اتفق الفرقاء وغاب العراق ..!
___________________________________________
أحمد الهواس
في المشهد العراقي ما بعد الاحتلال تستوقف المتابع لهذا المشهد محطات عديدة , تتنوع تسمياتها بين الولاءات الخارجية , التصفية الطائفية , والهجرة الداخلية والخارجية هربا من الموت والاعتقال , والسرقات المنظمة والفساد المقونن , وتصفية المقاومة عبر شراء الذمم , ووهم العملية السياسية , ولكن أغرب محطة ولا أخالها الأخيرة كانت بمكافأة المجرمين والنزول عند رغباتهم بالاستمرار ببناء العراق الآمن المستقر في عهودهم المزدهرة ..!
أخيرا أطلت التقية السياسية بوجهها الحقيقي , وعادت المحاصصة التي كانت عليها المرحلة السابقة ( رئيس الحكومة شيعي , ورئيس الجمهورية كردي , ورئيس البرلمان سني ) ورضي الفرقاء , المالكي يجدد له رئيسا للحكومة بعد ثمانية أشهر من تمسكه بالكرسي الذي لم يعد دوارا كعادة كراسي المسؤولين , فقد أوقف المالكي دورانه منذ أن تنازل عنه إبراهيم الجعفري رغما عنه وظهر جواد المالكي , وأول شيء فعله أنهى علاقته باسمه القديم الذي عرف به زمن نضاله ضد الرئيس الراحل صدام حسين وصبر عليه ثلاثة أعوام تحت ظل الاحتلال ليعلن أن اسمه نوري المالكي , أو نوري محمد كامل . وهكذا دار الكرسي في أذهان منافسيه فقط بينما ظل واقفا أمام صاحبه , أو تحت مقعده لا فرق , المهم أنه ضمن لنفسه الجلوس على هذا الكرسي سنوات أربعا قادمة .
ولعل غالبية الآراء التحليلية ستذهب إلى أن المالكي حقق مراده بعد أن بات مستقبله السياسي , وربما الشخصي في مهب الريح بعد فضائح ويكليكس , والتي أظهرته زعيما طائفيا بامتياز, ومرتكبا لجرائم ضد الإنسانية , فكيف تخطى هذا المأزق لينال مراده بالبقاء بالسلطة .؟ ومع بدء انهمار رسائل المباركة الدولية بإعادة توليه لولاية جديدة يبرز السؤال برسم المجتمع الدولي الذي وضع الرئيس البشير تحت طائلة المسائلة – بقطع النظر عن المقارنة بين الرجلين – وبارك للمالكي استمرار حكمه للعراق ..!
ولم يجدد للمالكي فقط , بل جدد لرئيس الجمهورية جلال الطالباني , ولم يكن لآراء نائبه طارق الهاشمي أي وزن , حين رأى أن العراق بلد عربي , ومن المنطقي أن يكون رئيسه عربيا , علما أن الهاشمي قد صرح يوما أنه لا يستطيع أن يؤمر عناصر حراسته أو أي جهاز أمني بالتحرك أمتارا ..!
وإذا كان المالكي قد نفذ من المسائلة عن جرائمه ضد فئة معينة في المجتمع العراقي , كما أوضحت وثائق ويكيليكس , فإن جلال الطالباني قد طوى صفحة موجعة ليس في تاريخ العراق الحديث وتحديدا عند أكراد العراق بل في تاريخ البشرية جمعاء , وهي مجزرة حلبجة , التي أُتهم بها النظام السابق وحوكم عليها , وهناك من الأدلة التي طمست تثبت أن الطالباني كان وراءها عندما أبلغ الجيش الإيراني أن الجيش العراقي متمركز في حلبجة فضربت المدينة بغاز السانيد , ولم يكن هناك سوى المدنيين الأبرياء , والعراق كما هو معروف لا يملك هذا النوع من الغازات السامة بل كان يملك غاز الخردل ..!
أما زعيم ائتلاف العراقية د إياد علاوي الذي انتخبه أهل السنة والقوى العلمانية , فليس بحمامة السلام , ولا المنقذ من الضلال , ولكن طائفية إبراهيم الجعفري أو كما يسميها العراقيون (حكومة الدريل ) ومن بعده نوري المالكي , وتهميش الدور السني الذي توزع بين المقاومة , ورفض العملية السياسية ومن ثم جاءت الطامة الكبرى بظهور الصحوات , هذه العوامل أدت لفوز قائمته بهذا الكم الهائل من الأصوات رغم الإقصاء والتزوير الذي مارسته حكومة المالكي , ففي زمن حكومة علاوي (المعينة المؤقتة )بعد نهاية مجلس الحكم في العراق , ومن ثم تسليم السلطة للعراقيين من قبل الحاكم الأمريكي بول بريمر , كان علاوي يدشن نهاية حكمه وليس بدايته بتدمير الفلوجة على رؤوس أهلها بذريعة أنها مأوى للإرهابيين والسيارات المفخخة ..!
وفي هذه المعركة التي سميت معركة الفلوجة الثانية كانت أمريكا تريد أن تثأر لكرامتها بعد هزيمتها في المعركة الأولى في نيسان إبريل 2004, وبرز علاوي بحرسه الوطني أو الجيش العراقي الجديد يقف على أبواب الفلوجة ليهرع عدد من الجنود العراقيين لتقبيل يديه , في مشهد يذكر بصدام حسين حين كان يتفقد جبهات القتال في حروبه المتعددة ..!
في هذه المعركة برزت الطائفية بامتياز , حيث وجه عدد من العلماء رسالة للمرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني بتحريم مشاركة الجندي العراقي الشيعي في هذه المعركة , ولم تظهر الفتوى ..!
وحتى يدلل علاوي على عدالته في القتل الذي يفضي إلى الأمن لم يتوان عن ضرب النجف أيضا في صراعه مع الصدريين .!
إذا انتهى الصراع الذي ملأ الإعلام ضجيجا على مدى ثمانية أشهر , وصدع رؤوس حكومات الجوار , واتفق الفرقاء في أربيل ولم يتوجهوا للرياض بناء على دعوة العاهل السعودي , وُعقد أخيرا البرلمان , وحلوا مشاكلهم بينهم وتقاسموا الكعكة فيما بينهم , بعد أسبوع دام على مسيحي العراق , الذين يُدفع بهم للهجرة لخارج العراق والتوطين في أمريكا في لعبة قذرة ومشبوهة بدأت إرهاصاتها منذ غزو العراق , عبر تفجير الكنائس , وتهجير مسيحيي الموصل , ورغم كل هذه المحن ظل مسيحيو العراق على موقفهم الوطني الشريف .
فازت كتلة علاوي برئاسة البرلمان , وفاز هو بمنصب رئيس مجلس السياسات الإستراتيجية , وهو خير من يمثله فقد سبق له أن صرح أنه تعامل مع أربعة عشر جهازا استخبارتيا حول العالم ولكن ما يتميز به علاوي عن المالكي هو عدم التبعية للطائفة , فهو شيعي علماني ذو جذور بعثية وغير مرغوب به إيرانيا على عكس المالكي الغارق بالطائفية والتبعية لإيران , ولعل علاوي من منطلق استراتيجي رضي بهذا القسمة وهي مخالفة للدستور الذي وضع تحت ظل الاحتلال والذي يقول بأن الكتلة الفائزة هي تشكل الحكومة , وحازت كتلته على مناصب مهمة في الحكومة الجديدة , إضافة إلى قبول علاوي عربيا , وقبوله على المستوى الشعبي بالمقارنة مع المالكي , وهذا ما جعل موقف الكتلة العراقية صلبا رغم ما ألم بها من اجتثاث لعدد من أهم رموزها وهنا كانت المفاجأة حين أعلن رئيس البرلمان وهو من القائمة العراقية بإنهاء قضية الاجتثاث كما تم ذلك في جلسة خاصة جمعت علاوي وطالباني والمالكي , ليبدأ بعد ذلك مسلسل التنصل عن الاتفاق , وسواء غادرت القائمة العراقية البرلمان وعاد رئيس البرلمان , أم أنها ستستمر بعد الاتفاق الذي أثمر عن عقد أول جلسة للبرلمان , فإن ألغاما شتى تنتظر العراق في حكومة تناقض وليست حكومة شراكة , لا سيما مع طرح اسم أحد أسماء المجتثين وهو صالح المطلك وزيرا لخارجية العراق , فماذا تحمل الأيام القادمة للعراق الذي ظن المتنافسون أن الاحتلال الأمريكي على وشك الرحيل ..؟ وقد صفيت المقاومة العراقية أو أضعفت ,وبيع رجالها بثمن بخس وهرول المخدوعون باتجاه العملية السياسية أو تجاه الراتب الشهري الضخم لعضو البرلمان الذي يعد الأعلى عالميا , فيما تضرب البطالة أطنابها على غالبية الشعب العراقي , ويسكن ملايين المهجرين في خيام وبيوت الصفيح وتحت أقدامهم أكبر مخزون للنفط في العالم , وآخر برميل نفط سيستخرج من الكرة الأرضية في بلدهم الذي تناهبته كل قوى الشر في العالم بسبب لعنة النفط ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق