين لم يكن مبارك وكلاهما كان قاسمهما المشترك هو الاستبداد والظلم والقمع واحتكار ثروات البلدان وهتك الحريات وكبت طاقة الشباب
ولعل الاخيره المتصلة بالشباب على وجه الخصوص هي الفتيل الاكثر قابلية للاشتعال وحين يشتعل فتيل الشباب فلا مجال للدوس عليه باقدام بوليسيه بغية اطفائه فسرعان ما ستنفجر براميل البارود الفقر والبطاله والتهميش والاستغلال لمقدرات الشعوب على اساس من الطغيان الاعمى الذي لا يدرك فسيولوجية المجتمعات ولا ديموجرافية الازمات التي تصاغ على اساس تراكمات قد تستمر لعقود لكنها قد تنفجر في لحظات
المعادله ليست صعبه هي تماما كابجدية العمليه الحسابيه المتعارف عليها وفق قوانين صارمه وليس مجرد نظريات انشائيه قد تحتمل النجاح والفشل
فعوامل النمو المعرفي ونوافذ التواصل الاجتماعي الرابط بين مكونات المجتمع الشابه واحترافية التعبئه العامه تكون اليوم ما بات يعرف بالقوه الثالثه المتحلله من عتيق السياسات وعفونة الاحزاب وشكلية التحالفات وعبثية الدمقرطه القائمه على اساس من الحد الادنى لما يمكن تسميته حراك النخب السياسيه ناهيك ان لفظ النخب لا يوائم هذه الكنتونات القائمة على اسس من المصالح الضيقه المتكسبة من قضايا الشعوب للحصول على مناصب معدوده في مشاهد باهته تكرر نفس المقاطع التمثيليه الممله
على ان استيعاب الدرس المصري ومن قبله التونسي من السهولة بمكان ان يحد من زحف المد الثوري غير ان البله المنغولي يكاد يكون هو القاسم المشترك الاكثر انتشارا بين زعامات الانظمه المستبده مما يجعلهم يتساقطون بنفس الطريقه وعلى نفس الطريقه
وفي المقابل اثبتت الشعوب وفي مقدمتها الشباب انهم الاكثر استيعابا للدروس والاكثر مقدرة على ترجمة الدرس الى تطبيق عملي واكاد اجزم ان عمر الرؤساء العرب المتهالك هو ما يجعل من فهمهم بطيئا وسقوطهم رتيبا على هذا النحو المضحك الذي يشفي الله به غليل الشعوب المقهوره فكل الانظمة العربيه يبدو انها باتت تعاني من امراض الشيخوخه والتبول اللارادي عبر وسائلهم الاعلاميه التي تجلب على الغثيان وتجعل من الشعوب اكثر توقا للتخلص من تلك الروائح الكريهه التي تبثها وسائل الاعلام الحكوميه مترجمة لعقلية تلك الانظمه ومدا ترهلها رغم انها تحاول ان تثبت بالعصى الغليظه انها ما زالت تملك من اسباب البقاء ما يمكنها من الترديد دائما ان كل شيئ ما زال تحت السيطره
حين ثارت تونس واقتلعت نظامها الاستبدادي والتسلطي بطريقة قتل الافاعي بضرورة بتر الراس لانجاز ثوره تغيرييه حقيقيه
كنت من المرددين ان اليمن ليست تونس واذكر انني استخدمت نفس العباره حين توقع احد اصدقائي ان يكون النظام المصري هو التالي قلت له حينها مصر ليست تونس متحججا بمساحة الحريه المفتوحه نوعا ما ومكانة مصر الاقليميه ورعايتها للمصالح والسياسات الغربيه وضمانها للامن القومي الاسرائيلي اكثر من ضمانها للامن القومي المصري نفسه مما جعلني اجزم ان نظام مبارك له من عوامل القوه المستمده من الدعم الخارجي الغربي اللامحدود للنظام السياسي المصري وان ما حدث في تونس لا يمكن اسقاطه على مصر كون تونس لم تكن تمثل ذاك القدر من الاهميه لصناع السياسات العالميه في امريكا ومن خلفها اوروبا كون احدا لن يسمح بسقوط النظام المصري على هذه الطريقه وتهديد المصالح الاستراتيجيه الغربيه وتعريضها للخطر على ان يتم دفع النظام المصري الى القيام بمزيد من الاصلاحات التي من الممكن ان تنزع فتيل الثوره والابقاء على مصالح الغرب الاستراتيجيه المتمثله قبل كل شيئ في حماية امن اسرائيل والعمل على تقوية محور الاعتدال العربي التي كانت مصر بنظامها المستبد داخليا المنفتح خارجيا ركيزه اساسيه بل وراس حربه في هذا المحور
واسرع مما كان متوقعا اذا بعدوى الثوره تنتقل الى مصر ويتم استنساخ نفس مشهد السقوط لكن هذه المره باخراج اكثر حرفيه وبسيناريو اكثر اثاره بحجم مصر وموقعها التاريخي والجغرافي والسياسي وانسحبت كل المشاهد السياسيه وكل الازمات العالميه الى الظل لتكن مصر هي شغل العالم الشاغل على مدا 18 يوما كانت كفيلة بان تلقي درسا للعالم جعلت زعيم اقوى دوله في العالم يقول انه يحرص على ان يتعلم شباب امريكا من شباب مصر وان مصر قد غيرت وجه العالم
وزعيم دولة عظمى ثانيه يصرح بالقول ان ما حدث في مصر ليس غريبا فمصر دائما هي من تكتب التاريخ
واكثر ما جعلني اعيد النظر في قراءاتي السابقه لثقافة الثوره ومدا امكانية نشوبها في اي دوله عربيه اخرى تلي تونس ومصر والتي قد تكون اليمن هما مشهدان يبعثان على الضحك من باب شر البلية ما يضحك
المشهد الاول للفنان الجماهيري تامر حسني الذي بكا امام عدسات التصوير بعد طرده من ميدان التحرير من قبل الجماهير الغاضبه الذي اعتاد ان تصفق له اثر تصريحات اعلنها امام وسائل الاعلام تهجم فيها على الشباب وعلى الثوره وحين ادرك مثلي الان ان الشعوب اذا ثارت فلا مجال للاستخفاف بها غير اني ادركت قبل فوات الاوان اما هو فقد اضطر للبكاء امام عدسات التصوير بشكل هيستيري وهو يردد انا مكنتش عارف هم اللي ضحكوا عليا وكانه يمثل دور بنت مضحوك عليها واعذروني على الاستعاره التي لا تليق بالقارئ لكنها تليق بتامر حسني في ذاك المشهد
المشهد الثاني كان للاعلامي ونجم برامج التوك شو على الطريقه المصريه عمرو اديب الذي لطالما سبح بحمد مبارك وحمده
والذي كان في بداية الثوره غير قادرا الا على التقليل من حجمها ورمي الاتهامات عليها ولو من باب التناول الاعلامي والذي طرد هو الاخر من ميدان التحرير مما دفعه على تمثيل نفس المشهد لكن بطريقه اكثر ابتذالا وهو يبكي ويقول انه كان مجبرا على التطبيل لمبارك ولم يجد في نفسه حرجا وهو يقول انهم رموه زي الكلب والاكثر من ذلك ان يقول عن اخيه عماد الدين اديب ان اباطرة النظام المصري بهذلوا امه الى درجة القول ان اصحابه من رجال الاعمال والشخصيات المهمه كانوا ينصحونه ويقولون له ان نظام مبارك اجمد من ربنا وصدقهم حينها لكنه ادرك بعد فوات الاوان ان الله هو القوي يعز من يشاء ويذل من يشاء
مشهدان وغيرهما كثير قد تكون امتلات بها شوارع مصر وازقتها ومجالسها الشبابيه وكل من هاجم الشباب في بداية ثورتهم عمد الى البكاء امام من كان يستهزئ بهم ويقول مكنتش عارف ضحكوا عليا او ضغطوا عليا
ناهيك عن قائمة العار التي دشن لها موقعا خاصا في عملية تنظيف للمشهد المصري باكمله من ازلام النظام المعاديين للثوره في بدايتها المتباكين امام شبابها تحت ظلال سيوفها
لذا انا اعلن من هنا تاييدي للثوره اليمنيه قبل بدايتها او في بداية شرارتها فمتى زرعت روح الثوره في نفوس الشباب فلا سبيل لصدها ولا مجال للاستخفاف بها او التقليل من شانها وان كان هناك من تخوفات لما يمكن ان تجره الثوره لليمن من تسريع لعملية انفصال في الجنوب او تقويه لحركات التمرد في الشمال وربما الوصول بها الى قمة المشهد السياسي في اليمن وهذا ما كان يجعلني من المتخوفين لاي بوادر ثوره ضد النظام في اليمن ولخشيتي ان النظام اليمني سيكرر المشهد ولن يكن بمقدوره الشذوذ عن رتابة السقوط السريع فانا سادرء المخاوف عن نفسي بان الشباب حين يشعلون ثورتهم فانهم سيشكلوا مجلس امناء الثوره وسيقطعوا الطريق على كل من يعتقد ان بامكانه استغلال الثوره لصالحه تماما كما فعل شباب مصر واثبتوا انهم حين يثورون فان ثورتهم لن تكون على النظام لوحه بل على كل ما من شانه ان يسرق منهم ثورتهم
حين يستيقظ الشباب فسيكون بمقدورهم على اقتلاع كل المؤامرات التي من الممكن ان تقود الى مستقبل اكثر ظلاميه مما يعيشه اليمن حاليا وحين يسقط النظام فحتما ستسقط معها المعادله بكل مجاهيلها وسيكون كل شيئ خاضعا لارادة الثوره دائرا في فلكها
ستسقط كل المحاذير وستبدد كل المخاوف وستسقط كل الاصنام وسيكفر بها كل معبوديها وسيكون الشباب هم الاقدر على تاطير جديد للمشهد كاملا
فليذكرني التاريخ انني ممن ايدوا الثوره منذ بداياتها طالما والثوره آتية لا محاله في ظل نبوءات بتكرر الغباء السياسي للنظام اليمني كما يبدو بما سيجعل من الخطا الركون الى ان الحكمه اليمانيه ستؤتي اكلها لدا صناع القرار السياسي في اليمن حيث يخشى ان تكون الثقه بقدرة النظام اليمني على استيعاب الدرس ستكون مجازفه تنتهي بالبكاء على انغام ضحكوا عليا ومكنتش عارف او حتى كنت خايف
ساضع ثقتي في الشباب ومدا قدرتهم على فرض اطروحاتهم على كافة المشهد مسقطين بذلك كل المخاوف وما استمرار شباب مصر في الاعتصام والتظاهر والضغط بعد نجاح الثوره الا دليل على قدرتهم على حماية ثورتهم بعد ان كتب لها النور
وليت الرئيس اليمني امنية قد لا يكون لها ما يؤيدها ليته يقنعني في القادم من الامل ان اليمن فعلا ليست مصر ولا تونس ساكون ممتنا ولن اجد حرجا حينها ان ابكي فرحا انه كان فوق كل التوقعات عوضا عن ان ابكي خجلا انني كنت من المناهضين للثوره في بدايتها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق