الشيخ حامد العلى:
يا أحـرار العالم اتحّـدوا
عشر عبـر وفوائد من سقوط أوّل طغاة العرب |
لو أنَّك عصرت الشعوب العربية لتستخلص ما فيها من خصال النبل ، وألقيت عليها خلاصـة الإسلام المشبَّعة بالخيـر
لفوجئت بأنَّ نتاج هذا الخليط هـو الشعب الجزائري ، ومثله شعوب المغرب العربـي النجيـبة ، من تونس الإسلام إلى موريتانيـا الفخـر ، والإقـدام !
ولكنّهـا كسائر شعوبنا العربية ابتليت بهذا المثلث الجاثم على صدور الأمـّة ، أعنـي تحالف ( القصـر " فرعون " ، والعسكر مع بطانة السـوء "هامان " ، ومافيـا الفسـاد " قارون " ) !
فإذا أضيف إلـى هـذا المثـلّث سحـرة فـرعون ، أعنـي ( اللحى المستأجره ) أو ( فقهاء التسـوُّل ) الذين يفتون السلطة بضرب الظهور ، وسلب الدثـور ، ومنـع الحقوق بالجـوْر والفجـور !
إذا أضيفت هذه اللحى الخائنـة ، ليصيـر المثـلَّث مربـّعا ملعونـا ، فقد استحكم الداء ، واستعصى الدواء ، وصارت الباقعـة صلعـاء !
غير أنَّ ما يجري اليوم في تونس والجزائـر ينبئ عن إنبـلاج ثورة للتغييـر ، تدل على أنّ تعبئة الشعـوب قد أينعت ثمارهـا ، وآتت أكلـها
فهاهـي صيحاتها الأولى قـد انطـلقت تنشـد حقوقها كامـلة والكرامة ، وتأبى حياة العبيـد ، وترفض ثقافة القطيـع .
وذلك بعـدما أيقـنت أنَّ ثمـّة ثلاث مصـائب هي سبب الضياع التي تعيشـه الأمـّة :
أوَّلهـُا وأهمُّهـا أنَّ الأمـّة قـد فُرضـت عليها أنظمةٌ فاسـدة ، فرضـت بالقوة ، والكذب ، و الخداع ، والتزويـر ، والدجـل .
ثـم قـد طـال ليـلُ هذا الكذب ، والخداع ، والتزويـر ، والدجـل ، والنفـخ في هذه ( الدمى المزوّرة ) بواسطة ألـقاب التفخيم ، و التعظـيم ، ليصدق الناس أكذوبـتها الفاضحـة
هذه الأكذوبـة التي تؤذي بها وسائل الإعلام الرسمـيّة والسابحـة في فلكهـا ، تؤذي الأسمــاع ، وتقـذي العيـون ، كلَّما أصبحت هذه الشعـوب ، وأمسـت ، وعشيــَّا ، وحين يظهـرون !!
على أمـل أن يتحـوَّل الوهم إلى حقيقة ثابتة في نفـوس الشعـوب مع مرور الزمـن ، ليصدّقـوا أن زعيمهـم لايأتيه الباطل من بين يديـه ، ولا من خلفه ، ولا حتّى من ظهـره ، فما يخرج من صلبه من نطف تتوارث الحكم ، هي أيضـا أمـل الشعوب الأوحـد ، ومستقبلها الأسـعد !
فأيُّ شيءٍ كانـت نتيجـة هذا الخـداع المزمـن ؟! كانت النتيجة هـذا البؤس الذي تعيشه شعوبـها ، بؤس الجوع ، والفقر ، و البطالة ، والتخـلُّف ، والخـوف ، والكـبت ، والقهـر !
حتى لقـد بلغ بهم الحال إلى الإنتحـار في تونس من شـدِّة اليأس ، وأن يقدّمـوا أرواحهم في مظاهـرات تموج موج البحـار ، تبتغـي الخلاص من طغيـان السلطة ، ومن عبثهـا بمقدرات الوطـن ، وثروتـه ، فسقط حتى الآن 19 قتيـلا في تونس وحدها ، وثلاثة قتلى في الجزائـر .
والمصيبـة الثانيـة أنهـا كانـت _ ولعقـود _ تعيش حالة من التزييف الشامـل للوعـي في ثلاثة أمـور : الوعي في هويّتها ، والوعي في حقوقها ، والوعـي في دورها .
وهذا (التزييف الشامل) هو نتيجة حتمية للمصيبة الأولى ، فالنظم الإستبدادية ، لاتحقـِّق أطماعها الدنيئة في شعوبها إلاّ بالعبث بـ (الرأي العام ) ، و( العقـل الجمعـي ) ولهذا هي تصادر الحريـّات ، وتحتكـر الإعلام ، وتسعى جاهـدة لتضيّـق كـلّ فضاءات الحرية ، ولتراقـب كلَّ شيء ، حتى حركة عقـول المفكـرين ، وصريف أقـلام الكتـاب
وإنـها لتتمنـّى لو سمـعت همـس نفوس المثقّفيـن المعارضـين سـرَّا ، ووسوسة صدور الشعـراء المخالفـين للنظـام ، بقوافي شعرهـم !
والمصيبة الثالثـة : أنـَّها كانت تعيش حالة ( خوف شعبي عام ) غيـر معهود مثله في تاريخ البشـرية ، وأنَّ هذه ( الحالة الخوفية العامـّة ) تـتمّ صناعتهـا ، ورعايتهـا ، وتغذيتهـا فـي مراكز الأمن التابعـة للسلطـة ، بحرفيـة عالية المستوى ، ويُنفـق عليها من ثروة الأمـّة مالايعلـم قدره إلاّ الله تعالى ،
وذلـك بهـدف إبقـاء الشعـوب ميّتـة الروح ، عديمـة الحركة ، فيسهـل قيادُهـا ، ويُستسْهـل ذبحهـا ، كما يتسمّـر الخائف في مكانه من الهلـع ، مُسلِمـاً رقبتـه طواعيـة ليحزَّهـا جازرُهـا !
وأنها قد بلـغ بها الجهـد _ من غير أن تشعـر _ للتعايش مع هذا الخوف ، على أنـه جزءٌ لايتجزأ من الحياة الطبيعية في المجـتمع !
وأنـها كانت بلا وعـي ، تحاول إقنـاع ( العقل الشعبي الباطـن ) أنه ليس ثمـّة ما يريـب ، ولا هنـالك من أمـر غريب !
لكنهـا عندمـا رأت شعوبــا كثيرة فـي هذا العــالم الآخـذ بالتحرُّر من الطغـاة
رأتهــا قـد تخلصـت مـن هـذا (الوبـاء المخيف ) ، ولـم تعـد تحمـل هـمّ ( البوليس السري ) ، ولا ( عناصـر المخابـرات ) ، ولا ( مباحث أمـن الدولة ) !
وأخرجـت من ذاكرتـها تلك الصـور البشعـة لمـن ترميهـم سراديب التعذيـب جثـثاً مشوَّهـة ، كما رُميـت جثـة الشهـيد سيـّد بلال بعد تفجير كنيسة الإسكندرية ، وما نقمـوا منه إلاّ أنـَّه سلفيُّ ملتـح أفرغـوا في جسده الطاهـر المتوضئ ، أحقـاد نفوسهم الساديـّة المريضـة !
عندما رأت تلك الشعـوب تخلّصت من خوفها ، ثـمّ انطـلقت تسبـح في فضـاء الحريـّة العـبق ، وتتنفَّس هـواء الأمـن المبهـج النقـيّ ، فعاشت حياة البشـر الحقيقية ، لاحيـاة الفئـران المحبوسـة في مجاري الصـرف الصحـي ، تأكل من فضــلات صاحـب القصـر وحاشـيته !
علمت أنَّ الأوان قـد آن لتكسـر هـي أيضـا قيـود الخـوف ، وتحطِّـم أغـلال الرَّهـَب ، لتذوق طعـم الحيـاة ، ولتمـلأ صدرهـا مـن عـطر الكرامة الإنسانـية .
نعـم لقـد أيقنـت شعوبنا اليوم أنها تعيش هذه المصائـب الثلاث :
حكـم الطغـاة ، الذي استتبعـه وهو لازم لـه :
تزييف الوعي ، و(وباء الخـوف الشامـل) ، وهمـا اللذان شـلاَّ دور الشعـوب تماما ، وأهدرا حقوقـها ، ومرغـَّا كرامـتها في الرغـام .
ثـم بعدما تراكـم هذا اليقيـن (كمَّـا) فـي عقـول الشعـوب ، ونفوسهـا ، كان لابد أن يتبعـه التغيـير ( كيـفاً ) ، ليس إنطلاقـا من ( الجدلية التاريخية ) ، ولكن إيمـانا بسنن الله تعالى الكونيـّة القرآنيـة .
ففرعون طغــا ، ( إذهب إلى فرعون إنّه طغى ) ، وزيّف الوعي ( استخفَّ قومه ) ، ونشـر الخـوف : ( قال سنقتّل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنـّا فوقهم قاهرون ) .
فكان عاقبـته : ( فأخذناه وجنوده فنبذناهـم فـي اليــم فانظـر كيف كان عاقبة الظالمـين ) .
وكمـا تتشابه نفوس ووسائل الظالمين في كلِّ عصـر ، تتشابه العواقـب .
فيا أحـرار العالـم العربي اتحّـدوا ، لتطلقوهـا ثورة عارمـة
إلـى أن يُلقـى فراعـنة النظـام العربـي في اليـم ، ليلقيهـم اليـم في مزبلـة التاريـخ ، حيث يلتـقون هنـاك بفرعـون ، وهامان ، وقارون .
ولنتخلـّص من هذه الطواغيـت الجاثمـة ، وكلابهـا السائمـة
اللهـم اجعـل لأمّتنـا الكريمة ، من كلِّ طاغيـة فرجا ، ومن كلّ فتـنـة مخرجـا ، واهدها إلى دينـك القويـم ، شرعـة ومنهـجا آمين
والله المستعان ، وهو حسبنا ، عليه توكّـلنا ، وعليه فليتوكـّل المتوكّـلون
سبعة أبيات إهداء إلى الثورة التونسية التي علمت الأمة معنى الحريّة عشر عبـر وفوائد من سقوط أوّل طغاة العرب حامد بن عبدالله العلي اليوم حـُقَّ لنا أن نهنّئ أمّتنا العظيمة ببطلان سحر الطغاة العـرب ، وذلك بسقوط أوّل طاغية عربـي ، وهروبه بثورة شعبية أثمـرت التخلُّص من النموذج المفضـل لـ (لحكم الجائر ) لدى الأنظمـة العربية ّ . ولنتأمـَّل خيرا أن تتمـدَّد هذه الثورة لتلحـق بقية الطغـاة بمصيـر (شين الفاجرين ). وكانت قصة هذا الطاغية المخلـوع أنـه كان مديـرا للأمـن التونسي في عهد بورقيبة ، وبعدمـا نخـر الزهايمـر في دماغ بورقيبة المتعفـِّن ، والْتـوَتْ رقبته ، فلم يعـد يعقـل شيئا ، ومع ذلك بقي متعلقا _ كعادة الحكام العرب _ بالكرسي ، أعـلن شين الفاجرين ( زين العابدين ) نفسه رئيسا للبلاد ، مما بـدا ذلك الوقـت كقطـف ثمـرة السخط العام في الشعب التونسي لسياسات بورقيبة ، فرضي الناس به على وجـل ، عسى أن يكون فيه الفـرج ، فجاء بأعظـم الحـرج ! |
متفرقات .. |
http://h-alali.org/
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق