رسالة مفتوحة إلى بشار الأسد
بقلم خالص جلبي
أخاطبك بكل الحرص والحب فأنت في عمر بناتي..
أخاطبك من حديقة اللاعنف، وبستان زهور المقاومة السلمية الإنسانية، والنصح الأخوي؛ فقد بدأ الربيع في تفتيح أكمام شقائق النعمان والأرجوان والبقوسيا في ربى الجولان.
ادخل التاريخ واكتب اسمك في الخالدين
لست حالما فهذه حقيقة وجودية، من تبدل المناخ العالمي، وهي كذلك في التاريخ تأتي مثل ملك الموت بدون وعد وميعاد.
سوف تذوب كل الثلوج مع نسمات الربيع المنعشة في الغوطة ودمر وصلنفة والدرباسية وعامودة والقامشلي وخان عسل.
أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكا من الحسن حتى كاد أن يتكلما فشارك في حفلة الربيع.
العالم العربي كله يختلج مثل أول حركات الجنين في رحم التاريخ.
لنجعل من درس سوريا معراجا ونبراسا ونمشي إلى حقل التغيير بدون قطرة دم واحدة؟
وأنت سيكون من أول المبشرين بالجنة.
لقد ورطوك في الحكم وأنت طبيب مثلي تختص بأجمل الاختصاصات طب العيون، والآن جاء دورك لفتح عيون الأكمه وتشفي بإذن الله من انفصال الشبكية في العمل الاجتماعي.
قال النبي العدنان لأبي ذر عن الحكم إنكم ستحرصون على الإمارة وستكون ندامة يوم القيامة فنعم المرضعة وبئست الفاطمة.
كان القرآن يذكِّر دوما بمن سبق أنها آية، مثل آيات القرآن..
أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين خلوا من قبل دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها
لقد رأينا نهاية اثنين من الطغاة..
والثالث يترنح كالسكران يهذي ويرى مثل الأحول الخط خطين، والطريق المستقيم مائلا؟؟؟..
والرابع يهذي..
والخامس بهت فلا يعرف ما ينطق؟
ولن تقف العاصفة في مكان .. وليست سوريا بمعزل.. والعالم يراقب ولن يسمح بقتل المتظاهرين سلميا وبين السوريين والخروج أقل من شعرة؟
هل يمكن أن نرى قانون التاريخ ولا نكرر ما قاله كل الطغاة في التاريخ كما تكرر على لسان تشاوسسيكو وسيف الإسلام بدون سيف:
أنا لست مثل غيري؟؟
والله يقول على لسان أهل الكتاب
بل أنتم بشر ممن خلق ... قل فلم يعذبكم بذنوبكم؟
هل يمكن أن تدخل التاريخ وتكتب اسمك فعلا هذه المرة إلى الأبد إلى الأبد، وتكون فعلا قائدا أبديا على القلوب وليس عروش المخابرات..
عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام
لنطوي صفحة الماضي
تقدم بجرأة واعتذر لأهل حماة عن تدمير نصفها براجمات الصواريخ؟
صدقني سيصدقونك .. ويغفروا .. ونبدأ صفحة الحب والتسامح والغفران.
يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا.
اعترف بمجزرة تدمر كما حصل في سجن بوسليم في ليبيا وليعترف أيضا الطرف الآخر أنه أيضا أخطأ فكلنا نشرب من نفس العين الحمئة ونسقي زرعا فاسدا؟
أصدر قرارا بإخراج الحر هيثم المالح الطاعن في السن الذي سجن من قبل ثمان سنين عددا أطول من سنين يوسف العجفاء من أجل ثماني كلمات في الحرية، وكل المعتقلين السياسيين، وقم بحملة تنظيف للسجون ولتأتي محطات الكون لترى ربيع سوريا الفعلي؟
انهي مهزلة طل الملوحي..
وكن كريما شجاعا وتقدم إلى التاريخ وسوف يكون الناس معك صدقا وعدلا
الغي قرار العار 49 الذي يحكم بالإعدام على من ينتسب لتنظيم ما ولنعود إلى شرعة القانون، قرار مثل هذا قد يلف شوطه على عنق أي واحد، وأي تنظيم، بمن فيه من هم في أعلى الهرم آمنون؟
فمع قانون الطوارئ لا أمن لقطة وطير ويعسوب وحشرة.
ولكل أمة جعلنا شرعة ومنهاجا
كن بطلا حقا وارفع قانون الطوارئ المخيف الذي لا يستبق أحدا بمن فيهم أنت على رأس السلطة.
صدقني إن الجلوس على الكرسي لذيذ، ولكنه قد يتحول إلى كرسي إعدام؟؟
وكل مكان للجلوس مريح إلا أسنة الرماح؟
هل يمكن أن تدخل حياتك العائلية بدون خوف وضغط دموي يفجر شرايين القحف ويورث الخرس والشلل؟
دعنا نحول سوريا إلى حديقة غناء بهجة للناظرين، ولنعط العالم درسا عن رقي هذا الشعب وعراقته وعبقريته وحضارته.
إن الشعب السوري واللبناني خاصة ـ أزعم ولو أغضبت البعض ـ أنها من خيرة الشعوب العربية نظافة ودأبا وأدبا ورقيا وتهذيبا وتعليما.
ولكن وفي ظل الاختناق السياسي تراجعت سوريا نصف قرن، وهو ما اعترف به نفس رجال الأمن السياسي عندك، عندما حققوا معي في قضية ترجع الى عشرين سنة للخلف، لا تستحق النظر، من امرأة طلقها زوجها وأرادت الانتقام منه فكتبت أسماء ثلاثين أنهم كانوا يلوكون ألسنتهم بالسوء على القائد الأبدي كذا؟ ولا أبدية إلا لله الحي القيوم.. فمنهم من اعتقل ومنهم من طلب للفلق ومنهم من فر ومنهم من أهين..
وأنا أضاعوا لي 17 يوما من إجازتي أتنقل فيها بين الفروع الأمنية والبيروقراطية الجهنمية؟
كيف يكتب على هذا الشعب النبيل الراقي هذا الذل الطويل والخوف القاتل والتيه مثل تيه بني إسرائيل أربعين سنة محشورا في براد الحزب القائد والرأي الواحد والصحافة الصفراء العوراء، فيمشي في هذا النفق من الاستبداد بدون نور يلوح في آخره ..
نحن دعاة اللاعنف كنا أول من دشَّن جسر الحرية في العالم العربي، فأخذوا منا واستفادوا من هذا العلاج، والثورات التي نجحت طبقت هذا اللقاح فلم يسري لها سعار العنف الذي ابتليت به سوريا؟
ومنذ ثلاثين سنة أنا ودعاة اللاعنف في سوريا ليس لنا شغل إلا التبشير بهذا الوحي الجديد..
هل يمكن أن تنهي عهد الصحافة الواحدة والحزب الواحد والقائد الأوحد؛ فتقرع باب التاريخ، ويهرب الكذابون من حولك وتحاط بالصادقين والحواريين الأثني عشر..
هل يمكن أن تقتبس من اسمك المملوء بالخير والبشارة كما في تكريز الإنجيل (البشارة Evangelium) موعظة فتبشر بعهد جديد يا بشار؟..
صدقني إن لم تبشر وأنذرت ونسيت؛ فإن التاريخ لا ينسى ولا يغفل ولا تأخذه سنة ولا نوم..
وقل كل متربص فتربصوا فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى..
لا يشترط أن تضرب في وقت واحد فتكسر عشرة أصنام، ولكن ابدأ كما بدا محمد عليه الصلاة والسلام فاكسر الصنم الأول أشارة لبدء عهد التوحيد..
وليكن رفع قانون الطوارئ أول الأصنام فهو من سيكسر السد الأمني ومعه إمبراطوريات المخابرات والاعتقالات ..
في القرآن قصة معبرة عن أهل مدينة انقسمت ثلاث فرق بين من ارتكب الحرام، ومن حذر، ومن قال لا فائدة من الموعظة؟؟
فماذا كانت النتيجة؟
لنسمع للسبع المثاني والقرآن العظيم..
واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لايسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون..
وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا ؟؟
قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون..
فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون..
فلما عتوا عما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين..
صدقني نحن دعاة اللاعنف لا نريد أن يموت أحد أو يخدش ..
نريد ولادة الإنسان المحرر من علاقات القوة في كل الأرض..
نريد نهاية الفيتو الدولي مركز الشرك العالمي الذي يعيق ولادة العدل في العالم يشرف عليه رهط من المجرمين.
صدقني وانظر أمامك ولا تقل كما قال ابن نوح سآوي إلى جبل يعصمني من الماء
قال الرب على لسان نوح لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم ..
وحال بينهما الموج فكان من المغرقين
لا نريد لك الغرق صدقني.. فدعاة اللاعنف لا يفرحون بموت أحد ولا يشمتوا بغرق ثاني.. إن قلوبهم مملوءة بالحب للجميع بمن فيهم أنت من ورطوك في الحكم وهي مصيبة..
لقد غرق بن علي فكان شقيا
واليسوع يقول أول كلماته في المهد وهو ينطق بمعجزة:
ولم يجعلني جبارا شقيا
فلا تكن معه
لقد هلك المبارك بدون بركة فلم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصرا..
فلا تكونن مع الأذلين أو تحشر مع فرعون وجنوده أجمعين..
اقبل بقلب سمح وقبل التراب السوري وعفر جبينك فيه تواضعا لله وأدعو السلاميين اللاعنفيين ينصرون ثورتك الجديدة كما فعل من قبل أخناتون؟
وإليك هذه القصة من التحولات عن الملك السفاح آشوكا وهي تذكر بقصة يونس في القرآن فنجت المدينة من الهلاك
إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم العذاب
كن إذا رسول رحمة ويونس الأمة السورية ؟
ما الذي قلب حياة الملك آشوكا فحوله إلى فيلسوف رحمة؟
ما هو السر في تغير حياة الملك آشوكا من سفاح إلى رسول رحمة؟
ومن هو هذا الرجل المثير في التاريخ؟
في عام 273 قبل الميلاد، اعتلى عرش الهند الملك المسمى (آشوكا فارذانا)، وكانت مملكة عريضة، تضم كل الهند الحالية، ماعدا مناطق التاميل في الجنوب، بالإضافة الى بلوشستان وأفغانستان.
وكان ملكاً جباراً يحكم بالحديد والنار مثل سائر الطغاة في التاريخ، ومما فعله أنه بنى سجناً رهيباً شمال العاصمة، أطلق عليه الناس (جحيم آشوكا)، وكانت تعاليمه أن من دخله لا يخرج منه حياً. حتى جاء ذلك اليوم الذي نقل له السجان خبرا غريبا عن راهب بوذي جاءت الأوامر بإلقائه في وعاء من الماء يغلي، ولكن الوعاء أصبح بردا وسلاما عليه!!
هكذا تقول الأسطورة فهرع الإمبراطور ليطلع على أمر الراهب؛ فوجد الأمر حقيقة، فلما أراد الانصراف، منعه السجان بقوله تعليماتك يا سيدي ننفذها حرفياً؛ فمن دخل خرج ميتاً، ولن تشذ أنت عن القانون!!
هكذا تقول الأسطورة، وهي خلاف المعهود، فولا تحول البشر إلى آلات تنفذ الأوامر، ما حكم الطغاة يوماً؛ فهم لا يحكمون بذراعهم بل بالبشر الآلات!!
تقول الرواية أن آشوكا حدق في السجان بعجب وغضب، ثم أمر أن يلقى في القدر المغلي فمات مسلوقاً مثل الدجاج.
ثم إن الملك رجع الى قصره وهو يفكر بعجائب تصريفات الأحداث؛ فلم ينم ولم يخرج عليه الصبح إلا والرجل قد انقلب على رأسه، في تفكيره وتصرفاته، فلم يعد المنتقم الجبار بل الرحيم الودود الغفور المنان!!
وفي تقديري أن تحول هذا الإنسان، يمكن أن يدرس من الناحية التاريخية والنفسية، وأنا لا أستبعد أن تكون المرأة هي من حولته، فهي خزان الرحمة.
وهو يذكرنا بتاج محل والأميرة المحبوبة، وكيف فقد الملك عقله حين ماتت، فمات بعدها، ولم يعرف أحد بالقصة لولا الأثر والتحفة البديعة التي خلدت قصة ممتاز محل وتاج محل.
وخالفني في هذا من قال أن ما غير آشوكا لم تكن امرأة، ولكنه الجندي الذي تجرأ أن يلزمه بالقانون في أرضه وفي نطاق تجبره وطغيانه!!
رجل واحد تجرأ أن يقف في وجه طاغية ، غيَّر ما بنفسه من الخوف من الطاغية فغير الله به الطاغية ثم غير البلاد والعباد.
والله أعلم ،ولكن ليس مثل المرأة أثرا في الرجل ، ولا مثل الحب دواء لقسوة القلوب ، ومنه حب الله عند الصوفيين. قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله.
وما فعله هذا الملك المتحول ـ ونتمناه لكل حكام العالم ولكن هيهات لما توعدون ـ فأمر أول شيء بهدم سجن الجحيم، كما فعلت الثورة الفرنسية مع سجن الباستيل، ثم أصدر أوامره بالكف عن الحرب بتاتاً، وبدأ في حملة بناء المدارس والمشافي، بما فيها مستشفيات للحيوانات!!
وهكذا انتقلت الرحمة وعمت من السماء إلى القطط والكلاب والخيل والقبائل والأنام، وهكذا كفت طبول الحرب عن القرع، ونطق القانون كما يقول المؤرخ (ديورانت) في كتابه (قصة الحضارة) .
واعتنق الملك مبدأ الطريق ذو الحكم أو (المراحل الثمانية) التي تقول كما جاء في كتاب (الحكماء الثلاثة) لـ (أحمد الشنتاوي) إن هذا الطريق يتألف من المراحل التالية:
(الآراء القويمة، والأهداف الصحيحة، والقول السديد، والأفعال الصالحة، والمعيشة الصحية، والمجهود المكافئ، والذاكرة بتركيز ملائم، والتأمل الباطني) وكلها في الذكر الحكيم بكلمات مثلها أو شبهها.وهذه المراحل تؤدي الى التنوير الكامل.
وبدأ الملك الفيلسوف يعيش ببساطة، وبنا 48 ألف مركز ثقافي تعبدي للبوذيين، وأرسل اعتذارا عجيباً لقبيلة (كالنجا) عن الحرب والسلب التي بدأها معهم، وأعاد إليهم أراضيهم، وعوضهم عن خسائرهم .
لم يصدق الناس عيونهم؟ هل يمكن أن يتحول الإنسان الى ملاك؟ بل أفضل فلولاه ما أسجد له ملائكته!
وفي الواقع كان آشوكا قد أنقلب جذرياً، وآمن بالسلم وسيلة لحل المشاكل بين البشر، وكف عن شن أية غارة أو حرب مع الجيران أو داخل بلده.
وبدلاً عن ذلك بدأ بنشر تعاليم الرحمة، وأوصى موظفيه أن يعاملوا الناس بالحب والمرحمة، وأن يعاملوهم مثل أبناءهم.
وأبرز ما ترك هذا الرجل، هو الذكرى العطرة في التاريخ، كما أن الفضل في نشر البوذية من سيلان الى اليابان، هي من أثر هذا الرجل شاهداً على أثر السياسة في المذاهب.
والله أنزل الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس.
أحمد أبو رتيمة
ردحذفرائع أستاذنا الفاضل ونسأل الله عز وجل أن يكون من بين الحكام العرب من يسير على سنة قوم يونس