كاتب الموضوع : لمى خاطر
تابعت بإشفاق تصريحات قيادي فلسطيني في فصيل يساري على فضائية الجزيرة معقباً على ما استجد من وثائق ويكيليكس والمتعلقة بطلب أجهزة أمن فتح في غزة قبل الحسم العون والمساعدة من (إسرائيل) للقضاء على حماس، وما يخص تفاصيل مشروع التنسيق الأمني في الضفة بين أجهزة السلطة والشين بيت، ويبدو أن الخشية من انقطاع مخصصات (منظمة التحرير) عن فصيله بعد أن تم قطع مخصصات الجبهة الشعبية دفعت الرجل للوقوف مدافعاً عن مواقف فتح الأمنية وتبرير انحرافها الخطير بأنه مجرد حوادث فردية!
بات واضحاً اليوم أن كل هؤلاء الذين يخفون عجزهم وورعهم الوطني البارد خلف ستار الانقسام وإنكار حادثة حسم غزة لا يريدون أن يتفحصوا ظروف تلك المرحلة وملابساتها الحقيقية التي ما كان ممكناً أن تفضي إلا إلى إقصاء الفريق المدعوم من الاحتلال عن واجهة المشهد الغزي، وهذا الفريق لن تصعق ذاكرته أشد الحقائق وأمرّها، لسبب بسيط وهو أنه يعتاش على معزوفة الانقسام النشاز، وبدونها فإن خطابه السياسي سيغدو فارغاً وبالياً، لأنه لا يحمل أي سمة للتميز والبروز إلا بما يكرره من عبارات جوفاء حول (خطيئة) الانقسام وآثاره (المدمرة) على القضية، الأمر الذي يبقي هذا الفريق على صلة بحلم بعيد المنال بأن يشكل يوماً ما البديل الوطني للخصمين المتنازعين على الساحة.
كنت أرى على الدوام أن تجربة الحسم في غزة وكل متعلقاتها بحاجة لوقفة حيادية وموضوعية منزهة عن الهوى الحزبي والكيد الشخصي، وذلك بهدف فهم أبعادها والتعمق في مغزى التحولات السابقة لها والمفضية إليها، ولا أعتقد أننا كنا بحاجة لوثيقة ويكيليكس الأخيرة لنفهم طبيعة الاصطفافات في المشهد الفلسطيني، وكيف أنه صار أمراً واقعاً أن يتجند فريق فلسطيني إلى جانب عدوه في مواجهة الفريق المقاوم، وكل ذلك في سبيل الإبقاء على مقوم وجوده الوحيد وهو السلطة، كما لم نكن بحاجة لأن نقرأ ونسمع كل يوم المزيد من انكشافات البشاعة لمشروع التنسيق الأمني في الضفة والتي استعرت منذ صيف عام 2007 تحت ذريعة منع حماس من تكرار تجربة الحسم في الضفة.
عندما استدعيتُ للاستجواب لدى جهاز مخابرات فتح قبل نحو عام، ناقشني المحقق يومها في موضوع الحسم في غزة أو (الانقلاب) على حد تعبيره، فقلت له: إن حسم الخلافات الداخلية بقوة السلاح لا تقره مبادئ حماس ذات المرجعية الإخوانية، وأنتم كفتحاويين كان لزاماً عليكم أن تبحثوا في الأسباب التي أدت بحماس لأن تضطر لهذه الخطوة، وكيف أن تيار دحلان في غزة كان قد سيطر على فتح برمتها وجندها لمعاداة حماس ومحاولة اجتثاثها بمساعدة إسرائيلية وأمريكية، وبطبيعة الحال لم يقتنع المحقق يومها بهذا الكلام وعدّه مجرد فرضية في أحسن الأحوال، وهذا أمر طبيعي كون حادثة الحسم ظلت الهاجس المفتعل الذي يعتبر بمثابة وقود إدامة الحرب على حماس في الضفة.
ولكن كيف يمكن اليوم فهم استمرار فتح في التغذي على الإفرازات المعنوية لحادثة الحسم والتظلل برايتها وهي تسعر هجمتها على حماس؟ ليس فقط بعد انكشاف حقيقة أن حماس في غزة كانت تواجه تياراً متصهيناً كان مكلفاً بكسر شوكتها هناك، بل كذلك في ضوء خلاف فتح الأخير مع دحلان واستهداف الموالين له؟! (فالدحلانيون) أصبحوا اليوم ملاحقين في الضفة وكذلك في الخارج، والرجل الذي فُرض على الحركة ولجنتها المركزية وكان على الدوام محور الفتنة والانقلابات، ابتداء بمحاولة انقلابه على عرفات وليس انتهاءً بخلافه مع القيادة الرسمية للحركة، هذا الرجل وتياره كانا عنوان خلاف حماس مع فتح فيما مضى، وحين كانت حماس تؤكد دائماً أنها لا تخاصم فتح بكليتها وإنما تواجه تياراً فيها، وقبل أن تختار فتح الاصطفاف المطلق خلف الظاهرة الدحلانية وتعلن عداءها الأبديّ لحماس!
الآن وقد أصبح الرجل يقف في موضع العداء من قيادة فتح الرسمية، ألم تفكّر الحركة في أن إعادة تأصيل مواقفها الداخلية باتت أمراً ملحّا؟ وأن استمرار حربها على حماس الضفة قد فقدت مبرراتها بعد انكشاف الغطاء (لها على الأقل) عن عنصر الأزمة الحقيقي كشخص وتيار لم يكن يجد ضيراً في التموّل والتسلح من عدوه لمواجهة حماس والقضاء على جناحها العسكري؟!
تلك أسئلة بريئة بطبيعة الحال وقريبة إلى الساذجة، وذلك لأنها تفترض أولاً أن قيادة فتح كانت مضللة بالفعل في انقيادها خلف خيار مواجهة حماس، وأن عداءها المعنوي للحركة ليس سمة أصيلة لديها بدأت منذ ما قبل تبلور حماس كقوة صاعدة على الساحة، ثم لأنها تفترض أن فتح اليوم تستهدف حماس فقط لخشيتها من تكرار تجربة الحسم، وأن الخلاف الأخير بين عباس ودحلان هو خلاف وطني وليس خلاف مصالح وامتيازات واعتبارات شخصية!
أما الأسئلة المباشرة المعبرة عن واقع الحال فهي تلك التي تنطق بها حقيقة المشهد في مسالخ الجنيد وأريحا وبيتونيا، وهي التي بُحّت حناجر المقاومة ورجالها من طول تردادها، وتلك التي تؤصل لطبيعة التحوّل في مسار فتح ومبرراته غير المنطقية، حتى لو أنكر ذلك المنتفعون والمنافقون، وذوو المشاعر الوطنية المدّعاة، والغيرة الزائفة على مصالح الشعب العليا!
حادثة الحسم في عيون ويكيليكس!
تابعت بإشفاق تصريحات قيادي فلسطيني في فصيل يساري على فضائية الجزيرة معقباً على ما استجد من وثائق ويكيليكس والمتعلقة بطلب أجهزة أمن فتح في غزة قبل الحسم العون والمساعدة من (إسرائيل) للقضاء على حماس، وما يخص تفاصيل مشروع التنسيق الأمني في الضفة بين أجهزة السلطة والشين بيت، ويبدو أن الخشية من انقطاع مخصصات (منظمة التحرير) عن فصيله بعد أن تم قطع مخصصات الجبهة الشعبية دفعت الرجل للوقوف مدافعاً عن مواقف فتح الأمنية وتبرير انحرافها الخطير بأنه مجرد حوادث فردية!
بات واضحاً اليوم أن كل هؤلاء الذين يخفون عجزهم وورعهم الوطني البارد خلف ستار الانقسام وإنكار حادثة حسم غزة لا يريدون أن يتفحصوا ظروف تلك المرحلة وملابساتها الحقيقية التي ما كان ممكناً أن تفضي إلا إلى إقصاء الفريق المدعوم من الاحتلال عن واجهة المشهد الغزي، وهذا الفريق لن تصعق ذاكرته أشد الحقائق وأمرّها، لسبب بسيط وهو أنه يعتاش على معزوفة الانقسام النشاز، وبدونها فإن خطابه السياسي سيغدو فارغاً وبالياً، لأنه لا يحمل أي سمة للتميز والبروز إلا بما يكرره من عبارات جوفاء حول (خطيئة) الانقسام وآثاره (المدمرة) على القضية، الأمر الذي يبقي هذا الفريق على صلة بحلم بعيد المنال بأن يشكل يوماً ما البديل الوطني للخصمين المتنازعين على الساحة.
كنت أرى على الدوام أن تجربة الحسم في غزة وكل متعلقاتها بحاجة لوقفة حيادية وموضوعية منزهة عن الهوى الحزبي والكيد الشخصي، وذلك بهدف فهم أبعادها والتعمق في مغزى التحولات السابقة لها والمفضية إليها، ولا أعتقد أننا كنا بحاجة لوثيقة ويكيليكس الأخيرة لنفهم طبيعة الاصطفافات في المشهد الفلسطيني، وكيف أنه صار أمراً واقعاً أن يتجند فريق فلسطيني إلى جانب عدوه في مواجهة الفريق المقاوم، وكل ذلك في سبيل الإبقاء على مقوم وجوده الوحيد وهو السلطة، كما لم نكن بحاجة لأن نقرأ ونسمع كل يوم المزيد من انكشافات البشاعة لمشروع التنسيق الأمني في الضفة والتي استعرت منذ صيف عام 2007 تحت ذريعة منع حماس من تكرار تجربة الحسم في الضفة.
عندما استدعيتُ للاستجواب لدى جهاز مخابرات فتح قبل نحو عام، ناقشني المحقق يومها في موضوع الحسم في غزة أو (الانقلاب) على حد تعبيره، فقلت له: إن حسم الخلافات الداخلية بقوة السلاح لا تقره مبادئ حماس ذات المرجعية الإخوانية، وأنتم كفتحاويين كان لزاماً عليكم أن تبحثوا في الأسباب التي أدت بحماس لأن تضطر لهذه الخطوة، وكيف أن تيار دحلان في غزة كان قد سيطر على فتح برمتها وجندها لمعاداة حماس ومحاولة اجتثاثها بمساعدة إسرائيلية وأمريكية، وبطبيعة الحال لم يقتنع المحقق يومها بهذا الكلام وعدّه مجرد فرضية في أحسن الأحوال، وهذا أمر طبيعي كون حادثة الحسم ظلت الهاجس المفتعل الذي يعتبر بمثابة وقود إدامة الحرب على حماس في الضفة.
ولكن كيف يمكن اليوم فهم استمرار فتح في التغذي على الإفرازات المعنوية لحادثة الحسم والتظلل برايتها وهي تسعر هجمتها على حماس؟ ليس فقط بعد انكشاف حقيقة أن حماس في غزة كانت تواجه تياراً متصهيناً كان مكلفاً بكسر شوكتها هناك، بل كذلك في ضوء خلاف فتح الأخير مع دحلان واستهداف الموالين له؟! (فالدحلانيون) أصبحوا اليوم ملاحقين في الضفة وكذلك في الخارج، والرجل الذي فُرض على الحركة ولجنتها المركزية وكان على الدوام محور الفتنة والانقلابات، ابتداء بمحاولة انقلابه على عرفات وليس انتهاءً بخلافه مع القيادة الرسمية للحركة، هذا الرجل وتياره كانا عنوان خلاف حماس مع فتح فيما مضى، وحين كانت حماس تؤكد دائماً أنها لا تخاصم فتح بكليتها وإنما تواجه تياراً فيها، وقبل أن تختار فتح الاصطفاف المطلق خلف الظاهرة الدحلانية وتعلن عداءها الأبديّ لحماس!
الآن وقد أصبح الرجل يقف في موضع العداء من قيادة فتح الرسمية، ألم تفكّر الحركة في أن إعادة تأصيل مواقفها الداخلية باتت أمراً ملحّا؟ وأن استمرار حربها على حماس الضفة قد فقدت مبرراتها بعد انكشاف الغطاء (لها على الأقل) عن عنصر الأزمة الحقيقي كشخص وتيار لم يكن يجد ضيراً في التموّل والتسلح من عدوه لمواجهة حماس والقضاء على جناحها العسكري؟!
تلك أسئلة بريئة بطبيعة الحال وقريبة إلى الساذجة، وذلك لأنها تفترض أولاً أن قيادة فتح كانت مضللة بالفعل في انقيادها خلف خيار مواجهة حماس، وأن عداءها المعنوي للحركة ليس سمة أصيلة لديها بدأت منذ ما قبل تبلور حماس كقوة صاعدة على الساحة، ثم لأنها تفترض أن فتح اليوم تستهدف حماس فقط لخشيتها من تكرار تجربة الحسم، وأن الخلاف الأخير بين عباس ودحلان هو خلاف وطني وليس خلاف مصالح وامتيازات واعتبارات شخصية!
أما الأسئلة المباشرة المعبرة عن واقع الحال فهي تلك التي تنطق بها حقيقة المشهد في مسالخ الجنيد وأريحا وبيتونيا، وهي التي بُحّت حناجر المقاومة ورجالها من طول تردادها، وتلك التي تؤصل لطبيعة التحوّل في مسار فتح ومبرراته غير المنطقية، حتى لو أنكر ذلك المنتفعون والمنافقون، وذوو المشاعر الوطنية المدّعاة، والغيرة الزائفة على مصالح الشعب العليا!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق