الفيسبوك .. والانتفاضة الفلسطينية الأولى!
المتابع لأخبار الثورة المصرية (والتونسية من قبل) عبر الانترنت لا بد أن يجول بخاطره أمران الأمر الأول هو سرعة نقل الحدث والأمر الثاني هو إستذكار الانتفاضة الفلسطينية الأولى بما فيها من اطارات مشتعلة وحجارة وقنابل مسيلة للدموع خاصةً إذا كان هذا المتابع فلسطيني الجنسية وممن عاصر أحداث تلك الفترة من عمر الشعب الفلسطيني.
المتابع لم يجري يدرك ما لموقع الفيسبوك (وغيره من المواقع بالطبع مثل تويتر والمنتديات وساحات الحوار) من أهمية في صنع الحدث ابتداءً ثم نقل الحدث على نطاق واسع وبسرعة مذهلة.. وليس أدل على ذلك من محاولات الحكومة التونسية والمصرية حجب هذه المواقع بل وقطع خدمة الانترنت بالكامل عن البلد. دليل أخر على أهمية هذه المواقع هو قيام محطات إخبارية وقنوات فضائية كبرى لها وزنها بنقل ما يتم نشره على هذه المواقع من أخبار عاجلة من أرض الحدث لما تضمه هذه المواقع من شبكة واسعة من مراسلين متطوعين لا تتوفر لأي قناه إخبارية.
يقوم المشتركون في هذه المواقع بالإعداد للحدث من حشد المتظاهرين وتوزيع مواد إعلامية وبوسترات وأثناء الحدث تقوم هذه المواقع بأمرين مهمين: نقل الحدث أولاً وإعطاء توجيهات للمتظاهرين ثانياً. فنقل الحدث كما تقدم يتم بسرعة خيالية حتى يخيل للمتابع أنه في أرض المواجهة.. فهذا يكتب عبر جواله أنه موجود الأن في إحدى الشوارع الفرعية وأنه يرى مجموعة من رجال الشرطة تتقدم نحو المتظاهرين.. ثم تقترب المجموعة أكثر..ثم ها هم يمسكون بشاب..ثم هذا الشاب يتعرض للضرب الأن..ثم يطلب الناقل أن يتم نشر هذا الخبر حالاً على المواقع..ثم تحضر سيارة شرطة وتنقل ذاك الشاب إلى مكان مجهول و يقوم الناقل بالحصول على إسمه ونشره من أجل المتابعة لهذا الشاب وتوكيل محامي له..أمر كهذا يحصل مثله عشرات الحالات في المظاهرات وهذا أمر طبيعي في المظاهرات الضخمة ..غير أن الأمر الملفت هو أن خبراً كهذا يعلق عليه أكثر من ألفين شخص بعد 10 دقائق من وضعه على الفيسبوك.. هذا غير من قرأ الخبر ولم يعلق عليه..هؤلاء المتابعون في كل مكان في العالم في بريطانيا وأمريكا والخليج والهند و غيرها.. والمتابع من هؤلاء ربما يعرف من التفاصيل أكثر من الشخص الساكن في نفس المدينة التي تجري فيها الأحداث. الدور الثاني الذي تقوم به هذه المواقع هو إعطاء التوجيهات للمتظاهرين مثل معلومات عن حشودات الشرطة ونصائح لكيفية التعامل مع قنابل الغاز واليات الشرطة وهذا طبعاً غير الدعم المعنوي من دعاء وتشجيع.
كل هذه التفاصيل عن مواقع الانترنت هذه لا بدا منها عند الحديث عن الانتفاضة الفلسطينية الأولى..والتي بحق اعتبر استمرارها وتصاعدها معجزة من المعجزات.. الانتفاضة في ذلك الوقت بدأت ولم يكن هناك فيسبوك ولا تويتر ولا شبكة تنقل الحدث بسرعة ومصداقية كشبكة فلسطين للحوار لأنه لم يكن هناك انترنت أصلاً بل لم يكن هناك فضائيات ولا محطات إخبارية محلية ولا جوالات..لم يكن هناك سوى "صوت إسرائيل.. من أورشليم القدس" والتلفاز الاسرائيلي.. و بعض المراسلين لوكالات أنباء غربية ممن وافقت المخابرات الاسرائيلية على السماح لهم بالعمل.
