بيت العنكبوت
[ 30/01/2011 - 12:07 م ]
النائب المهندس عبد الرحمن زيدان
خلافا لتوقعات الكثيرين كشفت الاحداث المتسارعة هشاشة بناء الانظمة القائمة على اساس القمع وتغييب ارادة الشعوب وخدمة سياسات الغرب وحفظ مصالح الفئات المتنفذة وفسادها، وهذه جملة من الخواطر المستوحاة من الاحداث الملتهبة.
اثبتت التجربتان في تونس ومصر ان الاجهزة الامنية التي تحمي الانظمة القمعية مرتزقة لا تنتمي الى مصالح اوطانها او مواطنيها بل يدربها ويسلحها ويبني عقيدتها "الاجنبي" لحماية نظام لا ينتمي الى شعبه بل ينفذ سياسات الغرب ويدافع عن مصالحه، ولو تفكرت الاجهزة الامنية وافرادها في مصيرهم لانحازوا الى شعوبهم قبل فوات الاوان ورفضوا ان يكونوا آلة قمع لها حتى اذا انقشع الغبار وسقط النظام وهرب الرئيس تحولت هذه الاجهزة الى ادوات "بلطجية" ينهبون ويروعون الآمنين ليعاقبوا الشعب على ثورته، ويتحولون الى مجرمين وقاتلين تنتظر الجماهير الغاضبة فرصة للانتقام والثأر منهم افرادا واجهزة.
لدى الشعوب مخزون هائل من الطاقة تكتنزه ليوم الغضب وتفجره، حين تيأس من الاصلاح، في وجه حكامها مهما بلغت قوة سطوتهم وبطشهم، عجيبة هذه الشعوب، كم مر بها من احداث ومآس وكم تحملت من اهانات وتهميش، كم صودرت حريتها وسلب حقها في التعبير عن ارادتها، كم جرى تزوير خياراتها في الانتخابات والاستفتاءات المزيفة وكم سرقت ثرواتها وشاهدت الحيتان المتنفذة تبتلع مقدراتها وترمي لها الفتات، صمت وخوف وخنوع بتنا نخشى معه ان لا تتحرك الشعوب وكدنا نفقد الامل في الاصلاح واصبح لسان الحال ان "هذه الامة ماتت والسلام"، لكنها بعد طول انتظار انتفضت في اللحظة التي استيأست فيها القلوب.
لقد استغرق طاغية تونس اربعة اسابيع ليترنح ويسقط في لحظة ويعلن "انا فهمتكم " لكن بعد فوات الاوان، لم يحس بمعاناة شعبه المقهور او يسمع مطالبهم التي تطورت من الاصلاح الى الرحيل الكامل للنظام بأشخاصه ومؤسساته، لو اصغى الحكام وفهموا مبكرا لكان الاصلاح خيارا ممكنا ولكن العمى عمى القلب.
يتكرر المشهد بتسارع اكبر في مصر... وما ادراك ما مصر... اربعة ايام من الحراك الشعبي، ترنح النظام وارتبك واختفت قوات الامن المركزي وحرس الرئاسة والشرطة من الشوارع بعد ان اعملت هراواتها ورصاصها في الجماهير قتلا وضربا واعتقالا، ولكن على ما يبدو لم يصل رأس النظام في مصر الى درجة الفهم اللازمة لمنطق شعبه.
الانحياز غير المتوقع من قبل الجيوش لمطالب الشعوب، رغم الانطباع السائد بأن هذه الجيوش وجدت لحماية الأنظمة، فاجأ كل المراقبين وشكل حماية للشعب ومؤسساته، وعامل ضغط على الطغاة عجل برحيلهم وما زلنا نأمل أن لا يخيب الجيش المصري هذه التوقعات.
تسيطر حالة من الترقب على المنطقة بأكملها بل العالم أجمع وعناصر الصورة الفاعلة فالأنظمة تترقب بهلع ما يمكن أن يسفر عنه انهيار النظام المصري على وجود هذه الانظمة، السلطة والأُردن ودول المغرب واليمن كلها على ما يبدو لم تفهم الدرس بعد ولم تستفد من الأحداث وتغير سلوكها، ما زالت الانظمة غير مدركة ان عجلة التغيير دارت وان عقارب الساعة لا تعود الى الوراء فاعتبروا، ام على قلوب اقفالها.
والشعوب التي احست لأول مرة منذ امد بعيد ببارقة امل وقوة داخلية لم تكن اكتشفتها في نفسها من قبل، تبددت معها مشاعر الإحباط واليأس والاستكانة، ورخصت في نظر الشباب قيمة الحياة ليواجهوا القمع بصدور عاريه، شعارهم الإصلاح بكل جوانبه وليس الخبز كما يحاول البعض تصويرها، شعوب طلقت اليأس وكسرت حاجز الخوف وباتت توقن ان النصر صبر ساعة، وان خوفها هو عدوها الاول وعليها ان لا ترضى بأنصاف الحلول أو تزييف الارادة.
والدول الاستعمارية التي داهمتها أحداث تونس ثم مصر على حين غرة وافقدتها القدرة على الفعل، فيما تحاول بما اوتيت من مكر وخديعة تجيير الأحداث لقطف ثمار الثورة الشعبية وحرف مسارها للمحافظة على الانظمة الفاسدة، أو إعادة صياغتها بوجوه جديدة وشعارات جديدة تركب موجة المطالب الشعبية وتخفي في داخلها الخيانة والتبعية، ولقد شهدت المنطقة العربية في الخمسينات والستينات بوجه عام تحركات وثورات وانقلابات أعادت تشكيل الانظمة او حققت الاستقلال الشكلي، ولكن المبادرة فيها كانت للجيوش أو الأحزاب وثبت لاحقاً وجود خيوط استعمارية حركت تلك الثورات او استثمرتها وبقيت ارادة الشعوب مغيبة وبسبب ذلك انتقلت المنطقة بها من انتكاسة الى اخرى.
ما يدعو الى التفاؤل في هذه التحركات الشعبية انها تبدو أكثر رسوخا وتمثل تعبيرا صادقا عن ارادة شعبية ثائرة على القهر والظلم "لدرجة القرف" من الانظمة وتبعيتها لأعداء الأمة، وثبت أن هذه المشاعر غير محصورة في حدود دولة أو إقليم بل تسري في المنطقة العربية طولاً وعرضاً في نبض واحد وهتاف موحد يعكس رغبة عارمة في التغيير، وأن المطالب تتجاوز حاجات البطن والجيب الى وحدة المطالب في الحرية وحق التعبير والحقوق السياسية والموقف من قضايا الامة وعلى رأسها قضية فلسطين والموقف من أعداء الأمة وفي مقدمتهم الكيان الصهيوني والانظمة الاستعمارية المهيمنة ضمن نظام العولمة السياسية والاقتصادية.
بقي ان ندرك ان المرحلة القادمة تتطلب شراكة سياسية لإدارة الحياة وحماية الانجازات واستيعاب الاختلافات الفكرية في الاطار الوطني العام وتغليب لغة الحوار واتقان ادوات العملية الديمقراطية وتقديس الحريات والثقة بحياة الشعوب وصدق انتمائها، وهذه الايام لها ما بعدها على طريق تحقيق وعد الله ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)55 سورة النور
[ 30/01/2011 - 12:07 م ]
النائب المهندس عبد الرحمن زيدان
خلافا لتوقعات الكثيرين كشفت الاحداث المتسارعة هشاشة بناء الانظمة القائمة على اساس القمع وتغييب ارادة الشعوب وخدمة سياسات الغرب وحفظ مصالح الفئات المتنفذة وفسادها، وهذه جملة من الخواطر المستوحاة من الاحداث الملتهبة.
اثبتت التجربتان في تونس ومصر ان الاجهزة الامنية التي تحمي الانظمة القمعية مرتزقة لا تنتمي الى مصالح اوطانها او مواطنيها بل يدربها ويسلحها ويبني عقيدتها "الاجنبي" لحماية نظام لا ينتمي الى شعبه بل ينفذ سياسات الغرب ويدافع عن مصالحه، ولو تفكرت الاجهزة الامنية وافرادها في مصيرهم لانحازوا الى شعوبهم قبل فوات الاوان ورفضوا ان يكونوا آلة قمع لها حتى اذا انقشع الغبار وسقط النظام وهرب الرئيس تحولت هذه الاجهزة الى ادوات "بلطجية" ينهبون ويروعون الآمنين ليعاقبوا الشعب على ثورته، ويتحولون الى مجرمين وقاتلين تنتظر الجماهير الغاضبة فرصة للانتقام والثأر منهم افرادا واجهزة.
لدى الشعوب مخزون هائل من الطاقة تكتنزه ليوم الغضب وتفجره، حين تيأس من الاصلاح، في وجه حكامها مهما بلغت قوة سطوتهم وبطشهم، عجيبة هذه الشعوب، كم مر بها من احداث ومآس وكم تحملت من اهانات وتهميش، كم صودرت حريتها وسلب حقها في التعبير عن ارادتها، كم جرى تزوير خياراتها في الانتخابات والاستفتاءات المزيفة وكم سرقت ثرواتها وشاهدت الحيتان المتنفذة تبتلع مقدراتها وترمي لها الفتات، صمت وخوف وخنوع بتنا نخشى معه ان لا تتحرك الشعوب وكدنا نفقد الامل في الاصلاح واصبح لسان الحال ان "هذه الامة ماتت والسلام"، لكنها بعد طول انتظار انتفضت في اللحظة التي استيأست فيها القلوب.
لقد استغرق طاغية تونس اربعة اسابيع ليترنح ويسقط في لحظة ويعلن "انا فهمتكم " لكن بعد فوات الاوان، لم يحس بمعاناة شعبه المقهور او يسمع مطالبهم التي تطورت من الاصلاح الى الرحيل الكامل للنظام بأشخاصه ومؤسساته، لو اصغى الحكام وفهموا مبكرا لكان الاصلاح خيارا ممكنا ولكن العمى عمى القلب.
يتكرر المشهد بتسارع اكبر في مصر... وما ادراك ما مصر... اربعة ايام من الحراك الشعبي، ترنح النظام وارتبك واختفت قوات الامن المركزي وحرس الرئاسة والشرطة من الشوارع بعد ان اعملت هراواتها ورصاصها في الجماهير قتلا وضربا واعتقالا، ولكن على ما يبدو لم يصل رأس النظام في مصر الى درجة الفهم اللازمة لمنطق شعبه.
الانحياز غير المتوقع من قبل الجيوش لمطالب الشعوب، رغم الانطباع السائد بأن هذه الجيوش وجدت لحماية الأنظمة، فاجأ كل المراقبين وشكل حماية للشعب ومؤسساته، وعامل ضغط على الطغاة عجل برحيلهم وما زلنا نأمل أن لا يخيب الجيش المصري هذه التوقعات.
تسيطر حالة من الترقب على المنطقة بأكملها بل العالم أجمع وعناصر الصورة الفاعلة فالأنظمة تترقب بهلع ما يمكن أن يسفر عنه انهيار النظام المصري على وجود هذه الانظمة، السلطة والأُردن ودول المغرب واليمن كلها على ما يبدو لم تفهم الدرس بعد ولم تستفد من الأحداث وتغير سلوكها، ما زالت الانظمة غير مدركة ان عجلة التغيير دارت وان عقارب الساعة لا تعود الى الوراء فاعتبروا، ام على قلوب اقفالها.
والشعوب التي احست لأول مرة منذ امد بعيد ببارقة امل وقوة داخلية لم تكن اكتشفتها في نفسها من قبل، تبددت معها مشاعر الإحباط واليأس والاستكانة، ورخصت في نظر الشباب قيمة الحياة ليواجهوا القمع بصدور عاريه، شعارهم الإصلاح بكل جوانبه وليس الخبز كما يحاول البعض تصويرها، شعوب طلقت اليأس وكسرت حاجز الخوف وباتت توقن ان النصر صبر ساعة، وان خوفها هو عدوها الاول وعليها ان لا ترضى بأنصاف الحلول أو تزييف الارادة.
والدول الاستعمارية التي داهمتها أحداث تونس ثم مصر على حين غرة وافقدتها القدرة على الفعل، فيما تحاول بما اوتيت من مكر وخديعة تجيير الأحداث لقطف ثمار الثورة الشعبية وحرف مسارها للمحافظة على الانظمة الفاسدة، أو إعادة صياغتها بوجوه جديدة وشعارات جديدة تركب موجة المطالب الشعبية وتخفي في داخلها الخيانة والتبعية، ولقد شهدت المنطقة العربية في الخمسينات والستينات بوجه عام تحركات وثورات وانقلابات أعادت تشكيل الانظمة او حققت الاستقلال الشكلي، ولكن المبادرة فيها كانت للجيوش أو الأحزاب وثبت لاحقاً وجود خيوط استعمارية حركت تلك الثورات او استثمرتها وبقيت ارادة الشعوب مغيبة وبسبب ذلك انتقلت المنطقة بها من انتكاسة الى اخرى.
ما يدعو الى التفاؤل في هذه التحركات الشعبية انها تبدو أكثر رسوخا وتمثل تعبيرا صادقا عن ارادة شعبية ثائرة على القهر والظلم "لدرجة القرف" من الانظمة وتبعيتها لأعداء الأمة، وثبت أن هذه المشاعر غير محصورة في حدود دولة أو إقليم بل تسري في المنطقة العربية طولاً وعرضاً في نبض واحد وهتاف موحد يعكس رغبة عارمة في التغيير، وأن المطالب تتجاوز حاجات البطن والجيب الى وحدة المطالب في الحرية وحق التعبير والحقوق السياسية والموقف من قضايا الامة وعلى رأسها قضية فلسطين والموقف من أعداء الأمة وفي مقدمتهم الكيان الصهيوني والانظمة الاستعمارية المهيمنة ضمن نظام العولمة السياسية والاقتصادية.
بقي ان ندرك ان المرحلة القادمة تتطلب شراكة سياسية لإدارة الحياة وحماية الانجازات واستيعاب الاختلافات الفكرية في الاطار الوطني العام وتغليب لغة الحوار واتقان ادوات العملية الديمقراطية وتقديس الحريات والثقة بحياة الشعوب وصدق انتمائها، وهذه الايام لها ما بعدها على طريق تحقيق وعد الله ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)55 سورة النور
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق