الأربعاء، 2 مارس 2011

أيها الثائرون : صححوا شعاراتكم نظرات في الشعارات


أيها الثائرون : صححوا شعاراتكم
( نظرات في الشعارات )



الحمد لله وكفى ، وصلاة وسلاما على نبيه المجتبى ورسوله المقتدى ، وعلى آله صحبه ليوث العدا ومصابيح الدجى وبعد :
حديثي في هذه المقالة المقتضبة يتوجه إلى أبناء الأمة الأباة الذين صبروا على الظلم سنين عديدة وعقودا مضنية ، وظن الطغاة أنهم خالدون ، وأن الأمة قد رضعت من الذل ما يجعلها كالخشب المسندة والأصنام البالية ، فبدأت الشرارة في تونس الخضراء ثم قفزت إلى مصر الكنانة ، وهاهي اليوم تشتعل في هامات ليبيا الأبية ، وهي في طريقها الملبد بالعقبات تسير مسير الرياح وتطير بغير جناح لتشرع في بناء واقع جديد مجهول إذا لم تستغل مطالبه وترتقب أطيافه .
رأيت حماسا يتدفق ، وشجاعة تتحق ، وشبابا يتألق في مجريات هذه الأحداث التاريخية العظيمة ؛ ولكني وجدته في نفس الوقت ينزلق في أغلاط شنيعة سببها فيما يبدو فشو الجهالة وتسلط الحثالة على عقائد المسلمين المستقرة وتأثر بعض المسلمين بأكاذيب الغرب وأفكاره مما أفرز كثيرا من الشعارات التي تصطدم مع شريعة الإسلام فوجب التنبيه والبيان خاصة أن بعض من ينتسبون إلى العلم والدعوة ساهموا في تعزيزها وترديدها بتأويلات فاسدة لا موجب لها من لغة أو عرف ، ولذلك رأيت أن أقوم بتبيهات وتحذيرات على ما في هذه الشعارت من أخطاء ومخالفات ، والله الموفق وهو الهادي إلى سبيل الرشاد 
.
(1)
قولهم : إذا الشعب يومًا أراد الحياة ***** فلا بد أن يستجيب القدرهذا البيت سمعناه يتردد كثيرا على ألسنة الناس في هذه المظاهرات ، بل سمعته ممن يشار إليه بالبنان في عصرنا ، وقد تعسف في تأويل كلام الشاعر على نحو لا تحتمله العبارة قائلا : " إن الشعب إذا أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر ؛ لأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " هكذا قال!! وسوف أبين الفرق بين المعنيين بعد أن أوضح وجه الخطأ في هذا البيت مستهلا ذلك بمقدمات مهمة :
المقدمة الأولى : إن أهل السنة والجماعة يثبتون لله تعالى إرادة حقيقية ؛ وللمخلوق إرادة حقيقة ، وهم في ذلك على خلاف مع المبتدعة من الجبرية النافين للإرادة ، والقدرية الغالين فيها والأدلة على ذلك كثيرة متضافرة من كتاب الله تعالى ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، أقتصر على إيراد دليل واحد جمع بين الإرادتين .
قال تعالى : {وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً } النساء27
فالآية واضحة في إثبات الإرادة لله وللمخلوق ، وهذا الاشتراك لا يوجب المشابهة ؛ فليس المسمى كالمسمى ، فلله سبحانه وتعالى إرادة تختص به وتليق بجلاله ، وللمخلوق إرادة تختص به ، وتفصيل ذلك باستفاضة تجده في شروح ومتون عقيدة أهل السنة والجماعة المعروفة .
المقدمة الثانية : إن إرداة الله تعالى على قسمين : إرادة كونية وإرادة شرعية ؛ فالأولى تلازم المشيئة ولا يمكن تخلفها عن محلها فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ؛ والثانية تلازم المحبة ويمكن للعبد أن يتخلف عنها ، ولذلك فإننا نرى الكفر والفسوق والعصيان واقع في هذا الكون مع أن الله لا يريده شرعا ، فهو سبحانه لا يرضى لعباده الكفر ، ولكنه واقع بإرادة الله الكونية العامة والدليل على ذلك قوله تعالى : {فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ }الأنعام125
ففي الآية تعلق فعل الإرادة بالهداية والإضلال ، وهي الإرادة الكونية العامة .

المقدمة الثالثة : القدر علم الله السابق الأزلي في خلقه ، والقضاء هو الإحداث والتغيير وقيل غير ذلك وهذا أصحه ؛ والقدر شيء يختص بالباري سبحانه وتعالى لا سلطان لأحد عليه إلا بإذنه .
قال تعالى : " { أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }الأعراف54
والخلق هو التقدير ؛ قال الشاعر :
ولأنت تفري ما خلقت وبعض الناس يخلق ثم لا يفري
إذا عرفت هذه المقدمات الثلاث فاعلم أن الخطأ في هذا البيت من وجهين :-
الوجه الأول : أنه جعل إرادة الشعب ملزمة لإرادة الله تعالى ؛ فإن تعقيبه بالفا بعد قوله ( لا بد ) يعني الإلزام والوجوب ؛ كأنه قال : إذا أراد الشعب الحياة وجب على الله أن ينفذ ويستجيب ، وهذا القول مؤداه إلى الكفر بالله تعالى ، وهو قول غلاة القدرية .
الوجه الثاني : إن فيه إساءة أدب مع الله تعالى ؛ فكأن الشاعر يخاطب ملكا أو رئيسا أو وزيرًا ، وينبغي على المسلم أن يتأدب مع ربه سبحانه وتعالى ، ولولا التزام الاختصار لأريتك نماذج فريدة في الأدب مع الله تعالى ؛ ولكن يبدو أن الشاعر من أولئك المتحررين من العقيدة الصحيحية علما وعملا ، ولذلك لا غرو أن يقول ما قال .


(2)


قولهم : الوحدة الوطنية .
الوحدة الوطنية مفهومها : " التقاء الناس على أساس رابطة الوطن " .
إن الإسلام دين الاعتصام والوحدة ودين التآلف والمحبة ، ولكنه وضع قيوداً لهذا الاعتصام وتلكم المحبة من تعداها فقد ظلم وأساء في حق مولاه ، وهذه الحدود مفادها أن كل اعتصام على غير الكتاب والسنة هو اعتصام باطل أعوج وكل وحدة على غير هذه العروة الوثقى هي في الحقيقة فرقة وعذاب ونكال ، قال تعالى : {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }آل عمران103
وحبل الله تعالى هو كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ؛ فهذه الوحدة التي أمرنا الله بها ، وهذا ما دعانا إليه القرآن ، وأخبر أن ما عداه تفرق مذموم وضلالة عن الحق .
والواجب على المسلمين أن ينادوا بالوحدة الإسلامية التي يكون فيها الولاء لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ويتبرؤوا مما سوى ذلك .
وواقع الأمة الآن بات يختلف كثيرًا عن الأزمنة السابقة ، فقد أفرزت الأفكار الدخيلة على المسلمين كثيرا من الأحزاب والتجمعات التي لا تقوم على أساس العقيدة الصحيحة ، فقد أصبحت واقعا مفروضًا على المسلمين ، ومن المعلوم أنه لا يجوز للمسلمين أن يدخلوا في مثل هذه المنظمات والأحزاب ، والأصل الواجب هنا دعوة أصحابها إلى التوبة إلى الله والتزام شرعه ؛ وعليه فإن رفضنا لهذه الوحدة لا يعني بالضرورة إعلان الحرب على مثل هذه الطوائف ، بل لا بد من النظر إلى المآلات والمصالح والمفاسد وإعمالها في هذا المقام ، وهو ضرب من السياسة الشرعية الحقة .

(3)


• قولهم : الديمقراطية .
الديمقراطية لغة:
كلمة الديمقراطية ليست عربية ، بل هي مصطلح يوناني الأصل مركب من كلمتين : ديموس ومعناها الشعب ، كراتوس ومعناه السلطة فمعناها المركب : حكم الشعب أو سلطة الشعب.
الديمقراطية اصطلاحا:
هي نظام سياسي من أنظمة الحكم يكون الشعب فيه صاحب الحكم والتشريع.
نشأة الديمقراطية:
نشأت الديمقراطية في أوروبا كنتيجة عكسية للنظام الإقطاعي والطغيان الكنسي الذي كان يستند إلى نظرية التفويض الإلهي حيث تقول :" إن الملوك يستمدون سلطانهم عن الله " ونتيجةً حتميةً لهذه المظالم المتراكمة تفجرت الثورة الفرنسية ورفع شعار : " اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس " . انظر : محمد قطب؛ مذاهب فكرية معاصرة (178).
خصائص النظام الديمقراطي :
تقوم الديمقراطية على ثلاثة مبادئ :

المبدأ الأول : سيادة الأمة :-
وهي تلك السلطة العليا التي تملك حق التشريع ولذلك قالوا : " الشعب مصدر السلطات" وهذه السلطات ثلاثة وهي :
السلطة التشريعية (البرلمانات) : ومهمتها ؛ تشريع القوانين وتعديلها وإلغاؤها.
السلطة التنفيذية : ومهمتها ؛ تنفيذ الأحكام والقوانين التي تسنها السلطة التشريعية.
السلطة القضائية : ومهمتها ؛ القضاء في كل ما يعرض عليها وفق الأحكام والقوانين الصادرة عن السلطة التشريعية.
موقف الإسلام من مبدأ سيادة الأمة .
هذا المبدأ يناقض عقيدة التوحيد فمن مقتضيات كلمة التوحيد إفراده سبحانه بالحكم والتشريع وقد تضافرت النصوص على ذلك ، قال تعالى : { إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }يوسف40
وقال تعالى : إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ }الأنعام57
وقال تعالى: {ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ }الأنعام62
وقال تعالى : { فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ }غافر12
ولفظ الحكم في القرآن يرد بمعنى الحكم القدري تارة والحكم الشرعي تارة أخرى ، وكلاهما من خصائص الربوبية لا يخالف في هذا أحد من أهل الإسلام ، وعليه فإن الدعوة إلى هذا المبدأ بهذا المعنى كفر بخالق السموات والأرض.

المبدأ الثاني : مبدأ المشروعية :-
وهو سيادة القانون على الحاكم والمحكوم سواء.
موقف الإسلام من هذا المبدأ.
يظن البعض بأن هذا المبدأ لا يتعارض مع الإسلام في الظاهر ، ولكنه في باطن الأمر يدعو إلى سيادة القانون لا سيادة الشرع وهذا فاسد كما أسلفنا ، والحق الحقيق بالقول أنه لا يمكن في ظل القانون الوضعي تطبيق هذا المبدأ وذلك لأنه مبني على نخالة الأفكار وزبالة الأذهان وهي قاصرة عن تحقيق العدل بين الناس ، فالعدل هو الشرع والشرع هو العدل .
قال ابن كثير في تفسيره عند قول الله تعالى:" { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ }
" ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المُحْكَم المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات، التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات، مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكزخان، الذي وضع لهم اليَساق وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها عن شرائع شتى، من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعًا متبعًا، يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ومن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله، حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله [صلى الله عليه وسلم] فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير" ابن كثير : تفسير القرآن العظيم (3/131).

المبدأ الثالث : الحقوق والحريات للأفراد :-
وتشمل الحريات الشخصية والاقتصادية والسياسية :
1- الحرية الشخصية : كحرية العقيدة والتفكير والرأي والتعبير والتنقل والمسكن وغيرها.
2- الحرية الاقتصادية: وتشمل حرية الملك والعقود والمعاوضات وغيرها.
3- الحرية السياسية : وتشمل حرية الانتخاب والترشيح وغيرها .
موقف الإسلام من هذا المبدأ
1- لا يعرف الإسلام الحرية بمفهومها الغربي، وليس أدل على ذلك من أنك لا تجد لهذا المصطلح مكانا في كلام علماء الإسلام على مر السنين وكر الدهور.
2- لم يرد لفظ الحرية في القرآن إلا في مقابلة الرق كما قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى }البقرة178
3- الشرع هو الذي يحدد الحقوق ، أما في دين الديمقراطية فالقانون الذي يستند على الأهواء والآراء هو الذي يحددها.
4- دعا الإسلام الناس جميعا أن يكونوا عبيدا لله وبهذا يتحرروا من كل قيود الأرض ، أما الديمقراطية فإنها تدعو إلى التحرر من التكاليف السماوية وعبادة الشهوات الأرضية.
5- تفتح الديمقراطية الباب أمام الناس أن يعتقدوا ما شاؤوا وتكفل حمايتهم ، فيجوز للمسلم في دين الديمقراطية أن يبدل دينه ألف مرة ولا شيء عليه، وهذا مناقض لقطعيات الدين.
6- ليس في الإسلام حرية رأي وتعبير بمفهومه الديمقراطي، الذي يجعل سب النبي صلى الله عليه وسلم حرية رأي ، والتهجم على كتاب الله حرية رأي،فبئس الحرية هذه، بل قد حرم الإسلام الكلام بغير علم ، وقد تواتر النقل عن سلف الأمة في ذم هذا الرأي
7- الديمقراطية تهتك الأعراض وتدعو إلى الرذيلة والفاحشة عندما تجعل مصدر الأخلاق الذوق واللذة ، فالزنا والخنا والرقص واللواط والفاحشة حريات شخصية ، ولم يعد هذا الأمر قاصرا على أمم الكفر حتى دخلت أمة الإسلام في هذا الدين الجديد ، فإن كثيرا من الدول التي تسمي نفسها إسلامية تبيح الزنا وشرب الخمر والفجور نسأل الله السلامة.
8- تبيح الديمقراطية جميع أشكال وصور الربا وكل هذا مخالف للشريعة الغراء.
9- تولي الوظائف العامة في الدولة الإسلامية ليس حقا لأي أحد في الإسلام ، وإنما هي أمانة عظيمة يكلف بها المؤهلون لها.

هناك تعليق واحد:

  1. كريمة

    جزاك الله خيرا ونفع بك والله اني اردد هذا البيت على لساني سهوا ثم استغفر الله لاني كنت على يقين من الخطا في هذا البيت لكن كثر ترديده هذه الايام والله المستعان[

    ردحذف