ما جال بخاطري واحزنني في الواقع هو الكم الكبير من الأحداث اليومية التي كانت تحصل في الانتفاضة الفلسطينية الأولى و لم يكن بالإمكان نقلها بل كان من المستحيل أن يراها أحد سوى أبناء الحي الذي حدثت فيه..في كل حي كان ضرب الشباب والأطفال أمرا طبيعياً و يحصل كل يوم مرات عديدة على أيدي فرق المشاه من الجنود والجش جيئةً وذهاباً ..و نزول أمهات هؤلاء الشباب "لتخليصهم" من أيدي الجنود وما يرافق ذلك من ضرب وشتيمه للأم نفسها كان أمرا من مشاهد الحياه اليومية..ولم يكن أحد يدري عن هذا الشاب سوى جيرانه ومن يمر في الطريق صدفة.. و أم الشاب لم تكن تطمع في أن يتضامن معها أحد أكثر من جاراتها..إم علي وإم يونس وإم حسن..والتي كل واحدة منهن لها قصة مشابهة..فالحال من بعضه.
بل إن كثراً من حوادث الضرب والإهانة التي كان الشباب يتعرض لها في الشوارع كان الشباب أنفسهم يخفونها ولا يتحدثون عنها..حتى لا يسببوا قلقاً لأهاليهم.
بالرغم من كل ذلك انطلقت الانتفاضة واستمرت وتصاعدت.. وبرأيي فإن أول اسباب ذلك هو هذه الأرض المباركة التي لها خصوصية عن غيرها من البلدان.. فمجرد سقوط مجموعة من الشهداء في حادث واحد في فلسطين (مثل مجزرة عيون قارة) كان كفيلاً بتحريك العالم بأسره في ذلك الوقت الذي لم يكن العالم يرى فيه إلا ما تراه كاميرات التلفزيون الاسرائيلي.
انها كرامة لهذه الأرض من دون سائر البلدان التي كان العشرات يسقطون فيها ويمر خبرها وكأنه لم يكن.
وحتى نكون منصفين فإن أخبار الانتفاضة الأولى كانت تنقل بواسطة بعض الاذاعات التي تعمل من خارج الأرض المحتلة مثل إذاعة القدس و فلسطين.. ولكن حتى هذه الاذاعات لم تكن أخبارها سوى ما يتمكن مرسلوها من مشاهدته أو ما يتيسر لهم سماعه من الناس .. فضلاً عن وسيلة نقل الخبر حيث لم يكن من وسيلة سوى الاتصال الهاتفي مع الإذاعة و الاتصال الهاتفي من داخل فلسطين في ذلك الوقت مع تلك الاذاعات كان غاية في الخطورة لخضوع الاتصالات للمراقبة الدائمة.
وفي الواقع فإن تلك الاذاعات لم يكن دورها كبيراً من ناحية نقل الحدث بل كان دورها يقتصر على بث الحماس لدى الناس من خلال الأناشيد الوطنية التي كانت ممنوعة في ذلك الوقت و من يتم الامساك به وبحوزته شريط وطني فكان مصيره الاعتقال الاداري لمدة ستة شهور أو ما شابه. و في الغالب لم تكن تلك الاذاعات تتمتع بالمصداقية العالية فكثيراً ما كنا نشاهد الشباب الملثم يلقي الحجارة على باص "ايجد" ويتم نقل الخبر على أنه "تم إحراق عدة باصات"!
فالخلاصة أنه مع الدور المشكور و الكبير لتلك الاذاعات في إذكاء جذوة الانتفاضة الأولى إلا أن دورها كان محدوداً نظراً لظروف تلك الفترة والوسائل المحدودة المتاحة.. و جدير بالذكر أن إرسال تلك الاذاعات كان محدوداً بحيث لا يصل إلا إلى فلسطين وبعض مناطق الأردن وسورية.
وحتى نكون منصفين أكثر لا بد من ذكر دور الاعلام الرسمي العربي في تلك الأيام مثل التلفزيون الأردني والسوري والمصري..فبالرغم من قصر نشراتها الاخبارية التي تتحدث عن الأرض المحتلة إلا كان لها دور في نشر ما يحدث بشكل متواصل على الرغم من تقلب متابعتها للأخبار بحسب الموقف السياسي و الظرف العام. وفي الغالب كانت تلك المحطات تنقل عن التلفاز الاسرائيلي أو عن المحطات الغربية أو يتم نقل الحدث لها من داخل الأرض المحتلة مسجلاً على أشرطة فيديو (من الحجم الكبير بالطبع كما في تلك الأيام!) و قد لا يتم بث الحدث فعادةً ما تصل الأشرطة متأخرة.
و أمر أخر لا بدا أن أطرقة عند الحديث عن الانتفاضة الأولى هو استمرارها لسنوات طويلة دون كلل أو ملل.. حتى أن التظاهر والإضراب والإحتجاج والإعتقال و توديع الشهداء وإغلاق المدارس والجامعات كان أمرا طبيعياً اعتاده الناس وأصبح جزءا لا يتجزء من حياتهم اليومية.. وهذا ترك أثراً لغاية الأن على الناس ومن أبسط الأمثلة على ذلك هو أنه حتى بعد مجئ السلطة بسنوات ولغاية الأن تجد أنا أغلب المحلات التجارية في وسط البلد في المدن الفلسطينية تغلق ابوابها مبكراً لم اعتاده الناس من الذهاب إلى بيوتهم باكراً في أيام الانتفاضة.
وحتى أقرب الصورة أكثر فاني ادعو المصري والتونسي وغيرهم من مواطني الدول العربية التي تشهد مظاهرات ومسيرات إلى تخيل بلدانهم وقد استمرت فيها تلك المظاهرات لمدة خمس أو ست سنوات (لا سمح الله..فإنا نرغب برؤية الطغاه وهم يسقطون في القريب العاجل!) لكن ما أقصده هو كيف ستكون الحياه في ظل ظروف كهذه؟ لا بد أنها ستكون صعبة وقاسية بما تحمله الكلمة من معنى.. كل هذه الظروف مرت على الشعب الفلسطيني وصبر وإحتسب بإذن الله.
وفي الختام لا بد أن نسأل لماذا تنجح الثورات في الاطاحة بالطاغية و لم تنجح الانتفاضة في الاطاحة بدولة الاحتلال؟ الواقع أن الانتفاضة كانت قريبة جداً من تحقيق اهدافها لولا أن تم قطف ثمرتها عاجلاً ومبكراً بيد من لم يزرع شجرتها في الأصل و ظن الناس حينها أن من قطفها سيكون أميناً عليها إلا أنه جاء و إبتلع الثمرة وأذاق الناس العلقم.
يقول البعض أن الانتفاضة لم تستطع أن تزيل إسرائيل بسبب الفصل بين السكان العرب وبين الاسرائليين حيث كانوا في مأمن من ما يحصل في الضفة وغزة. والواقع أنا ذلك غير صحيح حيث كان المستوطنون ينتشرون في كل الضفة وغزة وكان الوصول لهم سهلاً جداً وقد هزت الانتفاضة إحدى أركان دولة الاحتلال وهو الاستيطان ولازلت أذكر ونحن صغار كيف كنا نحصي عدد المرات التي يتم فيها تغيير الزجاج الأمامي في اليوم الواحد لأحد باصات "ايجد" بعد كسره جراء إلقاء الحجارة وهو ينقل المستوطنين بين مستوطناتهم..أقصد كم ارهقت الانتفاضة إسرائيل إقتصادياً ومادياً و أيضاً بشرياً من خلال عمليات الطعن اللاحقة. أضف إلى ذلك أن الانتفاضة ظلت في تصاعد رهيب وصل في اواخر الانتفاضة الأولى إلى تفجير باصات بكاملها داخل إسرائيل وفي أكثر مناطقها حساسية..رحم الله تلك الأيام!
المتابع لأخبار الثورة المصرية (والتونسية من قبل) عبر الانترنت لا بد أن يجول بخاطره أمران الأمر الأول هو سرعة نقل الحدث والأمر الثاني هو إستذكار الانتفاضة الفلسطينية الأولى بما فيها من اطارات مشتعلة وحجارة وقنابل مسيلة للدموع خاصةً إذا كان هذا المتابع فلسطيني الجنسية وممن عاصر أحداث تلك الفترة من عمر الشعب الفلسطيني.
المتابع لم يجري يدرك ما لموقع الفيسبوك (وغيره من المواقع بالطبع مثل تويتر والمنتديات وساحات الحوار) من أهمية في صنع الحدث ابتداءً ثم نقل الحدث على نطاق واسع وبسرعة مذهلة.. وليس أدل على ذلك من محاولات الحكومة التونسية والمصرية حجب هذه المواقع بل وقطع خدمة الانترنت بالكامل عن البلد. دليل أخر على أهمية هذه المواقع هو قيام محطات إخبارية وقنوات فضائية كبرى لها وزنها بنقل ما يتم نشره على هذه المواقع من أخبار عاجلة من أرض الحدث لما تضمه هذه المواقع من شبكة واسعة من مراسلين متطوعين لا تتوفر لأي قناه إخبارية.
يقوم المشتركون في هذه المواقع بالإعداد للحدث من حشد المتظاهرين وتوزيع مواد إعلامية وبوسترات وأثناء الحدث تقوم هذه المواقع بأمرين مهمين: نقل الحدث أولاً وإعطاء توجيهات للمتظاهرين ثانياً. فنقل الحدث كما تقدم يتم بسرعة خيالية حتى يخيل للمتابع أنه في أرض المواجهة.. فهذا يكتب عبر جواله أنه موجود الأن في إحدى الشوارع الفرعية وأنه يرى مجموعة من رجال الشرطة تتقدم نحو المتظاهرين.. ثم تقترب المجموعة أكثر..ثم ها هم يمسكون بشاب..ثم هذا الشاب يتعرض للضرب الأن..ثم يطلب الناقل أن يتم نشر هذا الخبر حالاً على المواقع..ثم تحضر سيارة شرطة وتنقل ذاك الشاب إلى مكان مجهول و يقوم الناقل بالحصول على إسمه ونشره من أجل المتابعة لهذا الشاب وتوكيل محامي له..أمر كهذا يحصل مثله عشرات الحالات في المظاهرات وهذا أمر طبيعي في المظاهرات الضخمة ..غير أن الأمر الملفت هو أن خبراً كهذا يعلق عليه أكثر من ألفين شخص بعد 10 دقائق من وضعه على الفيسبوك.. هذا غير من قرأ الخبر ولم يعلق عليه..هؤلاء المتابعون في كل مكان في العالم في بريطانيا وأمريكا والخليج والهند و غيرها.. والمتابع من هؤلاء ربما يعرف من التفاصيل أكثر من الشخص الساكن في نفس المدينة التي تجري فيها الأحداث. الدور الثاني الذي تقوم به هذه المواقع هو إعطاء التوجيهات للمتظاهرين مثل معلومات عن حشودات الشرطة ونصائح لكيفية التعامل مع قنابل الغاز واليات الشرطة وهذا طبعاً غير الدعم المعنوي من دعاء وتشجيع.
كل هذه التفاصيل عن مواقع الانترنت هذه لا بدا منها عند الحديث عن الانتفاضة الفلسطينية الأولى..والتي بحق اعتبر استمرارها وتصاعدها معجزة من المعجزات.. الانتفاضة في ذلك الوقت بدأت ولم يكن هناك فيسبوك ولا تويتر ولا شبكة تنقل الحدث بسرعة ومصداقية كشبكة فلسطين للحوار لأنه لم يكن هناك انترنت أصلاً بل لم يكن هناك فضائيات ولا محطات إخبارية محلية ولا جوالات..لم يكن هناك سوى "صوت إسرائيل.. من أورشليم القدس" والتلفاز الاسرائيلي.. و بعض المراسلين لوكالات أنباء غربية ممن وافقت المخابرات الاسرائيلية على السماح لهم بالعمل.
ما جال بخاطري واحزنني في الواقع هو الكم الكبير من الأحداث اليومية التي كانت تحصل في الانتفاضة الفلسطينية الأولى و لم يكن بالإمكان نقلها بل كان من المستحيل أن يراها أحد سوى أبناء الحي الذي حدثت فيه..في كل حي كان ضرب الشباب والأطفال أمرا طبيعياً و يحصل كل يوم مرات عديدة على أيدي فرق المشاه من الجنود والجش جيئةً وذهاباً ..و نزول أمهات هؤلاء الشباب "لتخليصهم" من أيدي الجنود وما يرافق ذلك من ضرب وشتيمه للأم نفسها كان أمرا من مشاهد الحياه اليومية..ولم يكن أحد يدري عن هذا الشاب سوى جيرانه ومن يمر في الطريق صدفة.. و أم الشاب لم تكن تطمع في أن يتضامن معها أحد أكثر من جاراتها..إم علي وإم يونس وإم حسن..والتي كل واحدة منهن لها قصة مشابهة..فالحال من بعضه.
بل إن كثراً من حوادث الضرب والإهانة التي كان الشباب يتعرض لها في الشوارع كان الشباب أنفسهم يخفونها ولا يتحدثون عنها..حتى لا يسببوا قلقاً لأهاليهم.
بالرغم من كل ذلك انطلقت الانتفاضة واستمرت وتصاعدت.. وبرأيي فإن أول اسباب ذلك هو هذه الأرض المباركة التي لها خصوصية عن غيرها من البلدان.. فمجرد سقوط مجموعة من الشهداء في حادث واحد في فلسطين (مثل مجزرة عيون قارة) كان كفيلاً بتحريك العالم بأسره في ذلك الوقت الذي لم يكن العالم يرى فيه إلا ما تراه كاميرات التلفزيون الاسرائيلي.
انها كرامة لهذه الأرض من دون سائر البلدان التي كان العشرات يسقطون فيها ويمر خبرها وكأنه لم يكن.
وحتى نكون منصفين فإن أخبار الانتفاضة الأولى كانت تنقل بواسطة بعض الاذاعات التي تعمل من خارج الأرض المحتلة مثل إذاعة القدس و فلسطين.. ولكن حتى هذه الاذاعات لم تكن أخبارها سوى ما يتمكن مرسلوها من مشاهدته أو ما يتيسر لهم سماعه من الناس .. فضلاً عن وسيلة نقل الخبر حيث لم يكن من وسيلة سوى الاتصال الهاتفي مع الإذاعة و الاتصال الهاتفي من داخل فلسطين في ذلك الوقت مع تلك الاذاعات كان غاية في الخطورة لخضوع الاتصالات للمراقبة الدائمة.
وفي الواقع فإن تلك الاذاعات لم يكن دورها كبيراً من ناحية نقل الحدث بل كان دورها يقتصر على بث الحماس لدى الناس من خلال الأناشيد الوطنية التي كانت ممنوعة في ذلك الوقت و من يتم الامساك به وبحوزته شريط وطني فكان مصيره الاعتقال الاداري لمدة ستة شهور أو ما شابه. و في الغالب لم تكن تلك الاذاعات تتمتع بالمصداقية العالية فكثيراً ما كنا نشاهد الشباب الملثم يلقي الحجارة على باص "ايجد" ويتم نقل الخبر على أنه "تم إحراق عدة باصات"!
فالخلاصة أنه مع الدور المشكور و الكبير لتلك الاذاعات في إذكاء جذوة الانتفاضة الأولى إلا أن دورها كان محدوداً نظراً لظروف تلك الفترة والوسائل المحدودة المتاحة.. و جدير بالذكر أن إرسال تلك الاذاعات كان محدوداً بحيث لا يصل إلا إلى فلسطين وبعض مناطق الأردن وسورية.
وحتى نكون منصفين أكثر لا بد من ذكر دور الاعلام الرسمي العربي في تلك الأيام مثل التلفزيون الأردني والسوري والمصري..فبالرغم من قصر نشراتها الاخبارية التي تتحدث عن الأرض المحتلة إلا كان لها دور في نشر ما يحدث بشكل متواصل على الرغم من تقلب متابعتها للأخبار بحسب الموقف السياسي و الظرف العام. وفي الغالب كانت تلك المحطات تنقل عن التلفاز الاسرائيلي أو عن المحطات الغربية أو يتم نقل الحدث لها من داخل الأرض المحتلة مسجلاً على أشرطة فيديو (من الحجم الكبير بالطبع كما في تلك الأيام!) و قد لا يتم بث الحدث فعادةً ما تصل الأشرطة متأخرة.
و أمر أخر لا بدا أن أطرقة عند الحديث عن الانتفاضة الأولى هو استمرارها لسنوات طويلة دون كلل أو ملل.. حتى أن التظاهر والإضراب والإحتجاج والإعتقال و توديع الشهداء وإغلاق المدارس والجامعات كان أمرا طبيعياً اعتاده الناس وأصبح جزءا لا يتجزء من حياتهم اليومية.. وهذا ترك أثراً لغاية الأن على الناس ومن أبسط الأمثلة على ذلك هو أنه حتى بعد مجئ السلطة بسنوات ولغاية الأن تجد أنا أغلب المحلات التجارية في وسط البلد في المدن الفلسطينية تغلق ابوابها مبكراً لم اعتاده الناس من الذهاب إلى بيوتهم باكراً في أيام الانتفاضة.
وحتى أقرب الصورة أكثر فاني ادعو المصري والتونسي وغيرهم من مواطني الدول العربية التي تشهد مظاهرات ومسيرات إلى تخيل بلدانهم وقد استمرت فيها تلك المظاهرات لمدة خمس أو ست سنوات (لا سمح الله..فإنا نرغب برؤية الطغاه وهم يسقطون في القريب العاجل!) لكن ما أقصده هو كيف ستكون الحياه في ظل ظروف كهذه؟ لا بد أنها ستكون صعبة وقاسية بما تحمله الكلمة من معنى.. كل هذه الظروف مرت على الشعب الفلسطيني وصبر وإحتسب بإذن الله.
وفي الختام لا بد أن نسأل لماذا تنجح الثورات في الاطاحة بالطاغية و لم تنجح الانتفاضة في الاطاحة بدولة الاحتلال؟ الواقع أن الانتفاضة كانت قريبة جداً من تحقيق اهدافها لولا أن تم قطف ثمرتها عاجلاً ومبكراً بيد من لم يزرع شجرتها في الأصل و ظن الناس حينها أن من قطفها سيكون أميناً عليها إلا أنه جاء و إبتلع الثمرة وأذاق الناس العلقم.
يقول البعض أن الانتفاضة لم تستطع أن تزيل إسرائيل بسبب الفصل بين السكان العرب وبين الاسرائليين حيث كانوا في مأمن من ما يحصل في الضفة وغزة. والواقع أنا ذلك غير صحيح حيث كان المستوطنون ينتشرون في كل الضفة وغزة وكان الوصول لهم سهلاً جداً وقد هزت الانتفاضة إحدى أركان دولة الاحتلال وهو الاستيطان ولازلت أذكر ونحن صغار كيف كنا نحصي عدد المرات التي يتم فيها تغيير الزجاج الأمامي في اليوم الواحد لأحد باصات "ايجد" بعد كسره جراء إلقاء الحجارة وهو ينقل المستوطنين بين مستوطناتهم..أقصد كم ارهقت الانتفاضة إسرائيل إقتصادياً ومادياً و أيضاً بشرياً من خلال عمليات الطعن اللاحقة. أضف إلى ذلك أن الانتفاضة ظلت في تصاعد رهيب وصل في اواخر الانتفاضة الأولى إلى تفجير باصات بكاملها داخل إسرائيل وفي أكثر مناطقها حساسية..رحم الله تلك الأيام!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق