فيلم هندي والمخرج أمريكي!
ياسر الزعاترة
يَبْدُو أن الفيلم "الإرهابي" الأمريكي الجديد قد أُعِدّ على عَجَل، فجاء بائسًا من حيث السيناريو والإخراج، وقد كان بوسع القوم أن يُعِدُّوا شيئًا أفضل من أجل إثبات مقولتهم حول استمرار خطر الإرهاب الذي يهدِّد الولايات المتحدة، وبالطبع أوروبا. نقول ذلك حتى لو صحَّ أن للقضية أصلاً، وأن ثَمّة طرودًا كانت مُرْسَلة إلى شيكاغو بالفعل.
قبل أقلَّ من ثلاثة أسابيع كانت واشنطن تطالب رعاياها المسافرين إلى أوروبا بتوخِّي الحذر، وذلك لوجود احتمال وقوع هجمات إرهابية على شاكلة هجمات بومباي في الهند، ثم انجلى المشهد كما توقعنا عن لاشيء، تَمامًا كما حصل في مرات سابقة كثيرة منذ هجمات أيلول سبتمبر عام 2001.
حتى نكون منصفين (من باب السخرية طبعًا) لا بدّ من الإشارة إلى أنَّ المباحث الفيدرالية الأمريكية قد كشفت مؤخرًا مخطط عمليات يستهدف قطارات الأنفاق.
ليتبيَّن بعد ذلك أنَّ عميلًا من عملائها قد تمكَّن من استدراج شابّ مسلم من أصل باكستاني اسمه فاروق أحمد، وبالطبع بعدما أقنعه بإمكانية الجهاد في سبيل الله، تمامًا كما حصل مع كثيرين سواه في السابق في أمريكا وعدد من الدول الأوروبية، مع العلم أننا إزاء وسيلة مُوغِلة في الانحطاط؛ لأن استخدامها من قبل الأجهزة الأمنية في أي مكان في الدنيا سيُفْضِي إلى جحافل من المعتقلين، ليس في مجال العنف المسلح، وإنَّما في مجال المخدرات والتهريب وسوى ذلك من أشكال الجرائم.
مسرحية أوباما الجديدة كانت سيئة الإخراج، فالطردان المَشْبوهان جاءَا من اليمن على متن طائرتي شحن من دبي وبريطانيا، وقيل في البداية أن لا شيء فيهما، ثم قيل إنهما يحتويان على مواد متفجرة، ثم وقع الحديث عن طرود أخرى على متن طائرة إماراتية، بينما قال مسئول إماراتي رفض الكشف عن اسمه (خوفًا من المساءلة بالطبع): إنّه لا طرود قادمة من اليمن على متن الطائرة. أما الأكثر إثارةً في السيناريو فهو القول: إن الطرود كانت موجهة لمعابد يهودية في شيكاغو.
يبدو أنّ أوباما يريد استعطاف اليهود قبل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، لاسيما بعد أن ثبت أنهم أكثر ميلًا للحزب الجمهوري، وأنهم يقفون خلف الدعاية التي تُشَوِّه الرئيس، بما في ذلك القول: إنه مسلم يخفي إسلامه، فلم يجد غير هذه القصة السخيفة، والتي تتعلق بطرود محدودة التأثير حتى لو كانت معدة للانفجار بالفعل. ثم كيف لا يُعرف من الذي أرسلها، وهل يمكن استلام طرود بكل بساطة، مع أننا نعلم أن إرسالها يتم وفق إجراءات واضحة ودقيقة من قبل أشخاص ذوي هويات واضحة.
ثم إذا كان الطردان مرسلان إلى الولايات المتحدة، وجاء خبرهما من خلال تعاون استخباراتي مع دولة عربية، فما الحاجة لكل تلك الإجراءات الرهيبة. ألم يكن بالإمكان التعامل مع الأمر من داخل اليمن الذي لا يقصر في التعاون ضد القاعدة وغير القاعدة؟!
الجانب الآخر من تفسير هذه المسرحية وما شابهها من قضايا عنوانها التلفيق يتعلق بإرادة أوباما في مواصلة تجييش الشارع في معركته الخاسرة في أفغانستان، لاسيما أن نتائجها تبدو مُؤلِمَة على صعيد الخسائر اليومية (ماليًا وبشريًا)، وعلى صعيد الأفق المسدود أمامها.
ولن يحدث ذلك إلا بتقديم القاعدة كخطرٍ داهم سيظلّ ينهل من مَعِين أفغانستان إذا لم تقع السيطرة عليها بشكل مُحْكم.
المصيبة أن يجري الحديث عن نجاح استخباري عظيم، مع أننا إزاء قصة مُثِيرة للسخرية، فيما يرجّح أن تسكت القاعدة على القضية ما دامت تمنحها بعض الحضور الإعلامي، كما تؤكّد عزمها الذي لا يلين على استهداف الولايات المتحدة بكل السبل الممكنة.
والحقّ أن صحة الرواية ووجود طرود تحمل بالفعل بعض المواد المتفجرة لا يبرّر كل تلك الزفة لولا الحاجة إليها كما أشير آنفًا، إذ كان بوسعهم انتظار الطرود في نيويورك ثم تفتيشها وتفكيكها دون ضجيج، ومن دون أن يخرج رئيس أكبر دولة في العالم إلى الصحفيين ليحدثهم عن النجاح الاستخباري واستمرار خطر القاعدة على أمن الولايات المتحدة.
بقي القول: إن ما ينساه أوباما وأركان إدارته هو أن العنف ليس ظاهرة فكرية، وإنما سياسية قبل كل شيء، وأن احتلال العراق ومظالم أهل فلسطين، وكذلك احتلال أفغانستان وعموم الاستهداف المضطرد للمسلمين لا يمكن إلا أن يفضي إلى ردود فعل غير محسوبة من طرف البعض هنا وهناك، أما استخدام هذه الردود من أجل مزيد من حصار المسلمين والإساءة إليهم، فلن يؤدي إلا لتعميق الأزمة وليس حلها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق