[ ج 7 ] مع زينب الغزالي .. إهداء إلى حرائر الضفة مِن الشعب المصري
مشهد تمثيلي بالإكراه !!
نكمل معكم اليوم ما وصلنا إليه في الجزء السادس
في صباح يوم أخرجوني من زنزانة المستشفى، وأحضروا مصورين وآلات التصوير معدّة، وأمروني أن أضع ساقًا على ساق، وأضع سيجارة في فمي، ليصوروني على هذه الحالة فرفضت أن أمسكها بيدي فضلًا عن وضعها في فمي، فوضعوا المسدس في ظهري وفي أم رأسي لأمسك السيجارة فاستمرت في الرفض، ونطقت بالشهادتين وقلت : إفعلوا ما تشاءون - لن أفعل!! .. ضربت بالسياط ..وأصررت على الفرض، فلما يئسوا صوروني.
في اليوم التالي طلبوا مني الذهاب إلى التلفزيون والإدلاء بتصريح من عندهم فرفضت وقلت أنني لو ذهبت سأقول التالي : " إن جمال عبد الناصر كافر يحارب الإسلام في شخص جماعة الإخوان المسلمين .. ولذلك نحن نحاربه، لانه قال إن الحكم بالقرآن رجعية وتأخر وتعصب مقيت، وأن عبد الناصر يستورد مواد أحكامه وتشريعاته من الشيوعية، ومذهبه إلحادي لذلك نحن نحاربه " .
فقالوا لي ستتكلمين وإلا سنطلق عليكي الرصاص، فرفضت وأبلغتهم بأنهم من الأمس وأنا أرفض التصوير فهل تظنون أني سأقول غير الحقيقة ؟ ثم أعادوني إلى الزنزانة.
ثم أخذوني إلى مكتب شمس بدران، وطلب مني كتابة اعترافات بأعمال لم أقم بها فرفضت، فطلب تعليقي وجلدي خمسمائة جلدة فكنت في قمة الألم ، وقمة المعاناة، ثم أعادوني إلى الزنزانة.
ما لبثوا أن أعادوني مرة أخرى إلى شمس بدران، الذي بدوره أمر إلى أخذي لحجرة التعذيب 32.
في الحجرة 32
صلبوني ثم هويت على الأرض حتى تلقفني الزبانية بسياطهم المجنونة، ثم صلبوني مرة أخرى، وظلت هذه العملية تتكرر ما يقرب ثلاث ساعات !!
شموخ الإيمان وذلة الباطل
عاد شمس بدران ليساومني من جديد، فأخبرتهم أني لا أعرف شيئًا، ولن أكتب شئ، فرأوا علي اعترافات مزيفة نسبوها إلى الإخوان، فلم أصدقهم.
ثم جاؤوا بشاب بثياب أنيقة ونظيفة فتيقنت أنه خان أمانة الله، وشهد على إخوانه زورًا، واصبح من رجال شمس بدران.
ثم جاؤوا بعبد الفتاح إسماعيل حيث كان يكسوه وقار الصادقين، ونور الموحدين، عليه آثار تعذيب تنطق بمدى ما لاقاه هذا المجاهد الصنديد الصادق، فطرح السلام عليّ، وطرح عليه المحقق سؤال فتجاهله وقال لي :
أختي في الله .. كنا نتعاون على أن نبني الشباب المسلم على مبادئ القرآن والسنة، وبطبيعة الحال كان ذلك سيفضي إلى تغيير الدولة، من دولة جاهلية إلى دولة إسلامية .
فقاطعه المحقق غاضبًا موجهًا الأوامر ليخرجوه، فطرح السلام علي مرة ثانية وخرج.
فاسترحت وقلت الحمد لله أن له رجالًا .. اللهم احفظهم لدعوتك يا الله، إن خان أحد الشباب فهناك الموحدون الصابرون .. رواد الطريق وطلاب الحقيقة .
ثم عادت المساومة لكي أكتب، فقلت لن أكتب سوى أننا في سبيل الله قمنا، وتحت راية القرآن سرنا، لا إله إلا الله، محمد رسول الله، لن نشرك بربنا أحدًا ولا نعبد إلا إيّاه، ربنا أفرغ علينا صبرًا وثبت أقدامنا، وتوفنا مسلمين، وأنتم يا فراعنة العصر اقضوا، إنّما تقضون هذه الحياة الدنيا. وغدًا سيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون .
عبد الناصر أمر بإعدامي !
على إثر التعذيب الشديد مكثت عدة أيام في المشفى، وقد كنت قاب قوسين أو أدنى من الموت!!، وذات يوم أعادوني إلى مكتب شمس بدران، لكنهم لم يدخلون وطلبوا مني الوقوف ووجهي إلى جهاز كهربائي يخرج صوتًا مزعجًا، وينبعث منه هوائًا ساخنًا، وظللت واقفة ليلة كاملة، وفي الصباح أعادوني إلى المشفى.
ثم جاء المحققون وأبلغني شمس بدران أنني إذا لم أطعهم فسيحطموا رؤوس الإخوان، وأنهم يدفنون كل يوم في السجن شباب من الإخوان، يدفنونهم في جحيم عبد الناصر فلما علقت على هلوسته تلك بأن قتلانا شهداء في الجنة، لطم وجهه واستغرب من عدم جدوى كل هذا العذاب الذي لم ينفع معي، وقال أنهم سيذبحونني اليوم فماذا ستفعلين ، قلت : الذي يفعل هو الله. القضية وضحت كل عناصرها، فماذا يهمكم اعترافي أو إقراري ؟ وضح زوركم، وكذبكم، وإلصاق الجرائم بالأبريء .. فأخذ يضرب ويلطم مرة ثانية بصراخ قائلًا : بأي قوة تعيشين ! كدنا نفقد عقولنا فيك !! ثم طلب من الزبانية أخذي إلى مكتب الباشا ..
وفي مكتب الباشا ..
أجلسوني على كرسي، وأخبرني بدران بأنه لا داعي للعناد، وعادت المساومة لكتابة الإعترافات من جديد، فرفضت، وقلت والله أننا ما كنا نجتمع إلا لدراسة القرآن والحديث لنبين للناس كيف يخرجون من طاعة الطواغيت البشرية إلى طاعة الله فيعبدونه ويوحدونه ويقيمون دينه، وإن عصوه تابوا، واستغفروا، وأن الحكم القائم جاهلي سيزول، لا بالحديد والنار بل بوجود قاعدة إسلامية عريضة في الأمة ..
فانهالت السياط كالمطر على جسدي وأنا أصرخ : لن أكتب .. لن أكتب .. فاقتلوني فالدنيا لا تساوي عندي شيئًا.
ثم اغمي عليّ ولم أفق إلى في المشفى وقدماي في الضمادات وآلام حادة تدق عظامي، وتفري كل جسمي !!
الوهم الكبير !!
مكثت بضعة أيام في المشفى، ثم أعادوني إلى مكتب شمس بدران !! حيث لديه إصرار على وهميه الغريب بثنيي عن صبري وإجباري على الإعتراف، وأخبروني بأنهم سيعلقوني كالدجاجة، ويرموني في النار، ويقذفونني إلى الكلاب لأننا مجرمون، فقلت له بأننا لسنا مجرمون، نحن حملة رسالة، وأمناء أمة، ودعاة حق، وعلامات على طريق النور !، ونحن منتصرون عليكم طالما نحن أغنياء بالله وأقوياء به سبحانه، متوكلون عليه، مكافحون مقاتلون مجاهدون في سبيله ! ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق حتى لو مزقتم أجسادنا وقتلتمونا .
أثارت لغة الإيمان ومنطق التوحيد جاهلية شمس بدران وحيوانيته، فصرخ كالمدوغ يأمر الزبانية بجلدي خمسمائة جلدة، وجلدت وعادوا ليساوموني فرفضت وأصررت على ما أجبت به، فعاد بالصراخ لجلدي بمائتين جلدة، فجلدوني حتى أغمي عليّ وأفقت من غيبوبتي لأجدني في المشفى محاطة بعدد من الأطباء يقومون باسعافي وتضميدي من الجروح ثم مكثت عدة أيام في المشفى.
ثم حملونى مرة أخرى إلى مكتب شمس بدران " بالنقالة " !! وعادت المساومة من جديد وأخبرني بأن جميع شباب الإخوان اعترفوا وأنهم يطلبون مني ذلك، فرفضت وقلت : الحمد لله الذي أقامني في خير ما يقيم فيه عباده، داعية إلى الله وسأظل بفضله إن شاء الله .. فركلني بدران وهددني بالقتل، فأغمي علي واعادوني إلى المشفى وهكذا ظللت متنقلة من عذاب إلى عذاب آخر لإصرار بدران على وهمه ! حتى أحضروا لي الكلاب وأنا تحت التعذيب والجلد بالسياط ساوموني فقلت : لا إلا الله الفعّال، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ربنا أفرغ علينا صبرًا وتوفنا مسلمين.
وقال له أحد الزبانية بأن وجهي شديد الإصفرار، وأنني قد شارفت على الموت فأخبرهم بدران بإعادتي إلى المشفى.
تسلط الأقزام وتحكيم الهوى
وهكذا كانت الأقزام متلسحة بالسلطة تتسلط على الرجال، فتحطم " الكرامة " وتتمزق الكبرياء ، وتذل الإباء والشمم، في أيام كان القانون فيها في سبات عميق، والإنسانية في إجازة طويلة، والرحمة رحلت عن الديار !!
عذاب ..!! في المستشفى !!
جاء الزبانية إلى المشفي لإرغامي على الكتابة بإعترافات من إملائهم فرفضت قائلة : أنا ملزمة بالحق الذي اعتقده ، إنني لست ملزمة أن أقول إلا ما أعتقده، وغير ملزمة بأن أصدق أن هذا الكلام من أقوالي أو أقوال إخوتي.
فصرخ بدران للزبانية بأنه يريدني جثة يوقع تصريح دفنها، فأخذوني إلى حجرة وجلدوني بالتعذيب ما يقارب الست ساعاة، وكانت الآلام الحادة تفري في جميع أنحاء جسدي.
ثم عاد بدران يطلب من الكتابة باعترافات وأن عبد الناصر سيسامحني ويغفر لي وأن أثق بالرئيس ، فقلت له : ثقتنا في الله أكبر من كل شئ، اكبر من كل طواغيت الأرض، لن أقبل من رئيسكم شيئًا، لأن يده مغموسة بدماء إخواني المباركة، هذا الدم سيقود على مدى السنين أجيال المسلمين إلى ماضيهم الزاهر المجيد، إلى مقعد المسؤولية في هذا العالم.
وأمروهم بأخذي إلى الزنزانة رقم 34
كانت ضيقة ومظلمة وموحشة، وأدخلوا معي كلبين وأغلقوها، فتيممت وأخذت أصلي، وأنا لا أدري أين القبلة، أنتهي من صلاة وأدخل في أخرى، انشغالًا بالله لعله يصرف عني ما أرادوه !
تسلق الكلبان ظهري في ركوعي وسجودي، وأخذا يخمشان رأسي، ووجهي، وأنا أصلي وأستغرق وأسبح في عالم الدعوات والتضرعات، وبعد ساعة فتحت الزنزانة وسحبوا الكلبين وحملوني إلى المشفى .
___________________________________
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق