بقلم : أ . تحسين يحيى أبو عاصي – كاتب فلسطيني مستقل – قطاع غزة –
في ( 11 - 1 - 2011م )
أعتذر للقراء عن أسلوبي فإنني أكتب بمرارة وألم ، فلم أتوقع في يوم من الأيام حالة اليأس التي أصابت البعض من شرائح نخب مجتمعنا الفلسطيني في قطاع غزة ، لقد تفاجأت عن قرب من شدة الإحباط واليأس المعشش في تفكير ووجدان هؤلاء إلى درجة الذهول ، مما جعلني أعيش بسبب ذلك حالة من الضغط والإرهاق لم أشعر بها من قبل ، فتزاحمت عليّ الأفكار من هنا وهناك ، وأنا أُقيّم هذه الظاهرة المخيفة والمقلقة ، وبدأت أسأل نفسي أسئلة كثيرة منها :
كيف يمكن لبعض نخب شعبنا أن تحقق نصرا وتبني وطنا وهي محبطة يائسة ؟ .
وتذكرت ( معذرة على الأمثلة فقد قصدت توضيح الفكرة فقط ) أن قطيع الغنم يحكمه ويقوده راعي واحد فقط ، وأن الأغنام تطيع رغم أنها تساق إلى ذبحها ، وأنها مبرمجة على الطاعة والاندماج في قطيعها ، شأنها في ذلك شأن باقي المخلوقات على ظهر الأرض ، من النملة وحتى الفيلة ، مُعبرة في ذلك عن انتمائها وإخلاصها .
تذكرت أيضا كيف يجر الحمار أو البغل ( أجلكم الله ) أرتال أكوام القمامة ، والحَمَّار يحاول تنظيم تلك الأرتال فوق عربة الدابة ( الحمار أو البغل ) ، بوضع قطع من الصفيح على جوانبها ؛ كي لا تتبعثر القمامة في الطريق ؛ وكي يُحمل الدابة ما يمكن أن يُحملها من أرتال القمامة وهي صامتة ، بدون أن تشكو أو تمل أو تسخط ، فلا ترى الأثقال التي تجرها أو تحملها ، فهي لا ترى إلا ما يقع أمام أعينها من التبن أوالبرسيم ! .
قلت في نفسي : لماذا لا يكون كل واحد من أولائك اليائسين والمهزوزين من داخلهم إيجابيا معطاءً ، فاعلا ومؤثرا ! ؟ .
لماذا التقلب واللعب على كل الحبال ! ؟ .
لماذا يقبل لنفسه أن يكون متلقيا سلبيا عاجزا ، ويرفض أن يكون مؤثرا فاعلا ! ؟ .
لماذا لا يتحمل كل واحد منا مسئوليته الوطنية والأخلاقية تجاه شعبه وقضيته ! ؟ .
كيف يرضى أن يعيش على هامش الحياة صفر اليدين من عوامل بناء الهوية والوطن ، حتى مسببات الخدمات الاجتماعية يرفض الانخراط فيها ، متخذا موقفا سلبيا منها إلا ما يعود عليه في الشهرة أو النفع ! ؟ .
لماذا ينسجم مع صفة النكرة التي لا وزن لها في قواميس الشعوب التي تصبوا نحو الحرية والاستقلال ... فلقد هب اليوم الشعب التونسي ، وهب الشعب الجزائري ، ومن قبل الشعب الإيراني وشعب بولندا ورومانيا ، علما بأنني لا أدعو إلى مثل هذه الهبات ، بل أدعو إلى إيجابية التفكير والثقافة والفعل ، والبعد عن الاتكالية واللامبالاة وسلبية المواقف ...
سكنْت قبل سنوات في منطقة خالية من الخدمات ، فعمدت إلى استقطاب السكان من أجل الحصول على تلك الخدمات ، وكانت النتيجة وضع أعمدة إنارة ، وتعبيد الطريق ، وإقامة شبكة للصرف الصحي .
وعملت سابقا مدرسا في مدرسة خالية من المقصف المدرسي ( منطقة الدرج – مدرسة موسى ابن نصير- ) ، ولا يوجد بها مُعرَّش لوقاية التلاميذ من الحر أو المطر ، والطرق التي تؤدي إليها ليست معبدة ، قمت بجمع تواقيع أكثر من خمسين رجلا من سكان المنطقة في عريضة قدمتها إلى مؤسسات خدماتية ، فكانت النتيجة الحصول على كل ما أردناه .
وفي مدرسة أخرى ( مدرسة شهداء غزة في حي التفاح ) ، كانت أكوام الردم مكدسة في طريق التلاميذ ، إلى جانب مياه الصرف الصحي ، وجيف الحيوانات الملقاة ، والطرق غير معبدة ، رفعت في ذلك الوقت كتبا إلى بلدية غزة ومديرية التربية والتعليم ، طالبا فيها إزالة أكوام الردم ، ومعالجة مياه الصرف الصحي ، وتعبيد الطريق الذي يجمع إضافة إلى المدرسة مستشفى للأطفال ، ومركز تدريب ، ومركز للمعاقين ، وغير ذلك من المؤسسات الخدماتية ، وقد تحققت جميع مطالبنا باستثناء تعبيد الطريق .
ولا زلت أُبادر وأشارك في الكثير من الأنشطة ، مما لا يسع المجال لذكرها هنا ، رغم كبر سني وضعف واعتلال صحتي ... حتى أنه منذ أيام قليلة ، بدأنا الاتصال بعدد من أعيان ووجهاء ومخاتير قطاع غزة ، لعلنا نقدم مبادرة مصالحة وطنية بين الأشقاء في حركتي فتح وحماس ، أو نشارك في حل ما تبقى من نقاط الخلاف بينهما ، وكأنني بذلك أشق الصخور بأظافري ...
لقد لمست من هؤلاء ( بعض شرائح النخب ) الريبة والتوجس ، والترقب والتشكيك ، ومهارة النقد السلبي المقيت ، والروح الانهزامية ، واليأس الذي لم أكن لأتوقعه مطلقا... وهم ماهرون بامتياز في نقد وتجريح وتشويه القوى الفلسطينية ونعتها بشتى النعوت ، ليس هذا فحسب ، بل تيئيس المستمعين من أي أمل في النهوض بواقعنا الفلسطيني ، ووضع العقبات أمام كل وطني غيور ، وكأن نساء شعب فلسطين قد عقمت أرحامها ، وكأن شعبنا يوصف بالجمود ، وأنه عاجز عن خلق كل جديد يمكنه من التعامل مع معطيات المرحلة !!.
وليتهم أثناء نقدهم يجيدون النقد بأسلوب علمي تحليلي ، بل نشعر أنهم لا يجيدون فهم أدنى أبجديات السياسة ، ثم يتشدقون بالوطنية كذبا وانتفاعا وغرورا ، والويل لمن يخالفهم الفكر ولو في الحد الأدنى من القواسم المشتركة التي لا يختلف حولها اثنان عاقلان ...
إن مثل هؤلاء ، هم في الحقيقة من نخب شعبنا ، ومن مختلف الشرائح ، وما فرعنة دولة الاحتلال إلا بسبب انفصام شخصياتهم وازدواجية تعاملهم ...! .
وما دلال إسرائيل العالمي ( الطفل المدلل ) إلا برواج ثقافتهم وانهزاميتهم ويأسهم ... فهنيئاً لك يا إسرائيل بمثل هؤلاء ، وحمى الله شرفاء ومناضلي شعبنا على مختلف مشاربهم الفكرية وتوجهاتهم السياسية من شر هؤلاء .
المطلوب من جميع القوى الفلسطينية إعادة التقييم ، وبناء الروح الوطنية ، وإنهاء حالة الانقسام ، وتقوية عوامل الصمود والثبات ، فهل هذا صعب المنال ؟ إن كان صعب المنال فمرة أخرى هنيئا لك يا إسرائيل ، ولننتظر ما هو أصعب لا سمح الله ، فالشاة حتما ستقاد إلى حتفها ، وليُغنِّ كل منا على ليلاه كيفما شاء
في ( 11 - 1 - 2011م )
أعتذر للقراء عن أسلوبي فإنني أكتب بمرارة وألم ، فلم أتوقع في يوم من الأيام حالة اليأس التي أصابت البعض من شرائح نخب مجتمعنا الفلسطيني في قطاع غزة ، لقد تفاجأت عن قرب من شدة الإحباط واليأس المعشش في تفكير ووجدان هؤلاء إلى درجة الذهول ، مما جعلني أعيش بسبب ذلك حالة من الضغط والإرهاق لم أشعر بها من قبل ، فتزاحمت عليّ الأفكار من هنا وهناك ، وأنا أُقيّم هذه الظاهرة المخيفة والمقلقة ، وبدأت أسأل نفسي أسئلة كثيرة منها :
كيف يمكن لبعض نخب شعبنا أن تحقق نصرا وتبني وطنا وهي محبطة يائسة ؟ .
وتذكرت ( معذرة على الأمثلة فقد قصدت توضيح الفكرة فقط ) أن قطيع الغنم يحكمه ويقوده راعي واحد فقط ، وأن الأغنام تطيع رغم أنها تساق إلى ذبحها ، وأنها مبرمجة على الطاعة والاندماج في قطيعها ، شأنها في ذلك شأن باقي المخلوقات على ظهر الأرض ، من النملة وحتى الفيلة ، مُعبرة في ذلك عن انتمائها وإخلاصها .
تذكرت أيضا كيف يجر الحمار أو البغل ( أجلكم الله ) أرتال أكوام القمامة ، والحَمَّار يحاول تنظيم تلك الأرتال فوق عربة الدابة ( الحمار أو البغل ) ، بوضع قطع من الصفيح على جوانبها ؛ كي لا تتبعثر القمامة في الطريق ؛ وكي يُحمل الدابة ما يمكن أن يُحملها من أرتال القمامة وهي صامتة ، بدون أن تشكو أو تمل أو تسخط ، فلا ترى الأثقال التي تجرها أو تحملها ، فهي لا ترى إلا ما يقع أمام أعينها من التبن أوالبرسيم ! .
قلت في نفسي : لماذا لا يكون كل واحد من أولائك اليائسين والمهزوزين من داخلهم إيجابيا معطاءً ، فاعلا ومؤثرا ! ؟ .
لماذا التقلب واللعب على كل الحبال ! ؟ .
لماذا يقبل لنفسه أن يكون متلقيا سلبيا عاجزا ، ويرفض أن يكون مؤثرا فاعلا ! ؟ .
لماذا لا يتحمل كل واحد منا مسئوليته الوطنية والأخلاقية تجاه شعبه وقضيته ! ؟ .
كيف يرضى أن يعيش على هامش الحياة صفر اليدين من عوامل بناء الهوية والوطن ، حتى مسببات الخدمات الاجتماعية يرفض الانخراط فيها ، متخذا موقفا سلبيا منها إلا ما يعود عليه في الشهرة أو النفع ! ؟ .
لماذا ينسجم مع صفة النكرة التي لا وزن لها في قواميس الشعوب التي تصبوا نحو الحرية والاستقلال ... فلقد هب اليوم الشعب التونسي ، وهب الشعب الجزائري ، ومن قبل الشعب الإيراني وشعب بولندا ورومانيا ، علما بأنني لا أدعو إلى مثل هذه الهبات ، بل أدعو إلى إيجابية التفكير والثقافة والفعل ، والبعد عن الاتكالية واللامبالاة وسلبية المواقف ...
سكنْت قبل سنوات في منطقة خالية من الخدمات ، فعمدت إلى استقطاب السكان من أجل الحصول على تلك الخدمات ، وكانت النتيجة وضع أعمدة إنارة ، وتعبيد الطريق ، وإقامة شبكة للصرف الصحي .
وعملت سابقا مدرسا في مدرسة خالية من المقصف المدرسي ( منطقة الدرج – مدرسة موسى ابن نصير- ) ، ولا يوجد بها مُعرَّش لوقاية التلاميذ من الحر أو المطر ، والطرق التي تؤدي إليها ليست معبدة ، قمت بجمع تواقيع أكثر من خمسين رجلا من سكان المنطقة في عريضة قدمتها إلى مؤسسات خدماتية ، فكانت النتيجة الحصول على كل ما أردناه .
وفي مدرسة أخرى ( مدرسة شهداء غزة في حي التفاح ) ، كانت أكوام الردم مكدسة في طريق التلاميذ ، إلى جانب مياه الصرف الصحي ، وجيف الحيوانات الملقاة ، والطرق غير معبدة ، رفعت في ذلك الوقت كتبا إلى بلدية غزة ومديرية التربية والتعليم ، طالبا فيها إزالة أكوام الردم ، ومعالجة مياه الصرف الصحي ، وتعبيد الطريق الذي يجمع إضافة إلى المدرسة مستشفى للأطفال ، ومركز تدريب ، ومركز للمعاقين ، وغير ذلك من المؤسسات الخدماتية ، وقد تحققت جميع مطالبنا باستثناء تعبيد الطريق .
ولا زلت أُبادر وأشارك في الكثير من الأنشطة ، مما لا يسع المجال لذكرها هنا ، رغم كبر سني وضعف واعتلال صحتي ... حتى أنه منذ أيام قليلة ، بدأنا الاتصال بعدد من أعيان ووجهاء ومخاتير قطاع غزة ، لعلنا نقدم مبادرة مصالحة وطنية بين الأشقاء في حركتي فتح وحماس ، أو نشارك في حل ما تبقى من نقاط الخلاف بينهما ، وكأنني بذلك أشق الصخور بأظافري ...
لقد لمست من هؤلاء ( بعض شرائح النخب ) الريبة والتوجس ، والترقب والتشكيك ، ومهارة النقد السلبي المقيت ، والروح الانهزامية ، واليأس الذي لم أكن لأتوقعه مطلقا... وهم ماهرون بامتياز في نقد وتجريح وتشويه القوى الفلسطينية ونعتها بشتى النعوت ، ليس هذا فحسب ، بل تيئيس المستمعين من أي أمل في النهوض بواقعنا الفلسطيني ، ووضع العقبات أمام كل وطني غيور ، وكأن نساء شعب فلسطين قد عقمت أرحامها ، وكأن شعبنا يوصف بالجمود ، وأنه عاجز عن خلق كل جديد يمكنه من التعامل مع معطيات المرحلة !!.
وليتهم أثناء نقدهم يجيدون النقد بأسلوب علمي تحليلي ، بل نشعر أنهم لا يجيدون فهم أدنى أبجديات السياسة ، ثم يتشدقون بالوطنية كذبا وانتفاعا وغرورا ، والويل لمن يخالفهم الفكر ولو في الحد الأدنى من القواسم المشتركة التي لا يختلف حولها اثنان عاقلان ...
إن مثل هؤلاء ، هم في الحقيقة من نخب شعبنا ، ومن مختلف الشرائح ، وما فرعنة دولة الاحتلال إلا بسبب انفصام شخصياتهم وازدواجية تعاملهم ...! .
وما دلال إسرائيل العالمي ( الطفل المدلل ) إلا برواج ثقافتهم وانهزاميتهم ويأسهم ... فهنيئاً لك يا إسرائيل بمثل هؤلاء ، وحمى الله شرفاء ومناضلي شعبنا على مختلف مشاربهم الفكرية وتوجهاتهم السياسية من شر هؤلاء .
المطلوب من جميع القوى الفلسطينية إعادة التقييم ، وبناء الروح الوطنية ، وإنهاء حالة الانقسام ، وتقوية عوامل الصمود والثبات ، فهل هذا صعب المنال ؟ إن كان صعب المنال فمرة أخرى هنيئا لك يا إسرائيل ، ولننتظر ما هو أصعب لا سمح الله ، فالشاة حتما ستقاد إلى حتفها ، وليُغنِّ كل منا على ليلاه كيفما شاء
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق