السبت، 18 ديسمبر 2010

الغزالي.. مُؤسّس جيل صلاح الدين


الغزالي.. مُؤسّس جيل صلاح الدين..
________________________

توقيع : يافا قاسم

ملاحظة:: الموضوع منقول، ويلخص خطوط عريضة لكتاب "هكذا ظهر جيل صلاح الدين، وهكذا عادت القدس"..
وبرأيي الشخصي هناك الكثير من نقاط التقاطع بين ما نحتاج محاربته اليوم، وبين ما حاربه الغزالي في ذلك الزمان..
* موضوع طويل بعض الشيء لكن يستحق القراءة !

كُتب تاريخ الفترة ما بين بداية الحملات الصليبية وظهور جيل صلاح الدين إمَّا من منظور فردي يدور حول شخصيَّة البطل “كصلاح الدين”, مما أدى إلى ظهور نزعة فرديَّة لدى البعض واستسلام بقيَّة الأمَّة وانتظارها له, وإمَّا من منظور سرد الأحداث بشكلٍ مكدَّس لا فائدة منه في استخلاص العبر والقوانين التي تحكم انتصارات وهزائم الشعوب, وفي كتاب ”هكذا ظهر جيل صلاح الدين” الذي كُتب بمنظور فلسفة التاريخ, يستعرض المؤلف الأمراض التي أصابت الأمَّة بالضَّعف, وأعراضها الخارجيَّة وتأثيراتها, وهي مشابهة إلى حدٍ كبير لواقعنا الحالي, وهنا يظهر بوضوح أهمّية معالجة الأمراض بدلاً من الانشغال بمعالجة أعراضها بلا فائدة.

- المذهبيَّة:

وتأتي المذهبيَّة كأوَّل الأمراض التي أصابت الأمة بالضَّعف, فبرغم أنَّ كل مذهب أسهم في المحافظة على الدين والفكر الإسلامي ضد التَّيارات المُنحرفة إلا أنَّ الانقسام والمذهبية بدآ في التغلل شيئًا فشيئًا مما أدى إلى “الإرهاب الفكري”؛ فالفقيه التابع للمذهب لا يستطيع إضافة الجديد أو الاستفادة من المذاهب الأخرى إلى جانب الانقطاع عن النَّهل من نبعِ القرآن, والسنة مباشرة, والاعتماد على أقوال فُقهاء وأئمَّة المذهب, ممَّا أدى إلى جمود فكري أدى إلى غلق باب الاجتهاد.

ومن الأعراض الناتجة عن المذهبيَّة أيضًا “الضَّعف, والانشغال بالاختلافات الفرعيَّة, وهوامش الفقه بدلاً من التَّركيز على مشاكل الأمَّة الرئيسيَّة, واقتصار الفقه على فقه العبادات والمعاملات, وانتشار البَغْضَاء وأحداث العُنف بين أتباع المذاهب المختلفة, كما أصبح الغَرَض من تعلّم الفقه هو نيل المناصب والمكاسب الدنيويَّة.

- انتشار الصوفيَّة المُنحرفة:

ويعدّ انتشار أشكال منحرفة من الصوفيَّة البعيدة عن مبادئ الشرع أحد أسباب الضَّعف, فبعد أنْ كانَ الهَدَف الرئيسي للصوفيَّة “تزْكيَة الأخلاق والنفس وفقًا لمبادئ الشرع”, انحرفت على مرّ الأجيال عن مقصدها الطبيعي, فصارت منعزلة عن الدنيا للنجاة في الآخرة ومنافية للشريعة.

ونتيجة للأمراض السَّابقة ظهرت الفرق الباطنيَّة وانتشرت مذاهب الفلسفة التي تتحدى العقيدة, وغالبًا ما ارتبطت بأهداف سياسيَّة ساعية لإعادة الأرستقراطيات التي هزمها الفتح الإسلامي, وقد كان لتلك الأمراض تأثير على مختلف النواحي, – وما أشبه اليوم بالبارحة ! – ففي الناحية الاقتصاديَّة انتشر الغلاء والجوع والأوبئة بين عامة الناس في حين استأثرت فئة السلطة بالثروات وانتشر بينهم التَّرَف الفاحش, وفي النَّاحية الاجتماعيَّة انتشر الفساد, والفواحش, وانحدرت الأخلاق بين الناس, وفي النَّاحية السياسيَّة انقسم العالم الإسلامي إلى دُويلات صغيرة يُحارب بعضها بعضًا, ويستعين بعضها بالصليبيين ضد محاولات الإصلاح.


كان من محاولات الإصلاح التي ظهرت في هذا الوقت:
أولاً: تمثَّلَت المحاولة السياسيَّة في اتّحاد الحكّام السّلاجقة مع الأشاعرة في نشر الفكر والمؤسّسات التعليميَّة, وكان الهدف الأساسي هو مواجهة الخطر الشيعي الفاطمي, لذا ما أن انتهى هذا الخطر حتى عادت الصّراعات الشخصيَّة على السّلطة وتقرّب العُلماء من الحكّام لتحقيق المنافع الشخصيَّة.

ثانيًا: أمَّا أصحاب النَّوايا المُخلصة فمنهم من آثَرَ الانعزال والسلبيَّة ومنهم من طبَّقَ مبدأ الانسحاب لمراجعة المنهج ثمَّ العودة. وكان منهم أبو حامد الغزالي, حيث طبَّقَ مبدأ الانسحاب أولاً لمراجعة الفكر والمنهج السائدين في عصره, وتنقيته من الشّوائب التي أفرزتها المذاهب, والأخذ من القرآن والسنة مباشرة دون وسيط, ثمَّ عاد الغزالي ليؤسس مدرسة فكرية للإسلام الصَّحيح ومعالجة أمراض الأمة وإحياء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإخراج جيل جديد من المربين والعلماء لنشر الإسلام.

وقد كان من خصائص منهج الغزالي في مدرسته الفكريَّة:
- محاربة العلماء الساعين لمنفعتهم الشخصيَّة عبر التقرّب للحكام ومهادنتهم لظلمهم, فالأصل في ديننا أنَّ السياسة تدور في فلك الشريعة لا العكس.

- معالجة التدين السطحي.

- محاربة الماديَّة الجارفة.

- محاربة تيَّارات الفِكر المُنحرفة اعتمادًا على الأسلوب العلمي دون سباب.

- الدعوة للعدالة الاجتماعيَّة وتصحيح مفهوم “القضاء والقدر السلبي”.

إلا أنَّ الغزالي لم يتناول موضوع جهاد الصليبيين لأنه كان يري أنَّ أولى خطوات الجهاد هي تربيَّة النَّاس, وإلا كان الأمر كاستنفار الأموات من القبور.

وقد انتشرت مدرسة الغزالي وتَتَلْمَذَ على يديه الكثير, وعلى رأسهم عبد القادر الجيلاني الذي أسَّسَ المدرسة القادريَّة, وكان لها إسهامات جليلة ظهرت آثارها في جيل عماد الدين زنكي, كما ظهرت آثارها على نساء ذلك العصر, حيث شاركن في التدريس, وأنفقن الأموال الكثيرة لبناء الأوقاف, و تحسين الأحوال الاجتماعيَّة, وبناء المدارس التي كانت مناراتٍ للفكرِ في ذاكَ الوقت.

بناء أمَّة المهجر وبداية الجهاد والتحرير:

بدأت تلك المحاولات في عهد عماد الدين زنكي, وقد حاول بداية حلّ مشكلات الخلافة لكنه اصطدم بها وفشلت المحاولة, لذا أدار ظهره لتلك المشكلات وقرَّرَ أنْ يتّخذ من “حَلَب” مركزًا يتوسّع منه لبناء دولة إسلاميَّة قويَّة.

توّسعت الدولة الزنكيّة فاتّحدت مع دمشق وتم تصفية الجيوب الصليبيَّة بين الشام ومصر, وإرسال العلماء لتهيئة الجو العام, حتى استطاعت الدولة الزنكيَّة أنْ تستولي على حكم مصر, وبذلك تمَّ توحيد مصر والشام وبدأ التفرّغ والاستعداد لجهاد الصليبيين, وتحرير القدس وسائر المدن من أيدي الصليبيين.

أكمل المهمَّة من بعده نور الدين محمود وصلاح الدين وقاموا بإصلاحات سياسيَّة واقتصاديَّة وعسكريَّة.

تقويم المدرسة:
برغم آثار المدرسة التي ظهرت في جيل صلاح الدين, وأدَّت إلى تحرير القدس, إلا أنها لم تمتد إلى الأجيال التَّاليَة, وانتهت المدارس الفكرية إلى مدارس صوفيَّة تُخرج ما يشبه الدَّراويش المَعزولين عن الحياة, المؤمنين بالخُرافات, و يرجع ذلك إلى:

- نَقص الفقه الحركي “أي الإخلاص دون الصواب”, وبذلك اعتمدت المدارس على المهارات الشخصيَّة لإنزال أفكارها إلى الواقع, وأغفلت الفقه الإداري, والفقه السياسي.

- عودة قِيَم العصبيَّات إلى جانب توريث الحكم لغير المؤهلين اعتمادًا على الوراثة فقط.

- سياسات السلطة المُجحفة بالشعب أدَّت إلى الاتجاه للصوفيَّة المُنحرفة, واعتزال الدنيا, وكان ذلك بمثابة الانتحار الجماعي للشعب.

القوانين المستخلصة:
- أهميَّة صحة الأفكار, وأهمية دوران الأشياء والأشخاص في فلك الأفكار لا العكس.

- مُراجعة الموروثات الثقافيَّة التي تؤدّي للفشل المتكرر و تصحيحها.

- في أوقات الفشل والنجاح تتشابه مستويات الأداء, ففي أوقات الازدهار يسود النَّجاح المؤسسات الاقتصاديَّة, والسياسيَّة, والاجتماعيَّة, والعلميَّة, والعكس صحيح.

- مُراعاة سنَّة التدرّج والبدء بالأهمِّ فالمهم, لضمان أساس متين للنهضة.

- لنجاح الأفكار لابد من مؤسسات فكريَّة وتربويَّة تؤصّل في المجتمع فكرة “الإخلاص والصواب”, فإذا طُبّقت الأفكار بإخلاص دون صواب, صار الأمر عَبَثًا.

- مُراعاة قَوانين الأمن الجُغرافي, فهناك حواضر مثل مكة حاضرة الهداية, وهناك ثُغور مثل الشَّام لا بد من حمايتها.

- أهميَّة الجمع بين “أولي الألباب”, والإرادة, والتقوى لإخراج الفرد “العاقل النَّاسك”, فكلا الصِّفَتَين بحاجة للأخرى وإلا صارت بلا فائدة لنهضة الأمَّة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق