الاثنين، 7 مارس 2011

القضية الفلسطينية.. الفرصة التاريخية ومتطلبات الوعي





بسم الله الرحمن الرحيم



في ظل المتغيرات السياسية: القضية الفلسطينية.. الفرصة التاريخية ومتطلبات الوعي
بقلم: د. النائب في المجلس التشريعي : محمد شهاب 



· بسرعة كبيرة وغير متوقعة انطلقت الشرارة وانفجر برميل البارود وتتابعت شرارة الانفجار من قطر إلى قطر، لتغطي ساحات العالم العربي بمستويات تتصاعد يومياً.

· فجأة استيقظ العملاق المخدر والمقيد وشعر بطاقة هائلة، اكتشفت تلك الشعوب نفسها ووجدت ذاتها وأحست بكيانها، اكتشفت أنها تملك قوة روحية وداخلية كبيرة وطاقة مخزونة هائلة، إنها يقظة الروح التي نفخت في جسد تلك الشعوب فجعلتها تثور لكرامتها المهدرة، وتضحي من أجل الحرية.

· وقررت الشعوب أن تفعل شيئاً، فنهضت ثائرة تكسر حالة الجمود واليأس والإحباط، والآمال العظام تحدوها نحو تغيير واقعها السيء سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وكونياً.

· وحين قررت الشعوب أن تكون سيدة نفسها وأن تأخذ زمام أمرها؛ كانت المفاجأة مذهلة في أول مواجهة مع تلك الأنظمة، فقد اكتشفت الشعوب أن تلك الأنظمة المستبدة العاتية والمخيفة بقوتها؛ أضعف ما تكون بعفنها وفسادها، فانهارت كبرج من ورق.

· وهكذا وبشكل مفاجئ كسرت الشعوب بل حطمت وبكل قوة وإلى غير رجعة حاجز الخوف من تلك الأنظمة الطاغية التي تربعت بل جثمت بقوة الحديد ورهبة الأمن على صدور شعوبها عقوداً من الزمن.

· وهكذا فضحت هذه الأحداث وعرّت سوءة النظم السياسية العربية بل نزعت عنها غطاء الشرعية كلياً.

· هذه التطورات الدراماتيكية سيكون لها أبعد الأثر في الصراع العربي الصهيوني، حيث سقطت أنظمة كانت لعقود طويلة عنواناً ورمزاً للتسوية والتطبيع بل والتحالف مع الاحتلال وكانت الراعي لمشروع أوسلو وتجلياته المختلفة.

· وبالرغم من أن التحولات الجارية لم تصل إلى مداها النهائي، ولم تتضح بعد مآلاتها، فإنه من المتوقع أن يكون أي مآل قادم خاصة في مصر خير وأفضل مما كان زمن مبارك، بما يعني دخول الأمة إلى حالة من النهوض والتماسك في المواقف في مواجهة السياسات الأمريكية والصهيونية.


· تأثر الكيان الصهيوني:

· الأحداث التي جرت في العالم العربي سيكون لها تداعيات كبيرة وخطيرة على مستقبل ومصير الكيان الصهيوني، وخاصة ما جرى في مصر، والذي يعتبر بمثابة "زلزال" كبير بكل ما تعني الكلمة.

· نظام حسني مبارك هو امتداد لنظام السادات، الذي وقع اتفاق سلام "كامب ديفيد" مع الكيان الصهيوني، وهو الذي أخرج مصر من معادلة الصراع العربي الصهيوني، ثم هو الذي احتضن خيار منظمة التحرير الفلسطينية في مشاريع التسوية السياسية، والتي أفرزت اتفاق أوسلو المشئوم ونشوء السلطة الفلسطينية محدودة الصلاحيات.

· وبخسران الاحتلال لهذا النظام الحليف الكبير، وركنه الركين في المحيط العربي؛ سيكون الكيان الصهيوني أكبر الخاسرين جراء هذه الأحداث والتغيرات، بل ستكون ثورة البحر العربي والمحيط الإسلامي بمثابة تسونامي حقيقي، يقطع عن هذا الكيان كل مدد ويحاصره ويعزله فلا تنفعه قوته النووية، ولا حلفاؤه في الغرب، ثم يكتسحه من كل جانب فيغرقه خلال عهد قريب ويجعله أثراً بعد عين بإذن الله. 

· تأثر القضية الفلسطينية:

· وكما لهذه الأحداث تلك التداعيات الكبيرة على الكيان الصهيوني؛ فإن لها ما يقابلها على مستقبل القضية الفلسطينية، ومجمل الوضع العربي.

· ظل النظام المصري حتى آخر عهد مبارك عرّاب السياسة الأمريكية في المنطقة، والدعامة الأساسية لسلطة عباس، والوسيط الحصري في موضوع الشأن الفلسطيني فيما سمي بجولات الحوار والمصالحة الوطنية والتي فشلت أمام أهوائه المنحازة لعباس والضغوط الأمريكية والإسرائيلية.

· هذه المتغيرات التي يشهدها العالم العربي عاجلاً أو آجلاً ستتجاوب مع التطلعات المشروعة التي ثارت من أجلها تلك الشعوب.

· ولا شك أنها على المدى القريب ستنشغل بمشاكلها وهمومها الداخلية فترة لا بأس بها، ولكن عجلة التغيير لن تكون إلى الوراء أبداً، بل إلى الأمام، وإن كانت على بطء ومراحل.

· ستكون السلطة الفلسطينية في رام الله من بين أكبر الخاسرين، حيث فقدت أكبر حليف عربي سياسي وعمود خيارها السياسي، وجاءت هذه الزلزلة القوية بعد ضربة قوية قاصمة بما كشفته الجزيرة من وثائق فاضحة.

· وقد تسرب عن أحد قادتها قوله: إذا رحل نظام مبارك سنرحل، كما استقال د صائب عريقات الملقب بكبير المفاوضين، ثم استقالت حكومة فياض في الضفة الغربية، وجرى التصريح عن مبادرات للمصالحة وإجراء انتخابات محلية وتشريعية ورئاسية، وهي قفزة في الهواء ودعوة عجيبة غريبة.

· وإلا فكيف تجري انتخابات دون توافق وطني ومصالحة فلسطينية مسبقة؟ كيف تجري انتخابات في الضفة ولا تجري في غزة؟ كيف ستشارك فصائل المقاومة في الضفة الغربية وهي معتقلة ومطاردة؟ كيف تجري الانتخابات والظرف الفلسطيني غير مهيأ الآن لهذه الانتخابات؟

· ولعل هذه الدعوة تعبير عن التخبط الواضح لدى سلطة عباس هناك، أو هي محاوله استباقية لتطويق أي ثورة شعبية ضد سلطته القمعية، من خلال امتصاص نقمة الشعب الفلسطيني.

· ولا شك أن السلطة هناك تتحسب وترتعد فرائصها خشية اندلاع ثورة ضدها بسبب القمع المستمر لقوى المقاومة وأنصارها ومؤسساتها والتعاون الأمني الفاضح في هذا الاتجاه، إضافة إلى فشل خيار التفاوض وتصاعد الاستيطان والتهويد وخذلان الحليف الأمريكي لخيارات السلطة.

· ولا شك أنها الآن في حيرة من أمرها؛ إما أن تنفض يديها من المفاوضات أو تحل السلطة وأجهزتها، أو تبحث عن أي حبل إنقاذ لمصيرها، وكل ذلك يعني انسحاباً من المسرح السياسي وتسليماً بعجزها وفشلها وبالتالي تسلم الميدان للشعب والمقاومة، وهو مما لا تطيقه!!

· وبرغم ما تحرص عليه سلطة حماس في غزة من إعطاء نموذج مميز في تسيير الأمور لا يقارن بسلطة فياض بأي حال؛ إلا أن التوجس بحدوث شغب أو اضطراب وارد أيضاً؛ لسبب عريض يراه عامة الناس؛ وهو مشاركتها في حدوث الانقسام واستمراره، ولا يعذرهم في ذلك حب حماس ولا مبرراتها ولا التفاصيل.

· كما يبدو أن الأنظار تتجه إلى مخرج وطني مشرف يحفظ ماء الوجه ويلم الشمل، وهذا عين الحكمة رغم عظيم الثمن، امتدت الأبصار كاسفة، وبانتظار أن تمتد الأيدي المتنافرة تقودها عقول حكيمة وقلوب حانية.

· مصر وفلسطين رباط مقدس:

· نظراً لما يملكه موقع مصر بالنسبة لفلسطين من مقومات تاريخية ودينية وجغرافية وبشرية؛ سيظل يمثل دور العقل والقلب في هذه القضية، وهذه المرة سيعود إلى وضعه الطبيعي والأصيل وبشكل إيجابي تاريخي متدرج ومتصاعد. 

· تغير النظام في مصر هو انتصار لثورة الشباب في مصر، والشباب يعني القوة وخيار القوة والتحرير، يعني أن مصر ستعود إلى دورها الريادي في دعم القضية الفلسطينية ودعم المقاومة الفلسطينية.

· وعليه؛، ستكون فلسطين عموماً من أكثر المتأثرين الرابحين برياح التغيير المحيطة، بل ستكون هي القضية المركزية الحاضرة المتألقة في محافل السياسة العالمية.

· وتبعاً لذلك سيكون أصحاب خيار الجهاد والمقاومة، وعلى رأسها حركة حماس، من بين أكثر المتأثرين الرابحين برياح التغيير المحيطة.

· وهذا سر فرحة الشعب الفلسطيني عامة بانتصار ثورة الشعب المصري، ولا نشك أن النظام الجديد الذي سينشأ بعد الانتخابات في مصر لن يكون أبداً كسلفه، بل سيكون سنداً قوياً لقضية الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة.

· نحن نستبشر خيراً بمستقبل مصر وبالتالي مستقبل الأمة العربية والإسلامية، ونحن واثقون أنه ستأتي اللحظة التاريخية الحاسمة التي تقف مصر بالكامل إلى جانب الشعب الفلسطيني وتشارك في معركة تحرير القدس وكل فلسطين إن شاء الله.

· متطلبات الوعي:

· تترافق هذه التطورات العربية وتداعياتها مع وقائع مؤلمة في الساحة الفلسطينية أهمها:

1. وصول برنامج السلطة السياسي إلى حالة تأزم وانسداد تام.

2. فقدان السلطة في رام الله إلى أية مشروعية وطنية وفشلها في تحقيق مشروع الدولة، وفشلها في حماية المواطنين أو وقف مشاريع التهويد والاستيطان.

3. الخذلان الأمريكي لخيارات السلطة وتسليمها بالموقف الصهيوني، وحرمانها من هامش التحرك السياسي.

4. الإضرار بالقضية والإحباط الشعبي بسبب استمرار حالة الانقسام دون أفق واضح للحل، وإعادة اللحمة.

· كل ذلك يوجب على قوى وفصائل الشعب الفلسطيني وحلفائها في الساحات العربية أخذ زمام المبادرة للقيام بعمل جاد وعاجل للخروج من الحالة القائمة إلى واقع جديد، حالة جديدة بأسس وطنية متفق عليها، وتتلخص في: (خروج مبادرة وطنية متوازنة يمكن أن تمثل قاسماً مشتركاً مع القوى السياسية قوامها إعادة بناء السلطة على أسس وطنية، وإعادة بناء المرجعية الوطنية للشعب الفلسطيني وإعادة تنظيم إدارة الصراع مع الاحتلال، وتقديم ما يلزم من التنازلات على صعيد المواقع الإدارية في السلطة بهدف حماية البرنامج الوطني).

· على الصعيد الفلسطيني: مطلوب كذلك وضع خطة وطنية واضحة الأبعاد لهذه المرحلة بهدف تحقيق ما هو ممكن كحد أدنى في ظل المعادلات الدولية الراهنة، بما يحقق إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة وحقوق معترف بها دولياً على كامل حدود الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967م خالية من المستوطنات، دون الاعتراف بالكيان الصهيوني ودون التفريط بحق عودة اللاجئين إلى ديارهم، مقابل هدنة طويلة تحقن فيها الدماء، ويجد العالم خلالها حلاً لمشروع الحركة الصهيونية ولكن خارج أرض فلسطين التاريخية.

· وهذا يتطلب المسارعة إلى عقد حوارات مع مختلف الفصائل للاتفاق على برنامج مقترح للمرحلة المقبلة، ويشمل الحوار الداخل والخارج وذلك للتوصل إلى توافق وطني على أسس لا تتجاوز ثوابت وحقوق الشعب الفلسطيني، على النحو التالي:

1. يعاد تشكيل السلطة على أسس وطنية، لا تستمد شرعية وجودها من الاحتلال، واتفاق أوسلو، وذلك من خلال إعلان يصدر عن مؤتمر وطني جامع، يوفر الغطاء الوطني الثوري للسلطة كبديل لشرعية أوسلو.

2. يتم تشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية تمثل مختلف القوى والفصائل وذات برنامج يحمي المشروع الوطني.

3. تشكيل قيادة وطنية كمرجعية مؤقتة من قادة الفصائل والشخصيات الوطنية، تباشر إنفاذ ما جاء في اتفاق القاهرة 2005، المتعلق بإعادة بناء م. ت. ف.

· وعلى الصعيد العربي: مطلوب أن يتوجه الجهد المصري ليمارس دوره الكبير في تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية، ولكن بعدل وتوازن واعتبارات المصالح العليا والثوابت الوطنية، والذي سيفضي حتماً إلى توافق على إعادة بناء وإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية في ظل شراكة سياسية حقيقية، والتي ستفرض على العالم الاعتراف بشرعية حماس السياسية والدستورية في هذه المنظمة التي ستمثل حينها كل ألوان الطيف الفلسطيني، وكذلك إجراء اتصالات سياسية مع قادة الدول والأحزاب العربية والعمل على استصدار قرارات عربية رسمية تؤيد هذه الخطوات بهدف توفير الغطاء السياسي والمالي العربي لهذا المشروع الوطني.

· آمال وطموح:

· قادة الثورة الآن قيادة عسكرية مؤقتة، ونعذرهم حين يصرحون بالتزامهم المعاهدات والمواثيق الدولية والتي تشمل طبعاً اتفاقية كامب ديفيد، فهي بوضعها لا تستطيع اتخاذ قرارات مصيرية تذعر المجتمع الدولي.

· لا أظن القيادة المصرية في المستقبل القريب يمكن أن تغير كثيراً في السياسة الخارجية والالتزامات الدولية، فقضية معاهدة كامب ديفيد هي معاهدة خطيرة بالنسبة لمصر والكيان الصهيوني.

· الذي يسقط هذه المعاهدة هو الشعب المصري من خلال انتخاب قيادة وطنية لمصر تعمل على إلغاء هذه المعاهدة بجرأة وحكمة معاً يتوافر فيها الظرف المناسب.

· قادة الثورة الآن يركزون على إجراء تعديلات دستورية تمهيداً لانتقال القيادة إلى المدنيين عبر انتخابات تشريعية حرة ونزيهة خلال ستة أشهر، وهو عين الحكمة.

· أرى الآن ألا نستعجل الأمور على الأشقاء في مصر، وألا نثقل كاهلهم بمطالب فلسطين الاستراتيجية أو الكبيرة.

· في المستقبل القريب سيكون التأثير واضحاً في فكفكة الحصار المضروب على قطاع غزة وأتوقع أن يكون الاعتراف السياسي من قبل النظام المصري بحماس وحكمها في القطاع واقعاً على الأرض ربما دون إعلان دولي رسمي، متمثلاً بفتح معبر رفح للأشخاص والبضائع بحسب نظام ترتضيه مصر، وتتلاشى بعدها ظاهرة الأنفاق.

· عموماً، أتوقع أن يشهد هذا العام وما يليه من أعوام قادمة عودة وتألق الدور الريادي القيادي والإيجابي لمصر في تغيير الواقع العربي والإسلامي.

· وختاماً ..

· اسمحوا لي في هذا المقام أن أتذكر الإمام المؤسس شهيد القضية الفلسطينية الشيخ حسن البنا في أحد توجيهاته الألمعية لأتباعه في مؤتمر حاشد في الثلاثينات حيث قال:

· أيها الإخوان المسلمون: ألجموا نزوات العواطف بنظرات العقول ، وأنيروا أشعة العقول بلهب العواطف ، وألزموا الخيال صدق الحقيقة والواقع ، واكتشفوا الحقائق في أضواء الخيال الزاهية البراقة . ولا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة ، ولا تصادموا نواميس الكون فإنها غلابة ، ولكن غالبوها واستخدموها وحولوا تيارها واستعينوا ببعضها علي بعض ، وترقبوا ساعة النصر وما هي منكم ببعيد. 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،


المكتب الإعلامي - جباليا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق