المؤامرة على الأمة والإسلام حقيقة أم أوهام ،
دراسة علمية تاريخية لمؤامرة التشيع الفارسي
﴿ الجزء الحادي عشر ﴾
شبكة المنصور
حــديـد الـعـربي
الفصل الثالث
التهلكة الفارسية
لم تكن مواقف حكام إيران بتعصبهم لقوميتهم تعصباً عنصرياً شعوبيا، والسالكين في سبيله شتى الطرق والأساليب والأفكار المريضة، والماسخين لأجلها مذهب التشيع لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، والمحرفين والمشوهين لعقيدة الإسلام وقيم العرب المسلمين ومبادئهم، سعياً منهم لاستعادة أمجاد قوميتهم الفارسية التي اندثر عزها وذهبت سطوتها عام 14ه بمعركة القادسية، هي الجاذب لبعض العرب، خصوصاً الذين يقع عليهم أثر سياسات الحكام العرب بشكل مباشر، ومنهم بعض المنظمات الفلسطينية وغير الفلسطينية، فهي على العكس تماماً، لأنها عناصر طرد وتنافر، فكرا وسياسة وثقافة وسلوك.
فالسبب الحقيقي وراء سعي بعض الأفراد وبعض التنظيمات الحزبية والكيانات الثقافية، المغررين ببديل خادع ووهمي، هو حالة الخور والخنوع والسلبية التي سيطرت على سلوك الأنظمة العربية وسياساتها القاصرة عن تلبية احتياجات الأمة وحل قضاياها المصيرية، وما تخلفه هذه السلوكيات والسياسات من إحباط وانحراف في الفكر والسلوك المقابل، والتشبث بأوهام في مسار الهروب من هذا الواقع المؤلم، فبعض المنظمات الجهادية الفلسطينية، والكيانات السياسية والثقافية والإعلامية العربية، حينما كانت تجد في العراق قبل الاحتلال وفي قيادته داعماً وسنداً وعوناً، ما كانت لتلتفت إلى النظام الفارسي، ولا تخطب وده، لكنه الغياب الكبير، الذي ترك فراغاً هائلاً بعد نيسان 2003م، والحالة المأساوية الكئيبة من الضياع الفكري والسياسي والأخلاقي والقيمي، ما كانت الأنظمة العربية قادرة على سده، حتى بنسبة متواضعة، وكيف تسده وهي التي ساهمت بكل قواها وطاقاتها بعملية تغييب العراق وقيادته المؤمنة بالله وبرسالة نبيه وسعت للنهوض بها مجددا بعد طول غياب؟ ولقد كانت دوافع بعض الأنظمة العربية في تعضيد حملة الغزو، ليس انصياعاً وخضوعاً لرغبات أسيادهم الطغاة المتجبرين وأولياء نعمة كراسيهم وحسب، إنما كان أيضا بدوافع رغباتهم في التخلص من قيادة العراق، التي كانت بالتزامها الكامل بحقوق الأمة والدفاع عنها بإصرار وإخلاص تشكل خطراً على أنظمتهم أمام وعي أبناء الأمة وسعيهم للتغيير الإيجابي، ما كان بإمكان هذه المنظمات العيش والقدرة على المواصلة في ظل هذه الأنظمة، فكان لابد لها من البحث عمن تعيش في كنفه ودعمه المادي، مهما كانت أغراضه وأهدافه ونواياه من وراء ذلك الدعم، ودون الالتفات إلى ما سيخلفه هذا الدعم من جهة معروفة في فكرها الشعوبي وسياساتها الماكرة الخبيثة وعدائها السافر للعروبة والإسلام، على مستقبلهم ومستقبل أمتهم وعقيدتهم.
وفي عودة إلى الوراء قليلا سنجد أن هذه هي كل حقيقة الفرس والمتولين لهم ممن كانوا عربا، فشوارع بيروت الغربية تختزن في ذاكرة حصاها وأحجار بيوتها وأسواقها صدى صيحات توالت خلال ساعات نهار يوم 2 حزيران من عام 1985م، وتوالت تتردد ولا من سامعٍ أو مجيب أو متنبه أو متعظ.
في ذلك اليوم طافت هذه الشوارع مسيرات لعناصر منظمة أمل الذين صار أغلبهم فيما بعد قادة وقواعد لحزب (الله) الخميني الفارسي في لبنان.
في ذلك اليوم اكتملت فصول مجزرة مخيم صبرا الفلسطيني، فاحتفل الجزارون بنصرهم يطوفون شوارع بيروت فرحين مستبشرين وأيديهم ملطخة بدماء المشردين من شعب فلسطين بنصرهم المظفر بعد 12 يوم من المجازر.
في أول ليلة من ليالي شهر رمضان عام 1405ه الموافق 20/5/1985م، وبتوقيت له من الدلالات والإشارات الكثير الكثير، لكن العرب كانوا عنها غافلين، والحكام أغفل منهم، أو لا يغفلون ولكن يعجزون، أو لا يغفلون ويكتمون فهم أكثر خوفا من الفرس من صحوة العرب إذا تسلحوا بقيم الإسلام ومبادئه، في تلك الليلة انطلقت جحافل أمل أو حزب الله بدعم وإسناد من الجيش النصيري الذي أرضعه الحاكم السوري غلّ المجوسية الصفوية جرعات، وبإسلوب جديد في استقبال شهر الصيام المبارك لتفتك بالمشردين من شعب فلسطين في مخيمات برج البراجنة وصبرا وشاتلا، رجال ونساء، شيب وشباب، أطفال وأجنة في أرحام الأمهات، لا تستثني منهم أحد، مستوحين لأفعالهم ما يبررها من فكر ومنهج وسياسة مؤسس حركتهم أو حزبهم الفارسي موسى الصدر الطباطبائي الفارسي الحاصل على الجنسية العربية اللبنانية منذ أعوام، فحققوا نصرا باهرا على أبناء فلسطين المشردين من أرضهم وديارهم ليشردوهم بعيدا عن حدود فلسطين، لكي لا تنال بنادقهم صدور الصهاينة الغاصبين لأرضهم.
احتفلوا بإزهاق أرواح أكثر من ثلاثة آلاف فلسطيني، وهدموا أكثر من 90% من ملاذ غربتهم وتشردهم، وذبحوا جرحاهم حتى في المستشفيات ذبح الخراف، جزاً من الأعناق، واغتصبوا أكثر من 25 فتات فلسطينية من مخيم صبرا أمام أنظار أهاليهن، وشردوا أكثر من 40 آلف مشرد فلسطيني من سكان هذه المخيمات، كان كل ذنبهم أنهم جاهدوا العدو المغتصب لأرضهم ومقدساتهم.
في هذه المسيرات أطلق المنتصرون صيحات كانت كافية تماما ليفيق العرب من غفوتهم وغفلتهم على قرع طبولها الفارسية المجوسية الخمينية، فقد كان هتافهم " لا إله إلا الله العرب أعداء الله " لكنهم لم يفعلوا، على الرغم من أن أغلب صحفهم ووسائل إعلامهم الرسمية وغير الرسمية تناقلت الخبر بنصه في اليوم التالي.
تلك الصيحة الفارسية الخمينية التي نفذت إلى كل أسماع العرب، حكاما ومحكومين، لكنها – وهذا من فرط العجب – تركت أثرها في عقولهم ولم تحفزها، وأوجبت رد فعلهم لكنهم لم يفعلوا، وفرضت عليهم إعادة تشكيل مفردات وعيهم من جديد فلم يعوا، على الرغم من أن قيادة العراق آنذاك نبهت العرب وحذرتهم مرارا وتكرارا من خطورة هذه الهجمة الفارسية الشعوبية المجوسية الجديدة على العرب والإسلام، ومدى تأثيرها على مصير الأمة والإسلام لو كُتِب لريحها الصفراء أن تخالط الهواء الذي يستنشقه العرب.
في ذلك اليوم تعالت صيحات الفرس الحاقدين على العروبة والإسلام بلسانٍ عربيٍ وفي شوارع العرب، مفصحين عن كل أحقاد التاريخ على العرب الذين أضاعوا مجد كسرويتهم ومزقوا أوصال إمبراطوريتهم.
ولم يفعل العرب شيئاً حيال ذلك الناقوس الذي دق في عقر دارهم بالشؤم والصلف الفارسي، بوجه عربي وثوب إسلامي، وها قد نفذ المجوس إلى كل ديار العرب بريحهم الصفراء الهادفة قبل كل شيء وبعد كل شيء إلى إضعاف العرب وتمزيق أوصالهم وبعثرة صفوفهم، مستخدمين في سبيل ذلك الإسلام وسيلة وغاية.
لقد نجح الفرس واليهود في تحقيق أهم ما كانوا يسعون لتحقيقه، أنهم حرفوا الإسلام الذي توحد به العرب فسادوا الدنيا وأذلوا رقاب المتجبرين وأنقذوا شعوب الأرض من الضلال والجهالة، فجعلوا منه أساساً لفرقة العرب وتشرذمهم ليسهل عليهم استئصال شأفتهم.
فمتى كان حسن نصر الله حريصا على العروبة وشعب فلسطين والإسلام، وهو أحد قادة حركة أمل الفارسية التي ذبحت الشعب العربي الفلسطيني المسلم، وعضو مكتبها السياسي عام 1982م وهتفت بذلك النفس الشعوبي الحاقد على الأمة.
وليس للأسماء في أحكام التقية الفارسية دلالات ثابتة وحقيقية في أغلب الأحوال، لذلك كانت المتطلبات السياسية للأهداف الفارسية الخمينية تقتضي أن تنشطر الخلية الفارسية إلى شطرين، فأسس حسين الموسوي، وهو نائب رئيس حركة أمل نبيه بري منظمة أمل الإسلامية التي تحولت فيما بعد إلى حزب الله، وكلاهما يدين بالولاء للخميني والفرس، ويجاهر بالعداء للعرب ودينهم، وقد تحول أغلب قتلة الفلسطينيين في مخيمات برج البراجنة وصبرا وشاتلا إلى حزب الله، ليظهروا بوجه كأنه مغاير لوجههم السابق، على إنهم سند الشعب الفلسطيني وعونه، لكن التاريخ لا تخدعه المسميات ولا تُغيّب حقائقه بالتقية والنفاق والتدليس.
فحسن نصر الله وحزبه لم يكونوا نجوما ولن يكونوا كذلك حقيقة، لكنهم أجادوا تقمص الشخصية المخالفة صورتها عن صورة واقع الأنظمة العربية، فأبهرت بعض المفجوعين بحكامهم، ولا أكثر من هذا، فهو وحزبه ومراجعه الفرس لا يملكون أكثر مما يملك حكام سوريا، ولم يستطيعوا تحريك بيدق صهيوني واحد من أرض الجولان، لكنه الدعم الصهيوني للنفوذ الفارسي على أرض العرب هو الذي رسم فصول (تحرير جنوب لبنان)، فجنوب لبنان لم يحرر من الصهاينة بل حُرر من المقاومة الفلسطينية لصالح أمن الصهاينة.
وقد يكون لتسمية حزب الله دلالة واضحة على تمكين الزمرة الخمينية من إحكام السيطرة على السلطة في إيران بالمسرحية المعروفة عام 1979م، والتي كانت من متطلبات مشروع بريجنسكي لتطويق الاتحاد السوفيتي السابق، فقد أصبحت الآمال الفارسية المجوسية واقعا على الأرض بعد أن مكنت دوائر المخابرات الغربية والصهيونية زمرة الخميني من القضاء على كل منافسيه والقوى التي كانت تقود انتفاضة الشعوب الإيرانية ضد فساد حكومة الشاه محمد رضا بهلوي، لأنها كانت في ثقلها الأساسي قوى يسارية تميل للإتحاد السوفيتي ولا تخدم نوايا الغرب.
ولأن أغلب العرب وبفعل عمالة حكامهم وتبعيتهم كانوا يضعون في آذانهم قطناً، يمنعون أنفسهم أن تستجيب لصيحات العراق فيهم، لينهضوا فيذودوا عن أمتهم ودينهم وأوطانهم من شر الفرس الذي أراد الغرب الصليبي والصهيونية له أن يكون سلاحا فاعلا في تحطيم الأمة بعد أن وجدوا في الخمينية حالة تستحق الرعاية والدعم، لأنها تأتي العرب في مقاتلهم، فهي تجعل من الإسلام الخميني قوة فاعلة في تمزيق العرب وليس المساعدة على توحيدهم، وهذا ما أراد اليهود تحقيقه منذ عهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وحتى اليوم ولم يفلحوا من قبل كما أفلحوا اليوم بفضل الإسلام المجوسي، فقد فسحوا المجال واسعا للسرطان الفارسي ليسري في جسد أمتهم من لبنان وسوريا حتى الخليج العربي والمغرب العربي ومصر والسودان واليمن، بعد أن حلت بهم الطامة الكبرى، يوم ضحوا بالعراق، الذي كان سداً منيعاً أمام هذا السرطان اللعين، وما كان لأحد غيره أن يكافح هذا السرطان ويقضي عليه، ولن يكون.
الأحزاب الفارسية المجوسية بكل مسمياتها على أرض العرب لن تكون إلا سرطان أو طاعون في جسد الأمة مهما زوروا وكذبوا أو نافقوا أو صوروا أنفسهم بغير حقيقتهم، فليس لوجودهم إلا هدف واحد يبغيه الفرس، ولن لينالوا منهم تومانا - التومان عملة نقدية فارسية وهي مفردة مغولية في أصلها تعبر عن حقيقة حلف كان هدفه الإسلام والعرب فهو يعني عشرة آلاف يطلق على تشكيلات الجيوش المغولية التي اجتاحت دولة العرب الإسلامية ودمرت عاصمتها بغداد عام 656ه - أو دولارا واحدا إلا في سبيل ما يريدون منهم تنفيذه، وهدفهم واضح جلي، تمزيق وحدة العرب وإضعافهم ليتسنى لهم ابتلاعهم قطرا بعد آخر، ووسيلتهم في ذلك هو الإسلام ولا سواه، فهم أدركوا تماما منذ معركة القادسية الأولى عام 14ه أن العرب بالإسلام تحولوا من أتباع أذلاء إلى سادة أجلاء، ولن ينالوا منهم إلا بمسخ الإسلام وتشويهه وتحويله من عنصر توحيد إلى عامل تمزيق وتناحر، وفي الفكر الصفوي وريث السبئية كل ما يبغون.
والأدلة كثيرة وعديدة، فهذه الأحزاب الصفوية تُرسم سياساتها في طهران، ووفقا لمتطلبات السياسة القومية الإيرانية، فهي بحكم مواثيق تأسيسها تتوحد على الولاء والتبعية لدولة الفرس وولاية الفقيه الفارسي، وتنفذ على أرض العرب، وتمويلها فارسي بالكامل، فحزب الله في لبنان يدعي العداء للصهيونية، يقاتلها بسلاح إيراني ليس من أجل فلسطين والعرب بل من أجل إرهاب العرب بقوة الفرس ثم ليثبت أقدامه بينهم، أما في العراق فأحزاب الإسلام الفارسي كثيرة، مهماتها في خدمة المحتل الأمريكي والصهيوني كبيرة ومخلصة، فهي بمجموعها لا تتعدى أن تكون حفنة من الجواسيس للصهيونية ذاتها التي يقاتلها حميمهم في لبنان، وكذا في السودان واليمن وغيرهما من الأقطار العربية، ولم يكن عماد مغنية إلا منفذا في جوقة الجواسيس المأجورين للمخطط الصهيوني الصليبي في تمزيق العراق وتفريغه من كل كفاءاته واستهداف رجال الجهاد وعوائلهم، فهو الذي كان يشرف على تدريب وتهريب العصابات الطائفية التي استباحت كل حرمات العرب المسلمين في العراق، واغتيال علمائه وقادته وخبراء نهضته، حتى تصفيته في دمشق، وقبلها قاد المجموعة التي خطفت الطائرة الكويتية في نيسان عام 1988م القادمة من بانكوك وقتل بعض ركابها ثم وفرت له حكومة الجزائر ملاذا للهرب، وكان الدافع لتلك العملية إيرانيا خالصا.
فأي إله – سبحان الله لا إله غيره - هذا الذي يتسترون باسمه ويتحزبون له، وهم حرب عليه وعلى نبيه صلى الله عليه وسلم وآل بيته وأصحابه الذين قال فيهم سبحانه وتعالى: { لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(1).
وهل بعد غزو العراق يشك أحدٌ من العرب أن مجوس الفرس من العرب كانوا ولا زالوا يرددون: العرب أعداء الله؟ مع إن المراد هو أعداء الفرس، فهم أبعد البشر عن الله تعالى، ولو كانوا يملكون أدنى صلة بالله لما حرفوا كتابه الكريم، ففي كل شوارع بغداد علقوا لافتات كُتب عليها: (بسمك اللهم فتح من الله ونصر قريب) تحريفا للآية الكريمة: {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}(2).
وهل شهد التاريخ لفارسي أو عربي باع للفرس عقله منذ عام 14ه يوم تحولوا للإسلام مجبرين وأكثرهم حانقين حاقدين حتى يومنا هذا قاتل دفاعا عن الإسلام والعروبة، أو حرر أرضا للعرب أو المسلمين؟ سيعجز أمهر المزورين عن الإتيان بحادثة واحدة ولو كانت مزورة، فعلى العكس تماما كان الفرس ومتوليهم أسّ كل بلاء لحق بالعرب المسلمين، وبتقيتهم لم يتركوا مؤامرة سواء أكانت فكرية أو عسكرية أو اقتصادية أو اجتماعية حِيكت ضد أمتنا من أي طرف أو عدو إلا ساهموا فيها بكل قواهم ومكرهم وصلفهم.
ولعلنا نجد في وثيقة مستلة من سجلات الخارجية الفرنسية برقم 3547 في 15/4/1936م ما يؤكد لنا انسلاخ كل من انتسب لهذا التشيع الفارسي ووقع في حبائله من العرب، تضمنت هذه الوثيقة مذكرة تقدَّم بها سليمان الأسد، محمد سليمان الأحمد، محمد آغا حديد، عزيز آغا هواش، سليمان المرشد و محمد بك جنيد شيوخ التشيع الفارسي العلوي(النصيرية) في سوريا إلى رئيس وزراء فرنسا آنذاك ليون بلوم، تفوح من بين حروف كلماتها روائح المكر والخبث المجوسي والصهيوني والصليبي لتلوث الحقيقة وتخنق أنفاسها، فلتتمعن في كلماتها جيداً كي تكتشف بنفسك أساليب الذين يدعون العداء للصهيونية وكل الغزاة، وهم أحبُّ الأحباب إليهم، يوهمون العرب بأنهم المدافعين عن حقوق الشعب الفلسطيني وهم ألدُّ الخصام، فأحداث هذه الوثيقة ليست من الماضي السحيق ولا تلتبس حبائلها، لأنها من واقعنا المعاصر الذي تكابد الأمة تداعياته اليوم، وإليك نص الوثيقة:
"دولة ليون بلوم، رئيس الحكومة الفرنسية
إن الشعب العلوي الذي حافظ على استقلاله سنة فسنة بكثير من الغيرة والتضحيات الكبيرة في النفوس هو شعب يختلف في معتقداته الدينية وعاداته وتاريخه عن الشعب المسلم "السني" ولم يحدث في يوم من الأيام أن خضع لسلطة من التدخل، وإننا نلمس اليوم كيف أن مواطني دمشق يُرْغِمُون اليهود القاطنين بين ظهرانيهم على عدم إرسال المواد الغذائية لإخوانهم اليهود المنكوبين في فلسطين، وإن هؤلاء اليهود الطيبين الذين جاءوا إلى العرب المسلمين بالحضارة والسلام ونثروا على أرض فلسطين الذهب والرخاء ولم يوقعوا الأذى بأحد، ولم يأخذوا شيئاً بالقوة ومع ذلك أعلن المسلمون(السنيون) ضدهم الحرب المقدسة بالرغم من وجود انكلترا في فلسطين وفرنسا في سوريا، إنا نقدِّر نبل الشعور الذي يحملكم على الدفاع عن الشعب السوري ورغبته في تحقيق استقلاله، ولكن سوريا لا تزال بعيدة عن الهدف الشريف خاضعة لروح الإقطاعية الدينية للمسلمين (السنة) وكسر الشعب العلوي الذي مثله الموقعون على هذه المذكرة نستصرخ حكومة فرنسا ضماناً لحريته واستقلاله ويضع بين يديها مصيره ومستقبله، وهو واثق أنه لابد واجد لديهم سنداً قوياً لشعب علوي صديق قدم لفرنسا خدمات عظيمة"(3)
ولنا على هذه الوثيقة ثمانية عشر سؤلاً نتوجه بها إلى كل الذين خُدِعوا بالفرس وتشيعهم أن يجيبوا هم أو مرجعياتهم المجوسية على تسعة منها والأخرى لهم ترك إن استطاعوا، ووالله لن يستطيعوا أن يجيبوا على واحدٍ منها ولو كان الشيطان لهم ظهيرا. فإليكم الأسئلة:
س1: ما هي الخدمات العظيمة التي قدمتها طائفة هي تصف ضعف حالها لدولة غازية محتلة إن لم تكن الخيانة والتجسس وتسهيل الغزو ودعم الاحتلال والعمل على ترسيخ وجوده؟
س2: أليس هذا حقاً هو حال كل الذين تشيعوا للفرس منذ فجر الإسلام وحتى يومنا هذا؟
س3: أفي الأرض شعبٌ يتوسل غاصب أرضه أن لا يحزم أمتعته ويخرج منها إلا أن يكون منسلخاً من ولائه لها كلياً؟
س4: في أي زمن حقق الغزاة باحتلالهم لمن هم تحت أقدامهم حريةً واستقلالاً؟
س5: أي غازٍ رسم مستقبلاً لشعبٍ اغتصب أرضه تتوفر فيه أدنى أسباب العيش بكرامة؟
س6: أي مضلومية كاذبة زائفة هذه التي يدَّعونها في وسط العرب المسلمين وأسلافهم يحكمون سوريا اليوم - ابن أبرز الموقعين وزعيمهم سليمان الأسد حافظ الأسد وحفيده من بعده - ويسومون أهلها صنوف العذاب، ويحتمي بهم حسن نصر الله وحزبه الفارسي؟
س7: أما من سائل يسائلهم: كيف أنتم إذن تتربعون على أكتاف هذه الإقطاعية إن كانت تريد كسركم؟
س8: وأي نُبْل هذا الذي يدعونه لمحتل غازٍ لبلدهم؟ أم هي من باب التقية؟
س9: ومن يدفع الغزاة عن الشعب المحتلة أرضه إن لم يكونوا أهله؟
س10: وأي تاريخ هذا الذي يختلف فيه هؤلاء عن الأمة إلا أن يكون مليئاً بالخبث والأحقاد والتآمر واستجلاب الأعداء والغزاة الطامعين؟
س11: وأيهم المنكوب في فلسطين، اليهود الغزاة، الشراذم التي لفضتها الدول الأوربية للتخلص من شرورها فسهلت لها اغتصاب أرضٍ هي ليست لهم ولا يربطهم بها رابط، أم العرب أهل الأرض ونبتها؟
س12: وأي حضارة هذه التي جاء بها اليهود(الطيبون) وأي سلام إلا الكفر والفسوق والتفريق ومجازر الهاغانا وغيرها من عصابات الصهاينة التي مارست أبشع جرائم البشرية؟
س13: وأي سلام هذا الذي شرد شعب فلسطين العربي في كل أصقاع الأرض غربها وشرقها وحتى يومنا هذا؟
س14: وأي ذهب ورخاء هذا الذي جاء به اليهود إلا أن تكون حمم الحقد والعداء التي تحصد أرواح الأبرياء العُزَّل كل يوم على ثرى فلسطين من شيوخ ورجال ونساء وأطفال وحتى الأجنة في أرحام الأمهات؟
س15: وأي دينٍ دينكم هذا الذي يستهجن على العرب حقٌ أوجبه الله تعالى على من اغتُصِبَت أرضه؟
س16: وجهاد من إذن يُحِلُّ لكم دينكم إن لم يكن اليهود الصهاينة الغاصبين لأرضنا ومقدساتنا؟
س17: وأي دين هذا دينكم الذي يألم على الغزاة الصهاينة أن منع عنهم العرب إمدادات من أعوانهم يهود دمشق، يمتصونها بالسحت الحرام والربا من دماء العرب أنفسهم لتتحول إلى أدوات قتل وتدمير بيد الصهاينة على أرض فلسطين؟
س18: وأي ولاء هذا الذي يجعلكم تألمون من نُصرة العرب لإخوانهم في الدم والعقيدة المشردين من أرضهم وبيوتهم ومساجدهم ومزارعهم؟
ولتستغرب أيها العربي المسلم أو لا تستغرب فليس في استغرابك الحل، و لتختزي أيها المتشيع للفرس ولتدفن رأسك في التراب ولا تتمهل، فتلك من سجاياك، وأنتم لا تندبوا حظكم العاثر فذلك هو الفل.
الآن أيها العربي فلتعقل أسباب هتاف شيعة المجوس في شوارع وساحات بيروت يوم 2/6/1985م:" لا إله إلا الله العرب أعداء الله" الذي لا زال صداه يتكسر في مسامعكم حتى اليوم.
الآن أيها العربي فلتفهم مواقف حافظ الأسد مع موطن السوء والخبث إيران التشيع الصفوي الخميني ضد العرب والإسلام ومصالح الشعب السوري خلال معركة القادسية الثانية، معركة صدام حسين، وجعله لأرض سوريا مرتعا لجواسيس الصهيونية والامبريالية، ثم أردفهم بظهور الدبابات الأمريكية الغازية بعد أن أسمن بطونهم، ليكونوا أدوات القتل والنهب والتدمير منذ عام 2003م.
الآن أيها العربي المسلم فلتجد جواباً شافياً لسبب إهداء حافظ الأسد هضبة الجولان السورية بأرضها وأهلها وخيراتها للكيان الصهيوني (الطيب) بلا نزال أو قتال.
الآن فلتعي أيها العربي المسلم لِمَ كانت أرض سوريا العربية وكراً لجواسيس الغزاة الأمريكان والبريطانيين والصهاينة والفرس، حكام عراق الغزاة، ومنطلقاً للكثير من عمليات التخريب وترويع الموطنين في مدن العراق قبل الاحتلال، في سابقة جعلوا حدودهم مع العراق في سباق محموم مع حدود الفرس معه بتصدير الإجرام والتخريب وأدوات التجسس للغزاة.
الآن أيها العربي المسلم قد علمت أيُّ سببٍ كان وراء مجازر صبرا وشاتلا وبرج البراجنة وطرابلس.
الآن ستكتشف حقيقة الحلف الكبير بين الصهيونية والمجوسية والصليبية وأعراب الردَّة.
الآن بانت لك حقيقة حزب الله وأمل الفرس وبعث سوريا الذي ما شابه بعث العروبة والعراق بشيء.
الآن انكشفت خدعة الشيطان الأكبر خوميني رهبر.
ولا يقولن أحد إنَّ النصيرية غير الاثنى عشرية، فكلهم واحد، وفقيههم واحد، وأهدافهم واحدة، وما عليك بالعقائد التي يتسترون خلفها، فهي ليست إلا جسور يمرون عليها نحو غاياتهم التي لا يفصحون عنها مطلقا، يشهد بذلك التاريخ، فهم طالما اتهموا أصحابهم وتنكروا لهم، وحلف الأسد السوري والضبع الإيراني يشهد.
فيا لهفي على العروبة والإسلام كيف ضيعوهما، ويا حزني على بطلٍ جرَّد سيفه ليقطع رأس الصهيونية فاشرأب رأس المجوس يغرز أنياب سمه في قبضة يده، حتى إذا استدار ليقطعه تكالبت عليه الأعراب والصلبان واليهود والروم والعجم فنحروا به رأس العرب في فجر عيدهم الأغبر، فضاعت الآمال وطويت صفحات الأمجاد.
إن المشكلة الكبرى في وعي العرب، وبخاصة الذين لا يجدون غضاضة في تولي جيوب الفرس، إنهم لا يدركون حقيقة هذا العداء الفارسي وأهدافه، فهو لا يستهدف من العربي إلا عروبته، لذا كان سعي الفرس طيلة مراحل التاريخ كما يسعون اليوم بكل طاقاتهم لسلب العربي عروبته بخصائصها القيمية والأخلاقية وثوابت وعيها ومخزونها التاريخي، المتكون بفعل معاناة طويلة استمرت آلاف السنين، وهم أيضاً لا يستهدفون في العربي المسلم إلا إيمانه، الذي به اكتملت شخصيته الحضارية، والتي كانت ثمرة فريدة ومتميزة لكل عمليات التكليف الإلهي للبشر على أرضه قبل أن تكتمل بالبعثة المحمدية.
وهذا الذي يسعى إليه الفرس بكل وجوههم الكسروية المجوسية أو الصفوية المجوسية أو الخمينية الصفوية المجوسية، أخطر بكثير ممن يسعى لسلب العربي من عروبته، فالكائن وإن غُيِّب عن الوجود لن تغيب معه قيمه، فصدام حسين رحمه الله غيبه حلف الشرّ، لكنهم ما استطاعوا تغييب قيمه وثوابت وعيه وخزين فكره التاريخي وأثر فعله، وتلك والله خيبتهم الكبرى، فباستشهاده زاد عليها قيماً جديدة، هي إضافات منطقية تاريخية لابد منها، وصارت كلها خزيناً وحِراكاً تاريخياً حيوياً في وعي طلائع العرب والعراقيين، وحافزا ودافعاً مغرياً لمن يقف خلف الطلائع وقريباً منها، وامتدت وستمتد آثاره على الفعل اللاحق لاستشهاده، وإلى زمن بعيد، ولو حدث العكس من هذا، أو لو تحققت نوايا الفرس وأهدافهم فاستلبوا من المجاهد الشهيد صدام حسين عروبته، لبقي شاخصاً بكينونته المادية، مفرغاً – حاشاه – من قيم العروبة وخصالها وخزين وعيها، وبذلك كان سيكون أداة طيعة بيد الغزاة، يحقق لهم ما أمكنه من أهدافهم الشريرة، فالأمة باستشهاده خسرته مادياً كأحد قادتها العظام، لكنها في مقابل هذه الخسارة كان ربحها كبيرا، فقد ربحت نقاء قيمه وقيمها وخزين فكره، بشقيه المستقى والمنتقى من إرثه التاريخي، والمولد من تجربته الغنية في مسار حياته التاريخي بين خطي بدايته ونهايته المادية، وحفرته في ذاكرتها راسخا كعلامة ومثابة من مثابات عزّ الأمة في مسيرتها الطويلة بكل صفحاتها، بين نهضة وكبوة.
وهدف الفرس أيضاً أخطر بكثير ممن يسعى لسلب العربي المسلم من إيمانه، فلازال الإيمان باقياً، يتحراه طالبه، يطلبه فيهتدي إليه، لكن الإنسان الذي يريد الفرس سلب الإيمان منه، سيتحول عند ذاك إلى البهيمية في جانب منه، وإلى تولي الشيطان وجنده في جانبه الأخر، وحينها فقط سيتحول هذا الكائن إلى الشيطان بكلّ كفره ومكره وجحوده وخبثه، أخطر ما فيه أنه يحمل في ظاهره اسما وشكلا مختلفاً كل الاختلاف عن جوهره، ففي شكله واسمه سيبقى مسلماً، وسيؤدي من فرائض المسلم ويتبنى من عقائده ما يجعل الرائي لا يشك في إسلامه، بل قد تُرى في سلوكه وفكره صورة المؤمن، وحينها سيمسخ الإسلام من داخله وليس من خارجه، وهذا لأثره الكبير، فالمسلم حينما يريد الاحتجاج على النصارى أو اليهود تجده يبحث عن نصّ مسيحي أو يهودي ليثبت به حجته، فهو يعتقد أنها أدحض لحجة خصمه من النصوص التي في حوزته، وكذلك يفعل آهل السنة حينما يبحثون عن قول في الفقه الشيعي للرد على الشيعة والعكس صحيح كذلك.
واحتلال العراق كانت مصادره مختلفة، أمريكية بريطانية صليبية ويهودية صهيونية وفارسية صفوية مجوسية، لكنّ أدواته كانت في غالبها فارسية صفوية، وفي هذا الاختيار كان هناك هدف واضح جلي، يرتكز على الدور الفارسي الذي تحدثنا عنه قبل قليل، في مسار استهدافهم للعروبة والإسلام، حيث كانت كل مسميات الجواسيس والعملاء الذين توكأ عليهم الاحتلال في تدمير العراق، مسميات تتستر بأقنعة إسلامية؛ المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، الحزب الإسلامي، حزب الدعوة الإسلامية، حزب الله، ثأر الله، جيش المهدي، فيلق بدر، فيلق القدس، حزب الفضيلة، شهيد المحراب، وغيرها الكثير من الحوزات والمسميات التي لا تخرج عن هذا الإطار، لتوحي بشكلها أنها مكونات إسلامية، لكنها في حقيقتها كانت عصابات جريمة وأدوات احتلال بكل تفاصيلها، ناقضت في أفعالها كل ما في الإسلام من عقائد وحدود وأحكام، بل كانت حرباً على الإسلام وهجوماً على الإيمان بأبشع صوره، تولوا الكفر والكافرين وقد نهاهم الله عنه فكفروا كفراً صريحاً لا لبس فيه، وخرجوا في ظاهرهم من ملة الإسلام، مع إنهم في حقيقتهم كانوا خارجها منذ البدء، قتلوا النفس التي حرم الله بغير حقّ، نهبوا ممتلكات الناس وليست بغنيمة، خربوا وأتلفوا مصالحهم الخاصة والعامة، انتهكوا الحرمات ودنسوا شرف المحصنات، أشاعوا الفواحش بين الناس، كالزنا واللواط وتعاطي المخدرات والسرقة والنهب والسلب، جاهروا بشركهم في مسار تشويههم للإسلام ومسخهم لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، فأظهروا الرعاع الهمج على شاشات العمالة والجاسوسية الفضائية بلا حياء ولا وجل َيرْجُونَ من العِبَاد شفاء مرضاهم ورحمة موتاهم، وقد باعوا للصليبيين والصهاينة والفرس البلاد بلا ثمن.
ولا حاجة بنا للتذكير بنخوتهم لليهود بالقصاص من شباب الفلوجة وشيبها وأطفالها وحرائرها بعدما أحرقوا جثث أربعة من الصهاينة العاملين في بلاك ووتر وعلقوها على الجسر عام 2004م، ولسنا بحاجة للتذكير بجرائم التعذيب والاغتصاب في سجونهم، فبواعث الإيمان عندهم تقتضي اغتصاب كل إمام مسجد بعد نتف لحيته، والمزابل كانت محراب شهادة لكل مؤمن بالله جاهد الغزاة، وإن كان بلسانه، فتمكنوا من رقبته، تجاوزت أعدادهم المليون ونصف المليون.
وهذا كما رأينا مكمن الخطر، فحينما يسعى الفرس لسلب الإيمان من نفوس العرب المسلمين، فذلك ما سيكون حالهم لو نجحوا في سعيهم مع الذين يصطفون اليوم طوابير على جيوبهم، وعندها سيكون الحكام العرب برذائلهم وعمالتهم وطغيانهم أرحم بكثير من أن يستجير الهارب منهم بالفرس ودولاراتهم، وسيكون الفاعل منهم كالهارب من الرمضاء إلى جهنم، فلن تفضي جيوب الفرس إلا إلى جهنم، واليد التي تدخلها لا تخرج منها إلا بخزي الدنيا وعذاب الآخرة.
والفرس لا يتورعون في مسار مسلكهم هذا عن الإتيان بكل سلوك غريب أو محيّر، وإن كان العارف بنواياهم لا يُعجزه التفكير ليهتدي إلى حقيقة ذلك السلوك، فلأجل أهدافهم التي ذكرنا تجدهم يحاربون اليهود في جنوب لبنان، فيما يتدافعون معهم بالمناكب، حميم لحميم على تدمير العراق، فذاك يخدم هدفهم في مساره، وهذا يخدمه في مسارٍ أخر. يغدقون على فصائل فلسطينية، لا لتقاوم الغزاة الصهاينة بل لتقتتل مع فصائل أخرى، ترى أن حكام العرب يدعمونها، وفي ذلك مأرب في مسار الهدف الأساس. في سوريا يُرشى المواطن ليتشيع لهم، ثم يتحول فيما بعد إلى قدمٍ رغم أنفه يسيرون بها في فتنتهم ودسائسهم. في المغرب العربي لهم مسار مختلف، وفي مصر والسودان مسار أخر، والأردن واليمن والجزيرة العربية وإمارات الخليج العربي مسار غيره. ولا يخرج العربي عن دائرة اهتمامهم حتى خارج المحيط العربي، صحف وكتاب عرب مالت بهم الدنيا، فوجدوا ضالتهم في البعير الفارسي ذي السنامين، ولأجل شكر كرمه راحت أقلامها تعزف على أوتارهم العذبة بأصابع منعشة براحة الدولار، ولا ضير أن يدسّوا هنا وهناك مما يريد الفرس من تشويه لصورة العراق وقيادته التاريخية، فلم يعد في جعبة هذه القيادة ما تُغري هذه الأقلام والصحف وغيرها من وسائل الإعلام بشيء منها، وعلى الساحة غير ما ذكرنا الكثير، كلها تصب في مجرى سعيهم القديم الجديد المتواصل من أجل فارسيتهم ومجوسيتها، ولا شيء غيرهما على الإطلاق، والغريب في كل هذا حقاً أن كل هذا الكرم الفارسي الباذخ على هذا وذاك، ممن يُسخرون في مسار مسخهم قبل غيرهم، ما هو إلا أموال عربية خالصة، فهي موارد نفط إقليم الأحواز العربي المحتل من قبل الفرس منذ عام 1925م، ولا تومان يأتي من غير هذا السبيل، فهل يصحّ القول على العرب، أنهم يخربون بيوتهم بأيديهم وبأموالهم؟
تتضح هذه النوايا دفعة واحدة في تصريح لحسن فيروز آبادي رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية بتاريخ 10/9/2009م خلال حفل توديع واستقبال وزيري الدفاع السابق واللاحق الإيرانيين في حكومة نجاد، حيث يقول: " إن دعم القضية الفلسطينية بالرغم من التكلفة السياسية والدعائية والمالية لا يشكل أمراً عبثياً ومكلفاً لنا ولم يُفرض علينا، بل انه يُعَدُّ ضرباً من الاستثمار لتحقيق مصالح إقليمية ودولية لنا...إن هذا الموقف من ناحية أخرى يضمن الأمن والمصلحة القوميين لبلادنا...إن دعمنا لحركات التحرر يدخل في صلب حماية الأمن القومي الإيراني ويزيد من قوتنا الإقليمية، وهو في سياق ما ننفقه للحفاظ على أمننا القومي واتساع رقعة قوتنا في المنطقة" فما هي المصلحة القومية الإيرانية التي يستثمر الفرس لها زمراً من أعراب العرب وأهل الردَّة فيهم هنا وهناك وينفقون عليهم في سبيلها المليارات رغم جوع الشعوب الإيرانية المغلوبة على أمرها، جواب ذلك سنجده واضحاً جلياً لا لبس فيه بالتصريح الذي أدلى به علي سعيدي ممثل الولي الفقيه المرشد الأعلى للفرس علي خامنئي في الحرس الثوري الخميني، الذي طالب " بضرورة إحداث تغييرات واسعة في البلدان المجاورة لإيران تمهيداً لظهور المهدي المنتظر" والمنتظر هذا لا يخرج كما قد علمنا إلا بإشاعة الفساد والإفساد.
هذا باختصار شديد جوهر الفكر الفارسي بكل مراحله المجوسية منها و الصفوية و الخمينية، حربٌ ماكرة على العربي لاستلاب جوهر إيمانه، وفي سبيلها حربٌ أخرى متداخلة لاستلاب عروبته منه، ذلك لأن العروبة حينما تسلحت بالإسلام، امتلكت القدرة والقوة التي أرعبت الفرس ومزقت ملكهم وأطفأت نار مجوسيتهم، التي يفخرون بذكرى لهيبها حتى اللحظة، ففي كل عام تحتفل عمائم شياطينهم بالنوروز وعيد النور وتأكل زردته بنهم شديد، فزرادشت يعيش في فكرهم ولا يبرح عقولهم، واستعادت تعاليمه هدفهم، وليس ادعاء الحب والولاء لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وبرأهم من شرهم، إلا المركب الذي يبحرون على ألواحه من أجل الوصول لغايتهم الكافرة في إحياء كسرويتهم التي أماتها الله.
وما أيقنوا أن الله تعالى قد قطع عليهم كما الروم أن يملكوا أرض العرب بعد هزيمتهما في عامي 13و14ه بمعركتي اليرموك والقادسية وما تلاهما من معارك تحرير وتطهير لأرض العرب في العراق والشام، وقد نبأنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ورد في الصحيحين: " إذا هَلَكَ كِسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده لَتُنْفِقُنَّ كنوزهما في سبيل الله عزَّ وجل"(4) وقد هلكا وأنفقت كنوزهما في سبيل الله، فهل من مردٍّ بعد هذا وقد أقسم رسول الله ومن لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم؟
﴿ الجزء الحادي عشر ﴾
شبكة المنصور
حــديـد الـعـربي
الفصل الثالث
التهلكة الفارسية
لم تكن مواقف حكام إيران بتعصبهم لقوميتهم تعصباً عنصرياً شعوبيا، والسالكين في سبيله شتى الطرق والأساليب والأفكار المريضة، والماسخين لأجلها مذهب التشيع لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، والمحرفين والمشوهين لعقيدة الإسلام وقيم العرب المسلمين ومبادئهم، سعياً منهم لاستعادة أمجاد قوميتهم الفارسية التي اندثر عزها وذهبت سطوتها عام 14ه بمعركة القادسية، هي الجاذب لبعض العرب، خصوصاً الذين يقع عليهم أثر سياسات الحكام العرب بشكل مباشر، ومنهم بعض المنظمات الفلسطينية وغير الفلسطينية، فهي على العكس تماماً، لأنها عناصر طرد وتنافر، فكرا وسياسة وثقافة وسلوك.
فالسبب الحقيقي وراء سعي بعض الأفراد وبعض التنظيمات الحزبية والكيانات الثقافية، المغررين ببديل خادع ووهمي، هو حالة الخور والخنوع والسلبية التي سيطرت على سلوك الأنظمة العربية وسياساتها القاصرة عن تلبية احتياجات الأمة وحل قضاياها المصيرية، وما تخلفه هذه السلوكيات والسياسات من إحباط وانحراف في الفكر والسلوك المقابل، والتشبث بأوهام في مسار الهروب من هذا الواقع المؤلم، فبعض المنظمات الجهادية الفلسطينية، والكيانات السياسية والثقافية والإعلامية العربية، حينما كانت تجد في العراق قبل الاحتلال وفي قيادته داعماً وسنداً وعوناً، ما كانت لتلتفت إلى النظام الفارسي، ولا تخطب وده، لكنه الغياب الكبير، الذي ترك فراغاً هائلاً بعد نيسان 2003م، والحالة المأساوية الكئيبة من الضياع الفكري والسياسي والأخلاقي والقيمي، ما كانت الأنظمة العربية قادرة على سده، حتى بنسبة متواضعة، وكيف تسده وهي التي ساهمت بكل قواها وطاقاتها بعملية تغييب العراق وقيادته المؤمنة بالله وبرسالة نبيه وسعت للنهوض بها مجددا بعد طول غياب؟ ولقد كانت دوافع بعض الأنظمة العربية في تعضيد حملة الغزو، ليس انصياعاً وخضوعاً لرغبات أسيادهم الطغاة المتجبرين وأولياء نعمة كراسيهم وحسب، إنما كان أيضا بدوافع رغباتهم في التخلص من قيادة العراق، التي كانت بالتزامها الكامل بحقوق الأمة والدفاع عنها بإصرار وإخلاص تشكل خطراً على أنظمتهم أمام وعي أبناء الأمة وسعيهم للتغيير الإيجابي، ما كان بإمكان هذه المنظمات العيش والقدرة على المواصلة في ظل هذه الأنظمة، فكان لابد لها من البحث عمن تعيش في كنفه ودعمه المادي، مهما كانت أغراضه وأهدافه ونواياه من وراء ذلك الدعم، ودون الالتفات إلى ما سيخلفه هذا الدعم من جهة معروفة في فكرها الشعوبي وسياساتها الماكرة الخبيثة وعدائها السافر للعروبة والإسلام، على مستقبلهم ومستقبل أمتهم وعقيدتهم.
وفي عودة إلى الوراء قليلا سنجد أن هذه هي كل حقيقة الفرس والمتولين لهم ممن كانوا عربا، فشوارع بيروت الغربية تختزن في ذاكرة حصاها وأحجار بيوتها وأسواقها صدى صيحات توالت خلال ساعات نهار يوم 2 حزيران من عام 1985م، وتوالت تتردد ولا من سامعٍ أو مجيب أو متنبه أو متعظ.
في ذلك اليوم طافت هذه الشوارع مسيرات لعناصر منظمة أمل الذين صار أغلبهم فيما بعد قادة وقواعد لحزب (الله) الخميني الفارسي في لبنان.
في ذلك اليوم اكتملت فصول مجزرة مخيم صبرا الفلسطيني، فاحتفل الجزارون بنصرهم يطوفون شوارع بيروت فرحين مستبشرين وأيديهم ملطخة بدماء المشردين من شعب فلسطين بنصرهم المظفر بعد 12 يوم من المجازر.
في أول ليلة من ليالي شهر رمضان عام 1405ه الموافق 20/5/1985م، وبتوقيت له من الدلالات والإشارات الكثير الكثير، لكن العرب كانوا عنها غافلين، والحكام أغفل منهم، أو لا يغفلون ولكن يعجزون، أو لا يغفلون ويكتمون فهم أكثر خوفا من الفرس من صحوة العرب إذا تسلحوا بقيم الإسلام ومبادئه، في تلك الليلة انطلقت جحافل أمل أو حزب الله بدعم وإسناد من الجيش النصيري الذي أرضعه الحاكم السوري غلّ المجوسية الصفوية جرعات، وبإسلوب جديد في استقبال شهر الصيام المبارك لتفتك بالمشردين من شعب فلسطين في مخيمات برج البراجنة وصبرا وشاتلا، رجال ونساء، شيب وشباب، أطفال وأجنة في أرحام الأمهات، لا تستثني منهم أحد، مستوحين لأفعالهم ما يبررها من فكر ومنهج وسياسة مؤسس حركتهم أو حزبهم الفارسي موسى الصدر الطباطبائي الفارسي الحاصل على الجنسية العربية اللبنانية منذ أعوام، فحققوا نصرا باهرا على أبناء فلسطين المشردين من أرضهم وديارهم ليشردوهم بعيدا عن حدود فلسطين، لكي لا تنال بنادقهم صدور الصهاينة الغاصبين لأرضهم.
احتفلوا بإزهاق أرواح أكثر من ثلاثة آلاف فلسطيني، وهدموا أكثر من 90% من ملاذ غربتهم وتشردهم، وذبحوا جرحاهم حتى في المستشفيات ذبح الخراف، جزاً من الأعناق، واغتصبوا أكثر من 25 فتات فلسطينية من مخيم صبرا أمام أنظار أهاليهن، وشردوا أكثر من 40 آلف مشرد فلسطيني من سكان هذه المخيمات، كان كل ذنبهم أنهم جاهدوا العدو المغتصب لأرضهم ومقدساتهم.
في هذه المسيرات أطلق المنتصرون صيحات كانت كافية تماما ليفيق العرب من غفوتهم وغفلتهم على قرع طبولها الفارسية المجوسية الخمينية، فقد كان هتافهم " لا إله إلا الله العرب أعداء الله " لكنهم لم يفعلوا، على الرغم من أن أغلب صحفهم ووسائل إعلامهم الرسمية وغير الرسمية تناقلت الخبر بنصه في اليوم التالي.
تلك الصيحة الفارسية الخمينية التي نفذت إلى كل أسماع العرب، حكاما ومحكومين، لكنها – وهذا من فرط العجب – تركت أثرها في عقولهم ولم تحفزها، وأوجبت رد فعلهم لكنهم لم يفعلوا، وفرضت عليهم إعادة تشكيل مفردات وعيهم من جديد فلم يعوا، على الرغم من أن قيادة العراق آنذاك نبهت العرب وحذرتهم مرارا وتكرارا من خطورة هذه الهجمة الفارسية الشعوبية المجوسية الجديدة على العرب والإسلام، ومدى تأثيرها على مصير الأمة والإسلام لو كُتِب لريحها الصفراء أن تخالط الهواء الذي يستنشقه العرب.
في ذلك اليوم تعالت صيحات الفرس الحاقدين على العروبة والإسلام بلسانٍ عربيٍ وفي شوارع العرب، مفصحين عن كل أحقاد التاريخ على العرب الذين أضاعوا مجد كسرويتهم ومزقوا أوصال إمبراطوريتهم.
ولم يفعل العرب شيئاً حيال ذلك الناقوس الذي دق في عقر دارهم بالشؤم والصلف الفارسي، بوجه عربي وثوب إسلامي، وها قد نفذ المجوس إلى كل ديار العرب بريحهم الصفراء الهادفة قبل كل شيء وبعد كل شيء إلى إضعاف العرب وتمزيق أوصالهم وبعثرة صفوفهم، مستخدمين في سبيل ذلك الإسلام وسيلة وغاية.
لقد نجح الفرس واليهود في تحقيق أهم ما كانوا يسعون لتحقيقه، أنهم حرفوا الإسلام الذي توحد به العرب فسادوا الدنيا وأذلوا رقاب المتجبرين وأنقذوا شعوب الأرض من الضلال والجهالة، فجعلوا منه أساساً لفرقة العرب وتشرذمهم ليسهل عليهم استئصال شأفتهم.
فمتى كان حسن نصر الله حريصا على العروبة وشعب فلسطين والإسلام، وهو أحد قادة حركة أمل الفارسية التي ذبحت الشعب العربي الفلسطيني المسلم، وعضو مكتبها السياسي عام 1982م وهتفت بذلك النفس الشعوبي الحاقد على الأمة.
وليس للأسماء في أحكام التقية الفارسية دلالات ثابتة وحقيقية في أغلب الأحوال، لذلك كانت المتطلبات السياسية للأهداف الفارسية الخمينية تقتضي أن تنشطر الخلية الفارسية إلى شطرين، فأسس حسين الموسوي، وهو نائب رئيس حركة أمل نبيه بري منظمة أمل الإسلامية التي تحولت فيما بعد إلى حزب الله، وكلاهما يدين بالولاء للخميني والفرس، ويجاهر بالعداء للعرب ودينهم، وقد تحول أغلب قتلة الفلسطينيين في مخيمات برج البراجنة وصبرا وشاتلا إلى حزب الله، ليظهروا بوجه كأنه مغاير لوجههم السابق، على إنهم سند الشعب الفلسطيني وعونه، لكن التاريخ لا تخدعه المسميات ولا تُغيّب حقائقه بالتقية والنفاق والتدليس.
فحسن نصر الله وحزبه لم يكونوا نجوما ولن يكونوا كذلك حقيقة، لكنهم أجادوا تقمص الشخصية المخالفة صورتها عن صورة واقع الأنظمة العربية، فأبهرت بعض المفجوعين بحكامهم، ولا أكثر من هذا، فهو وحزبه ومراجعه الفرس لا يملكون أكثر مما يملك حكام سوريا، ولم يستطيعوا تحريك بيدق صهيوني واحد من أرض الجولان، لكنه الدعم الصهيوني للنفوذ الفارسي على أرض العرب هو الذي رسم فصول (تحرير جنوب لبنان)، فجنوب لبنان لم يحرر من الصهاينة بل حُرر من المقاومة الفلسطينية لصالح أمن الصهاينة.
وقد يكون لتسمية حزب الله دلالة واضحة على تمكين الزمرة الخمينية من إحكام السيطرة على السلطة في إيران بالمسرحية المعروفة عام 1979م، والتي كانت من متطلبات مشروع بريجنسكي لتطويق الاتحاد السوفيتي السابق، فقد أصبحت الآمال الفارسية المجوسية واقعا على الأرض بعد أن مكنت دوائر المخابرات الغربية والصهيونية زمرة الخميني من القضاء على كل منافسيه والقوى التي كانت تقود انتفاضة الشعوب الإيرانية ضد فساد حكومة الشاه محمد رضا بهلوي، لأنها كانت في ثقلها الأساسي قوى يسارية تميل للإتحاد السوفيتي ولا تخدم نوايا الغرب.
ولأن أغلب العرب وبفعل عمالة حكامهم وتبعيتهم كانوا يضعون في آذانهم قطناً، يمنعون أنفسهم أن تستجيب لصيحات العراق فيهم، لينهضوا فيذودوا عن أمتهم ودينهم وأوطانهم من شر الفرس الذي أراد الغرب الصليبي والصهيونية له أن يكون سلاحا فاعلا في تحطيم الأمة بعد أن وجدوا في الخمينية حالة تستحق الرعاية والدعم، لأنها تأتي العرب في مقاتلهم، فهي تجعل من الإسلام الخميني قوة فاعلة في تمزيق العرب وليس المساعدة على توحيدهم، وهذا ما أراد اليهود تحقيقه منذ عهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وحتى اليوم ولم يفلحوا من قبل كما أفلحوا اليوم بفضل الإسلام المجوسي، فقد فسحوا المجال واسعا للسرطان الفارسي ليسري في جسد أمتهم من لبنان وسوريا حتى الخليج العربي والمغرب العربي ومصر والسودان واليمن، بعد أن حلت بهم الطامة الكبرى، يوم ضحوا بالعراق، الذي كان سداً منيعاً أمام هذا السرطان اللعين، وما كان لأحد غيره أن يكافح هذا السرطان ويقضي عليه، ولن يكون.
الأحزاب الفارسية المجوسية بكل مسمياتها على أرض العرب لن تكون إلا سرطان أو طاعون في جسد الأمة مهما زوروا وكذبوا أو نافقوا أو صوروا أنفسهم بغير حقيقتهم، فليس لوجودهم إلا هدف واحد يبغيه الفرس، ولن لينالوا منهم تومانا - التومان عملة نقدية فارسية وهي مفردة مغولية في أصلها تعبر عن حقيقة حلف كان هدفه الإسلام والعرب فهو يعني عشرة آلاف يطلق على تشكيلات الجيوش المغولية التي اجتاحت دولة العرب الإسلامية ودمرت عاصمتها بغداد عام 656ه - أو دولارا واحدا إلا في سبيل ما يريدون منهم تنفيذه، وهدفهم واضح جلي، تمزيق وحدة العرب وإضعافهم ليتسنى لهم ابتلاعهم قطرا بعد آخر، ووسيلتهم في ذلك هو الإسلام ولا سواه، فهم أدركوا تماما منذ معركة القادسية الأولى عام 14ه أن العرب بالإسلام تحولوا من أتباع أذلاء إلى سادة أجلاء، ولن ينالوا منهم إلا بمسخ الإسلام وتشويهه وتحويله من عنصر توحيد إلى عامل تمزيق وتناحر، وفي الفكر الصفوي وريث السبئية كل ما يبغون.
والأدلة كثيرة وعديدة، فهذه الأحزاب الصفوية تُرسم سياساتها في طهران، ووفقا لمتطلبات السياسة القومية الإيرانية، فهي بحكم مواثيق تأسيسها تتوحد على الولاء والتبعية لدولة الفرس وولاية الفقيه الفارسي، وتنفذ على أرض العرب، وتمويلها فارسي بالكامل، فحزب الله في لبنان يدعي العداء للصهيونية، يقاتلها بسلاح إيراني ليس من أجل فلسطين والعرب بل من أجل إرهاب العرب بقوة الفرس ثم ليثبت أقدامه بينهم، أما في العراق فأحزاب الإسلام الفارسي كثيرة، مهماتها في خدمة المحتل الأمريكي والصهيوني كبيرة ومخلصة، فهي بمجموعها لا تتعدى أن تكون حفنة من الجواسيس للصهيونية ذاتها التي يقاتلها حميمهم في لبنان، وكذا في السودان واليمن وغيرهما من الأقطار العربية، ولم يكن عماد مغنية إلا منفذا في جوقة الجواسيس المأجورين للمخطط الصهيوني الصليبي في تمزيق العراق وتفريغه من كل كفاءاته واستهداف رجال الجهاد وعوائلهم، فهو الذي كان يشرف على تدريب وتهريب العصابات الطائفية التي استباحت كل حرمات العرب المسلمين في العراق، واغتيال علمائه وقادته وخبراء نهضته، حتى تصفيته في دمشق، وقبلها قاد المجموعة التي خطفت الطائرة الكويتية في نيسان عام 1988م القادمة من بانكوك وقتل بعض ركابها ثم وفرت له حكومة الجزائر ملاذا للهرب، وكان الدافع لتلك العملية إيرانيا خالصا.
فأي إله – سبحان الله لا إله غيره - هذا الذي يتسترون باسمه ويتحزبون له، وهم حرب عليه وعلى نبيه صلى الله عليه وسلم وآل بيته وأصحابه الذين قال فيهم سبحانه وتعالى: { لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(1).
وهل بعد غزو العراق يشك أحدٌ من العرب أن مجوس الفرس من العرب كانوا ولا زالوا يرددون: العرب أعداء الله؟ مع إن المراد هو أعداء الفرس، فهم أبعد البشر عن الله تعالى، ولو كانوا يملكون أدنى صلة بالله لما حرفوا كتابه الكريم، ففي كل شوارع بغداد علقوا لافتات كُتب عليها: (بسمك اللهم فتح من الله ونصر قريب) تحريفا للآية الكريمة: {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}(2).
وهل شهد التاريخ لفارسي أو عربي باع للفرس عقله منذ عام 14ه يوم تحولوا للإسلام مجبرين وأكثرهم حانقين حاقدين حتى يومنا هذا قاتل دفاعا عن الإسلام والعروبة، أو حرر أرضا للعرب أو المسلمين؟ سيعجز أمهر المزورين عن الإتيان بحادثة واحدة ولو كانت مزورة، فعلى العكس تماما كان الفرس ومتوليهم أسّ كل بلاء لحق بالعرب المسلمين، وبتقيتهم لم يتركوا مؤامرة سواء أكانت فكرية أو عسكرية أو اقتصادية أو اجتماعية حِيكت ضد أمتنا من أي طرف أو عدو إلا ساهموا فيها بكل قواهم ومكرهم وصلفهم.
ولعلنا نجد في وثيقة مستلة من سجلات الخارجية الفرنسية برقم 3547 في 15/4/1936م ما يؤكد لنا انسلاخ كل من انتسب لهذا التشيع الفارسي ووقع في حبائله من العرب، تضمنت هذه الوثيقة مذكرة تقدَّم بها سليمان الأسد، محمد سليمان الأحمد، محمد آغا حديد، عزيز آغا هواش، سليمان المرشد و محمد بك جنيد شيوخ التشيع الفارسي العلوي(النصيرية) في سوريا إلى رئيس وزراء فرنسا آنذاك ليون بلوم، تفوح من بين حروف كلماتها روائح المكر والخبث المجوسي والصهيوني والصليبي لتلوث الحقيقة وتخنق أنفاسها، فلتتمعن في كلماتها جيداً كي تكتشف بنفسك أساليب الذين يدعون العداء للصهيونية وكل الغزاة، وهم أحبُّ الأحباب إليهم، يوهمون العرب بأنهم المدافعين عن حقوق الشعب الفلسطيني وهم ألدُّ الخصام، فأحداث هذه الوثيقة ليست من الماضي السحيق ولا تلتبس حبائلها، لأنها من واقعنا المعاصر الذي تكابد الأمة تداعياته اليوم، وإليك نص الوثيقة:
"دولة ليون بلوم، رئيس الحكومة الفرنسية
إن الشعب العلوي الذي حافظ على استقلاله سنة فسنة بكثير من الغيرة والتضحيات الكبيرة في النفوس هو شعب يختلف في معتقداته الدينية وعاداته وتاريخه عن الشعب المسلم "السني" ولم يحدث في يوم من الأيام أن خضع لسلطة من التدخل، وإننا نلمس اليوم كيف أن مواطني دمشق يُرْغِمُون اليهود القاطنين بين ظهرانيهم على عدم إرسال المواد الغذائية لإخوانهم اليهود المنكوبين في فلسطين، وإن هؤلاء اليهود الطيبين الذين جاءوا إلى العرب المسلمين بالحضارة والسلام ونثروا على أرض فلسطين الذهب والرخاء ولم يوقعوا الأذى بأحد، ولم يأخذوا شيئاً بالقوة ومع ذلك أعلن المسلمون(السنيون) ضدهم الحرب المقدسة بالرغم من وجود انكلترا في فلسطين وفرنسا في سوريا، إنا نقدِّر نبل الشعور الذي يحملكم على الدفاع عن الشعب السوري ورغبته في تحقيق استقلاله، ولكن سوريا لا تزال بعيدة عن الهدف الشريف خاضعة لروح الإقطاعية الدينية للمسلمين (السنة) وكسر الشعب العلوي الذي مثله الموقعون على هذه المذكرة نستصرخ حكومة فرنسا ضماناً لحريته واستقلاله ويضع بين يديها مصيره ومستقبله، وهو واثق أنه لابد واجد لديهم سنداً قوياً لشعب علوي صديق قدم لفرنسا خدمات عظيمة"(3)
ولنا على هذه الوثيقة ثمانية عشر سؤلاً نتوجه بها إلى كل الذين خُدِعوا بالفرس وتشيعهم أن يجيبوا هم أو مرجعياتهم المجوسية على تسعة منها والأخرى لهم ترك إن استطاعوا، ووالله لن يستطيعوا أن يجيبوا على واحدٍ منها ولو كان الشيطان لهم ظهيرا. فإليكم الأسئلة:
س1: ما هي الخدمات العظيمة التي قدمتها طائفة هي تصف ضعف حالها لدولة غازية محتلة إن لم تكن الخيانة والتجسس وتسهيل الغزو ودعم الاحتلال والعمل على ترسيخ وجوده؟
س2: أليس هذا حقاً هو حال كل الذين تشيعوا للفرس منذ فجر الإسلام وحتى يومنا هذا؟
س3: أفي الأرض شعبٌ يتوسل غاصب أرضه أن لا يحزم أمتعته ويخرج منها إلا أن يكون منسلخاً من ولائه لها كلياً؟
س4: في أي زمن حقق الغزاة باحتلالهم لمن هم تحت أقدامهم حريةً واستقلالاً؟
س5: أي غازٍ رسم مستقبلاً لشعبٍ اغتصب أرضه تتوفر فيه أدنى أسباب العيش بكرامة؟
س6: أي مضلومية كاذبة زائفة هذه التي يدَّعونها في وسط العرب المسلمين وأسلافهم يحكمون سوريا اليوم - ابن أبرز الموقعين وزعيمهم سليمان الأسد حافظ الأسد وحفيده من بعده - ويسومون أهلها صنوف العذاب، ويحتمي بهم حسن نصر الله وحزبه الفارسي؟
س7: أما من سائل يسائلهم: كيف أنتم إذن تتربعون على أكتاف هذه الإقطاعية إن كانت تريد كسركم؟
س8: وأي نُبْل هذا الذي يدعونه لمحتل غازٍ لبلدهم؟ أم هي من باب التقية؟
س9: ومن يدفع الغزاة عن الشعب المحتلة أرضه إن لم يكونوا أهله؟
س10: وأي تاريخ هذا الذي يختلف فيه هؤلاء عن الأمة إلا أن يكون مليئاً بالخبث والأحقاد والتآمر واستجلاب الأعداء والغزاة الطامعين؟
س11: وأيهم المنكوب في فلسطين، اليهود الغزاة، الشراذم التي لفضتها الدول الأوربية للتخلص من شرورها فسهلت لها اغتصاب أرضٍ هي ليست لهم ولا يربطهم بها رابط، أم العرب أهل الأرض ونبتها؟
س12: وأي حضارة هذه التي جاء بها اليهود(الطيبون) وأي سلام إلا الكفر والفسوق والتفريق ومجازر الهاغانا وغيرها من عصابات الصهاينة التي مارست أبشع جرائم البشرية؟
س13: وأي سلام هذا الذي شرد شعب فلسطين العربي في كل أصقاع الأرض غربها وشرقها وحتى يومنا هذا؟
س14: وأي ذهب ورخاء هذا الذي جاء به اليهود إلا أن تكون حمم الحقد والعداء التي تحصد أرواح الأبرياء العُزَّل كل يوم على ثرى فلسطين من شيوخ ورجال ونساء وأطفال وحتى الأجنة في أرحام الأمهات؟
س15: وأي دينٍ دينكم هذا الذي يستهجن على العرب حقٌ أوجبه الله تعالى على من اغتُصِبَت أرضه؟
س16: وجهاد من إذن يُحِلُّ لكم دينكم إن لم يكن اليهود الصهاينة الغاصبين لأرضنا ومقدساتنا؟
س17: وأي دين هذا دينكم الذي يألم على الغزاة الصهاينة أن منع عنهم العرب إمدادات من أعوانهم يهود دمشق، يمتصونها بالسحت الحرام والربا من دماء العرب أنفسهم لتتحول إلى أدوات قتل وتدمير بيد الصهاينة على أرض فلسطين؟
س18: وأي ولاء هذا الذي يجعلكم تألمون من نُصرة العرب لإخوانهم في الدم والعقيدة المشردين من أرضهم وبيوتهم ومساجدهم ومزارعهم؟
ولتستغرب أيها العربي المسلم أو لا تستغرب فليس في استغرابك الحل، و لتختزي أيها المتشيع للفرس ولتدفن رأسك في التراب ولا تتمهل، فتلك من سجاياك، وأنتم لا تندبوا حظكم العاثر فذلك هو الفل.
الآن أيها العربي فلتعقل أسباب هتاف شيعة المجوس في شوارع وساحات بيروت يوم 2/6/1985م:" لا إله إلا الله العرب أعداء الله" الذي لا زال صداه يتكسر في مسامعكم حتى اليوم.
الآن أيها العربي فلتفهم مواقف حافظ الأسد مع موطن السوء والخبث إيران التشيع الصفوي الخميني ضد العرب والإسلام ومصالح الشعب السوري خلال معركة القادسية الثانية، معركة صدام حسين، وجعله لأرض سوريا مرتعا لجواسيس الصهيونية والامبريالية، ثم أردفهم بظهور الدبابات الأمريكية الغازية بعد أن أسمن بطونهم، ليكونوا أدوات القتل والنهب والتدمير منذ عام 2003م.
الآن أيها العربي المسلم فلتجد جواباً شافياً لسبب إهداء حافظ الأسد هضبة الجولان السورية بأرضها وأهلها وخيراتها للكيان الصهيوني (الطيب) بلا نزال أو قتال.
الآن فلتعي أيها العربي المسلم لِمَ كانت أرض سوريا العربية وكراً لجواسيس الغزاة الأمريكان والبريطانيين والصهاينة والفرس، حكام عراق الغزاة، ومنطلقاً للكثير من عمليات التخريب وترويع الموطنين في مدن العراق قبل الاحتلال، في سابقة جعلوا حدودهم مع العراق في سباق محموم مع حدود الفرس معه بتصدير الإجرام والتخريب وأدوات التجسس للغزاة.
الآن أيها العربي المسلم قد علمت أيُّ سببٍ كان وراء مجازر صبرا وشاتلا وبرج البراجنة وطرابلس.
الآن ستكتشف حقيقة الحلف الكبير بين الصهيونية والمجوسية والصليبية وأعراب الردَّة.
الآن بانت لك حقيقة حزب الله وأمل الفرس وبعث سوريا الذي ما شابه بعث العروبة والعراق بشيء.
الآن انكشفت خدعة الشيطان الأكبر خوميني رهبر.
ولا يقولن أحد إنَّ النصيرية غير الاثنى عشرية، فكلهم واحد، وفقيههم واحد، وأهدافهم واحدة، وما عليك بالعقائد التي يتسترون خلفها، فهي ليست إلا جسور يمرون عليها نحو غاياتهم التي لا يفصحون عنها مطلقا، يشهد بذلك التاريخ، فهم طالما اتهموا أصحابهم وتنكروا لهم، وحلف الأسد السوري والضبع الإيراني يشهد.
فيا لهفي على العروبة والإسلام كيف ضيعوهما، ويا حزني على بطلٍ جرَّد سيفه ليقطع رأس الصهيونية فاشرأب رأس المجوس يغرز أنياب سمه في قبضة يده، حتى إذا استدار ليقطعه تكالبت عليه الأعراب والصلبان واليهود والروم والعجم فنحروا به رأس العرب في فجر عيدهم الأغبر، فضاعت الآمال وطويت صفحات الأمجاد.
إن المشكلة الكبرى في وعي العرب، وبخاصة الذين لا يجدون غضاضة في تولي جيوب الفرس، إنهم لا يدركون حقيقة هذا العداء الفارسي وأهدافه، فهو لا يستهدف من العربي إلا عروبته، لذا كان سعي الفرس طيلة مراحل التاريخ كما يسعون اليوم بكل طاقاتهم لسلب العربي عروبته بخصائصها القيمية والأخلاقية وثوابت وعيها ومخزونها التاريخي، المتكون بفعل معاناة طويلة استمرت آلاف السنين، وهم أيضاً لا يستهدفون في العربي المسلم إلا إيمانه، الذي به اكتملت شخصيته الحضارية، والتي كانت ثمرة فريدة ومتميزة لكل عمليات التكليف الإلهي للبشر على أرضه قبل أن تكتمل بالبعثة المحمدية.
وهذا الذي يسعى إليه الفرس بكل وجوههم الكسروية المجوسية أو الصفوية المجوسية أو الخمينية الصفوية المجوسية، أخطر بكثير ممن يسعى لسلب العربي من عروبته، فالكائن وإن غُيِّب عن الوجود لن تغيب معه قيمه، فصدام حسين رحمه الله غيبه حلف الشرّ، لكنهم ما استطاعوا تغييب قيمه وثوابت وعيه وخزين فكره التاريخي وأثر فعله، وتلك والله خيبتهم الكبرى، فباستشهاده زاد عليها قيماً جديدة، هي إضافات منطقية تاريخية لابد منها، وصارت كلها خزيناً وحِراكاً تاريخياً حيوياً في وعي طلائع العرب والعراقيين، وحافزا ودافعاً مغرياً لمن يقف خلف الطلائع وقريباً منها، وامتدت وستمتد آثاره على الفعل اللاحق لاستشهاده، وإلى زمن بعيد، ولو حدث العكس من هذا، أو لو تحققت نوايا الفرس وأهدافهم فاستلبوا من المجاهد الشهيد صدام حسين عروبته، لبقي شاخصاً بكينونته المادية، مفرغاً – حاشاه – من قيم العروبة وخصالها وخزين وعيها، وبذلك كان سيكون أداة طيعة بيد الغزاة، يحقق لهم ما أمكنه من أهدافهم الشريرة، فالأمة باستشهاده خسرته مادياً كأحد قادتها العظام، لكنها في مقابل هذه الخسارة كان ربحها كبيرا، فقد ربحت نقاء قيمه وقيمها وخزين فكره، بشقيه المستقى والمنتقى من إرثه التاريخي، والمولد من تجربته الغنية في مسار حياته التاريخي بين خطي بدايته ونهايته المادية، وحفرته في ذاكرتها راسخا كعلامة ومثابة من مثابات عزّ الأمة في مسيرتها الطويلة بكل صفحاتها، بين نهضة وكبوة.
وهدف الفرس أيضاً أخطر بكثير ممن يسعى لسلب العربي المسلم من إيمانه، فلازال الإيمان باقياً، يتحراه طالبه، يطلبه فيهتدي إليه، لكن الإنسان الذي يريد الفرس سلب الإيمان منه، سيتحول عند ذاك إلى البهيمية في جانب منه، وإلى تولي الشيطان وجنده في جانبه الأخر، وحينها فقط سيتحول هذا الكائن إلى الشيطان بكلّ كفره ومكره وجحوده وخبثه، أخطر ما فيه أنه يحمل في ظاهره اسما وشكلا مختلفاً كل الاختلاف عن جوهره، ففي شكله واسمه سيبقى مسلماً، وسيؤدي من فرائض المسلم ويتبنى من عقائده ما يجعل الرائي لا يشك في إسلامه، بل قد تُرى في سلوكه وفكره صورة المؤمن، وحينها سيمسخ الإسلام من داخله وليس من خارجه، وهذا لأثره الكبير، فالمسلم حينما يريد الاحتجاج على النصارى أو اليهود تجده يبحث عن نصّ مسيحي أو يهودي ليثبت به حجته، فهو يعتقد أنها أدحض لحجة خصمه من النصوص التي في حوزته، وكذلك يفعل آهل السنة حينما يبحثون عن قول في الفقه الشيعي للرد على الشيعة والعكس صحيح كذلك.
واحتلال العراق كانت مصادره مختلفة، أمريكية بريطانية صليبية ويهودية صهيونية وفارسية صفوية مجوسية، لكنّ أدواته كانت في غالبها فارسية صفوية، وفي هذا الاختيار كان هناك هدف واضح جلي، يرتكز على الدور الفارسي الذي تحدثنا عنه قبل قليل، في مسار استهدافهم للعروبة والإسلام، حيث كانت كل مسميات الجواسيس والعملاء الذين توكأ عليهم الاحتلال في تدمير العراق، مسميات تتستر بأقنعة إسلامية؛ المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، الحزب الإسلامي، حزب الدعوة الإسلامية، حزب الله، ثأر الله، جيش المهدي، فيلق بدر، فيلق القدس، حزب الفضيلة، شهيد المحراب، وغيرها الكثير من الحوزات والمسميات التي لا تخرج عن هذا الإطار، لتوحي بشكلها أنها مكونات إسلامية، لكنها في حقيقتها كانت عصابات جريمة وأدوات احتلال بكل تفاصيلها، ناقضت في أفعالها كل ما في الإسلام من عقائد وحدود وأحكام، بل كانت حرباً على الإسلام وهجوماً على الإيمان بأبشع صوره، تولوا الكفر والكافرين وقد نهاهم الله عنه فكفروا كفراً صريحاً لا لبس فيه، وخرجوا في ظاهرهم من ملة الإسلام، مع إنهم في حقيقتهم كانوا خارجها منذ البدء، قتلوا النفس التي حرم الله بغير حقّ، نهبوا ممتلكات الناس وليست بغنيمة، خربوا وأتلفوا مصالحهم الخاصة والعامة، انتهكوا الحرمات ودنسوا شرف المحصنات، أشاعوا الفواحش بين الناس، كالزنا واللواط وتعاطي المخدرات والسرقة والنهب والسلب، جاهروا بشركهم في مسار تشويههم للإسلام ومسخهم لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، فأظهروا الرعاع الهمج على شاشات العمالة والجاسوسية الفضائية بلا حياء ولا وجل َيرْجُونَ من العِبَاد شفاء مرضاهم ورحمة موتاهم، وقد باعوا للصليبيين والصهاينة والفرس البلاد بلا ثمن.
ولا حاجة بنا للتذكير بنخوتهم لليهود بالقصاص من شباب الفلوجة وشيبها وأطفالها وحرائرها بعدما أحرقوا جثث أربعة من الصهاينة العاملين في بلاك ووتر وعلقوها على الجسر عام 2004م، ولسنا بحاجة للتذكير بجرائم التعذيب والاغتصاب في سجونهم، فبواعث الإيمان عندهم تقتضي اغتصاب كل إمام مسجد بعد نتف لحيته، والمزابل كانت محراب شهادة لكل مؤمن بالله جاهد الغزاة، وإن كان بلسانه، فتمكنوا من رقبته، تجاوزت أعدادهم المليون ونصف المليون.
وهذا كما رأينا مكمن الخطر، فحينما يسعى الفرس لسلب الإيمان من نفوس العرب المسلمين، فذلك ما سيكون حالهم لو نجحوا في سعيهم مع الذين يصطفون اليوم طوابير على جيوبهم، وعندها سيكون الحكام العرب برذائلهم وعمالتهم وطغيانهم أرحم بكثير من أن يستجير الهارب منهم بالفرس ودولاراتهم، وسيكون الفاعل منهم كالهارب من الرمضاء إلى جهنم، فلن تفضي جيوب الفرس إلا إلى جهنم، واليد التي تدخلها لا تخرج منها إلا بخزي الدنيا وعذاب الآخرة.
والفرس لا يتورعون في مسار مسلكهم هذا عن الإتيان بكل سلوك غريب أو محيّر، وإن كان العارف بنواياهم لا يُعجزه التفكير ليهتدي إلى حقيقة ذلك السلوك، فلأجل أهدافهم التي ذكرنا تجدهم يحاربون اليهود في جنوب لبنان، فيما يتدافعون معهم بالمناكب، حميم لحميم على تدمير العراق، فذاك يخدم هدفهم في مساره، وهذا يخدمه في مسارٍ أخر. يغدقون على فصائل فلسطينية، لا لتقاوم الغزاة الصهاينة بل لتقتتل مع فصائل أخرى، ترى أن حكام العرب يدعمونها، وفي ذلك مأرب في مسار الهدف الأساس. في سوريا يُرشى المواطن ليتشيع لهم، ثم يتحول فيما بعد إلى قدمٍ رغم أنفه يسيرون بها في فتنتهم ودسائسهم. في المغرب العربي لهم مسار مختلف، وفي مصر والسودان مسار أخر، والأردن واليمن والجزيرة العربية وإمارات الخليج العربي مسار غيره. ولا يخرج العربي عن دائرة اهتمامهم حتى خارج المحيط العربي، صحف وكتاب عرب مالت بهم الدنيا، فوجدوا ضالتهم في البعير الفارسي ذي السنامين، ولأجل شكر كرمه راحت أقلامها تعزف على أوتارهم العذبة بأصابع منعشة براحة الدولار، ولا ضير أن يدسّوا هنا وهناك مما يريد الفرس من تشويه لصورة العراق وقيادته التاريخية، فلم يعد في جعبة هذه القيادة ما تُغري هذه الأقلام والصحف وغيرها من وسائل الإعلام بشيء منها، وعلى الساحة غير ما ذكرنا الكثير، كلها تصب في مجرى سعيهم القديم الجديد المتواصل من أجل فارسيتهم ومجوسيتها، ولا شيء غيرهما على الإطلاق، والغريب في كل هذا حقاً أن كل هذا الكرم الفارسي الباذخ على هذا وذاك، ممن يُسخرون في مسار مسخهم قبل غيرهم، ما هو إلا أموال عربية خالصة، فهي موارد نفط إقليم الأحواز العربي المحتل من قبل الفرس منذ عام 1925م، ولا تومان يأتي من غير هذا السبيل، فهل يصحّ القول على العرب، أنهم يخربون بيوتهم بأيديهم وبأموالهم؟
تتضح هذه النوايا دفعة واحدة في تصريح لحسن فيروز آبادي رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية بتاريخ 10/9/2009م خلال حفل توديع واستقبال وزيري الدفاع السابق واللاحق الإيرانيين في حكومة نجاد، حيث يقول: " إن دعم القضية الفلسطينية بالرغم من التكلفة السياسية والدعائية والمالية لا يشكل أمراً عبثياً ومكلفاً لنا ولم يُفرض علينا، بل انه يُعَدُّ ضرباً من الاستثمار لتحقيق مصالح إقليمية ودولية لنا...إن هذا الموقف من ناحية أخرى يضمن الأمن والمصلحة القوميين لبلادنا...إن دعمنا لحركات التحرر يدخل في صلب حماية الأمن القومي الإيراني ويزيد من قوتنا الإقليمية، وهو في سياق ما ننفقه للحفاظ على أمننا القومي واتساع رقعة قوتنا في المنطقة" فما هي المصلحة القومية الإيرانية التي يستثمر الفرس لها زمراً من أعراب العرب وأهل الردَّة فيهم هنا وهناك وينفقون عليهم في سبيلها المليارات رغم جوع الشعوب الإيرانية المغلوبة على أمرها، جواب ذلك سنجده واضحاً جلياً لا لبس فيه بالتصريح الذي أدلى به علي سعيدي ممثل الولي الفقيه المرشد الأعلى للفرس علي خامنئي في الحرس الثوري الخميني، الذي طالب " بضرورة إحداث تغييرات واسعة في البلدان المجاورة لإيران تمهيداً لظهور المهدي المنتظر" والمنتظر هذا لا يخرج كما قد علمنا إلا بإشاعة الفساد والإفساد.
هذا باختصار شديد جوهر الفكر الفارسي بكل مراحله المجوسية منها و الصفوية و الخمينية، حربٌ ماكرة على العربي لاستلاب جوهر إيمانه، وفي سبيلها حربٌ أخرى متداخلة لاستلاب عروبته منه، ذلك لأن العروبة حينما تسلحت بالإسلام، امتلكت القدرة والقوة التي أرعبت الفرس ومزقت ملكهم وأطفأت نار مجوسيتهم، التي يفخرون بذكرى لهيبها حتى اللحظة، ففي كل عام تحتفل عمائم شياطينهم بالنوروز وعيد النور وتأكل زردته بنهم شديد، فزرادشت يعيش في فكرهم ولا يبرح عقولهم، واستعادت تعاليمه هدفهم، وليس ادعاء الحب والولاء لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وبرأهم من شرهم، إلا المركب الذي يبحرون على ألواحه من أجل الوصول لغايتهم الكافرة في إحياء كسرويتهم التي أماتها الله.
وما أيقنوا أن الله تعالى قد قطع عليهم كما الروم أن يملكوا أرض العرب بعد هزيمتهما في عامي 13و14ه بمعركتي اليرموك والقادسية وما تلاهما من معارك تحرير وتطهير لأرض العرب في العراق والشام، وقد نبأنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ورد في الصحيحين: " إذا هَلَكَ كِسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده لَتُنْفِقُنَّ كنوزهما في سبيل الله عزَّ وجل"(4) وقد هلكا وأنفقت كنوزهما في سبيل الله، فهل من مردٍّ بعد هذا وقد أقسم رسول الله ومن لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق