بقلم / عبد المجيد زيدان
مصر معادلة اخرى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
شهدت الايام الاخيرة ثورة عربية فريدة من نوعها تتقصد الانظمة الحاكمة في بعض الدول العربية، ونحن نتحدث عن دول كان هذا النوع من الثورات والاحتجاجات مجففا فيها حتى يكاد يصل الى الصفر، ونحن نتحدث بعيدا عن الاجواء ذات التغيرات الدائمة كلبنان والعراق مثلا، ولكننا نتحدث عن دول عرف فيها نظام حاكم واحد منذ عشرات السنين، نظام حاكم انشأ قبل اكثر من خمسة وعشرين او ثلاثين عاما خلت، نتحدث عن تونس ومصر واليمن وغيرها من الدول العربية، هذه الانظمة التي تحكمت في الشعب وقرارته ومقدراته سنين طويلة دون ان تراعي رأي الشعب او تطلعاته، وهاي هي الشعوب تكسر القاعدة وتثور على الواقع.
اسفرت الاحداث في تونس كما يعلم الجميع عن ثورة شعبية خلعت نظام حكم زين العابدين بن علي الذي غالط شعبه حتى طفح الكيل، واليوم نحن نشهد حالة الغليان في الشارع المصري، الذي يطالب برحيل نظام مبارك وحزبه الحاكم عن الحياة السياسية بعد ان اثخنوا في الشعب المصري داخليا واسائوا الى مكانته خارجيا وخاصة على مستوى القضية الفلسطينية والعلاقة مع دولة الاحتلال الصهيوني.
لقد تعاطى الشعب العربي مع القضية التونسية بشكل جيد وتعاطفوا مع الشعب وايدوا خطوته الشجاعة، وهم كذلك اليوم، يعبرون عن بالغ املهم في ان تزال هذه الطغمة التي حكم فافسدت، ولكن والكل يشهد بان الواقع المصري اليوم ليس كسابقه في تونس، مع ان السبق كان لتونس ومع ذلك فالتعاطف مع قضية الشعب المصري اليوم تفوق تلك التي تعاطفتها الشعوب مع الشعب التونسي، بالاضافة الى الزخم الاعلامي الذي يوجه الانظار الى اللحظات المرتقبة في تاريخ مصر، وايضا ذلك الاهتمام البالغ الذي توليه الولايات المتحدة الامريكية واسرائيل ودول أوروبا لهذه الاحتجاجات المتزايدة، وتلك الترقبات من المهتمين والسياسيين والاعلاميين والحركات والاحزاب، وكل هذا الزخم لم يوجه الى القضية التونسية مع انها كما ذكرت كانت صاحبة السبق في مثل هذه الاحتجاجات وقد آتت أكلها على ارض الواقع، ذلك ان مصر لها خصوصية بالغة الاهمية في الساحة العربية والدولية وخصوصا في القضية الفلسطينية، وهذا ما يجعلها اكثر حساسية، ويحفز جميع الاطراف المهتمة ان تترقب عن كثب اخر التطورات.
فمعظم الدول المهتمة تتابع حركة الاحتجاجات وتقدمها منذ اللحظة الاولى، فالادراة الامريكية قدمت تصريحات اعلامية ومطالبات اكثر من تلك التي قدمها النظام المصري نفسه للاعلام، وحاولت الادارة الامريكية ان تلعب دورا على صعيد التأثير في وضع هذه الاحتجاجات فخلال اليوم الثاني للاحتجاجات وبعد ان بدأ الامر يتجه الى الجدية اكثر اعلنت الادارة الامريكية انها ستنظر في موضوع المساعدات المالية والعسكرية التي تقدمها لجمهورية مصر العربية وذلك بناء على نتائج هذه الاحتجاجات علما ان هذه المساعدات بالمتوسط تقدر بقيمة 2 مليار دولار وهي تفوق هذا الرقم بكثير خلال العام الماضي ، وكأنها تقول للشارع المصري انظروا الى ضائقة جيرانكم في غزة، محاولة بذلك ردع الشعب عن احتجاجاته او لنقل التخفيف من آثارها على وجود النظام.
اما بالنسبة للترقب الاسرائيلي فقد بلغ مبلغا يدعوا الى الخوف من زيادة التدهور في وضع النظام في مصر، فمصر لا تشكل أي رقم فحسب بالنسبة لدولة الكيان، بل هي تشكل رقما مهما ومتقدما لهذا الكيان، فمصر هي الدولة العربية الاولى التي وقعت مع اسرائيل اتفاق سلام، والذي لا يزال قيد التنفيذ، وبات من المحسوم ان تغير الوضع السياسي المصري سيلعب دورا في استمرارية هذا الاتفاق او انهائه، خصوصا وان قوى المعارضة الداعمة لاحتجاجات الشعب المصري ترى ان هذا الاتفاق باطل وانها في حال زوال النظام ستقوم على فض هذا الاتفاق، وهذا ما لا يحمد اسرائيليا. هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى فان مكانة مصر العربية كونها من اكبر الدول العربية مساحة وعددا للسكان وتأثيرا في الرأي العربي في مختلف القضايا، بالاضافة الى كونها تمتلك حدودا مهمة جدا مع فلسطين وبالاخص مع البقعة الاكثر اهمية المتمثلة بقطاع غزة، وهنا لا ننسى دور مصر في تعاطيها مع قضية الحصار المضروب على القطاع منذ اعوام والذي يميل الى صالح دولة الكيان، والامر لا يقتصر على كينونة الحصار فحسب بل يمتد الى الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري، اذ تعتبر الارضي المصرية هي البوابة الرئيسية لغزة في هذا المجال.
دول أوروبا ايضا قدمت مطالب للنظام المصري تقضي بوجوب النظر في مطالب المحتجين وتحقيق نوع من العدالة الاجتماعية والتوسيع على الشعب، وهذا من باب محاولة امتصاص ثورة الشعب المطالبة باسقاط النظام، لتقليصها الى مطالب اجتماعية واصلاحات سياسية محدودة لا تطال جميع النواحي، كل ذلك الزخم الذي اعطي للقضية المصرية يزيد من تأكيد كونها تختلف اختلافا جذريا عن القضية التونسية بعيدة التأثير على القضايا التي ذكرناها.
ولا ننسى مقاطعة رام الله وهيجانها تجاه هذه الاحتجاجات، فقد تعاطوا مع القضية بتخوف شديد، وذلك لان مصر تعتبر داعما سياسيا مهما جدا على المستوى العربي لسلطة المقاطعة، وهذا على صعد مختلفة كملف المصالحة الفلسطينية الداخلية والغطاء العربي للمفاوضات بين سلطة المقاطعة وكيان الاحتلال الصهيوني بالاضافة الى كون مصر مقرا وموئلا لكثير من القادة في مقاطعة رام الله، واذا فقد النظام المصري الحالي فان الخسارة لن تقدر بثمن ولن تكون في صالح مقاطعة رام الله. وعلى كل الصعد يعتبر اسقاط النظام المصري القائم نقطة في رصيد القضية الفلسطينية العادلة وستكون في صالح نهج المقاومة ضد نهج المفاوضات والمساومات التي تنهجها سلطة المقاطعة في رام الله، وحتى لو لم يتم اسقاط النظام فان هذه الاحتجاجات لن تذهب في مهب الريح دون آثار على القضية الفلسطينية.
وفي محاولة للنظام، تم تعيين عمر سليمان نائبا للرئيس مبارك بعد تسعة وعشرين عاما من استلام مبارك رئيسا للبلاد، واحمد شفيق رئيسا للحكومة بعد اقالة سابقتها، مع العلم انهما لا يقدمان ولا يؤخران في الوضع القائم في مصر لكونهما من نفس التوجه الحاكم، وقد تم تفسير هذا التصرف على انه يقع في احد امرين: اما انه محاولة لامتصاص احتجاجات الشعب المصري وانهاء ثورته، او انه تمهيد للانسحاب الآمن كما اسماه البعض تمهيدا لخطوات لاحقة يسقط فيها النظام، او لنقل يسقط فيها مبارك فحسب ويبقى النظام هو القائم باعمال الحكم عن طريق هؤلاء الجدد في مناصبهم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
شهدت الايام الاخيرة ثورة عربية فريدة من نوعها تتقصد الانظمة الحاكمة في بعض الدول العربية، ونحن نتحدث عن دول كان هذا النوع من الثورات والاحتجاجات مجففا فيها حتى يكاد يصل الى الصفر، ونحن نتحدث بعيدا عن الاجواء ذات التغيرات الدائمة كلبنان والعراق مثلا، ولكننا نتحدث عن دول عرف فيها نظام حاكم واحد منذ عشرات السنين، نظام حاكم انشأ قبل اكثر من خمسة وعشرين او ثلاثين عاما خلت، نتحدث عن تونس ومصر واليمن وغيرها من الدول العربية، هذه الانظمة التي تحكمت في الشعب وقرارته ومقدراته سنين طويلة دون ان تراعي رأي الشعب او تطلعاته، وهاي هي الشعوب تكسر القاعدة وتثور على الواقع.
اسفرت الاحداث في تونس كما يعلم الجميع عن ثورة شعبية خلعت نظام حكم زين العابدين بن علي الذي غالط شعبه حتى طفح الكيل، واليوم نحن نشهد حالة الغليان في الشارع المصري، الذي يطالب برحيل نظام مبارك وحزبه الحاكم عن الحياة السياسية بعد ان اثخنوا في الشعب المصري داخليا واسائوا الى مكانته خارجيا وخاصة على مستوى القضية الفلسطينية والعلاقة مع دولة الاحتلال الصهيوني.
لقد تعاطى الشعب العربي مع القضية التونسية بشكل جيد وتعاطفوا مع الشعب وايدوا خطوته الشجاعة، وهم كذلك اليوم، يعبرون عن بالغ املهم في ان تزال هذه الطغمة التي حكم فافسدت، ولكن والكل يشهد بان الواقع المصري اليوم ليس كسابقه في تونس، مع ان السبق كان لتونس ومع ذلك فالتعاطف مع قضية الشعب المصري اليوم تفوق تلك التي تعاطفتها الشعوب مع الشعب التونسي، بالاضافة الى الزخم الاعلامي الذي يوجه الانظار الى اللحظات المرتقبة في تاريخ مصر، وايضا ذلك الاهتمام البالغ الذي توليه الولايات المتحدة الامريكية واسرائيل ودول أوروبا لهذه الاحتجاجات المتزايدة، وتلك الترقبات من المهتمين والسياسيين والاعلاميين والحركات والاحزاب، وكل هذا الزخم لم يوجه الى القضية التونسية مع انها كما ذكرت كانت صاحبة السبق في مثل هذه الاحتجاجات وقد آتت أكلها على ارض الواقع، ذلك ان مصر لها خصوصية بالغة الاهمية في الساحة العربية والدولية وخصوصا في القضية الفلسطينية، وهذا ما يجعلها اكثر حساسية، ويحفز جميع الاطراف المهتمة ان تترقب عن كثب اخر التطورات.
فمعظم الدول المهتمة تتابع حركة الاحتجاجات وتقدمها منذ اللحظة الاولى، فالادراة الامريكية قدمت تصريحات اعلامية ومطالبات اكثر من تلك التي قدمها النظام المصري نفسه للاعلام، وحاولت الادارة الامريكية ان تلعب دورا على صعيد التأثير في وضع هذه الاحتجاجات فخلال اليوم الثاني للاحتجاجات وبعد ان بدأ الامر يتجه الى الجدية اكثر اعلنت الادارة الامريكية انها ستنظر في موضوع المساعدات المالية والعسكرية التي تقدمها لجمهورية مصر العربية وذلك بناء على نتائج هذه الاحتجاجات علما ان هذه المساعدات بالمتوسط تقدر بقيمة 2 مليار دولار وهي تفوق هذا الرقم بكثير خلال العام الماضي ، وكأنها تقول للشارع المصري انظروا الى ضائقة جيرانكم في غزة، محاولة بذلك ردع الشعب عن احتجاجاته او لنقل التخفيف من آثارها على وجود النظام.
اما بالنسبة للترقب الاسرائيلي فقد بلغ مبلغا يدعوا الى الخوف من زيادة التدهور في وضع النظام في مصر، فمصر لا تشكل أي رقم فحسب بالنسبة لدولة الكيان، بل هي تشكل رقما مهما ومتقدما لهذا الكيان، فمصر هي الدولة العربية الاولى التي وقعت مع اسرائيل اتفاق سلام، والذي لا يزال قيد التنفيذ، وبات من المحسوم ان تغير الوضع السياسي المصري سيلعب دورا في استمرارية هذا الاتفاق او انهائه، خصوصا وان قوى المعارضة الداعمة لاحتجاجات الشعب المصري ترى ان هذا الاتفاق باطل وانها في حال زوال النظام ستقوم على فض هذا الاتفاق، وهذا ما لا يحمد اسرائيليا. هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى فان مكانة مصر العربية كونها من اكبر الدول العربية مساحة وعددا للسكان وتأثيرا في الرأي العربي في مختلف القضايا، بالاضافة الى كونها تمتلك حدودا مهمة جدا مع فلسطين وبالاخص مع البقعة الاكثر اهمية المتمثلة بقطاع غزة، وهنا لا ننسى دور مصر في تعاطيها مع قضية الحصار المضروب على القطاع منذ اعوام والذي يميل الى صالح دولة الكيان، والامر لا يقتصر على كينونة الحصار فحسب بل يمتد الى الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري، اذ تعتبر الارضي المصرية هي البوابة الرئيسية لغزة في هذا المجال.
دول أوروبا ايضا قدمت مطالب للنظام المصري تقضي بوجوب النظر في مطالب المحتجين وتحقيق نوع من العدالة الاجتماعية والتوسيع على الشعب، وهذا من باب محاولة امتصاص ثورة الشعب المطالبة باسقاط النظام، لتقليصها الى مطالب اجتماعية واصلاحات سياسية محدودة لا تطال جميع النواحي، كل ذلك الزخم الذي اعطي للقضية المصرية يزيد من تأكيد كونها تختلف اختلافا جذريا عن القضية التونسية بعيدة التأثير على القضايا التي ذكرناها.
ولا ننسى مقاطعة رام الله وهيجانها تجاه هذه الاحتجاجات، فقد تعاطوا مع القضية بتخوف شديد، وذلك لان مصر تعتبر داعما سياسيا مهما جدا على المستوى العربي لسلطة المقاطعة، وهذا على صعد مختلفة كملف المصالحة الفلسطينية الداخلية والغطاء العربي للمفاوضات بين سلطة المقاطعة وكيان الاحتلال الصهيوني بالاضافة الى كون مصر مقرا وموئلا لكثير من القادة في مقاطعة رام الله، واذا فقد النظام المصري الحالي فان الخسارة لن تقدر بثمن ولن تكون في صالح مقاطعة رام الله. وعلى كل الصعد يعتبر اسقاط النظام المصري القائم نقطة في رصيد القضية الفلسطينية العادلة وستكون في صالح نهج المقاومة ضد نهج المفاوضات والمساومات التي تنهجها سلطة المقاطعة في رام الله، وحتى لو لم يتم اسقاط النظام فان هذه الاحتجاجات لن تذهب في مهب الريح دون آثار على القضية الفلسطينية.
وفي محاولة للنظام، تم تعيين عمر سليمان نائبا للرئيس مبارك بعد تسعة وعشرين عاما من استلام مبارك رئيسا للبلاد، واحمد شفيق رئيسا للحكومة بعد اقالة سابقتها، مع العلم انهما لا يقدمان ولا يؤخران في الوضع القائم في مصر لكونهما من نفس التوجه الحاكم، وقد تم تفسير هذا التصرف على انه يقع في احد امرين: اما انه محاولة لامتصاص احتجاجات الشعب المصري وانهاء ثورته، او انه تمهيد للانسحاب الآمن كما اسماه البعض تمهيدا لخطوات لاحقة يسقط فيها النظام، او لنقل يسقط فيها مبارك فحسب ويبقى النظام هو القائم باعمال الحكم عن طريق هؤلاء الجدد في مناصبهم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق