الثورة على المذلة د. إبراهيم أبو محمد | 27-01-2011 01:27 | |
من تونس كانت الشرارة
وفى مصر كان الإعصار الذى حرق بناره كل قنابل الغاز وانتصر بإرادته على خدم وعبيد النظام، والذي جمع كل جحافله ليمارس هوايته في قهر الشعب
· في مصر كان العقل الجمعي وكانت الإرادة الشعبية التى فاجأت الدنيا بعد أن ظنت الدنيا أن إرادة السعب وهنت وتراخت وترهلت ، فإذا بها شابة وعفية وقادرة على قهر القهر وهزيمة الطاغية واحتقار كل وسائل وأدوات الاستبداد برصاصها الحي وقنابلها الغازية.
· الناس في تونس قد اختصروا كل الطرق ولخصوا بذكاء فطري شديد وبشكل عملى كل النظريات في الإصلاح والتغيير ومقاومة الطاغية.
· والشباب في مصر قد أعاد الروح لوطن ظن الجميع أنه مات.
· إرحل إرحل يافاسد، ذلكم هو السلاح المفزع الذي أثار كلاب الحراسة فراحت تقتل وتضرب في المليان، وتطلق بلطجية حزبها لتخرب وتنهب وتثير الرعب بين السكان، وتحاول تشويه الانتفاضة الحرة .
· إرحل إرحل ذلكم هو شعار الغضب المقدس الذي جمع بين قلوب أبناء الوطن جيشا ومدنيين ليكونوا صفا واحدا في مواجهة صلف المغرورين بالمال والقوة والنفوذ والسلطان الذين ظنوا ـ وخاب ظنهم ـ أنهم بفاتر الشيكات يمكنهم أن يشتروا إرادة ليست للبيع وهى إرادة هذا الشعب.
· يقولون إن ما بالذات لا يتخلف، ومن ثم فالطاغية لا يتنازل عن خصائصه.
· ومن خصائص الطاغية أنه:
· يقرب الدنئ ، ويبعد البريئ، ويصنع البذيئ ، ويصطفى المنافق ، ويمنح الموافق.
· وقد يعجب المرء لهذا الاختيار الغريب ، لكن يجيبنا المفكر الإسلامي الكبير الدكتور مصطفى السباعي رحمة الله عليه فيقول: "إن لله سيوفا يقطع بها رقاب الظالمين، منها أخطاؤهم"
· وفي مجتمع الطغيان لا يتأتى الفساد من الرأس الكبير فقط، وإنما من الحاشية التى تحيط به، وهذه الحاشية يمكن أن نطلق عليها مؤسسات هامان.
· وهامان ـ لمن لا يعرفه ـ هوالوزير الأول والمستشار الأول لفرعون.
· ومؤسسات هامان تمثل مؤسسات المنكر المرتبط بوجود الطاغية والمتجذر بجذوره .
· مؤسسات المنكر هذه تتولى هندسة الرأي العام لقبول كل ما يصدرعن قصر الطاغية، تفلسف للطغيان ، وتنظر لتأليه الطاغية، وتقلب الحقائق، فتصور غضب الشعب بأنه ترنيمة صلاة بالدعاء للحاكم، ومعزوفة غناء بالنشيد الوطنى تحية له ، وتحول بكاء الثكالى والأرامل بأنه بسمات الرضا المتبتلة بالثناء عليه ، تعطيه دائما تقارير بأن كل شئ تمام التمام، وأن كل تصرفاته تلقتها الأمة بالقبول والرضا وأن المعترضين ما هم إلا فئة قليلة ضالة وحاقدة رافضة للتنمية والتخطيط للمستقبل، إنهم الظلاميون الذين يرفضون المدنية والحداثة ، ويريدون منا أن نعود لعصر الصحراء والإبل ، وأن الفقر والجوع والأطعمة الفاسدة والمياه الملوثة وسرقة أراضى الدولة وبقاء الخريجين عشرات السنين بلا عمل، كلها مشاكل ليست محلية، وإنما هى مشاكل دولية تعانى منها كل الدول والمجتمعات حتى أمريكا نفسها، ومن ثم فالطاغية لا علاقة له بهذه المشكلات.
· مؤسسات هامان تصدر البيان تلو البيان تحذر الانتهازيين من استغلال معاناة الشعب للحديث عن ضرورة التغيير أو التفكير فيه، وأقلامهم ترتعش عند ذكره، وألسنتهم تتعثر عند النطق به، وقلوبهم ترجف من الخوف على زوال الطاغية.
· الطاغية هو إلههم الذي يعبدونه، فبحمده يسبحون، وبذكائه يشيدون، ويُذََكِّرون الشعب دائما بأن السماء قد اختارته حين وضعت هذا الطاغية في طريقه، وأن العناية قد اصطفته لنا من دون البشر، فهو الملهم ، وهو العبقري، وهو القائد المعجزة.
· مؤسسات هامان تمارس التكذيب والتزييف وقلب الحقائق وبعض أعضائها بلغت نسبة عمولاته في اليوم الواحد أكثر من 36 ألف جنيه في اليوم الواحد ، نعم في اليوم الواحد فقط وليس في الشهر ، فلماذا يكون التغيير؟ التغيير يعنى ضياع مزاياهم وزوال سلطانهم، فهل يمكن أن يقبلوه أو يتحدثوا عنه.؟
· أغلب الناس يحمل في جوانحه طباع الأحرار وأخلاقهم ، فإذا رأى الحق سارع إليه وآمن به، ودعا الناس لتصديق رجاله وللإيمان به وكان ذلك ديدن الشباب الحر في أرض الكنانة، شباب في عمر الزهور رأو الحقيقة وتعشقوها فجاءوا من أقصي البلاد : }وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ. اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ {﴿يس: ٢٠ـ ٢١﴾
· وبعض الناس يحملون في جوانحهم طبائع العبيد وأخلاقهم،
· والذين يحملون طبائع العبيد هم بالقطع للبيع ،لا يبيعون أنفسهم فقط وإنما أيضا يبيعون شرفهم وكرامتهم وضمائرهم ، ويبيعون أوطانهم .
· بعض هؤلاء يتخذ الطاغية من جلودهم نعالا ومن شعورهم حبالا ،ويمركزطوائف منهم حول سلطانه حتى يرتبط وجودهم ببقائه، ومن ثم يدافعون عنه حتى الرمق الأخير من حياتهم.
· وبعضهم كالبائع المتجول لا يعنيه إلا أن يبيع، ومن ثم فهو يأكل على كل مائدة وينوح في كل مأتم، ويرقص في كل فرح ،وقد يمارس كل هذه السلوكيات المتناقضة في يوم واحد .
· بعض هؤلاء مثل قباقيب الميضة أيام العهد العثمانى، يرتديه كل من يريد أن يدخل بيت الراحة " الحمام "ولذلك فهم جاهزون للخدمة وتحت الطلب في كل وقت ، فإذا ذهب الطاغية الذى كان يعطيهم وتغيرت الأوضاع بحثوا عن طاغية أخر ليخدموه .
· من هؤلاء مع الأسف الشديد من يستخدمه نظام الطاغية لا ليكون ككلب الحراسة، وإنما ليكون كالكلب العقور ، يغمز إليه الطاغية فيتحرك بالهجوم سبا وقذفا وردحا من كل لون، المهم أن يرضى سيده عن الأداء وأن يكون لنباحه أثر وصدى في جرح خصوم سيده .
· كتبة وإعلاميون كثيرون يمارسون هذا الدور، وهم على استعداد لتأجير أقلامهم لمن يدفع.
· ظاهرة من يحملون طبائع العبيد كانت واضحة في الأحداث الأخيرة ، ظهرت بعد حادث الإسكنرية ، وعلا نباحهم بعد أحداث تونس في محاولة لحجب تأثير الثورة التونسية، فراحوا يشوهونها ويدعون أنها حالة خاصة، وأننا لسنا كتونس وظهرالذعر واضحا فى ارتعاش كلماتهم وأقلامهم.
· وهذه الأقلام هى نفسها التى أستأجرها طاغية تونس من قبل ، فالرجل كان طاغية من النوع الخبيث ، ولذلك استأجر من يحملون طبائع العبيد في الداخل والخارج لتلميع صورته وتقديمه على أنه حاكم مدنى ديموقراطي من طراز فريد.
· هؤلاء قد واتتهم الفرصة فاختار الطاغية منهم قادة في بعض المواقع ، لكنهم ظلوا عبيدا وإن ملكوا القرار، وإنْ تولوا أعلى المناصب، وسكنوا ناطحات السحاب، وكانت بأيديهم كل وسائل النفوذ والسيطرة والسلطة ، فلا تعود العقول إلى رؤسهم الفارغة إلا أمام الصواعق وبعد فوات الآوان، وفي هؤلاء يقول ربنا: }وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَىٰ وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الاوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلا{ ﴿الكهف: ٥٥﴾
· إنهم صنف عجيب من البشر ، عبيد لشهواتهم، متعجرفون على خلق الله، إذا حكموا ظلموا، وإذا خولت الأرزاق إليهم منعوا وقطعوا ، وإذا دانت لهم رقاب العباد أسروا وسجنوا وأهانوا وجوعوا وعذبوا، تعظهم فيسخرون ولا يتعظون، وتحدثهم فلا يستمعون ،وتنصحهم فلا ينتصحون، وتذكرهم فلا يتذكرون ، فهم قد ظلموا أنفسهم، وظلموا أمتهم ومجتمعاتهم، وعرَّضوا أنفسهم والجميع معهم لسوء المصير وسوء الخاتمة ، ومصيبة هؤلاء في الدنيا كبيرة وخيبتهم يوم القيامة أخزى وأذل }. وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا{ ﴿الكهف: ٥٧﴾
· ألا ترى معي عزيزي القارئ أن مواقف الطغاة تتكرر في الزمن الراهن؟ وأن سعارالقهر والدكتاتورية يرتفع لهيبه ويتطاير شرره ؟ وأن الطموح والكبرياء الغبي يدفع أصحابه إلى رفض النصيحة والتشبث بجوقة النفاق وحراق البخور وألمبشرين بآيات وتراتيل الفكر الجديد والعهد الجديد ؟
· قيادة غبية هى في واد والناس والزمان والمكان في واد آخر ، لا شعور لهم ولا حس لديهم، ولقد ثبت بالتجربة أن كل الطغاة مصابون بالعمى الإرادي والعته الفكرى وعدم إدراك عبر التاريخ . }أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلآ هُمْ يَذَّكَّرُونَ {التوبة: ١٢٦
· قد يستطيع الباطل يوما أن يسكت صوت الحق ، وقد يستطيع فترة من الزمن أن يحاصر أهله ، ولكن هيهات تُكتمْ في الظلامِ مشاعل.
· شباب مصر ورجال تونس من الصعب أن تعبر الكلمات عما تقومون به فتحية لكم من عمق شعوبكم ، وتحية لكم تحمل عبق التاريخ الذي تعملون الآن على إعادة أمجاده .
رئيس المؤسسة الأسترالية للثقافة الإسلامية
رئيس إذاعة القرآن الكريم
تعليقات حول الموضوع | ||||||||
| ||||||||
| ||||||||
| ||||||||
| ||||||||
| ||||||||
| ||||||||
| ||||||||
| ||||||||
| ||||||||
| ||||||||
| ||||||||
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق