الأربعاء، 2 مارس 2011

السعودية والتغيير المأمول

السعودية والتغيير المأمول !
عبدالله حميدالدين / جدة


تتابعت الأحداث بسرعة مذهلة لم تترك أي مجال للإحاطة أو الاستيعاب. ولكن يبدو أن قطار التغيير سيتوقف في ليبيا، فالوضع هناك غامض، والكل مستميت، ووصل إلى نقطة اللاعودة، إما قاتل وإما مقتول، مما سيعني دخول البلاد في نفق مظلم لفترة غير معلومة. 

الجزائر هدأت نسبياً ربما لأن تاريخ التسعينات الدموي لا يزال ماثلاً في ذاكرة المواطنين وحاجزاً لهم عن المضي قدماً في مواجهة الحكومة. البحرين تهدأ، أو على الأقل تتجه إلى ذلك. فيبدو أن الأطراف كلها اتضحت حدود خياراتها. أخبار جيبوتي لا تحتل الصدارة لأسباب بعضها ثقافي، حيث إنها لا تحضر في الوعي الشعبي العربي، وليس لها امتداد ظاهر لأغلب مشاهدي الأخبار، ولكن ربما أيضاً لأنها أتت في سياق أخبار ليبيا واليمن والبحرين هذا بالرغم من أهميتها الإستراتيجية. ولا يظهر أنه سيقع شيء يذكر في بقية الدول العربية. سوريا صامتة. والأردن والمغرب خرجا من الأزمة، على الأقل للمستقبل المنظور. ولكن ليس مستبعدا أن تنقلب الأمور ويتغير كل شيء. 
دول الخليج بشكل عام آمنة من موجة التغيير التي عمت. والسبب الأهم هو الوضع المعيشي. فالناس لا تخرج إلى الشارع لتواجه حكوماتها مخاطرة بنفسها إلا إذا كانت تعاني من آلام معيشية أو سحق سياسي. 
وهذان العاملان حاضران في كل الدول التي ثارت شعوبها، ولكن يغيبان إلى حد كبير في دول الخليج. في السعودية على وجه التحديد هناك نسبة عالية من البطالة، وهناك تزايد في الفقر، وهناك تزايد مطرد في شكاوي المواطنين من سوء الخدمات، ومن تقصير الأداء الحكومي، وذلك في كافة المناطق، وإن كان ظهر بشكل أكبر في جدة بسبب مآسي السيول. ولكن مع كل ذلك لم يصل حدد المحرومين إلى الحد الذي يتحول معه إلى ظاهرة في الشارع، كما إن نوع القضايا التي يشتكي منها غير المحرومين ليست من النوع التي تدفع الناس نحو الخروج. 

الكل يريد إصلاحاً، والكل يريد حلاً. وعادة تنقسم الأصوات إلى تلك الفئة التي تريد الإصلاح العام لأجل الصالح العام. هذه الفئة قد تتكون من طبقات اقتصادية مرفهة أو متوسطة الدخل، ويجمعها أنها كلها تطالب بالإصلاح، ليس لأن وضعها الخاص متأثر، وإنما لأنها تريد صلاح البلاد. وهؤلاء قلة في كل مكان وفي السعودية أقل. 
وهناك فئة أخرى ترى في المطالبة فرصة لتحقيق مكاسب سياسية مختلفة لها أو لحلفائها. هذه الفئة توجد في كل مكان، وفي السعودية أكثر، لأن البنية السياسية والاقتصادية تكافئ مثل هذا التصرف. الفئة الثالثة، وهي الأغلب تتشكل من الشريحة المدفوعة بالحرمان النسبي. وهؤلاء فيهم المرفهون وغيرهم، وحرمانهم نسبي بمعنى أن لديهم الكثير من مقومات الحياة الفردية المتوسطة أو الأعلى من ذلك، ولكن محرومون من حقوق أساسية، مثل حقوق حرية التعبير أو حرية اختيار نمط الحياة، أو محرومون من حقوق سياسية، مثل حق المشاركة في إدارة شؤون الدولة من خلال النظام الانتخابي العام. 

وربما يجد الفرد نفسه منتمياً لكل فئة في أكثر من وقت. في بعض القضايا ينحاز إلى الأولى وفي أخرى إلى الثانية أو الثالثة. ولذلك، فإن المطالبة بحل أمور الفساد يمكن أن تصدر عن أي من هذه الدوافع. 
الذي يندفع في مواجهة الحكومة وتحمل الأذى إنما هم الفئة الأولى والثانية. الأولى يحركها التعاطف الشديد والمثالية الأخلاقية العالية. والثانية يدفعها الطموح السياسي والوصولية العالية. ولكن في السعودية، كما في غيرها، فإن هؤلاء قلة قليلة، ولا يمكنهم تحقيق شيء ما لم توجد لديهم قاعدة شعبية محرومة معيشياً. قاعدة يعملون على تهييجها وتحويل حرمانها إلى وقود معارضة. ولأنه لا توجد مثل هذه القاعدة في السعودية فلا يتوقع أن يحققوا شيئاً. 

وأما الفئة الثالثة من المطالبين، فهي لا تعرض نفسها للأذى من أجل تلك الحقوق. تكتفي بالمطالبة والمعارضة الشفهية والآن المعارضة من خلال الفيس بوك ونحوه من أدوات الاتصال. 
من يتابع أخبار تونس ومصر قد يعترض ويقول إن الذين صنعوا التغيير في تلك البلاد تونس ومصر ليسوا من الطبقة المحرومة معيشياً. ولنتذكر أولا أن مستوى المعيشة للجامعيين في تلك الدول منخفض للغاية، والبطالة مرتفعة جداً، والفرص غير متاحة، والآفاق مسدودة بالنسبة للكثير منهم. الأهم من هذا أنه لولا عدد المسحوقين معيشياً والمقهورين سياسيا في مصر وتونس وغيرهما لما أمكن للطبقة فوق المتوسطة أن تعمل شيئاً. إن حضور هذه الأخيرة في الشارع يعتمد على حضور المحرومين والمقهورين. ولكن متى خرج الناس إلى الشارع وبدأت المواجهة مع الدولة، فإن حاجز الخوف ينكسر لكثير من الناس، ومعادلات الحضور بين المعارضين تتغير، بل يصبح الحضور بين تلك الجماهير جزء مهم من كينونة الشخص وشعوره بذاته، هذا فضلا عن الانتهازيين. 

إذا نحن في أمان من انفجار سببه الحرمان المعيشي، ولكن هذا الآمان يجب أن لا يذهلنا عن مشكلة أخرى قد تكون بقدر خطورة التحديات المعيشية، وهي فقدان الثقة والأمل في الدولة. اسأل مائة شخص عن الأداء الحكومي أو عن الثقة بالدولة أو عن الهوية الوطنية وانظر كم منهم سيردد كلمات العجز والفساد، عجز الحكومة في أداء واجباتها المختلفة على مستوى التعليم والصحة والمرافق والبنى التحتية، وفساد يرافق العجز مستفيداً منه بل وعاملاً على استمراره. هذان الانطباعان (عجز ـ فساد) يتم تغذيتهما وتعميمهما من خلال الشبكات الاجتماعية التي تضخم الأمر تارة وتنقله بدقة تارة أخرى ولكنها دوماً تعمق حضورهما. صحيح أن هذا لا يتحول ولن يتحول الآن إلى حالة حراك في الشارع، وسيبقى التعبير عن هذا السخط محصورا على لقاء شخصي أو ندوة أو موقع انترنت. بل الساخط نفسه متى ما عاد إلى همومه اليومية نسي كل مطالبه وترك سخطه وراءه وتابع أمور معيشته. 

وهذه الانطباعات لن تتحول إلى حركة في الشارع، ولكنها تولد شعوراً عميقاً جداً بعدم الأمان من المستقبل. فيصبح معنا ثلاثة انطباعات (عجز-فساد-عدم آمان). وهذه الثلاثة تغذي بعضها البعض. 
العجز والفساد يولدان عدم آمان، وعدم الأمان بدوره يدفع الإنسان نحو الاستفادة من فرص الفساد، واستغلال عجز الدولة في حلقة متواصلة وشرسة. فقد أكون ساخطاً على الفساد إلا أن خوفي من المستقبل، وشعوري بضيق الفرص، وعدم ثقتي بالدولة، يخلق حافزاً عالياً للاستفادة من أي فرصة ولو على حساب المبادئ التي أنافح عنها في المجالس وفي الانترنت. 
ولكن الأمر لا يقف هنا بل يطال الهوية الوطنية نفسها. فالمقوم الأساسي للهوية الوطنية تفاعل الدولة مع المواطنين. وطبيعة تفاعل الدولة مع المواطنين سيحدد طبيعة ودرجة تماسك الهوية الوطنية. 
فبقدر فاعلية الدولة مع مواطنيها بقدر ما تتأسس هوية وطنية قوية وراسخة ومتماسكة، بقدر ما يشعر المواطن أن دولته تقدم له حاجاته بالقدر التي تستطيع، وبقدر ما يطمئن من أن الدولة تضع كل المواطنين على قدر واحد، بقدر ما ينتمي إليها وبقدر ما ينتمي إلى مواطني الدولة. 
ولكن المواطن الذي يشعر أن دولته تقصر، أو أنها تفضل أفراداً على آخرين لن ينتمي إليها بعمق، ولن ينتمي إلى المواطنين الذي سيشعر أنهم أكلوا حقه أو هضموا فرصته. 
في السعودية التحدي الكبير أمام الدولة ليس فقط توفير الخدمات، وإنما كسر تلك الحلقة الشرسة (فساد-عجز-عدم آمان). لذلك ليس الأمر مرهونا فقط بالحزم أو بالإرادة القوية أو حتى النية الحسنة. اليوم صارت المشكلة في أن الانطباعات صارت جزءا أساسيا ومقوماً للفساد. 
وهذه الانطباعات يمكن معالجتها، ولكنها تحتاج إلى مواقف من نوع خاص، وهي المواقف الرمزية. هذا النوع من المواقف قد لا يكون في الظاهر عملياً، ولكنها مؤثرة للغاية على نفوس الأفراد. 
على سبيل المثال تعيينات وزارية مفاجئة، أو تغييرات إدارية صادمة، أو إنشاء وزارات أو مؤسسات نوعية لا يتوقعها أحد، ولكن يطلبها كل أحد. مثل هذه يهز عنصر عدم الأمان ويعيد بعض الثقة، وبالتالي يضعف تلك الحلقة الشرسة، ثم يجب أن يتبع ذلك فعل وحزم، وإلا عدنا إلى نقطة الصفر بل ما هو أدنى من الصفر. السعودية لم تتعرض لما تعرض غيرها من الدول، وهذا يعطينا فسحة لاتخاذ خطوات جادة وحازمة، فسحة في وقت هو ضائع أصلاً. 

هناك تعليق واحد:

  1. توقيع : سلوان عبدالرحمن

    أول جملة خطرت لي بعد الانتهاء من قراءة المقال: ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان,
    سأركز على وضع أهلنا في الخليج, على فرض ان جميع السكان يعيشون في رفاهية وأوضاع اقتصادية مريحة, هل هذا يكفي؟؟!!!
    وهل الثورة يجب أن تحدث فقط عند تردي الأوضاع الاقتصادية, رغم أن الأوضاع الاقتصادية عامل مهم, لكنه ليس وحيد!!!
    ماذا عن تطوير المجتمع, عن القوانين الاجتماعية التي ترفع معنويات أفراد المجتمع, وتحميهم في أوقات الأزمات؟؟ّّ
    ماذا عن الانتاج القومي من الصناعة والثقافة ومجالات الحياة الأخرى, وماتصدره أي دولة للعالم,
    ماذا عن الابداع؟؟!!!
    للأسف مجرد مجتمعات مستهلِكة, نصرف المليارات على المواد الاستهلاكية, في حين بالإمكان صرف هذه المبالغ لإقامة البنى التحتية, لحل مشكلة البطالة المتفشية !!!
    أين هي الولة المدنية؟؟ والدولة المدنية, كما أفهمها, تختلف عن الدولة العلمانية, الدولة المدنية هي دولة المؤسسات, المؤسسات التي ترعي شؤون المواطن وتعمل على خدمته وتقديم الأفضل, تلك المؤسسات التي لا ترتبط بشخص ولا حزب ولا جماعة,
    دولة كليبيا ( أعلم أنها ليست خليجية), تعتبر دولة كثيرة الثروات, وقليلة السكان, في خلال ثلاثة أيام أو أربعة, انهارت منظومة الخدمات الاجتماعية , وبدأت تستغيث,
    للأسف جميع دول الخليج, ترزخ تحت نظام حكم الرجل الواحد, أو العائلة الواحدة!! فإذا تزعزع هذا الركن تزعزع المجتمع بأسره,
    سؤال أرجو الإجابة عنه, حتى لو أخذ جميع المواطنين حقوقهم المالية من الدولة, فهل الفائض يجب أن يستحوذ عليه الحاكم, وأنا على ثقة أن هناك فائض, وفائض كبير؟؟؟
    وسؤال آخر لا يقل أهمية, هل هناك آليات عملية, لمعرفة ما يقتطعه الحاكم من أموال الدولة, بمعنى آخر هل يُسأل الحاكم من أين لك هذا ؟؟؟
    للأسف الدول الخليجية والعربية بشكل عام تقبع في ذيل قائمة الشفافية العالمية!!!
    حقيقة أن السلطة تعني القوة وتعني المال, وهذا محل فتنة وإغراء عظيمين, تزيغ معهما القلوب والأبصار, ولكن إذا ما عرف الحاكم أن هناك من يحاسبه وأن هناك من يسأله, فسيرتدع ويخاف, وإلا نهب وسرق دون حسيب أو رقيب!!!
    سأضرب مثالا من الدولة التي أعيش فيها, وهي بالمناسبة دولة احتلال:
    كل 4 سنوات يغيرون, رمطكال, والرمطكال, هو رئيس أركان الجيش, قبل انتهاء فترة رئيس الأركان, يكون هناك مرشحين للمنصب, ويكونون من أصحاب المناصب الرفيعة في الجيش, إنتهت مدة رئيس الأركان قبل أسابيع, المرشح الأقوى رغم صلاحيته التامة للمنصب, لكنه لم ينصّب, لأنهم وجدوا أنه حصل على قطعة أرض عامة بصورة غير واضحة, مع أنه لم تثبت عليه أي مخالفة قانونية,
    أي مسؤول أو وزير يكون تحت المجهر, من الشعب ومن الصحافة, وأي سلوك أو تصرف يعرف أنه سيدفع ثمنه من منصبه!!!
    جانب آخر أعتبره مشرقا,
    معروف أن الدول العربية والخليجية بشكل خاص, دول غنية بالموارد, سواءا كانت بشرية أو ثروات,
    الثروات معروفة, وهي من أغنى مناطق العالم على الإطلاق!!
    الموارد البشرية, فئة الشباب, ويشكلون ما معدله 60 % من الأمة,
    النتيجة: امكانيات مالية+ إمكانيات بشرية= تنمية وتقدم وتطور,
    لكن للأسف النتيجة عكسية تماما, والسبب في ذلك الأنظمة المزمنة التي تقبع على القلوب, وتؤدي إلى نتيجة حتمية هي إحباط الشعوب,

    اقتباس:
    فبقدر فاعلية الدولة مع مواطنيها بقدر ما تتأسس هوية وطنية قوية وراسخة ومتماسكة، بقدر ما يشعر المواطن أن دولته تقدم له حاجاته بالقدر التي تستطيع، وبقدر ما يطمئن من أن الدولة تضع كل المواطنين على قدر واحد، بقدر ما ينتمي إليها وبقدر ما ينتمي إلى مواطني الدولة.

    يجب تغيير الأنظمة, وليس إصلاحها, فالأمراض المزمنة, من الصعب الاستبراء منها, وإن كان البعض من أهلنا في الخليج, يريدون بقاء العائلات الحاكمة أو المالكة, فليبقوا ولكن بشكل رمزي, وليس للتشريع والتنفيذ.
    سأضرب مثالا آخر من الدولة التي أعيش, للأسف
    قبل أيام حدث زلزال في نيوزلند, اختفى على أثره ثلاثة إسرائليين, خلال ساعات محدودة, كانت 8 فرق إنقاذ قد وصلت نيوزلند للبحث عن مواطينيهم, وهم بالمناسبة ليسوا عسكريين بل مدنيين,
    وفي اليوم التالي للزلزال, إستقبل رئيس الوزراء عائلات المفقودين, واتصل بنظيره النيوزلندي في وجود العائلات,
    رئيس الوزراء يعلم تماما أنه إن لم يقف هذا الموقف, ستهاجمه الصحافة, وستكون نقطة سوداء ,يحاسب عليها في صناديق الاقتراع!!
    أعترف بذلك وأنا حزينة جدا, فهل العربي يحس أن دولته تقف من ورائه تسنده وتدعمه وتسأل عنه , وتجند جميع طاقات الدولة لخدمته,
    أجيب وكلي حزن, للأسف, لا
    عذرا على الإطالة

    ردحذف