وقاحة اسرائيلية على عرب 48 في ارض مصر
___________________________________________
فهمي هويدي-صحيفة الشروق المصرية:
هذه واقعة لا ينبغى أن تمر دون تحقيق وتدقيق، إذ طبقا لما نشرته صحيفة «العربى» يوم الأحد الماضى (14/11) فإن مراسلة الصحيفة فى الأرض المحتلة، الزميلة صابرين دياب، كانت فى زيارة للقاهرة وفى يوم عودتها إلى بلادها ــ مساء الخميس 11/11 ــ كان عليها أن تستقل طائرة إسرائيلية، وبعدما أنهت إجراءات السفر اتجهت صوب الطائرة، وقبل أن تدخل إليها استوقفها ضباط أمن إسرائيليون، واقتادوها إلى غرفة جانبية حيث جرى تفتيشها بشكل مهين للغاية، وأسمعوها سيلا من الشتائم البذيئة. وتم ذلك كله أمام أعين رجال الأمن المصرى، الذين وقفوا متفرجين على المشهد. وبعد مصادرة هاتفها الجوال وآلة للتصوير كانت تحملها، أجروا تحقيقا معها تركز حول هدف زيارتها والشخصيات المصرية التى التقتها. والأماكن التى ترددت عليها، ثم سمحوا لها بعد ذلك بالدخول إلى الطائرة.
لأول وهلة. لا يكاد يصدق المرء أن ذلك حدث فى مطار القاهرة وعلى الأرض المصرية. وحين رجعت إلى زميلنا الأستاذ عبدالله السناوى رئيس تحرير العربى فإنه أكد لى صحة التفاصيل المذكورة فى الخبر، وزاد على ذلك أن الجريدة حجبت بعض التفاصيل المتعلقة بصور الإهانة التى تعرضت لها الزميلة صابرين احتراما لمشاعرها وحفاظا على كرامتها. ثم سمعت قصة ما جرى فى المساء مرة أخرى حين اتصلت بها إحدى القنوات الخاصة هاتفيا حيث تقيم داخل إسرائيل، وجاء كلامها الذى تم بثه تليفزيونيا مطابقا لما نشرته صحيفة العربى، الأمر الذى يستدعى توقفا عند ثلاث نقاط. الأولى تتعلق بصور الإهانة والإذلال التى يتعرض لها عرب 48، الذين هم أصحاب الأرض والبلد، فى حين يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية، تصر السلطات الإسرائيلية على تحويل حياتهم إلى جحيم للخلاص منهم فى نهاية المطاف. صحيح أن الزميلة صابرين صحفية نشطة فضحت الكثير من الممارسات الإسرائيلية، الأمر الذى دفع الأجهزة الأمنية هناك إلى توقيفها والتحقيق معها عدة مرات، ومن ثم تم تعمد إهانتها، إلا أن تلك الإهانات تظل الأصل فى التعامل مع عرب 48، وإن اختلفت جرعاتها من شخص إلى آخر.
النقطة الثانية تتعلق بحدوث الواقعة على الأراضى المصرية، الأمر الذى يعد مساسا وقحا بسيادة مصر على أراضيها، من جانب ضباط الأمن الإسرائيليين. وقد رجعت إلى من أعرف من أهل القانون وخبراء الطيران لاستجلاء الموقف القانونى فى هذه الحالة، فتلقيت ردين.
الأول ذكر أن ما جرى يمثل عدوانا على السيادة المصرية، لأنه طبقا للقانون الدولى فإن السيادة الإسرائيلية أو سيادة أى دولة أجنبية على الطائرات التى توجد فى أى مطار لا تتجاوز حدود الطائرة ذاتها. بالتالى فإن إهانة الزميلة صابرين من جانب ضباط الأمن الإسرائيليين تكون قد وقعت على الأرض المصرية.
الرد الثانى يؤيد الأصل الذى قرره القانون الدولى الذى لا يرى سيادة لإسرائيل أو لأى دولة أخرى خارج حدود طائراتها، لكنه يضيف ان ثمة «بروتوكولا» لم يعلن عنه، تم توقيعه بين مصر وإسرائيل، سمح للأخيرة بتوسيع نطاق سيادتها بحيث تتجاوز حدود الطائرة، لتشمل دائرة معينة متفقا عليها. يرجح ذلك أن جريدة العربى حين صاغت الخبر ذكرت أن «التحقيقات التى أجريت معها (الزميلة صابرين) تمت فى منطقة يتولى تأمينها ضباط أمن الطائرة الإسرائيلية». وإذا صح ذلك فإنه لا يبرر الإذلال والمهانة فى المشهد الذى نحن بصدده، إلا أنه يثير أكثر من سؤال حول تخصيص إسرائيل بذلك الاستثناء. ومبرر توقيع البروتوكول المذكور ــ إن وجد ــ بالمخالفة للقانون الدولى، رغم أنه ينتقص من السيادة المصرية على أراضيها.
النقطة الثالثة التى تثيرها الواقعة تتمثل فى التساؤل عن مضمون وحدود الاتفاقات الأمنية التى وقعتها مصر مع إسرائيل ــ ذلك اننا نعرف جيدا مدى قوة الهاجس الأمنى لدى الدولة العبرية، شأنها فى ذلك شأن أى لص أو مغتصب يعلم أنه سطا على حق ليس له، ولم يعد يشغله سوى كيفية تأمين وضعه وتثبيته و«تطبيع» علاقاته مع جيرانه. ولذلك فإنها اعتبرت ان التنسيق الأمنى مع الأجهزة المختصة فى السلطة الفلسطينية أحد أهم انجازاتها. ولئن صار ذلك معلنا ومفضوحا فى الضفة الغربية، إلا أننا لا نعرف بالضبط حدود ذلك التنسيق مع مصر، الذى فهمنا أن معبر رفح يعد من أبرز ساحاته. اننى اخشى أن تكون الواقعة التى حدثت فى مطار القاهرة كاشفة لقمة جبل التنسيق الأمنى فقط فى حين يكمن تحت السطح جسم لا ندرى حجمه أو كُنهه.
* |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق