الكل يسأل متى ستثور الضفة على الظلم والكل يترقب. انا نفسي احلم حين اغمض عيني وارى الناس تهاجم مقار السلطة وتقتص من الخونة وأراهم يجرونهم في الشوارع. ولكني سرعان ما افتح عيني وانسى الحلم الجميل. مذ ولدنا ونحن معتادون على ان نحلم ان نستفيق ونرى امتنا من شرقها لغربها وقد ثارت غضباً لما يحل بفلسطين ولكنها لم تفعل يوماً بل لم تثر لأجل نفسها بدل ان تثور لأجل فلسطين.ولكننا نبقى هذا الأمل والكارثة ان فصائلنا تبني برامجها وكأن هذا سيحدث حقاً وفي أية لحظة. ولكن حقاً لماذا لا تثور هذه الأمة؟ لماذا لا يثور الشعب المصري؟ لماذا احتمل السوريون نظام مخابراتهم طوال هذه العقود؟ ولماذا ولماذا؟ الضفة تحديداً شهدت اروع نوع من الثورات لم يعرف التاريخ مثيلاً له وهي الانتفاضة؟ فكيف تصمت الآن؟ كيف تحتمل ما ترى وتسمع ولا تثور؟
لنبدأ من أمتنا قبل ان نتحدث عن الضفة. هناك سببان رئيسيان يمنعان أمتنا من الثورة على مباركها وأسدها وصالحها :
لنبدأ من أمتنا قبل ان نتحدث عن الضفة. هناك سببان رئيسيان يمنعان أمتنا من الثورة على مباركها وأسدها وصالحها :
- السبب الأول ونعرفه جيداً وهو ان امتنا خاضعة لأنظمة استخباراتية لا مثيل لها في البطش والتنكيل من مصر الى سوريا الى الإمارات. وهذه الانظمة متواطئة وصديقة للغرب الذي يحفظها ويمدها بالعون ويتغاضى عن افعالها. وهل هذه أسوأ من الاحتلال؟ نعم.
- السبب الثاني انه منذ ان انتصرت الرأسمالية وبدأت تجتاح العالم وازداد الفقر والتفاوت في انحاء العالم بات هم الناس تأمين لقمة العيش لأولادهم. ومن استطاع منهم ان يجد القليل فانه بات التغيير يخيفه ولا يبغيه. وهذه معاناة كل شعوب الأرض وليس أمتنا وحدها. لم تعد السياسة والنشاط السياسي هماً الا بالنسبة للقلة وفي حدود معينة. قرأت ان نسبة المشاركة في الانتخابات المصرية لم تتعدى 20 ٪ وليس السبب ان المعارضة قاطعت ففي الدكتاتوريات لا تهتم الناس بالسياسة. بالمقابل هي تثور حين تضيق بها سبل العيش فوق المعقول او ان فقدت الفتات الذي تقتات عليه (دكتاتورية بن علي وزوجه المكناة بالحلاقة واخوتها لم يحركوا تونس ولكن ضيق الحال دفعهم للانفجار). هذا هو محرك الثورات اليوم وهذا فقط.. ومع الفقر افلح اللصوص من الحكام بنشر ثقافة "بدنا نعيش" في كل مكان.
هذه الكماشة أحكمت قبضتها جيداً على أمتنا طوال عقود حتى باتت بلا حراك. اضف الى ذلك ان امتنا دائما بحاجة الى قائد يحركها (جمال عبد الناصر احببناه او كرهناه لعب هذا الدور). وشخص كهذا أو كالخميني ليس متوفراً اليوم. هذه الحقائق يجب ان تبنى عليها البرامج السياسة ولا تبنى على ان الأمة ستستيقظ بين لحظة وأخرى.
ماذا عن الضفة؟
بعد أوسلو ولد نظام عربي شقيق في الضفة وغزة. نظام يملك نفس وحشية مخابرات مبارك وأولاد زايد وبن علي (المبدع في مجال التعذيب - التعذيب الصيني بتنقيط الماء فوق الرأس). باتت الضفة محكمة بكماشة من ثلاثة أذرع: احتلال، نظام وحشي وكبقية الشعوب ثقافة "بدنا نعيش". في غزة قضي على هذا النظام في لحظة تأخرت كثيراً. ولكن ما كان يمكن ومن الصعب الآن التخلص من هذا النظام- نظام السلطة في الضفة. بات شعبنا في الضفة يعاني نفس معاناة أمتنا كافة اضافة لما يعانيه من احتلال . لذلك انا لا اتوقع ان تثور الضفة كما لا أتوقع ان تثور مصر لأسباب سياسية. بل ان احتمال اندلاع ثورة على حماس في غزة بسبب الحصار اكثر احتمالاً من ثورة في الضفة بسبب القمع السياسي. علينا ان نرى ما أمامنا وليس ما نريد ان نرى.
ولكن ما العمل؟
بضع ملاحظات قبل ان أقول رأيي في ما العمل:
- علينا ان نكون مؤدبين مع أهلنا في الضفة. هناك من يقدم النصائح. لا أعتقد اننا نملك ما ننصحهم به أو نعرف ما لا يعرفون. في الضفة علماء وقيادات كما في غيرها ولا يحتاجون هذه النصائح ولو كنت مكانهم لسآءني ما أقرأ. بل هناك من من “يطلب” عمليات استشهادية! مهلاً أخي. يمكنك ان تتطوع لعمل فدائي ولكنك لا يمكن ان تطلب من غيرك ان يضحي.
- ان الحقيقة التي نعرفها جميعاً (ونريد ان نتناساها) ان الضفة حقيقة ثغر متقدم ساقط عسكرياً وانها محتلة كما كانت دائماً. قيادة حماس تعرف هذا الواقع والا لماذا تأخرت وتحملت سنين قبل الحسم في غزة؟ لأن أحد الأسباب ولا شك وهو انها كانت تسأل نفسها ماذا سيحصل في الضفة حيث لا تملك القدرة على الحسم. ولكن بعد ان طفح الكيل ما عادت تستطيع السكوت فاتخذت، متأخرةً، قرار الحسم. وحتى بعد الحسم تدرك القيادة ان الحركة في الضفة لا تملك القدرة على تغيير وضعها وأبناؤها في السجون ولذلك تراها مضطرة على الأرجح للمضي في موضوع المصالحة ولو انها تدرك من تصالحهم هم اسوأ أنواع الخونة. الكثير من أبناء حماس يرفضون المصالحة (كما تشهد المداخلات على المنتدى) ولكن قيادة حماس لا تستطيع ان تقول للخونة حقيقتهم كما على ألسنة أبنائها لأن في فمها ماء وتشعر بمعاناة أبناء حماس في الضفة. هي تدرك الحقيقة المرة وهي كما قلت ان الضفة ساقطة عسكرياً ولا يمكن الوصول إليهم لمساعدتهم. ولأن الضفة ثغر متقدم فالقرار لما سيكون هو قرار قيادتها هناك حصراً بناء على ما تراه مناسباً.
ان خطأ قيادة حماس هو صبرها وتمهلها. ان عدم التعامل بسرعة ودون كثير حساب للعواقب مع الحقائق الماثلة أمامك والتمهل ستدفع ثمنه عاجلاً أم أجلاً. ان ما تمر به الضفة هو نفس ما كانت تمر به غزة طوال السنين ما قبل الحسم (ولكن بأضعاف مضاعفة من العذاب). الحسم كان هو العلاج لوضع غزة. ولكن قبل قرار الحسم كان لا بد من قرار بالنسبة للضفة ولكنه لم يحصل. ولكن ما حصل قد حصل وعلينا التعامل مع الحقائق الماثلة أمامنا.
قيادة الحركة في الضفة تتخذ موقفاً صحيحاً بشكل عام. في مشاركة لأحد الأخوة من الضفة ذكر بان قيادة الحركة هناك تطلب منهم ان يحافظوا على انفسهم وهذا عين الصواب لمن ليس هناك تهديد لحياته. ولكن ماذا عن المطاردين والسجناء؟ أنا أرى انه لمن يستطيع منهم فيجب ان يهاجروا متى تتاح لهم الفرصة حتى وان كان الأمر متأخراً وهذا أمر إلهي واضح:
"إن الذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم، قالوا فيم كنتم؟ قالوا: كنا مستضعفين في الأرض. قالوا: ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها؟! فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً، إلا المستضعفين من الرجال والنساء والوالدان لا يستطيعون حيلة، ولا يهتدون سبيلاً، فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم، وكان الله عفوّاً غفوراً".
ورُويَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من فرَّ بدينه من أرضٍ إلى أرض وإن كان شبراً استوجب الجنة، وكان رفيق إبراهيم ومحمد" عليهما صلوات الله وسلامه.
بل ان الحركة عموماً يحب ان تسعى سياساً لاخراج ابنائها بدل الحديث عن المصالحة غير المقنعة.
* * *
قد يبدو ذلك اقراراً بالهزيمة في الضفة وهو كذلك. الاقرار بالهزيمة مر ولكن ارجو ان ينظر الأخوة للموضوع بسعة أكبر وان يتحملوا كما تحمل المسلمون هزيمة أحد. وبعكس ما قد يخيل لكم وضع الضفة لا يعني ان الوضع يدعو لليأس. عليهم ان يتذكروا نصر غزة على الخونة وعليهم النظر بطريقة أكثر شمولية فأمتنا تحقق انتصارات والتغيير لا بد قادم ونحن بوضع افضل حالاً مما كان عليه الوضع منذ عقود. ولكن ماذا عن الفصائل الأخرى التى تدعى انها في صف المقاومة ؟
فتح حركة خائنة ويجب التعامل معها على حقيقتها. كما أقول دائما من يحدثك عن تاريخه يريد ان يغطي على تقاعسه أو عن خيانته اليوم. خرافة الرصاصة الأولى انتهينا منها والأعمال بخواتيمها وفتخ اليوم حركة خيانة ويجب كنسها من الساحة كما كان يكنس العملاء أيام الانتفاضة. هكذا يجب التعامل مع فتخ ويجب ان تمنع في كل مكان الا في جوار شريكها الاحتلال حيث يجب ان تحصر في الضفة حتى يأتي اليوم الذي توجه اليها رصاصة الرحمة. وهذا يرتب واجبات برأيي على كل الفصائل:
- الجهاد الإسلامي: ان تمنعكم عن المشاركة في حكومة حماس كان معيباً. ربما كان احجامكم عن المشاركة في الانتخابات والحكومة صحيحاً ولكن الحقيقة ان كتائبكم في غزة تنعم بحرية الحركة التي وفرها لكم قرار حماس بعدم ترك الحكومة للخونة وحماية المقاومة. لقد حصلتم على الحرية ببلاش. ولكن الدعوة لكم للمشاركة في الحكومة الآن كانت دعوة لكم للاصطفاف علناً وصراحة الى جانب حماس وفكرة المقاومة في مقابل الخونة. ولكن بتمنعكم عن المشاركة اليوم تريدون ان يفسر على انكم لستم طرفاً في خلاف فتح وحماس. انه موقف معيب. تريدون ان تحصلوا على حرية الحركة ببلاش في غزة وتريدون ان تأكلوا الفلقة في الضفة بشكل منفصل. لقد فاوضت حركتكم مصر لاطلاق سراح معتقليها هناك ولم تكترث لمعتقلي حماس. أي اخوة اسلامية هذه بربكم؟
- الجبهة الشعبية: في الجبهة شرفاء ولا شك. ولكنكم تنظيم انتهى وبات ألعوبة. عواؤكم لعقود حول اصلاح منظمة التحرير بات فارغاً. ان لم يتحقق هذا سريعاً فيجب ان تفكروا بحل هذا التنظيم.
- الجبهة الشعبية القيادة العامة وعصبة الأنصار: فتخ حركة خائنة ويجب ان تمحى من لبنان وانتم الأقدر على تحقيق ذلك وتوجيه رسالة للخائن عباس بأنه لن يكون له وجود الا الي جوار الاحتلال. يجب ان تطرد الجبهة فتح من مخيم برج البراجنة ويجب ان تطرد العصبة فتخ من مخيم عين الحلوة. يفترض ان تقوم حماس بذلك ولكن الحركة تمارس سياسة "عدم التدخل" في الخارج. ولكنكم ان فعلتم ذلك فلن يكون كرمى لحماس ولكن نصراً لشعبنا ولوقفة حق. عباس يعمل على حل فتخ فكل مكان وسيجد أبناءها أنفسهم يوماً أيتامى ولات ساعة مندم. ولكنكم يجب ان تستبقوا الأمر وتوجهوا له رسالة واضحة.
وماذا عن من يسمون بالمستقلين؟ وماذا عني وعنك؟
هناك بعض من يسمون انفسهم بالمستقلين الذين يرفضون ما يسمونه ب"التخوين". ماذا يريد هؤلاء من براهين وأدلة أكثر مما تقدمه لهم فتخ ؟ اذا لم تكن هذه هي الخيانة بعينها فما هي؟ كان العميل في زمن الانتفاضة يُعدم لربع ربع ما قام به دحلان وها هو ربما عاد بعد التحقيق أقوى مما كان وربما نصبه الاحتلال رئيساً لفلسطين. وتحدثوننا عن "التخوين" والوحدة الوطنية! انتم الشياطين الخرس، شاهت وجوهكم ووجوهكن.
فتخ يجب ان تعزل حتى على المستوى الشخصي. لي صديق منذ أيام العمل يعمل مع فتخ وكنا صديقين لسنوات. في الصيف الماضي ذهبت لزيارة الأهل في لبنان ولكن قبل سفري قرأت على المنتدى ان والدة أحد الأسرى لدى الاحتلال ناشدت ابنها ان يفتعل المشاكل مع ادارة السجن حتى لا يقع في قبضة وحوش فتخ. في تلك اللحظة بلغ السيل الزبى بالنسبة لي وان متأخراً فارسلت رسالة لصديقي: " أنا قادم الى لبنان. ان مررت بي لا تسلًم علي والا سمعت ما لا يعجبك. الطريقة الوحيدة لكي تعود العلاقة بيننا هو ان تتبرأ من فتخ". على كل من ان يقطع كل صلة ممن حوله في كل مكان. انا اعتقد ان كل واحد فينا يمكنه ان يفعل شيئاً أكثر من الدعاء والصيام والنصائح.
أخيراً الى الأخت تمام أبو السعود والمختطفين جميعاً:
العار يجللنا فارفعوا أيدكم واشكونا لله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق