13/كانون ثاني/2011
تعاني المناطق المحتلة/67 من وضع اقتصادي شاذ منذ عام 1967، وقد مر هذا الشذوذ بمراحل ألخصها فيما يلي:
أولا: مرحلة الاحتلال حتى قيام السلطة الفلسطينية والتي اعتمدت المبدأين التاليين:
1- عدم تجويع الناس لما في ذلك من خطورة على أمن الاحتلال، ولكن دون أن تكون لديهم بحبوحة من العيش حتى لا يثوروا من أجل حاجة الاحترام الذاتي. ولهذا تذبذب وضع الناس الاقتصادي في الأرض المحتلة/67 ما بين خط الجوع دون الوصول إليه وخط الشبع دون الوصول إليه. وبقي الناس كبندول الساعة بين هذين الخطين: تارة في ضيق اقتصادي ومالي، وتارة أخرى في فرج لا يصل حد البحبوحة.
2- التضييق على الإنتاج الفلسطيني، وتوسيع اعتماد الناس على المساعدات الخارجية والعمل في إسرائيل ذلك لأن الإنتاج يشكل مصدرا أساسيا لحرية الإرادة. عمل الاحتلال على إبقاء الناس ضمن دائرة الاعتماد على الغير سواء كان هذا الغير إسرائيل أو أموال منظمة التحرير أو أموال البلدان العربية وذلك لشل إرادتهم السياسية.
ثانيا: مرحلة السلطة الفلسطينية والتي بدأت عام 1994. وهنا دخل على الخط مع إسرائيل المخطط الاستراتيجي الاقتصادي العالمي. اعتمدت هذه المرحلة المبادئ التالية:
1- ربط لقمة خبز الشعب الفلسطيني بأموال الدول المانحة والتي تشكلت عقب اتفاقية باريس الاقتصادية، وذلك لمصادرة الإرادة السياسية للشعب وضمان عدم تمرده على اتفاقية أوسلو وما تبعها من اتفاقيات. أغلب أموال الدول المانحة تأتي من الدول العربية، لكن المخطط العالمي والذي يتمثل أولا بالولايات المتحدة وأداتها العالمية الرئيسة البنك الدولي لا يطمئن للأنظمة العربية مهما كانت عميلة أو خائنة. أراد الأمريكيون ومن معهم من دول ومنظمات دولية السيطرة على مصادر تمويل الضفة الغربية وغزة.
2- ضرب الإنتاج الفلسطيني، أو ما تبقى منه حتى لا يفكر الفلسطينيون بإرادة فلسطينية حرة. ولهذا تم اتخاذ الخطوات التالية:
أ- فتح سوق الضفة الغربية وغزة أمام التجارة العالمية ما أدى إلى إقبال الناس على سلع زهيدة الثمن قادمة من الخارج بخاصة من الصين، والعزوف عن السلع المحلية ذات الجودة الأفضل والسعر الأعلى. غرقت أسواق الضفة الغربية وغزة بالسلع الصينية، وانحسر وجود السلع المنتجة فلسطينيا.
ب- ربط الحركة المالية في الضفة وغزة بالحركة المالية العالمية وذلك من خلال ربط المصارف الموجودة في الضفة الغربية وغزة بالنظام المالي الإسرائيلي، والذي هو مربوط أيضا بالنظام المالي العالمي. الضفة الغربية وغزة ليستا دولة، ولا تملكان اقتصادا عالميا منافسا، وهما تحت الاحتلال، والانفتاح المالي لا يتناسب مع وضعهما إطلاقا، لكن السيد الأمريكي-الإسرائيلي أراد أن يطبق الخناق على الناس.
ت- ترافقا مع ضرب الإنتاج الفلسطيني، كان يجب زيادة أعداد الموظفين الذين يعتمدون على الرواتب القادمة من الدول المانحة. تم ضرب الفلاحين والحدادين والنجارين وحرفييي الكراسي ومختلف أنواع الأثاث، وصناع الأحذية والنساجين والخياطين، الخ، وتحويل عشرات الآلاف إلى موظفين حكوميين غير منتجين. فمن ناحية تم تجريد أكثر من مائتين وخمسين ألفا من القدرات الإنتاجية، وتحويل حوالي مائة وخمسين ألفا إلى عهدة الرواتب. هذا لا ينتج وبدأ ينتظر المساعدات عبر قنواتها المختلفة ومنها المنظمات غير الحكومية، وذاك لا ينتج وينتظر راتب آخر الشهر. فتحولت أعداد كبيرة من الناس إلى أسرى اقتصاديين متسولين جاهزين للامتطاء.
3- تطوير الخدمات بصورة كبيرة ودون الحرص على التنمية الاقتصادية الحقيقية القائمة على الإنتاج. يلاحظ الزائر للضفة الغربية أن هناك تطويرا في الخدمات مثل الطرق وشبكات الاتصالات والكهرباء وخدمات المصارف (البنوك)، وربما يبهر من هذا التطور في ظل الاحتلال. رفع هذا من قيمة الفواتير الشهرية للعائلات دون أن تستند إلى إنتاج حقيقي يغطي شراءها للخدمات. في علم الاقتصاد، هذا يشكل خطورة كبيرة لأن مديونية الأفراد سترتفع، ومن المحتمل أنهم لن يكونوا قادرين على السداد. وقد خدم هذا الاحتلال في أن تفكير الناس أخذ ينصب على الأمور الاستهلاكية دون المصلحة الوطنية، وعلى هموم قروض المصارف وسداد الفواتير دون البحث عن الذات والاستقلال والحرية. وطبعا يأتي البنك الدولي كعادته فيزوّر الحقائق ويقول إن النمو الاقتصادي في الضفة الغربية قد ارتفع.
ثالثا: مرحلة انفصال غزة والضفة الغربية، وتتميز بما يلي:
1- حصار غزة ذلك لأنها خرجت عن بيت الطاعة، وأصبح هناك خوف من امتلاكها لإرادة سياسية حرة. كان من المهم فرض حصار يضيق على الناس في القطاع من أجل الضغط على حماس لتتخلى عما هي فيه. دأبت إسرائيل ومن يؤيدها على استعمال آلام الناس وأحزانهم كوسيلة لتحقيق أغراض سياسية، الحصار عبارة عن أحد أدوات هذه السياسة.
2- الحرب على الضفة الغربية من خلال تحويل الناس عن قضاياهم الرئيسية إلى قضايا الجيوب والأمعاء. خاضوا حربا شعواء في الضفة، وهي ما زالت مشتعلة، من أجل خلق اهتمامات استهلاكية لدى الناس والتخلي عن إرادتهم السياسية وعن فلسطين لصالح بحبوحة من العيش. وهي سياسة أقرب ما تكون إلى التعهير الأخلاقي والإنساني بحيث يتحول المرء بواسطتها إلى مجرد حيوان مستهلك لا تهمه عزة أو كرامة أو اعتماد على الذات. تحقق هذه السياسة نجاحا، لكن ليس كل النجاح المطلوب إسرائيليا وأمريكيا.
3- إثقال كاهل الناس بالأسعار والرسوم الحكومية والضرائب كوسيلة تدريجية للتآكل الذاتي. إسرائيل وأمريكا ليستا معنيتين بالاستمرار في صرف الأموال للفلسطينيين، وكذلك الدول الأوروبية التي تتحمل جزءا من أموال الدول المانحة. إسرائيل والدول الغربية معنية باستخدام الأموال لقتل الروح الوطنية للشعب، ولتحويله عن قضاياه الحيوية والمصيرية، لكن لا بد أن يتوقف الصرف بعد حين، وبعد أن تطمئن هذه الدول إلى أن الشعب في الضفة الغربية قد تورط إلى درجة لا يستطيع فيها العودة إلى الروح النضالية ضد الاحتلال.
ولهذا من الضروري أن يبدأ الشعب الفلسطيني بتمويل نفسه لكن دون أن يكون لديه إنتاج حقيقي زراعي وصناعي. من المطلوب من السلطة الفلسطينية الآن فرض الرسوم المتنوعة على مختلف المعاملات الحكومية لجباية أكبر قدر من المال، ورفع هذه الرسوم حيثما أمكن. ومطلوب منها توسيع جباية الضرائب والحزم في جبايتها. تنشط الدوائر الضريبية الآن في مختلف أنحاء الضفة الغربية، بحيث تطال مكافآت نهاية الخدمة للموظفين غير الحكوميين، وفوائد البنوك إن حصل في المستقبل وارتفع سعر الفائدة، والنشاط الاقتصادي الفردي المتجول والذي يسمى شعبيا بالتحدير أو الحدارة، الخ. مطلوب من مسؤولي سلطة الضفة رفع مساهماتهم بنفقات السلطة تدريجيا، وذلك لا يتأتى إلا على حساب الناس الذين تثقلهم الآن أسعار عالية غير متناسبة مع الدخول.
كان هناك تفكير في تسعينات القرن الماضي بتحويل أريحا إلى بيت دعارة شتوي كبير ليدر دخلا على السلطة، وذلك بإقامة منشآت مختلفة تخدم هذا الغرض، واستيراد داعرات من دول أوروبا الشرقية. وقد بدأ هذا المشروع بكازينو القمار في أريحا، وتعطل بعد ذلك. وعلى الرغم من تحول أريحا الآن إلى مركز حيوي للمخابرات المركزية الأمريكية، إلا أن فكرة إقامة مثل هذا المشروع السياحي لدعم تمويل الناس في الضفة يمكن أن تظهر من جديد.
الناس الآن في الضفة يواجهون ارتفاع الأسعار، والذي يعزى جزء منه إلى الاتفاع العالمي والأزمة المالية العالمية. ويواجهون أزمة متصاعدة خاصة بالديون المترتبة للمصارف في الضفة الغربية. وتقديري أن الأزمات الاقتصادية ستزداد مع الأيام.
سبيل الخروج
إذا أردنا الخروج من قبضة الدول الغربية وإسرائيل من الناحية الاقتصادية، وتسهيل الأمور الاقتصادية والمالية على أنفسنا، أرى ضرورة اتخاذ الخطوات التالية:
1- الخروج من مأزق النظام الاقتصادي العالمي، والتحرر من اتفاقية باريس الاقتصادية، ومن نير البنك الدولي وال USAID.
2- تغيير مصادر التمويل.
3- التركيز على الإنتاج بخاصة الإنتاج الزراعي لما فيه من تأمين للحاجات المعيشية.
4- العودة إلى الأنماط القديمة في إدخال الأموال، وهجران المصارف بسبب ارتباطها بالنظامين المالييين الإسرائيلي والدولي.
5- تحويل موظفي الأجهزة الأمنية (عدا الشرطة إلى حد ما) إلى مرافق إنتاجية. أجهزة الأمن تستهلك حوالي 45% من ميزانية سلطة رام الله، بينما علينا أن نكتفي ب 5% لجهاز الشرطة الذي يجب أن يحافظ على الأمن المدني.
6- عرقلة الاستيراد من الدول الأجنبية تشجيعا للإنتاج الفلسطيني، وعودة الحياة إلى المزارعين والحرفيين والصناع.
7- الإصرار على الدول العربية بأن تقدم أموالها مباشرة للشعب الفلسطيني وليس عبر الدول المانحة.
8- 8- القبول بمستوى استهلاكي أقل مما هو عليه الحال الآن.
9- تطوير اقتصاد يتناسب مع مهمات التحرير بدل اقتصاد يتناسب مع هدف التعهير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق